الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكالب الاستعماري على الجزائر *
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة:
لا تعجبوا من هذا التهافت الشنيع من فرنسا على الجزائر، ومن هذا التكالب الفظيع على بقاء سلطانها الممقوت فيها، وبقاء ظلها البغيض ممدودًا عليها، ولا تعجبوا من تخاذل حُججها ومنطقها في الميدان السياسي كلّما عرضت القضية الجزائرية. لا تعجبوا من هذا كله، فإن الاستعمار مرض عضال في أهله، لا يزال بهم حتى يقضي عليهم، ومن أعراض هذا المرض ما ترون وما تسمعون من هذيان ونباح. وإن هذا المرض لم يسلم منه ساسة الإنكليز مع وفور حظهم من اعتبار الواقع. ومن عقابيل هذا المرض فيهم ما ترونه من تخبّط في الأردن واليمن.
ولا تعجبوا من سقوط أمريكا حامية الاستعمار، ومن ممالأتها العالمية له حتى أصبحت شريكة في اجتراح كل ما أصاب الجزائريين من بلايا. لا تعجبوا فالاستعمار ملة واحدة، وكله رجس من عمل الشيطان وقد وَجَد في أمريكا رائده الأول هدفه، وهو الطمع والاستغلال والأنانية مجموعًا بعضها مع بعض، ولكن هذه الأقانيم الثلاثة وجدت في أمريكا على الطريقة اليهودية التي عنوانها:"غنم بلا غرم"، فما زالت بها سياسة الإنكليز تجرّها جرًّا في الحروب الأخيرة إلى أن أغرقتها فاضطرّ الأمريكان إلى تبديل ذلك العنوان من مقت وخسران.
لقد يئس الاستعمار من القارة الآسيوية حينما أفاقت من نومتها الطويلة على قعقعة الأحداث، بعد أن وجد فيها رجال استطاعوا أن يجعلوا من القوة المعنوية في شعوبهم أسلحة تفلّ الحديد وتطفئ النار، وأن يجعلوا من الفطام على الشهوات ما يقتل الشهوات في أوكارها.
* لعلّ هذه الكلمة أُلقيت في إحدى إذاعات القاهرة، وهي ضمن أوراقه.
يئس الاستعمار من آسيا ويئس شيطانه أن يعبد في أرضها فقنع منها بما دون ذلك، وهو بث البغضاء بين شعوبها، وإثارة الشقاق والنزاع بينهم على صغائِرَ هُنَّ من صنع يده، فكرَّ على إفريقيا ذات الشمس الضاحية، والسماء الصاحية، والقرب القريب من منابعه، والنفوس المتطوعة لتحريك أصابعه، ليتخذ من أهلها وقودًا بشر للحرب، ومن سوائلها المكنوزة وقودًا لآلاتها. وباب افريقيا ومدخلها الموطأ الأكناف بالنسبة إلى أوروبا وأمريكا معًا هو الجزائر، فمن هنا نشأ التهافت الذي نراه من فرنسا على هذه القطعة من إفريقيا، بحيث لو استطاعت أن تردم البحر المتوسط لتصبح الجزائر قطعة بر متصلة بفرنسا فتصحح دعواها فيها، فإذ لم تستطع، فلا أقل من أن تكون بوّابًا لهذا الباب، وحارسًا لهذا المدخل، لتنال من دهاقنة المال الأمريكيين والإنكليز أجر الحراسة على الأقل، وللأمريكيين حاسة سادسة للشم، ولكنها لا تشم إلّا رائحة الذهب والنفط، فهم يجرون مع كل خيال يخيل لهم وجود الذهب والزيت، والجزائر وصحراؤها غنيّة بهذين النوعين، فكيف لا تكون مهوى أفئدتهم، وكيف لا يسيل لعابهم إذا ذكروا أن الجزائر مفتاح إفريقيا كلها.
أما إخوانكم المجاهدون الجزائريون فقد عقدوا النية وصمّموا وعاهدوا الله على أن لا يكون للاستعمار من ظاهر أرضهم موضع بيت، ولا من باطنها دانق ذهب، ولا قطرة زيت.