المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتح العرب لأفريقيا الشمالية: - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٥

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌مقدمة

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌السياق التاريخي (1954 - 1965)

- ‌في مصر

- ‌نداء إلى الشعب الجزائري المجاهد: *

- ‌مبادئ الثورة في الجزائر

- ‌أوسع المعلومات عن بداية الثورة في الجزائر *

- ‌حول ثورة الجزائر والمغرب العربي *

- ‌إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر والمغرب العربي *

- ‌إلى القائدين عبد الناصر والسادات *

- ‌برقية إلى الملك سعود *

- ‌ميثاق جبهة تحرير الجزائر *

- ‌اللائحة الداخلية لجبهة تحرير الجزائر *

- ‌بيان من جبهة تحرير الجزائر

- ‌بيان من جبهة تحرير الجزائر *

- ‌كيف تنجح الثورة في الجزائر

- ‌التكالب الاستعماري على الجزائر *

- ‌موالاة المستعمر خروج عن الإسلام *

- ‌الإسلام في الجزائر *

- ‌الجزائر المجاهدة *

- ‌دور الدول الإسلاميةفي المؤتمر الأسيوي - الأفريقي *

- ‌عبرة من ذكرى بدر *

- ‌نفحات من ذكرى فتح مكة *

- ‌من وحي العيد *

- ‌شرعة الحرب في الإسلام *

- ‌الإستعمار والشيطان *

- ‌الاستعمار الفرنسي في الجزائر *

- ‌بين يدي الموضوع

- ‌فتح العرب لأفريقيا الشمالية:

- ‌حقبة المد والجزر للجزائر بين تونس ومراكش:

- ‌الدولة الرستمية:

- ‌الدولة الصنهاجية بجبل تيطري:

- ‌الدولة الفاطمية:

- ‌الدولة الزيانية بتلمسان:

- ‌الدولة التركية

- ‌الإحتلال الفرنسي

- ‌حرب السبعين وثورة المقراني:

- ‌ جمعية العلماء

- ‌عيد فرنسا المئوي لاحتلال الجزائر:

- ‌ظهور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:

- ‌مشكلة العروبة في الجزائر *

- ‌رسالة إلى المودودي

- ‌من أنا

- ‌مولدي:

- ‌نشأتي و‌‌تعلّمي:

- ‌تعلّمي:

- ‌رحلتي إلى الشرق:

- ‌انتقالي إلى دمشق:

- ‌رجوعي إلى الجزائر:

- ‌تأسيس جمعية العلماء الجزائريين:

- ‌عملي في الجمعية:

- ‌موقف الاستعمار منّي:

- ‌رحلتي إلى الشرق:

- ‌أولادي:

- ‌حالتي المادية:

- ‌في الذكرى الأولى للثورة الجزائرية *

- ‌في السعودية وباكستانوالعراق وسوريا

- ‌كامل كيلاني: باني الأجيال *

- ‌رسالة شكر لباكستان *

- ‌أسبوع الجزائر في العراق *

- ‌في مصر

- ‌الجزائر *

- ‌يوم الجزائر *

- ‌الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني *

- ‌الذكرى الثالثة لثورة نوفمبر *

- ‌الدين في شعر أحمد شوقي *

- ‌الدين في شعر شوقي

- ‌لغة الشاعر:

- ‌حرية الأديب وحمايتها *

- ‌ميلاد الجمهورية العربية المتحدة *

- ‌جهاد الجزائر وطغيان فرنسا *

- ‌رسالة إلى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌رسالة إلى الشيخ عمر بن حسن

- ‌أحمد شوقي *

- ‌الذكرى الرابعة لثورة الجزائر التحريرية *

- ‌الجزائر الثائرة *

- ‌فرنسا وثورة الجزائر *

- ‌صفحات مشرقة في تاريخ الثورات *

- ‌محمد العيد *

- ‌إلى مؤتمر التعريب بالرباط *

- ‌كلمة في تونس *

- ‌خلاصة تاريخ حياتي العلمية والعملية *

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الرابعة:

- ‌المرحلة الخامسة:

- ‌ضرورة الانتقال إلى التعليم الثانوي:

- ‌مالية جمعية العلماء:

- ‌أثر أعمالي وأعمال إخواني في الشعب:

- ‌مؤلفاتي:

- ‌خلاصة الخلاصة:

- ‌كلمة في مجمع اللغة العربية

- ‌رسالة إلى الأستاذ عبد الله كنون *

- ‌لقاء مع "مجلة الشبّان المسلمين

- ‌الشيخ الإبراهيمي يعلن:

- ‌خطبة الأستاذ الإمام الشيخمحمد البشير الإبراهيمي

- ‌توسيع لجنة الفتوى *

- ‌إجازة للأستاذ محمد الفاسي *

- ‌مقدمة كتاب «العقائد الإسلامية»للإمام عبد الحميد بن باديس *

- ‌بيان 16 أفريل 1964 *

الفصل: ‌فتح العرب لأفريقيا الشمالية:

أغرانا الغرب بنبذ الجنسيات واعتناق المبادئ في الوقت الذي يدين فيه هو بالجنسيات ويكفر بالمبادئ. فصهيون قائمة على العنصرية الإسرائيلية، والهتلرية بالأمس قائمة على العنصرية الجرمانية، وروسيا اليوم رغمًا عما تزعمه من النزعة العالمية قائمة على العنصرية السلافية، والانكليز على السكسونية، وأمريكا كشكول جمعته القوانين المصلحية والاجتماع المادي، وسيأتي يوم ينتشر فيه الحقد، فينتثر ذلك العقد.

وليس العرب دون هذه الأجناس استعدادًا ولا عددًا لو دانوا بهذه العقيدة، ودعوا إلى هذه الدعوة، وأنا بصفتي عالمًا مُسْلِمًا لا أقول بالعصبيات الجنسية، والوطنيات الضيّقة، وإنما أدعو إلى الوطنية الواسعة، والعقيدة الروحية الجامعة، فإذا تمّت ورسخت أصولها في النفوس فإنها لا تنافي التمسّك بالجنسيات من غير تعصّب، وذلك هو التحقيق لسنّة الله الذي جعل الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا.

أيها الشباب:

نقتصد في الوقت لنوفّر للموضوع المطلوب بعض حقّه وحقّكم فيه، ومن الخير- قبل مسّ صميمه- أن نعرّفكم بالجزائر منذ ظلّلها الإسلام برحمته، ونعرض عليكم- في إيجاز- التقلبات السياسية والاجتماعية التي عرضت لها من لدن الفتح، ونلمح إلى الدول التي نشأت فيها ومن صميمها، وإلى صلتها بجارتيها تونس ومراكش، وإلى عواصم الحكم والعلم فيها، وإلى أقسامها الطبيعية، وإلى تحديداتها الإدارية في العهدين التركي والفرنسي، وإلى ما يفيدكم ويقوّي معلوماتكم عنها مما يجرّه الحديث المرتجل، ثم نمرّ بكم على تاريخ الاحتلال الفرنسي حتى نخرج إلى صميم الموضوع.

كانت كلمة الجزائر التي تطلق اليوم على عاصمة القطر، ثم على القطر كله تستعمل في أوائل ما أطلقت- مضافة، فيُقال "جزائر بني مزغنان"، وبنو مزغنان قبيلة بربرية تعمر ساحل البحر، حيث المدينة الآن، وكانت في هذا الموضع من شواطئ البحر الأبيض صخور بارزة في الماء يصطنعها الصيّادون لصيد السمك، ولسكناهم في السنة أو في معظمها، فيطلق عليها الناس لفظ "جزائر" لتعدّدها وتقاربها وإحاطة الماء بها، ثم هجر المضاف إليه تخفيفًا في الاستعمال، وشاعت كلمة الجزائر المجرّدة علمًا على المدينة التي غطّت الساحل الجميل، واتّسع عمرانها حتى غطّى الجبل الذي تستند إليه. وهي تقع بموضع مدينة قديمة اسمها "إكوسيوم"، ولم تتخذ الجزائر عاصمة لهذا القطر الواسع إلا في العهد التركي.

‌فتح العرب لأفريقيا الشمالية:

كانت كلمة "إفريقية" تطلق لأوائل الفتح الإسلامي العربي على قطعة صغيرة من هذه القارة العظيمة، هي موقع المملكة التونسية اليوم تقريبًا، أما إطلاقها على القارة كلها فهو

ص: 102

استعمال حدث بعد ذلك. ولما شاع هذا الاستعمال الشامل احتيج إلى تميّز الأجزاء بالنسبة إلى الجهات فقيل شمال أفريقيا، كما قيل جنوب أفريقيا، فكانت الجزائر جزءًا من هذا الشمال، ويطلق إخواننا في الشرق على هذا اسم المغرب، ويقسمونه إلى ثلاثة أقاليم: المغرب الأدنى وهو تونس، والمغرب الأوسط وهو الجزائر، والمغرب الأقصى وهو مراكش.

وقد فتح العرب مصر ونشروا فيها الإسلام، وكانت مصر هي قاعدة الفتح لأفريقيا الشمالية، وكان فتح مصر في خلافة عمر بن الخطّاب، ولكن لم يجاوز الفتح مصر إلى المغرب إلا في خلافة عثمان بن عفّان.

ففي سنة سبعة وعشرين للهجرة أمر عثمان واليه على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بغزو أفريقية للمعنى الذي يريده الإسلام من الغزو، وهو نشر الدعوة الإسلامية، فغزاها ابن أبي سرح في عشرين ألفًا، فيهم جماعة من وجوه الصحابة، وفتح في هذه الغزوة مدينة "سبيطلة" الرومانية، والبسائط المحيطة بها، وما زالت هذه المدينة معروفة باسمها وآثارها إلى الآن، وهي واقعة في الجنوب المائل إلى الشرق من المملكة التونسية، وكانت هي المعتصم الباقي لسلطان الرومان، وهي المأوى المنيع لبقايا الرومانيين.

وبعد سنة ونيّف من الفتح رجع ابن أبي سرح إلى مصر بعد عقد صلح مع السبيطليين لمصلحة راجحة رآها.

وفي خلافة معاوية وجّه جيشًا على طريق مصر ففتح افريقية من جديد بقيادة معاوية بن حديج الكندي، والي مصر، ففتح سبيطلة للمرة الثانية، ووسّع رقعة الفتح إلى أبعد مما كان في الفتح الأول، وغزا صقلية من طريق البحر ومكّن للإسلام ولنفوذه في القطعة المفتوحة من افريقية، ثم ولى الخليفة على فتوح افريقية عقبة ابن نافع الفهري الفاتح العظيم، وأمره أن يتوسّع في الفتوحات وفي نشر الإسلام وتثبيت سلطانه، فرأى هذا القائد الموفّق أن يختط مدينة مستقلّة تكون عاصمة للمسلمين، وعاصمة لافريقيا الإسلامية، ومركز قوة للفتوحات المستأنفة، فأسّس مدينة القيروان الشهيرة الباقية إلى الآن، وكان تأسيسها عام خمسين للهجرة، المقارنة لسنة ستمائة وسبعين للميلاد، وجاء بعد عقبة مسلمة بن مخلد والي مصر إذ ذاك، فاستعمل على افريقية مولاه أبا المهاجر دينارًا فتوغّل في الفتوحات ونشر الإسلام إلى أن بلغ تلمسان، وهي آخر حدود القطر الجزائري اليوم مما يلي المغرب الأقصى، فالإسلام إنما انتشر في الجزائر على يد أبي المهاجر دينار، وتمّ تمامه في ولاية عقبة بن نافع الثانية، التي جاس فيها أقطار المغرب إلى أن بلغ طنجة، وقال كلمته المعروفة. ولما رجع من هذه المغزاة البعيدة المدى والأثر قدر له أن يموت شهيدًا في معركة بينه وبين البربر المرتدين

ص: 103

بجبل أوراس، فتعرّضوا له في السفوح الصحراوية لهذا الجبل، واستشهد هو وأصحابه ودفن في محل معروف باسمه إلى الآن، وأراد الله لثرى الجزائر أن يضمّ رفات هذا الفاتح الكبير، ليبقى اسمه منارًا يسترشد بنوره أبناء هذا الوطن كلما دجت الأحداث فيه.

وإلى هؤلاء الأبطال العظماء الذين جمعوا بين قيادة الكتائب وقيادة الأرواح، يرجع الفضل في تثبيت الإسلام وإرساء قواعده بافريقيا الشمالية، فلم تتزعزع له قاعدة، ولم ينقض له جدار من ذلك اليوم إلى الآن، على رغم الفورات المعادية له، المنبعثة من الضفة الشمالية للبحر الأبيض.

وشأن الفتح الإسلامي لأفريقية على يد هؤلاء الأبطال كله عجيب يشبه الخوارق، فقد تمّ في ثلاث سنوات تقريبًا وبسط الإسلام ظلّه على تلك الأقطار الواسعة ذات الأمم التي لا يحصيها إلا الله، من حدود ليبيا إلى السوس الأقصى على شواطئ المحيط الأطلسي، مع بعد الشقة ووعورة المسالك وقلة عدد المسلمين، وكثرة أعداء دعوتهم، وجهل الغزاة بمعالم الوطن ومجاهله، وبعادات أهله ولغاتهم، ولكنه الإيمان والإخلاص فيه وصدق العزيمة، وإيثار الحق، ولم تزل هذه الغرائب التي صاحبت الفتح الإسلامي في الشرق والغرب مثارًا لدهشة المؤرّخين من المسلمين وغيرهم، وهم مجمعون على أنها حق وواقع، وإن كانوا يختلفون في تعليلها.

وجاء بعد عقبة نفر يعدّون من بناة التاريخ الإسلامي بالشمال الافريقي: زهير بن قيس البلوي، وحسّان بن النعمان الغسّاني الذي تمّ على يديه فتح البلدان وفتح العقول، وجمع بين المقدرة الحربية والدهاء السياسي والملكة الإدارية، فكان هو الممهّد لهذه المملكة الواسعة التي كانت قاعدتها القيروان، وهو الذي خطا الخطوة الثانية التي تكون بعد الفتوحات الحربية فأقرّ الأمن، ومكّن للعمران والاستثمار، فنشط الصنائع والعلوم، وأفاض عدل الإسلام وإحسانه، فنقل الناس في إقبالهم على هذا الدين من عامل الرهبة إلى عامل الرغبة، إذ رأى البربر أن ثمرات هذا الفتح عائدة عليهم، ورمى ببصره إلى ما وراء البحر فنبتت في أيامه فكرة غزو الأندلس الذي حققه بعده موسى بن نصير ومولاه طارق بن زياد الليثي، عام اثنين وتسعين للهجرة.

والجزائر لم يتبدّل موضعها الجغرافي من الشمال الأفريقي، وإنما تبدّلت أوضاعها السياسية، والحق أنه ليس للجزائر بحدودها الحاضرة وحدة جغرافية، وإنما هي جزء من وحدة جغرافية كبرى، هي مجموع أقطار الشمال الأفريقي، فهذه الأقطار- وإن اتسعت آفاقها- مكوّنة تكوينًا جغرافيًا متّحد الخصائص الطبيعية، فالأطلس يربطها ربطًا محكمًا من مبدئه على تخوم ليبيا شرقًا إلى منقطعه في المحيط الأطلسى غربًا، والصحراء من ورائه خط

ص: 104