الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة شكر لباكستان *
على أثر مغادرته كراتشي بعد إبْلَالِه من مرضه وبعد تأدية مهمته التي وفد إليها على رأس الوفد الجزائري أدلى فضيلة الشيخ البشير الإبراهيمي بكلمة إلى الصحافيين الباكستانيين الذين جاءُوا لتوديعه في أفريل 1957.
وفي ما يلي خلاصة تلك الكلمة:
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأمام أيها الإخوة الباكستانيون.
(1)
لقد قدر لي أن أزور باكستان قبل بضعة أشهر رئيسًا لوفد جبهة التحرير الجزائرية وبعد إنجاز المهمة التي من أجلها انتجعنا هذه الديار الشقيقة اضطرتني أسباب صحية لم يكن إلى دفعها من سبيل للبقاء في كراتشي مدة غير يسيرة قضيت أكثرها في مستشفى جناح، وإني لأشكر لباكتسان حكومة وشعبًا موقفها من الوفد الجزائري وما اسبغت علي شخصيًّا طيلة مدة مرضي من عنايتها، وما لقيت من سهرها على صحتي حتى أذن الله بالشفاء.
(2)
إن زيارتي هذه هي الزيارة الثانية التي أتشرف فيها بلقاء إخواني الباكستانيين، وقد كانت الأولى سنة 1952 حين مثلت بلادي في مؤتمر شعوب العالم الإسلامي. وفي أثناء هاتين الزيارتين أُتيح لي أن أتجول في مختلف نواحي باكستان الغربية، وأن أتغلغل في داخل البلاد حتى بلغت كشمير شمالًا وكويتا شرقًا والتقيت طبقات الشعب وألقيت عشرات المحاضرات في المعاهد والجامعات وكثيرًا من الخطب في الاجتماعات الشعبية التي انعقدت لاستقبال وفد الجزائر في المدن والقرى كي تستمع منه إلى صوت الجزائر المجاهدة، كما أنني ألقيت خطبًا جمعية كثيرة واستمعت إلى خطباء كثيرين واجتمعت بسروات البلاد وعلمائها وتجّارها، مما هيأ لي من الخبرة بشؤون هذه الدولة الإسلامية الناشئة ما ملأني أملًا بالمستقبل الزاهر الذي ستحظى به، وبالدور العظيم الذي ستمثله في خدمة الإسلام والإنسانية. والحق ان الهمم التي جاهدت حتى نالت الحرية، وكافحت حتى انشأت هذه
* أثناء زيارة الشيخ لباكستان في مهمة من أجل ثورة الجزائر على رأس وفد من جبهة التحرير الوطني عام 1956 أصيب بحادث أدى إلى كسر في عموده الفقري، مما استدعى إجراء عملية خطيرة له في ظهره وتطويقه بالجبس وملازمة السرير بالمستشفى عدة شهور، وبقيت آثار هذا المرض لديه حتى وفاته.
الجمهورية الإسلامية الشابة لجديرة بأن تمثل ذلك الدور فتحقق مبادئ قائدها العظيم محمد علي جناح وتعاليم فيلسوفها إقبال وما أناط بها العالم الإسلامي من آمال.
الأمر الذي يكاد يلمسه كل زائر متفحص لباكستان هو أنها- بلا شك- في مقدمة الأقطار الإسلامية التي لم يأنس أهلها بعد بأي مبدإٍ سياسي أو مذهب اجتماعي غير الإسلام، فهم في الحقيقة مستغنون به عن القوميات والوطنيات وأشباهها من المبادئ التي لا يعدو أن يكون ما فيها من فضائل ومميزات الأشياء يسيرًا بالقياس إلى فضائل الإسلام ومميزاته العظيمة.
ومعنى ذلك أن باكستان لم تَعْشُ ولن تعشو بحول الله عن سواء السبيل وما عليها إلّا أن تمعن في سلوكه، وقد عرفته بحزم وبصيرة، حتى يقتدي بها العالم الإسلامي، ويهتدي بسلوكها العالم الإنساني، وتكون هادية الركب وحادية القافلة إلى صراط العزيز الحميد.
(3)
إن نشوء باكستان على أساس الدين كان معجزة من معجزات هذا العصر اضطرت الكثيرين من علماء الاجتماع وفحول القانون الدولي إلى إعادة النظر في النظريات التي كانت عندهم كالحقائق المسلمة والتي تؤكد أن العصر الذي كانت تقوم فيه الدول على أساس الدين قد انقضى، ولئن كانت باكستان معجزة العصر في نشأتها فلتكن كذلك في بقائها الخالد، وأرجو أن يذكر كل باكستاني وكل باكستانية أن من المصلحة بل من الواجب عمل المستحيل لحماية باكستان مما عساه أن ينحرف بها عن المبادئ التي وجدت على أساسها.
فلينسَ إخواننا الباكستانيون كل شيء
…
وليذكروا باكستان، وليضعوا مصلحتها فوق كل اعتبارآخر، وهذا ما هم فاعلوه- بلا شك- إن شاء الله.
(4)
أتمنى من أعماق نفسي لباكستان قوّة ونجاحًا وازدهارًا، كفاء ما انطوت عليه نفوس أبنائها من الاستعداد الصحيح للتفوق في معترك الحياة، وما امتلأت به قلوبهم من حب الإسلام والمسلمين والرغبة في سعادة الإنسانية قاطبة. وأرجو أن يأخذ الله بيدهم حتى يحققوا في كل يوم نصرًا وتقدمًا جديدين في كل ميدان من ميادين الحياة لكي يكون على الدوام يومهم خيرًا من أمسهم ومستقبلهم أفضل من حاضرهم.
وإلى الأمام أيها الإخوان الأعزاء!