الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة الفاطمية:
وعلاقة هذه الدولة بالجزائر أن الدعوة إليها بدأت في جبال كتامة، بين قبائلها البربرية، وأن داعيتها أو داهيتها الأول أبا عبد الله الشيعي، أقام في هذه الجبال سنوات يدعو إلى المذهب الإسماعيلي الباطني حتى انتشر في قبائل كتامة الشديدة المراس، ثم انتقل بهم إلى إقامة دولة ومبايعة رجل من آل البيت بالخلافة، فكان ذلك الرجل هو عبد الله المهدي أول الخلفاء الفاطميين، وجبال كتامة هي بعض الأطلس الأصغر المحاذي للبحر الأبيض وموقعها قريب من مدينة قسنطينة في الغرب منها، ومدينة "ايكجان" التي أسّسها أبو عبد الله الشيعي وسمّاها دار الهجرة وجعلها مبعث دعوته، ما زالت معروفة بهذا الاسم إلى الآن وهي قريبة من بلدنا بنحو مائة ميل، فنشأة الدولة الفاطمية كانت في الجزائر، وإن انتقلت بعد ذلك إلى القيروان والمهدية، وقد بسطت سلطانها لأول نشأتها على القسم الشرقي من القطر الجزائري، أعني ما يشمل مقاطعة قسنطينة.
فهذه كما ترون علاقة قوية بالجزائر وهي علاقة النشأة، وكانت نشأة هذه الدولة بالجزائر ثم استقرارها بالقيروان أقوى أطوارها، وخلفاؤها الأربعة بالقيروان أجلّ قدرًا من خلفائهم العشرة بمصر.
كانت نشأة هذه الدولة عام 297 هجرية، وانقطاع دعوتها من القيروان عام 341 باستقلال الدولة الباديسية الصنهاجية أيام الخليفة معد المستنصر بن الظاهر رابع خلفائهم بمصر، وانقرضت على يد صلاح الدين الأيولي عام 567.
الدولة الزيانية بتلمسان:
وهذه الدولة أيضًا نشأت في صميم الجزائر من صميم أهل الجزائر، ومن أوسط قبائل زناتة نسبًا، وهم بنو عبد الواد، وكانت قاعدة مملكتهم مدينة تلمسان القريبة من الحدود المراكشية، والواقعة في الجنوب الغربي لمدينة وهران عاصمة المقاطعة الوهرانية، وتلمسان مؤسسة من قبل الفتح الإسلامي، وكانت تسمّى (أقادير) واتخذها سليمان بن عبد الله الكامل أخو إدريس الأكبر قاعدة لمملكته التي اقتسمها بنوه من بعده، أسوة بما فعل أبناء عمومتهم الأدارسة فيما جاور تلمسان من المغرب الأقصى، ثم كانت من بعدهم كرة لصوالجة الدول المجاورة من الشرق والغرب، إلى أن اقتطعها بنو عبد الواد من زناتة فاتخذوها قاعدة للمملكة التي شادوها بسيوفهم، وانتزعوها انتزاعًا من جسم الدولة الموحدية، وكان ابتداء هذه الدولة عام 633 هجرية وانقراضها عام 957، باستيلاء الأتراك عليها، وانتظمت هذه الدولة النصف الغربي من الجزائر الحديثة، وانتهت حدودها في بعض الفترات إلى مدينة
الجزائر، واستشرف بعض ملوكهم إلى انتزاع بجاية من يد الحفصيين ملوك تونس، وهذا أعظم توسّع لهذه الدولة.
لم تلقَ دولة من الدول المغربية من المحن والحروب ما لقيته هذه الدولة، ولم تلق مدينة من المدن المغربية ما لقيته تلمسان في أيام بني زيان من تكرّر الحصار ومعاناة بلائه، ولم تعرف الأسر التي طلبت الملك بالمغرب من بأس الحروب والكرّ والفرّ وتعاقب الجلاء عن دار الملك ثم استرجاعها بالسيف مثل ما عرف ملوك بني زيان، وكان ذلك كله مع دولة الموحّدين ودولة المرينيين، وكان سبب هذا الصراع كله هي مدينة تلمسان الجميلة.
ومع هذه الوقائع المثيرة التي كانت تدور حول تلمسان، فإنها كانت لا تزيد إلا عمرانا وحضارة، وإنجابًا للأبطال وللعلماء الذين كانوا نجوم الدنيا، ولا توجد مدينة في المغارب الثلاثة ولدت من أئمة الدين والأدب والعلم بجميع أنواعه مثل ما ولدت تلمسان، لا تفوقها في هذا إلا أمصار الأندلس، ومن العجيب أن عصرنا الزياني المضطرب المتقلّب في الحرب هو أزهر عصورها في العلوم والفنون وازدهار الحضارة. ففي هذا العصر نبغ أبو عبد الله بن خميس، شاعر العروبة في المائة السابعة، وفيه نبغ الحافظ الخطيب ابن مرزوق الأكبر، عالم الدنيا وخطيبها وابنه وحفيده، وفيه نبغ أبو سعيد المقري جد صاحب "نفح الطيب"، وفيه نبغ أبو عبد الله الشريف التلمساني وابنا الإمام وسعيد العقباني وقاسم العقباني، وغيرهم ممن لا يعدون كثرة.
وكان للمؤرّخ ابن خلدون ملابسات بهذه المدينة وبملوكها الزيانيين، ولأخيه يحيى بن خلدون إقامة فيها وكتابة عن ملوكها، وقد كتب يحيى هذا تاريخًا لدولتهم، اسمه "بغية أو نجعة الرواد في ملوك بني عبد الواد" وهو مطبوع في الجزائر ومترجم إلى الفرنسية.
هذه الدول الكبيرة التي قامت في هذه الرقعة من شمال افريقيا التي تُطلق عليها كلمة (الجزائر).
وهناك إمارات صغرى قامت في بعض أجزاء من هذا القطر، وهي كثيرة، وأشهرها إمارة بني حمدون بالمحمدية التي تسمّى اليوم (المسيلة) ومنها إمارة بني مزني ببسكرة في أيام ابن خلدون المؤرّخ، وقد استظلّ هذا المؤرّخ بظل هذه الإمارة سنين وأقام ببسكرة تحت إنعامهم ورعايتهم. ومنها إمارات حفصية كان يقتطعها طلاب الملك من الأسر الحفصية كإمارة بعضهم في قسنطينة وآخر في بجاية، وليس لهذه الإمارات شغوف بشيء من علم أو فن يرفع ذكرها.
نقف بكم هنا وقفة اعتبار وإعجاب، وهي أن جميع الدول البربرية التي قامت بالشمال الافريقي- وفيهن من بلغت من القوة والصولة مبلغًا لا يقصر بها عن الدول الأعجمية الكبيرة