الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
120 - الاستبراء من الْبَوْلِ
786 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ:«إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ» .
[الحكم]:
صحيح، وصححه النووي، والحديث في (الصحيحين)، ولكن بلفظ:«يَسْتَتِرُ» ، و «يَسْتَنْزِهُ» ، وهذه الرواية وقعت أيضًا في إحدى روايات البخاري.
[التخريج]:
[خ (رواية ابن عساكر - الفتح 1/ 318)، (شرح مسلم للنووي 1/ 201)
(1)
/ ن 2086، 2087 / ش 12164 "واللفظ له" / جا 131 / منذ 685 / تطبر (مسند عمر 898، 899) / فة (3/ 149) / زهن 360 / مشكل 5190 / مسخ 223، 224، 238 / سمع 251 / شيو 263 / تحقيق (1/ 117) / فوائد ابن صخر (وهم 2/ 136) / جوهري (أربع ق 123/أ)].
(1)
وانظر: حاشية طبعة طوق النجاة على الحديث رقم (216، 218).
[السند]:
رواه ابن أبي شيبة في (المصنف 12164) قال: حدثنا وكيع وأبو معاوية، عن الأعمش، قال: سمعتُ مجاهدًا يُحَدِّثُ، عن طاووسٍ، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وكذا رواه غير واحد من طريق وكيع وأبي معاوية عن الأعمش به بهذا اللفظ.
بل وقع كذلك في صحيح البخاري - في رواية ابن عساكر - قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، به.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن المُثَنَّى، قال: حدثنا محمد بن خَازِمٍ، قال: حدثنا الأعمش، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، به.
وكذا رواه النسائي في (المجتبى 2086) قال: أخبرنا محمد بن قُدَامَةَ، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، به.
ورواه النسائي (2087) قال: أخبرنا هَنَّادُ بن السَّرِيِّ في حديثه، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، به.
وهذه الرواية لا تعدو كونها رواية بالمعنى، لروايتي:(يَسْتَتِرُ) و (يَسْتَنْزِهُ)، المخرجتين في الصحيحين.
قال النووي: "رُوِيَ ثلاث روايات (يَسْتَتِرُ) بتائين مثناتين، و (يَسْتَنْزِهُ) بالزاي والهاء، و (يَسْتَبْرِئُ) بالباء الموحدة والهمزة، وهذه الثالثة في البخاري وغيره، وكلها صحيحة، ومعناها: لا يتجنبه ويتحرَّزُ منه والله أعلم"(شرح مسلم 1/ 201).
وقال الحافظ ابن حجر: "قوله (لَا يَسْتَتِرُ) كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوق الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، وفي رواية ابن عساكر:(يَسْتَبْرِئُ) بموحدة ساكنة من الاستبراء، ولمسلم وأبي داود في حديث الأَعْمَشِ:(يَسْتَنْزِهُ) بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء.
فعلى رواية الأكثر؛ معنى الاستتار: أَنَّهُ لا يجعل بينه وبين بوله سُتْرَةً يعني لا يَتَحَفَّظُ منه. فتوافق رواية لا يَسْتَنْزِهُ لأنها من التَّنَزُّهِ وهو الإبعاد .. وأما رواية الِاسْتِبْرَاءِ فهي أبلغ في التَّوَقِّي" (فتح الباري 1/ 318).
* * *
787 -
حَدِيثُ يَزْدَادَ بْنِ فَسَاءَةَ:
◼ عَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ بْنِ فَسَاءَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (نترات)» .
[الحكم]:
ضعيفٌ؛ وضعفه البخاري، وأبو حاتم، وأبو داود، وأبو بكر ابن أبي خيثمة، والعقيلي، وابن عدي، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن طاهر المقدسي، وعبد الحق الإشبيلي، وابن القطان الفاسي، والضياء المقدسي، والنووي، وابن دقيق العيد، وابن تيمية، وابن عبد الهادي، والذهبي، وابن القيم، ومغلطاي، وابن كثير، والهيثمي، والبوصيري، وابن حجر، والمناوي، والسندي، والصنعاني، والألباني.
[اللغة]:
النَّتر: جَذْبٌ فيه قُوّة وجَفْوَة. (النهاية 5/ 29).
وفي بعض الروايات: «فَلْيَنْثُرْ» بالمثلثة، قال العيني:"ينثر ذكره إذا استبرأ من البول بشدة وعنف"(عمدة القاري 10/ 164)، والله أعلم.
[الفوائد]:
قال النووي: "قال الشافعي رحمه الله في (الأم): يستبرئ البائل من البول لئلَّا يقطر عليه، قال: وأَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يقيم ساعة قبل الوضوء وينتر ذكره. هذا لفظ نصه، وكذا قال جماعات: يستحب أَنْ يصبر ساعة؛ يعنون لحظة لطيفة، وقال الماوردي والروياني وغيرهما: يستحب أَنْ ينتر ثلاثا مع التنحنح، وقال جماعة - منهم الروياني -: ويمشي بعده خطوة أو خطوات، وقال إمام الحرمين: ويهتم بالاستبراء فيمكث بعد انقطاع البول ويتنحنح، قال:
وكلٌّ أعرف بطبعه، قال: والنتر ما ورد به الخبر، وهو أَنْ يمر أصبعًا ليخرج بقية إن كانت. والمختار أَنَّ هذا يختلف باختلاف الناس، والمقصود أَنْ يظن أنه لم يبق في مجرى البول شئ يخاف خروجه، فمن الناس من يحصل له هذا المقصود بأدنى عصر، ومنهم من يحتاج إلى تكراره، ومنهم من يحتاج إلى تنحنح، ومنهم من يحتاج إلى مشي خطوات، ومنهم من يحتاج إلى صبر لحظة، ومنهم من لا يحتاج إلى شيء من هذا، وينبغي لكل أحد أَنْ لا ينتهي إلى حد الوسوسة، قال أصحابنا: وهذا الأدب - وهو النتر والتنحنح ونحوهما - مستحبٌّ، فلو تركه فلم ينتر ولم يعصر الذكر واستنجى عقيب انقطاع البول ثم توضأ؛ فاستنجاءه صحيح، ووضوءه كامل؛ لأن الأصل عدم خروج شئ آخر" (المجموع 2/ 90 - 91).
كذا قال، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن الاستنجاء هل يحتاج إلى أَنْ يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح ويستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء: فهل فعل هذا السلف رضي الله عنهم. أو هو بدعة أو هو مباح؟
فأجاب:
"الحمد لله، التنحنح بعد البول والمشي والطفر إلى فوق والصعود في السلم والتعلق في الحبل وتفتيش الذكر بإسالته وغير ذلك: كل ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين، بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث المروي في ذلك ضعيف، لا أصل له، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه، وهو كما قيل: كالضرع إن تركته قرّ، وإن حلبته درّ.
وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه، ولو تركه لم يخرج منه. وقد يخيل إليه أنه خرج منه وهو وسواس، وقد يحس من يجده بردًا لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء ولم يخرج. والبول يكون واقفًا محبوسًا في رأس الإحليل لا يقطر، فإذا عصر الذكر أو الفرج أو الثقب بحجر أو أصبع أو غير ذلك خرجت الرطوبة فهذا أيضًا بدعة، وذلك البول الواقف لا يحتاج إلى إخراج باتفاق العلماء، لا بحجر ولا أصبع ولا غير ذلك بل كلما أخرجه جاء غيره، فإنه يرشح دائما. والاستجمار بالحجر كافٍ لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء، ويستحب لمن استنجى أَنْ ينضح على فرجه ماء، فإذا أحس برطوبته قال: هذا من ذلك الماء" (مجموع الفتاوى 21/ 106).
[التخريج]:
[جه 328 "واللفظ له"، (زوائد أبي الحسن القطان عقبه) / حم 19053، 19054 / ش 1720 "والرواية له"، 1722 / مد 4 / قا (3/ 238 - 239) / صحا 6679 / أسد (5/ 440) / مسد (مصباح الزجاجة 1/ 48) / معمري (إمام 2/ 531 - 532)].
[التحقيق]:
انظر: الكلام عليه فيما يأتي.
رِوَايَةٌ بِلَفْظِ الْفِعْلِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا بَالَ نَثَرَ (نَتَرَ) 1 ذَكَرَهُ ثَلاثَ نَثْرَاتٍ (نَتَرَاتٍ
(1)
) 2».
[الحكم]:
ضعيفٌ؛ وضعفه من سبق في الرواية الأولى.
[التخريج]:
[عد (8/ 248) "واللفظ له" / عق (3/ 274) "والرواية الثانية له" / قا (3/ 238) / صبغ (تهذيب 1/ 199) / صحا 1126 / هق 557 "والرواية الأولى" / طاهر (تصوف 56) / معمري (سنن - إمام 2/ 532)].
[التحقيق]:
انظر: الكلام عليه فيما يأتي.
(1)
تحرفت في طبعة العلمية من الضعفاء للعقيلي إلى (مَرَّاتٍ)، والمثبت من طبعة التأصيل المعتمدة.
رِوَايَةٌ: يَكْفي أحدُكُم:
• وَفِي رِوَايَةٍ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يَكْفي أحدُكُم إِذَا بالَ أَنْ يَنْتُرَ ذَكَرَهُ ثلاثَ مَرَّاتٍ» .
[الحكم]:
ضعيف، وضعفه من سبق في الرواية الأولى.
[التخريج]:
[تخث (السفر الثاني/ 2533) "واللفظ له" / قاسم بن أصبغ (الأحكام الوسطى 1/ 128)].
[السند]:
رواه أحمد في (المسند 19053)، وابن أبي شيبة في (المصنف 1722)، وابن ماجه (328)، وأبو داود في (المراسيل 4) عن وكيع بن الجراح.
ورواه ابن ماجة أيضًا (328)، وابن أبي خيثمة في (تاريخه 2533)، وغيرهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين.
ورواه ابن أبي شيبة (1720)، وابن قانع في (معجم الصحابة 3/ 238)، وأبو نعيم في (معرفة الصحابة 6679) عن عيسى بن يونس.
ورواه ابن قانع أيضًا (3/ 238 - 239) من طرق عن سفيان وأبي عاصم النّبيل وقُرَّة بن خالد ويحيى بن العلاء.
ورواه البغوي في (معجمه)، وأبو نعيم (1126) من طريق معتمر بن سليمان.
جميعهم: عن زمعة بن صالح.
وأخرجه أحمد (19054) - ومن طريقه ابن الأثير في (أسد الغابة 5/
440) - عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق.
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء 3/ 274)، وابن عدي في (الكامل 8/ 248) - ومن طريقه البيهقي في (السنن الكبرى 552) -، وابن قانع في (الصحابة 3/ 238 - 239)، وابن طاهر المقدسي في (صفوة التصوف 56) من طرق عن روح بن عبادة عن زمعة بن صالح وزكريا بن إسحاق
(1)
.
كلاهما - زمعة وزكريا - عن عيسى بن يزداد، عن أبيه، به.
فمداره عندهم على عيسى بن يزداد عن أبيه.
قال ابن عدي (عقب الحديث): "عيسى بن يزداد عن أبيه، وقيل عيسى بن أزداد عن أبيه، لا يعرف إِلَّا بهذا الحديث".
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: عيسى بن يزداد - أو أزداد - بن فساءة اليماني، قال فيه الحافظ ابن حجر:"مجهول الحال"(التقريب 5338).
الثانية، والثالثة: أبوه؛ يزداد بن فساءة، وهو مختلف في صحبته كما قال المزي في (تهذيب الكمال 2/ 316)، وابن حجر في (التقريب 300)، وأكثر أهل العلم على عدم صحبته، بل على أنه مجهول.
ولهذا أخرجه أبو داود في (المراسيل 4).
وبهذه العلل، ضعف الحديث كثير من أهل العلم:
(1)
تحرف إلى "وذكر ابن إسحاق" في الطبعة المعتمدة من (ضعفاء العقيلي)، وجاء على الصحيح في طبعة ابن عباس، وهو الموافق لبقية المصادر.
قال البخاري - وتبعه العقيلي وابن عدي والبيهقي وغيرهم -: "عيسى بن يزداد عن أبيه، مرسل، روى عنه زمعة، لا يصح"(التاريخ الكبير 6/ 392)، وانظر:(ميزان الاعتدال 3/ 327).
ثم ذكر العقيلي وابن عدي هذا الحديث في ترجمة عيسى، ثم ذكرا أنه لا يعرف إِلَّا بهذا الحديث، وانظر:(ضعفاء العقيلي 3/ 274)، (الكامل لابن عدي 8/ 248)، (السنن الكبرى للبيهقي 1/ 183).
وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة - عقب الحديث -: "سئل يحيى بن معين: عن عيسى بن يزداد، عن أبيه، قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن عيسى ابنُ زمعة؟ ؛ فقال: "لا يعرف" (التاريخ الكبير - السفر الثاني 1/ 606)، وانظر:(الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 291).
ونقل ابن عبد البر عن ابن معين، قال:"لا يعرف عِيسَى هذا ولا أبوه"(الاستيعاب 4/ 1589).
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن عيسى بن يزداد، فقال: لا يصح حديثه وليس لأبيه صحبة، ومن الناس من يدخله في المسند على المجاز، وهو وأبوه مجهولان"(الجرح والتعديل 6/ 291).
وقال أيضًا: "يزداد بن فسا؛ يماني، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، روى عنه ابنه عيسى بن يزداد"(الجرح والتعديل 9/ 310)، وانظر:(العلل 1/ 533 - 534)، (المراسيل ص 238). وقال ابن عبد البر: "يزداد، والد عِيسَى بْن يزداد، هُوَ رجل يماني، يقال له صحبة وأكثرهم لا يعرفونه، وقد قيل: حديثه مرسل، والحديث رواه عنه ابنه عِيسَى بْن يزداد عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاث
نترات»، لم يرو عنه غير عِيسَى ابنه، وَهُوَ حديث يدور عَلَى زمعة بْن صالح، قَالَ البخاري: ليس حديثه بالقائم، وَقَالَ يَحْيَى بْن معين: لا يعرف عِيسَى هذا ولا أبوه وهو تحامل منه" (الاستيعاب 4/ 1589)، وانظر:(أسد الغابة 5/ 440).
قلنا: كلام ابن عبد البر يشير إلى إثبات صحبة يزداد بن فساءة، وبه وبغيره تعقب ابن التركماني تضعيف البيهقي للحديث بالإرسال؛ فقال: "ذكر حديث «كان إذا بال نتر» ، ذكره عن عيسى بن يزداد عن أبيه، ثم حكى عن ابن عدي أنه قال: عيسى بن يزداد عن أبيه مرسل، قال رواه عبد الباقي بن قانع في (معجم الصحابة) من حديث روح بسنده
…
وذكر يزداد هذا ابن مَنْدَهْ في (معرفة الصحابة) وأبو عمر في (الاستيعاب)، وقال: قال ابن معين: لا يعرف عيسى ولا أبوه، وهو تحامل منه" (الجوهر النقي 1/ 113).
قلنا: وفي إثباته لصحبة ابن فساءة وتَعَقُّبِهِ على تجهيل ابن معين له ولابنه نظر؛ فأما الصحبة فقد نفاها كثير من أهل العلم كما تقدم وكما سيأتي، فهو لا يُعرف إِلَّا بهذا الحديث من رواية ابنه وحده عنه، وكذا ابنه كما تقدم؛ لذلك جهلهما كثير من أهل العلم، وقد أشار ابن عبد البر نفسه إلى ذلك بقوله:"وأكثرهم لا يعرفونه".
وبذلك تعقبه مغلطاي فقال: "وفيما قاله نظر؛ لأن أبا حاتم ذكر ذلك أيضًا كما قدمنا فذهب ما توهمه، وذكره أبو داود في المراسيل، وقال ابن عساكر: يزداد ويقال ازداد مولى يحمر بن زيان اليماني عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: هو مرسل، وبنحوه قاله عبد الحق، وزاد: لا يصح حديثه، وقرر ذلك أبو الحسن بن القطان"(شرح ابن ماجه 1/ 189).
وقال الألباني: "لا وجه لهذا التعقب ألبتة، لا سيما وهو - أعني: ابن عبد البر - لم يعرفه إِلَّا من الوجه الأول، فقال عقبه: لم يرو عنه غير عيسى ابنه، وهو حديث يدور على زمعة بن صالح، قال البخاري: ليس حديثه بالقائم. فإذا كان لم يرو عنه غير ابنه، وكان هذا لا يعرف، كما في (الضعفاء) للذهبي، أو مجهول الحال كما في (التقريب)، وكان أبوه لم يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فأي تحامل- مع هذا- في قول ابن معين المذكور، لاسيما وهو موافق لقول أبي حاتم؟ ! "(السلسلة الضعيفة 4/ 124 - 125).
قلنا: وأما قوله بأن الحديث يدور على زمعة بن صالح وتضعيف الحديث به، وقد قال بذلك أيضًا الصفدي في (الوافي بالوفيات 28/ 43)؛ ففي قولهما نظر؛ لأن زمعة - وإن كان ضعيفًا كما في (التقريب 2035) - قد توبع من زكريا بن إسحاق المكي كما تقدم في سياقة الأسانيد، وهو ثقة من رجال الشيخين كما في (التقريب 2020).
وممن أعلّ الحديث أيضًا عبد الحق الإشبيلي في (الأحكام الوسطى 1/ 128).
وقال ابن القطان- موافقًا له ومتعقبا-: "وذكر من المراسل عن عيسى بن أزداد عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم: «إذا بال أحدكم فلينثر ذكره ثلاثا». قال: ولا يصح حديثه هذا. وهو كما قال، ولكنه لم يبين منه سوى الإرسال، وعلته أَنَّ عيسى وأباه لا يعرفان، ولا يعلم لهما غير هذا"(الوهم والإيهام 3/ 307).
وقال أيضًا: "وذكر حديث: «فلينثر ذكره ثلاثا»، ولم يبين علته، وهي الجهل بعيسى بن أزداد وأبيه"(الوهم والإيهام 5/ 657).
وقال النووي- عقب ذكره لهذا الحديث-: "واتفقوا على أنه ضعيف، وقال الأكثرون: هو مرسل ولا صحبة ليزداذ، وممن نص على أنه لاصحبة له البخاري في (تاريخه)، وأبو حاتم الرازي وابنه عبد الرحمن وأبو داود وأبو أحمد بن عدي الحافظ وغيره، وقال يحيى بن معين وغيره: لا نعرف يزداذ"(المجموع 2/ 91)، وانظر:(خلاصة الأحكام 1/ 161).
وقال ابن كثير: "أزداد ويقال يزداد بن فساءة الفارسي
…
مختلف في صحبته، والأكثر أنه ليس بصحابي؛ منهم البخاري وأبو داود وأبو حاتم وابنه عبد الرحمن وابن عدي، تفرد بالرواية عنه ابنه عيسى؛ فقال ابن معين: لا يعرفان، وقال أبو حاتم في (العلل): هما مجهولان، وقال أبو نعيم وابن الأثير: ومن الناس من يراه صحابيا، وقد روى حديثه مرفوعًا أبو عبد الله ابن ماجه في سننه" (جامع المسانيد والسنن 1/ 196)، وانظر:(إرشاد الفقيه 1/ 54).
وممن أعله أيضًا:
ابن طاهر المقدسي في (ذخيرة الحفاظ 1556).
والضياء المقدسي في (السنن والأحكام 1/ 56).
وابن دقيق العيد في (الإمام 2/ 531 - 532).
وابن تيمية في (مجموع الفتاوى 21/ 106).
وابن عبد الهادي في (رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة ص 27).
والذهبي في (ميزان الاعتدال 3/ 327).
وابن القيم في (إغاثة اللهفان 1/ 144)، وفي (زاد المعاد 1/ 166).
والبوصيري في (مصباح الزجاجة 1/ 48).
وابن حجر في (التلخيص الحبير 1/ 192)، وفي (بلوغ المرام 1/ 29).
والمناوي في (التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 83)، وفي (فيض القدير 1/ 311).
والسندي في (حاشيته على سنن ابن ماجه 1/ 137).
والصنعاني في (سبل السلام 1/ 121).
وقد أعلّ مغلطاي الحديث بعلة رابعة ألا وهي الاضطراب في متنه؛ فبعض الرواة جعلوه من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأولى، وبعضهم جعلوه من فعله كما في الرواية الثانية، وآخرون رووه بلفظ الرواية الثالثة؛ فمن أجل هذا الخلاف في المتن، حكم عليه مغلطاي بالاضطراب أيضًا؛ فقال:"وهذا يدل على اضطراب وعدم ضبط"(شرح ابن ماجه 1/ 189).
[تنبيهات]:
الأول: قال ابن كثير - بعد أَنَّ ذكر راويين لعيسى بن يزداد عنه؛ وهما زمعة وزكريا بن إسحاق-: "فقد ارتفعت الجهالة عن عيسى بن يزداد لرواية ثقتين عنه، والله أعلم"(جامع المسانيد 1/ 198).
قلنا: وفي قوله نظر؛ لأن أحد الراويين عنه - وهو زمعة بن صالح - ضعيف كما تقدم.
ولو كان ثقة لارتفعت جهالة عينه دون جهالة حاله، كما هو مقرر في علوم الحديث وانظر:(الكفاية للخطيب ص 89)، (مقدمة ابن الصلاح ص 224).
وهو ما بينه مغلطاي؛ فقال: " وأما قول ابن معين في عيسى: لا يعرف. إن أراد عينه فمردود برواية زمعة وزكريا بن إسحاق المكي عنه، وإن أراد حاله، فكذلك؛ لذكره في كتاب (الثقات) لابن حبان"(شرح ابن ماجه 1/ 190).
الثاني: ذكر العلائي في (جامع التحصيل ص 143) أَنَّ أبا داود أخرج هذا الحديث في (سننه)، وفيه نظر فإنما أخرج الحديث في (المراسيل) كما تقدم، وقد تعقبه بذلك ابن العراقي في (تحفة التحصيل ص 23).
الثالث: ذكر الصنعاني في (التنوير شرح الجامع الصغير 1/ 612) أَنَّ السيوطي أشار إلى صحة هذا الحديث، وحسنه في موضع آخر، ولم نقف على ذلك في مطبوع (الجامع الصغير 508).
* * *
788 -
حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ مُعْضَلًا:
◼ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا: «يَكْفِي ثَلاثَ نَثَرَاتٍ
(1)
؛ يَعْنِي: فِي الْبَوْلِ».
[الحكم]:
ضعيف جدًّا؛ لإعضاله، وأعله بهذا العلة السيوطي.
[التخريج]:
[عب (كبير 13/ 318)، (كنز 26443)]
[السند]:
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف): عن ابن جُرَيْجٍ، به. معضلا.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، إِلَّا أنه ضعيف جدًّا؛ لإعضاله، فابن جُرَيْجٍ لم يثبت له سماع أحد من الصحابة، ولذا ذكره الحافظ في الطبقة السادسة ممن عاصروا صغار التابعين (التقريب).
ولذا قال السيوطي: "معضلًا"(جمع الجوامع 13/ 318).
* * *
(1)
كذا في (جمع الجوامع) بالثاء المثلثلة، وفي (الكنز):"نترات"، بالتاء المثناة.