الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه القصائد
هذه مجموعة قصائد، بل مجموعة أحاسيس رقيقة، وخلاصة مشاعر سامية لقلب شاعر حساس في فترة من أصعب وأقسى فترات حياته العامرة بالأعمال العظكيف الحافلة بالمواقف الصلبة الصامدة.
وهل يوجد ما هو أصعب على القلب وأقسى على النفس من أن يعيش الإنسان منفردا معزولا مقطعا عن أهله وأحبائه مبعدا عن صحبه وخلانه؟ فكيف بالإنسان الشاعر رقيق القلب مرهف الإحساس؟
من الشعراء من يفضل الوحدة، وينشد العزلة لينظم أشعاره في هدوء، ويسرح بخياله بعيدا عن الضوضاء والضجيج، فالشاعر يضيق به صخب الحياة وضجيجها ومشاكل الناس ومضايقاتهم، فيلوذ بالخلاء أفقا أنيسا، يسرح بفكره ويسبح بروحه في الفضاء العريض، ويتأمل الكون العظيم، وينعم بالسكون الشامل، والهدوء الكامل، أو يتجول في الغابات والحقول بين الأشجار والورود والطيور، ليستمع لأفكاره، ويستوحي أشعاره من الطبيعة الخلابة، ومناظر بلاده الجميلة الساحرة.
وشاعرنا شاعر الطبيعة والجمال، وعاشق البحار والجبال، فكثيرا ما تغنى بحسن الربيع وعبير أزهاره وتغريد أطياره، وجمال البحر وعظمته وأسراره، وجلال الصحراء وغموضها وسكونها وشموخ الجبال وصمودها وكبريائها.
ولا أحد ينكر أن الشاعر يحتاج إلى فترات من الوحد ة يعتزل فيها الناس ويخلو إلى نفسه يعتكف بين أوراقه وكتبه، يجمع شتات فكره، ويتفرع لتنطيم نتاجه ونشر مؤلفاته، وهو في فلك مختار، مقرر بإرادته، حيث يشعر بكمال حريته وانطلاقه، أما هذه
العزلة التي فرضت عليه قسرا، وأرغم عليها ظلما وعدوانا، والتي قيدت حريته، وكبلت إرادته، وجعلته يحس برسف الأغلال وثقل القيود، وحرمته من الأماكن القريبة إلى نفسه، وأبعدت عنه الوجوه الحبيبة إلى قلبه، هذه الوحدة أثرت في نفسه الأدبية تأثيرا عميقا، وأصابت قلبه الكبير إصابة بالغة في الصميم.
لقد شعر بآلام الغربة وعذاب الحرمان من وطنه وهو على أديمه وتحت سمائه، وكابد لوعة الفراق والشوق والحنين إلى أحنانه وأبناء بلده وهو قريب منهم، فأي عذاب لقلبه الذي يجيش بالحب الخالص والوفاء النادر لوطنه؟ وأي شقاء لنفسه التي تفيض بالمحبة والحنان والرحمة لأبناء بلده؟
فإذا بنات قريحته تتدفق جنباتهن شعرا صادقا يعبر عن آمالهم وآلامهم، ويصف أفراحهم وجراحهم ويصور حيرتهم واضطرابهم، ويحرك وجدانهم، ويثير طموحهم، ويحثهم على الاتحاد والتآخي والتسامح، ويزرع في نفوسهم حب الخير والتمسك بالدين والإخلاص للوطن.
فالشاعر يجد السعادة القصوى والراحة الكبرى وهو بينهم يحس بمشاعرهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم ويساعدهم في حل مشاكلهم، ويبعث في قلوبهم الأمل، ويقوي في نفوسهم الإيمان.
لذلك كان شعوره بالحرمان من ذلكم الوصال، وإبعاده المر المرير عميقا جدا لا يقدر على وصفه والتعبير عنه إلأ هذه القصائد المؤثرة التي هي أصداء نفسه ونبضات قلبه، وخلجات فكره، وزفرات روحه في تلك الفترة العسيرة من الزمن.
عائشة سحنون
المقدمة