المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخطبة التي هزت دمشق - ذكريات - علي الطنطاوي - جـ ٥

[علي الطنطاوي]

الفصل: ‌الخطبة التي هزت دمشق

-155 -

‌الخطبة التي هزّت دمشق

عرفتم من الحلقة الماضية أننا افترقنا على أن نبدأ ما دعوناه «الأسبوع الثقافي» ، يجتمع له الناس في جامع تِنْكز فيفتتح الاجتماعَ المفتي الطبيب الشيخ أبو اليسر عابدين، ثم ألقي أنا خطبة فيها موعظة وفيها ذكرى، وفيها نصيحة وفيها تنبيه، ثم يختتم الاجتماعَ السيد مكي الكتاني نائب رئيس رابطة العلماء.

وكان من عادتي إذا نويت أمراً أن أكتمه حتى عن أقرب الناس إليّ، فيُفاجَأ به كما يفاجأ غيره. ولم أقُل لأحد ما الذي سأضمّنه خطبتي، وإنما ذكرت لِفِتْية من المسلمين يزورونني ونبّهتهم إلى دعوة الناس إلى هذا الاجتماع لأنني سألقي فيه ما يهمّهم. فطبع هؤلاء أوراقاً صغيرة فيها الدعوة إليها وزّعوها في مساجد دمشق ونواديها ومجتمعات أهلها، فلما كان الموعد امتلأ المسجد على سعته بالناس، ووقفوا صفوفاً على الجانبَين من الجهة الجنوبية في شارع النصر الكبير ومن الجهة الشمالية في ساحة المرجة التي هي لُبّ البلد، والمكبّرات على سطح المسجد من الجانبَين.

لم يحضر الشيخ أبو اليسر فافتتح الاجتماعَ السيد مكي،

ص: 391

ثم قمت أنا للكلام، فصاح الناس من أركان المسجد: المنبر، المنبر! فصعدت المنبر، وأخرجت أوراقاً كنت كتبت فيها خطبتي على غير عادتي.

وأنا أنشر هذه الخطبة لأول مرّة، لم تُنشَر من قبل في صحيفة ولا في كتاب، ولم يطّلع عليها إلاّ من سمعها في المسجد من نحو ربع قرن، قلت فيها:

لا تعجبوا إن رأيتموني أقرأ في الورق، فما كتبت كلمتي الليلة عجزاً مني عن الكلام، ولكن خوفاً من أن يُفلِت مني الزمام. ثم إني أحبّ أن يُعرَف ما قلت فلا ينقل أحد عني ما لم أقُل.

وكنت أحبّ أن أجعل هذه الكلمة دائرة حول كتاب الله، أصل بها ما كان انقطع بانتهاء رمضان من أحاديث «نور من القرآن» التي كنتم تسمعونها من الإذاعة كل مساء على مائدة الإفطار. ولكني نظرت فوجدت أن لكلّ عمل غاية، ولكلّ غاية طريقاً، ولسلوك كلّ طريق دافعاً. فأحببت أن أبيّن في هذه الكلمة غايتنا -معشر المشايخ- التي نمشي إليها، والطريق الذي نسلكه لبلوغ هذه الغاية، والدافع الذي دفعنا إلى سلوك هذا الطريق.

وأنا -كما تعرفون- من أهل القضاء، مستشار في محكمة النقض في القاهرة (أذكّر أن تلك الكلمة أُلقيَت أيام الوحدة)، والقاضي لا يُحسِن التلميح والتلويح، بل التصريح والتوضيح. وقد كنت من قبلُ من رجال التعليم، والمعلّم لا يفهم لغة السياسة ولكن لغة العلم. ثم إنني من أرباب الأقلام ومن رجال الأدب، والأدب هو البيان ليس الأدب التغطية ولا الكتمان.

ص: 392

وأنا أقول بصراحة إننا لا نريد من هذه المحاضرات شَغباً ولا تهويشاً (أي تشويشاً) ولا إثارة، ولا نريد أن نكون مَطيّة لمن يسعى إلى الشغب والإثارة والتهويش. وإذا كان في الناس، من فلول الأحزاب السياسية ومن أصحاب المطامع، من يُريد أن يعكّر ماء الساقية ليصطاد في الماء العَكِر، فنحن نريدها صافية عذبة يجري ماؤها سلسلاً رَخِيّاً. وإن كان في الناس من يعمل مثل عملنا ابتغاء سلطان يناله أو تحقيقاً لمنافع نفسه أو حزبه، فنحن لا مطامع لنا ولا حزبَ لنا إلاّ حزب الله، ولا نبتغي إلاّ رضاه.

فثقوا أننا لا نريد إثارة الناس. ولكننا لا نريد أيضاً، بل لا نستطيع لو أردنا، أن نسكت عن إنكار المنكَر، وعن النصيحة للحاكمين، وعن بيان الحقّ للناس، لأن هذه هي وظيفتنا التي وضعَنا فيها ربّنا وأنذرَنا إذا لم نؤدّها حقّ أدائها أن يعذّبنا بالنار. وكل ما يمكن أن ينالنا في الدنيا من أذى إن أدّيناها أهون من عذاب النار.

ونحن نهدم ونبني. نهدم الجدار المائل، ولكنّا لا نتركه كومة من التراب بل نبني مكانه جداراً متيناً قوياً. ونحن نقتلع النبتة الخبيثة والحطبة اليابسة، ولكن لا ندع مكانها أرضاً قاحلة بل نزرع فيها أفانين النبات، لتنعم الأنظار منها بأفانين الأوراد والأزهار وينتفع الطاعم منها بأنواع الثمار.

لا نُنكِر المنكَر ونمشي، بل نقف حتى نُحِلّ محلّه المعروف.

إننا نريد أن نعلّم الناس دينهم، لأن الدين باب كل صلاح وسبب كلّ خير، ولأنه الطريق إلى السعادة في الدنيا وفي الآخرة.

ص: 393

إننا نريد أن نبني أمّة جديدة مسلمة. فكيف نبنيها؟ كيف يبني الباني الدار؟ إنه يختار الحجارة، ثم يرصفها، ثم يشدّ بعضها إلى بعض. وحجارةُ بناء الأمّة أفرادُها. إنها لا تنشأ أمة صالحة من أفراد فاسدين. فلنبدأ أولاً بإصلاح أنفسنا بتصحيح العقيدة والبعد عن المحرّمات ومعرفة أحكام الدين والعمل بها.

إن الواعظ إن لم يبدأ بنفسه فيعظها لم يستطع أن يعظ الناس، والنبع الجافّ لا يَمُدّ السواقي بالماء، والفؤاد الذي يملؤه الظلام لا يضوّئ للسالكين الطريق، والقلب الذي فيه الثلج لا يبعث في قلوب السامعين حرارة الإيمان، والذي يطمع في أموال الناس وفي دنيا الحكّام لا يستطيع أن يعظ الناس ولا أن ينصح الحكام. والكلام الذي يخرج من اللسان لا يجاوز الآذان ولو حوى جواهر البلاغة ودُرَر البيان.

فلنحاول أن نُصلِح أنفسنا لنُصلِح الناس. وإذا أصلح كل أب نفسه وراقب الله وكان معه بقلبه كان الله معه، فسخّر لطاعته زوجه وولده. فليكن كل واعظ بفعله أَوْعَظَ منه بقوله، فإنّ عيب أمثالي أنا -من وُعّاظ آخر الزمان- أن أفعالهم لا تماثل أقوالهم، فلا يستمع الناس منهم.

ثم ليعمد كل واحد منّا إلى أسرته فيحاول إصلاحها، فإن الأمّة هي مجموعة أسر، فإذا صَلُحت الأسر صَلُحَت الأمّة. والله لا يبدّل ما بقوم حتى يبدّلوا ما بأنفسهم، هذا هو دواء القلوب كما أن العقاقير أدوية الأجسام. والأدوية لا تُفيد جسماً يعاشر صاحبه المرضى ويعرّضه في كل لحظة للعدوى، وأدوية القلوب

ص: 394

لا تنفع قلب من يصاحب الأشرار ويخالط الفُسّاق الفُجّار. ولا بد للمريض من حِمية ولا بد له من عزلة، فلنحمِ أنفسنا عن المُغريات والمُغويات، ولنعتزل الضالّين المُضِلّين والفاسدين المُفسِدين، من الآن إلى أن يتمّ لنا العلاج.

وأمراضنا الروحية على ضربين: ضرب يأتي عن طريق العقل وضرب يجيء عن طريق الغريزة، يعمل لكل منهما إبليس وأعوانه من شياطين الجنّ وشياطين الإنس. وأنا أُجمِل الآن ولا أفصّل، وأشير ولا أبيّن، لأن ما أقوله اليوم هو مقدّمة المتن، وسيأتي المتن والشروح والحواشي إن شاء الله ووفّق إلى استمرار هذه المجالس.

لقد ظهرَت فينا أفكار غريبة عنّا ما كنا نعرفها ونحن صغار، أفكار جاء بها الاستعمار وصنائع الاستعمار، من الذين تربّوا في تلك الديار.

منها قولهم «الدين لله والوطن للجميع» ، يجعلون الدين مفرِّقاً والوطن جامعاً والدينَ فرعاً والوطن أصلاً. مع أن الدين لله، هو يشرعه وهو ينزله:{ألا للهِ الدينُ الخالصُ} ، {ويكُونَ الدينُ للهِ}. والدين لنا أيضاً يهدينا ويدلّنا:{اليومَ أكملتُ لكم دينَكُمْ} ، {أتعلّمونَ اللهَ بدينِكُم؟} .

والوطن في نظر الإسلام ليس التراب ولا الحجارة ولا السهل ولا الجبل، ولكن وطن المسلم حيث تسود أحكام الإسلام:{إنّ الذينَ تَوَفّاهُمُ الملائِكةُ ظالمي أنفسِهِمْ، قالوا: فيمَ كنتم؟ قالوا: كنّا مُستضعَفينَ في الأرضِ. قالوا: ألم تكنْ أرضُ اللهِ واسعةً فتهاجروا فيها؟} .

ص: 395

ومنها قولهم بفصل الدين عن السياسة وفصل الدين عن العلم، يترجمون هذا الكلام عن غيرنا ويردّدونه ترديد الببغاوات، ولا يعرفون ماذا يريد أصحاب هذا الكلام بالدين. الدين عندهم هو ما يحدّد صلة الإنسان بالله، أي أن الدين هو العبادات عندنا، والعبادات (أي الصلاة والصيام) لا تدخل في السياسة ولا تدخل السياسة فيها. ولكن الإسلام ليس عبادات فقط؛ الإسلام فيه العبادات وفيه المعاملات، وفيه المناكحات وفيه العقوبات، وفيه الحقوق الدولية العامة والخاصة، وفيه الأخلاق وقواعد السلوك. فإذا لم نُدخِل السياسة في صلاتنا وصيامنا فهل نستطيع ألاّ نُدخِل في سياستنا آيات ربنا التي أنزلها علينا في قرآننا؟ هل نستطيع أن نحذف من سورة براءة أو الأنفال الآيات التي توجّه سياستنا الدولية؟

ولا تؤاخذوني إذا أعدت كلاماً قلته من يوم أصدرت أوّل كتاب لي سنة 1348هـ، ولا أزال أقوله، وهؤلاء لم يستطيعوا أن يفهموه إلى الآن.

(إلى أن قلت): أمّا المرض الذي جاءنا عن طريق الغرائز والشهوات فإن له قصّة. وقصّته أن طائفة من الشباب الذين تربّوا في فرنسا وفي غير فرنسا، ورأوا فيها ذلك الانطلاق وذلك التحلّل، ورأوا أنهم ما تمنّوا لذّة إلاّ نالوها ولا اشتهوا منهنّ واحدة إلاّ وصلوا إليها، فعشقوا تلك البلاد ورأوها جنّة من جِنان الشيطان.

فلما عادوا لم يستطيعوا أن يعيشوا في بلدهم الذي عادوا إليه

ص: 396

وهم يرون الجميلات ولا يقدرون على التمتع بهنّ، ولا يريدون (أو لا يقدرون) أن يقتصروا على الحلال القليل بعد استمتاعهم هناك بالحرام الكثير. وضاق عليهم الأمر واشتدّت الحال، وعاشوا من لذع الشهوة التي تتوقد نارها في قلوبهم عيش العذاب، فلما اشتدّ الضيق جاءهم الفرج.

قلنا لهم: تعالوا أنتم من دون الناس جميعاً فأشرِفوا على بناتنا في مدارسهن، لقد جعلنا إليكم أمر تربيتهن وتعليمهن وأمر ثقافتهن وإرشادهن. كما كلّفناكم، أنتم وحدكم، رعاية شبابنا وتوجيه أبنائنا في الصحف وفي الإذاعة، وهذا الذي جاءنا حديثاً ولم نكن نعرفه من قبل وهو الرائي (التلفزيون). فطارت عقولهم من الفرح وأطلقوا لشهواتهم العنان، وأحسّوا بمثل ما يحسّ به الذئب الجائع الذي يشتهي قضمة واحدة من لحم النعجة، ينام بإحدى مقلتيه يحلم بها وينظر بالثانية من بعيد إليها، فقلنا له: تفضّل يا حضرة الذئب المحترَم فأشرِف أنت على هذا القطيع الذي تمشي فيه مئة نعجة.

لقد سلّمناهم بناتنا وقلنا لهم: وجّهوهن الوجهة التي تشاؤون واصنعوا بهنّ ما ترون أنه أنفع لهن. فأخذوهن يرقصن لهم، يسافرنَ معهم، ويكشفنَ عن المستور من أعضائهنّ أمامهم، واخترعوا لذلك أسماء شيطانية هي «النهضة الفنية» و «النشاط الرياضي» و «الروح الجماعية» و «المقاومة الشعبية» ، وأسماء أخرى ليس لها كلها إلاّ معنى واحد هو التمتّع ببناتنا بعد أن حُرِموا التمتع ببنات فرنسا وغيرها من بلاد الغرب.

ص: 397

بدؤوا بالرياضة تعلّمها معلّمات للطالبات في باحة المدرسة، ثم خرجوا بهنّ إلى الساحة المكشوفة التي يراها الجيران، فلما رأونا سكتنا جعلوا لها ثياباً تكشف عن بعض الساق وعن نصف الذراع، فلما رأونا سكتنا ألّفوا من البنات فرقة كشّافة ومرشدات أخرجوهن يوم العرض، فأنكرنا إنكاراً ضعيفاً. وأنا أحمد الله على أني كنت أول من أنكر هذا في مجلّة الرسالة وكنت آخر من ثبت على الإنكار، ولكنهم رأوا الإنكار فردياً فلم يبالوا به.

صنعوا ما صنعوا على تخوّف أولاً وحذر، والعرب تقول «كاد المريب يقول: خذوني». فلما رأونا لا نبالي ولا نعترض ولا نغار على بناتنا خلعوا العذار وأزاحوا الستار، وجاؤوا جَهاراً من الباب بعد أن كانوا يتسلّلون من النافذة، حتى إنني رأيت في رحلتي مع المشايخ إلى مصر التي حدّثتكم حديثها، رأيت يوماً وقد دعانا صديق لنا إلى باخرة له راسية على شط النيل وأمامها ملعب مكشوف الجوانب مفتّح الأبواب، رأيت فيه وأنا قادم إلى الباخرة وأنا راجع منها مئات من الشبّان والشابّات لا يُستَر منهم ولا منهن إلاّ السوأة الكبرى، رأيتهم مضطجعين على الرمال جنباً إلى جنب يتمرّنون على حركات رياضية (جمنازية)، فيمسك المدرب البنت من كل عضو فيها: يمسكها من فخذها لتنقلب من فوق «الثابت» ، ويمدّ يده إلى ما شاء منها وهي عارية ما تستر إلاّ حلمتَي الثديَين والسوأتين، كما يُرى على السواحل في شطوط البحار! ورأينا مدارس ثانوية للبنات تقيم حفلات في آخر السنة (بيدي الآن بطاقتان للدعوة إليها) فيها بعد خطبة الافتتاح تسع رقصات تؤدّيهن الطالبات أمام المدعوّين من الرجال والنساء!

ص: 398

ففكّروا: مَن الذي يعلمهن هذه الرقصات؟ هل يعلّمها أستاذ الدين، أم مدرس العربية، أم معلّم الحساب؟ إنه شيء لا يعرفه إلاّ أصحاب الملهيات والحانات. هل تتصوّرون أن يأتي القائمون على تربية بناتكم ببعض هؤلاء الفُسّاق ليُلبِسوهن لباس الرقص ويعلّموهن هذه الرقصات؟! هذا والله الذي كان. تحولَت المدارس إلى مراقص، وصارت الطالبات يصنعن صنيع الأرتستات، أي الساقطات الفاسدات!

ثم جاؤوا بما كنا نعجز أن نتخيله تخيّلاً فأصبحنا نراه واقعاً ظاهراً، فأجبروا الأب على أن يبعث ببنته لتنام خارج بيتها شهراً كاملاً في هذه المعسكرات، في معسكر التلّ، تحت إشراف الرجال الأجانب. ولم يكفِهم ذلك حتى عرضوا لنا في الرائي (التلفزيون) صور بناتنا وهنّ يرقصن لهم في ليالي المعسكر.

وأنا لا أزال أتساءل: لماذا عرضوا ذلك في الرائي؟ لماذا؟ إنهم وصلوا إلى ما يريدون وأخذوا بناتنا رغماً عنّا لينَمْن شهراً بعيدات عن بيوتنا، فحقّقوا ما كانوا يتخيلونه ووصلوا إلى ما كانوا يريدونه. فلماذا عرضوهن علينا وهُنّ يرقصن لهم في تلك الليالي؟ هل كان ذلك عن غفلة منهم؟ هل كان ذلك مبالغة في إذلالنا، يقولون لنا: انظروا يا من تدّعون الشرف والنخوة كيف جعلنا بناتكم جواري لنا يرقصن أمامنا وأنتم ترون وتتألمون ولا تتكلمون؟ أم كان ذلك استفزازاً للناس، وتحقيقاً لمآرب أحزاب تريد أن يضطرب أمر الناس في هذا البلد وأن يُفقَد فيه الأمان؟

لست أدري. ولكن ذلك كله قد كان، فما نتيجة هذا الذي

ص: 399

كان؟ إن من أشكل المشكلات -يا سادة- توضيح الواضحات، ولكنني مع ذلك أوضّح لكم الواضح فأسأل: ما هو الرقص وما منشؤه؟

منشأ الرقص هو الحركاتُ التي كان يعملها قديماً الجواري المملوكات والبغايا الفاسدات لإثارة الرجال وتحريك الغرائز، ثم تهذّبَت شيئاً فشيئاً وصارت تقع مع أنغام الموسيقى وغدت فناً من الفنون. ومَن تأمّل الأعضاء التي تُحرَّك في الرقص وما يمكن أن يكون لها من دلالة تبيّن هذه الحقيقة التي ذكرتُها.

وأنا أفهم أن يكون في البلد مرقص لأهل اللهو، هذا ما تعلّمناه من أوربا! أما أن تتحوّل المدرسة التي أُقيمت للدّين وللأخلاق وللعلم، أن تتحوّل المدرسة إلى مرقص؟ فهذا الذي لا أستطيع أن أفهمه ولا أن أهضمه.

وأنا أفهم أن يكون في البلد امرأة فاسدة يُغوِيها الشيطان فتشتغل بالغناء للرجال والرقص أمامهم، وأن يكون فيه نساء شريفات عفيفات ديّنات صيّنات لا يصل إليهن الرجال ولا يقدرون على المتعة بهنّ إلاّ بالزواج الحلال. ولكني لا أستطيع أبداً أن أفهم كيف تصير الطالبة الشريفة هي المغنية الراقصة؟

ونحن جميعاً نعلم أن الشابّ العَزَب يتخيّل المرأة في خلوته فيُجَنّ بخيالها، ويتمثلها ويهيج لرؤية مثالها، وإذا هو رآها أثاره على البعد مرآها، وإن لمس طرف إصبعها هزّت اللمسة جسده وجسدها

فكيف تكون حاله وحالها عندما نُقيمها أمامه على المسرح، ونُلقي ساطع الأنوار عليها، ونأمرها أن تحرّك كتفها

ص: 400

وتهزّ ردفها وتمدّ ساقها، وأن تميل بجسدها وأن تُميل من ينظر إليها؟ وأن تفعل في الحفلة المدرسية كل ما تفعله الساقطات في الحانات والمواخير سواء بسواء، بالأغاني ذاتها والحركات ذاتها؟!

والبقية في الحلقة الآتية إن شاء الله.

* * *

ص: 401

إلى القرّاء الكرام

لقد بذلتُ في تصحيح هذا الكتاب غايةَ ما استطعت من الجهد، لكنّي لا آمَنُ أن يكون فيه خطأ سهوتُ عنه، لأن الكمال ليس لأحد من البشر، إنما هو من صفات خالق البشر. فأرجو أن يَمُنّ عليّ قارئه (وقارئ سائر كتب جدّي التي صحّحتُها وأعدت إخراجها من قريب) فينبّهني إلى أي خطأ سهوت عنه لكي أتداركه في الطبعات الآتيات، وأنا أشكره وأدعو له اللهَ بأن يجزل له الأجر والثواب.

مجاهد مأمون ديرانية

mujahed@al-ajyal.com

ص: 402

المحتويات

الحلقة (128) كتاب مفتوح إلى الأستاذ أحمد أمين

5

الحلقة (129) الحياة الأدبية قبل نصف قرن (2)

19

الحلقة (130) أنا والقلم

37

الحلقة (131) ذكريات جزائرية

51

الحلقة (132) بقيّة من حديث الجزائر

67

الحلقة (133) ذكريات فلسطينية

85

الحلقة (134) شارل ديغول وسوريا

101

الحلقة (135) في سبيل فلسطين قطعنا ربع محيط الأرض

117

الحلقة (136) قصّتي مع رقص السماح

131

الحلقة (137) تعليقات وهوامش

147

الحلقة (138) مؤتمر القدس الإسلامي

159

الحلقة (139) رجال كرام عرفتهم في مؤتمر القدس

175

الحلقة (140) كيف قابلنا الشيشكلي؟

189

الحلقة (141) بغداد، المحطّة الأولى في رحلتنا

203

الحلقة (142) زيارة للموصل وإربل

219

الحلقة (143) من بغداد إلى كراتشي

231

الحلقة (144) صور ولمحات من كراتشي

245

الحلقة (145) قصة باكستان

261

ص: 403

الحلقة (146) دهلي: الفردوس الإسلامي المفقود

275

الحلقة (147) حديث يوم الجلاء عن سوريا

287

الحلقة (148) دفاع عن الفضيلة (1)

301

الحلقة (149) دفاع عن الفضيلة (2)

315

الحلقة (150) لمحات من أسلوب الاستعمار

331

الحلقة (151) إفساد التعليم والأخلاق

على الطريقة الفرنسية

345

الحلقة (152) معركة دروس الديانة في مدارس الشام

357

الحلقة (153) كيف استقبلت دمشق جمال عبد الناصر؟

367

الحلقة (154) علماء الشام مع كمال الدين حسين

377

الحلقة (155) الخطبة التي هزّت دمشق

391

ص: 404

من آثار المؤلف

1 ـ أبو بكر الصديق

1935

2 ـ قصص من التاريخ

1957

3 ـ رجال من التاريخ

1958

4 ـ صور وخواطر

1958

5 ـ قصص من الحياة

1959

6 ـ في سبيل الإصلاح

1959

7 ـ دمشق

1959

8 ـ أخبار عمر

1959

9 ـ مقالات في كلمات

1959

10ـ من نفحات الحرم

1960

11ـ سلسلة حكايات من التاريخ (1 ـ 7)

1960

12ـ هتاف المجد

1960

13ـ من حديث النفس

1960

14ـ الجامع الأموي

1960

15ـ في أندونيسيا

1960

16ـ فصول إسلامية

1960

17ـ صيد الخاطر لابن الجوزي (تحقيق وتعليق)

1960

18ـ فِكَر ومباحث

1960

ص: 405

19ـ مع الناس

1960

20ـ بغداد: مشاهدات وذكريات

1960

21ـ سلسلة أعلام التاريخ (1ـ 5)

1960

22ـ تعريف عام بدين الإسلام

1970

23ـ فتاوى علي الطنطاوي

1985

24ـ ذكريات علي الطنطاوي (1ـ 8)

1985ـ 1989

25ـ مقالات في كلمات (الجزء الثاني)

2000

26ـ فتاوى علي الطنطاوي (الجزء الثاني)

2001

27ـ فصول اجتماعية

2002

28ـ سيّد رجال التاريخ (محمد صلى الله عليه وسلم

2002

29ـ نور وهداية

2006

* * *

ص: 406