الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ. وَيَعْتَمِدُ فِي غَسْلِ الدُّبُرِ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى، وَيَسْتَعْمِلُ مِنَ الْمَاءِ مَا يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْبَاطِنِ، وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ شَمَّ مِنْ يَدِهِ رِيحَهَا، فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَحَلِّ كَمَا هِيَ فِي الْيَدِ، أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابٌ
الْأَحْدَاثُ
الْحَدَثُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَعَلَى مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. فَيُقَالُ: حَدَثٌ أَكْبَرُ، وَحَدَثٌ أَصْغَرُ، وَإِذَا أُطْلِقَ، كَانَ الْمُرَادُ الْأَصْغَرَ غَالِبًا، وَهُوَ مُرَادُنَا هُنَا. وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا بِخَارِجٍ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، وَلَا بِقَهْقَهَةِ الْمُصَلِّي، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ، وَلَا بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَفِي لَحْمِ الْجَزُورِ قَوْلٌ قَدِيمٌ شَاذٌّ.
قُلْتُ: هَذَا الْقَدِيمُ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ، فَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ، فَإِنَّ فِيهِ حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ لَيْسَ عَنْهُمَا جَوَابٌ شَافٍ. وَقَدِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْمُحَدِّثِينَ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ كُلَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي شَرْحِ (الْمُهَذَّبِ) وَهَذَا الْقَدِيمُ مِمَّا أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنَّمَا يَنْتَقِضُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ.
الْأَوَّلُ: الْخَارِجُ مَنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، عَيْنًا كَانَ، أَوْ رِيحًا، مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، أَوْ دُبُرِهِمَا، نَادِرًا كَانَ، كَالدَّمِ وَالْحَصَى، أَوْ مُعْتَادًا، نَجِسَ الْعَيْنِ، أَوْ طَاهِرَهَا، كَالدُّودِ وَالْحَصَى، إِلَّا الْمَنِيَّ، فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِخُرُوجِهِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ أَيْضًا، وَدُبُرُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، كَغَيْرِهِ.
فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ قُبُلَيْهِ، نَقَضَ. وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَلَهُ حُكْمُ الْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ.
فَرْعٌ
إِذَا انْسَدَّ السَّبِيلُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ ثُقْبُهُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ، وَخَرَجَ مِنْهُ الْمُعْتَادُ، وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ، نَقَضَ قَطْعًا، وَإِنْ خَرَجَ نَادِرٌ، كَدَمٍ وَدُودٍ وَرِيحٍ، نَقَضَ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنِ انْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْسِدَادِ الْمُعْتَادِ، أَوْ تَحْتَهَا مَعَ انْفِتَاحِهِ، لَمْ يَنْقُضِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْهُ، عَلَى الْأَظْهَرِ، فَإِنْ نَقَضَ، فَفِي النَّادِرِ الْقَوْلَانِ، وَإِنِ انْفَتَحَ فَوْقَهَا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، لَمْ يَنْقُضْ قَطْعًا.
قُلْتُ: ذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنَ الْأَصْحَابِ إِلَى أَنَّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ. الثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الرِّيحَ، مِنَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ، وَمُرَادُهُمْ بِتَحْتِ الْمَعِدَةِ: مَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَبِفَوْقِهَا: السُّرَّةُ، وَمُحَاذَاتُهَا، وَمَا فَوْقَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ نَقَضْنَا، فَهَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الْخَارِجِ مِنْهُ عَلَى الْحَجَرِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. وَقِيلَ: أَوْجُهٌ، الْأَظْهَرُ: لَا. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ فِي الْمُعْتَادِ دُونَ النَّادِرِ، وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَلَا الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ، وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ فَوْقَ السُّرَّةِ، أَوْ مُحَاذِيًا لَهَا، وَلَا يَثْبُتُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ قَطْعًا، سِوَى الْغُسْلِ عَلَى وَجْهٍ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ الْمَهْرُ وَسَائِرُ أَحْكَامِ الْوَطْءِ.
قُلْتُ: لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ فَرْجِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ، انْتَقَضَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْخُنْثَى الْوَاضِحُ: إِذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ الزَّائِدِ شَيْءٌ، فَلَهُ حُكْمُ مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ. وَلَوْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْ مُشْكِلٍ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَنْتَقِضُ قَطْعًا وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ، يَنْتَقِضُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّاقِضُ الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ، فَإِنْ كَانَ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ، نَقَضَ بِكُلِّ حَالٍ. وَالسُّكْرُ النَّاقِضُ: مَا لَا شُعُورَ مَعَهُ دُونَ أَوَائِلِ النَّشْوَةِ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّ السُّكْرَ لَا يَنْقُضُ بِحَالٍ، وَهُوَ غَلَطٌ. وَأَمَّا النَّوْمُ، فَحَقِيقَتُهُ: اسْتِرْخَاءُ الْبَدَنِ، وَزَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ، وَخَفَاءُ كَلَامِ مَنْ عِنْدَهُ. وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ النُّعَاسُ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ، فَإِنَّهُمَا لَا يَنْقُضَانِ بِحَالٍ، فَإِنْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ مَقَرِّهِ، لَمْ يَنْقُضْ. وَقِيلَ: إِنِ اسْتَنَدَ إِلَى مَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ، نَقَضَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ، نَقَضَ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يَنْقُضُ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ كَانَ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ قَائِمًا. وَفِي قَوْلٍ: يَنْقُضُ وَإِنْ كَانَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ.
قُلْتُ: لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ قَلِيلِ النَّوْمِ وَكَثِيرِهِ. وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: لَا يَنْتَقِضُ. وَالثَّالِثُ: يَنْتَقِضُ وُضُوءُ نَحِيفِ الْأَلْيَيْنِ دُونَ غَيْرِهِ. وَلَوْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ فَزَالَتْ إِحْدَى أَلْيَتَيْهِ عَنِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِانْتِبَاهِ، انْتَقَضَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ شَكَّ، لَمْ يَنْتَقِضْ. وَلَوْ شَكَّ، هَلْ نَامَ أَمْ نَعَسَ؟ أَوْ هَلْ نَامَ مُمَكِّنًا أَمْ لَا؟ لَمْ يَنْتَقِضْ. وَلَوْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِالْأَرْضِ، انْتَقَضَ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَثْفِرًا بِشَيْءٍ، انْتَقَضَ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَصْحَابُ: يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنَ النَّوْمِ مُمَكِّنًا لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّاقِضُ الثَّالِثُ: لَمْسُ بَشَرَةِ امْرَأَةٍ مُشْتَهَاةٍ، فَإِنْ لَمَسَ شَعْرًا، أَوْ سِنًّا، أَوْ ظُفُرًا، أَوْ عُضْوًا مُبَانًا مِنِ امْرَأَةٍ، أَوْ بَشَرَةَ صَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ لَمَسَ مُحَرَّمًا بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ لَمَسَ مَيْتَةً، أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى، أَوْ عُضْوًا أَشَلَّ، أَوْ زَائِدًا، أَوْ لَمَسَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، أَوْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ، انْتَقَضَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ،
وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي انْتِقَاضِ طُهْرِهَا بِلَمْسِهَا مِنَ الرَّجُلِ مَا يَنْقُضُهُ مِنْهَا. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهَا لَا تَزَالُ مَلْمُوسَةً، فَإِذَا لَمَسَتْ رَجُلًا، كَانَ فِي انْتِقَاضِهَا الْقَوْلَانِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: وَلَوِ الْتَقَتْ بَشَرَتَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِحَرَكَةٍ مِنْهُمَا، انْتَقَضَتَا قَطْعًا وَلَيْسَ فِيهِمَا مَلْمُوسٌ. وَلَوْ لَمَسَ الشَّيْخُ الْفَاقِدُ لِلشَّهْوَةِ شَابَّةً، أَوْ لَمَسَتِ الْفَاقِدَةُ لِلشَّهْوَةِ شَابًّا، أَوِ الشَّابَّةُ شَيْخًا لَا يُشْتَهَى، انْتَقَضَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْمُرَاهِقُ، وَالْخَصِيُّ، وَالْعِنِّينُ، يَنْقُضُونَ وَيَنْتَقِضُونَ. وَلَوْ لَمَسَ الرَّجُلُ أَمْرَدَ حَسَنَ الصُّورَةِ بِشَهْوَةٍ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ لَامِسٌ أَوْ مَلْمُوسٌ؟ فَهُوَ مَلْمُوسٌ، أَوْ هَلْ لَمَسَ مُحَرَّمًا، أَوْ أَجْنَبِيَّةً؟ فَمُحَرَّمٌ. وَلَوْ لَمَسَ مُحَرَّمًا بِشَهْوَةٍ، فَكَلَمْسِهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ. وَلَمْسُ اللِّسَانِ، وَلَحْمِ الْأَسْنَانِ، وَاللَّمْسُ بِهِ، يَنْتَقِضُ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّاقِضُ الرَّابِعُ: مَسُّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ، فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ إِذَا مَسَّ بِبَطْنِ كَفِّهِ فَرْجَ آدَمِيٍّ، مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، قُبُلًا كَانَ الْمَمْسُوسُ، أَوْ دُبُرًا. وَفِي فَرْجِ الصَّغِيرِ، وَالْمَيِّتِ، وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَفِي الدُّبُرِ قَوْلٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ. وَالْمُرَادُ بِالدُّبُرِ: مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ، وَمَسُّ مَحَلِّ الْجَبِّ يَنْقُضُ قَطْعًا إِنْ بَقِيَ شَيْءٌ شَاخِصٌ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، نَقَضَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَسُّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَالْأَشَلِّ، وَالْمَسُّ بِالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَنَاسِيًا، نَاقِضٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ مَسَّ بِبَاطِنِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ، إِنْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَصَابِعِ، نَقَضَتْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَلَا، عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ كَانَ لَهُ كَفَّانِ عَامِلَتَانِ، نَقَضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَامِلَةً نَقَضَتْ دُونَ الْأُخْرَى. وَقِيلَ: فِي الزَّائِدَةِ خِلَافٌ مُطْلَقًا. وَلَا يَنْقُضُ مَسُّ دُبُرِ الْبَهِيمَةِ قَطْعًا، وَلَا قُبُلِهَا، عَلَى الْجَدِيدِ الْمَشْهُورِ.
قُلْتُ: أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ الْقُبُلَ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَرْجِهَا، لَمْ يَنْقُضْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَسِّ بِبَطْنِ كَفِّهِ، فَإِنْ مَسَّ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ، أَوْ بِمَا بَيْنَهَا، أَوْ بِحَرْفِهَا، أَوْ حَرْفِ الْكَفِّ، لَمْ يَنْتَقِضْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمَنْ نَقَضَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ قَالَ: بَاطِنُ الْكَفِّ: مَا بَيْنَ الْأَظْفَارِ وَالزَّنْدِ طُولًا. وَمَنْ لَمْ يَنْقُضْ بِهِ يَقُولُ: هُوَ الْقَدْرُ الْمُنْطَبِقُ إِذَا وَضَعْتَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ. وَأَمَّا الْمَمْسُوسُ فَرْجُهُ، فَلَا يَنْتَقِضُ قَطْعًا.
قُلْتُ: وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلَانِ، كَالْمَلْمُوسِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
إِذَا مَسَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَرْجَ وَاضِحٍ، فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ، وَإِنْ مَسَّ فَرْجَيْ نَفْسِهِ، انْتَقَضَ، أَوْ أَحَدَهُمَا، فَلَا. وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَالثَّانِي: يَجِبُ قَضَاؤُهُمَا، وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ، أَعَادَ الظُّهْرَ قَطْعًا فَقَطْ، أَمَّا إِذَا مَسَّ الْوَاضِحُ خُنْثَى، فَإِنْ مَسَّ مِنْهُ مَا لَهُ مِثْلُهُ، انْتَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ بِمَسِّ ذَكَرِ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةِ بِفَرْجِهِ، وَلَا عَكْسَ. هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَاسِّ وَالْخُنْثَى مَحْرَمِيَّةٌ، أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ النَّقْضَ، وَحَيْثُ نَقَضْنَا الْوَاضِحَ، فَالْخُنْثَى مَمْسُوسٌ لَا مَلْمُوسٌ، وَلَوْ مَسَّ الْمُشْكِلُ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ، أَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ مُشْكِلٍ، انْتَقَضَ. وَلَوْ مَسَّ أَحَدٌ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ، لَمْ يَنْتَقِضْ. وَلَوْ مَسَّ أَحَدُ الْمُشْكِلَيْنِ فَرْجَ صَاحِبِهِ، وَمَسَّ الْآخَرُ ذَكَرَ الْأَوَّلِ، انْتَقَضَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، لَكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ: الطَّهَارَةُ.
مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الْيَقِينِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الشَّكِّ، فَلَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، أَوْ عَكْسُهُ، عَمِلَ بِالْيَقِينِ فِيهِمَا. وَلَوْ ظَنَّ الْحَدَثَ بَعْدَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ، فَكَالشَّكِّ، فَلَهُ الصَّلَاةُ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَجَبَ الْوُضُوءُ، وَهَذَا شَاذٌّ، بَلْ غَلَطٌ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا إِذَا مَسَّ الْخُنْثَى فَرْجَهُ مَرَّتَيْنِ، وَشَكَّ، هَلِ الْمَمْسُوسُ ثَانِيًا الْأَوَّلُ، أَمِ الْآخَرُ؟ أَوْ شَكَّ مَنْ نَامَ قَاعِدًا، ثُمَّ تَمَايَلَ وَانْتَبَهَ، أَيُّهُمَا كَانَ أَسْبَقُ؟ أَوْ شَكَّ هَلْ مَا رَآهُ رُؤْيَا، أَمْ حَدِيثُ نَفْسٍ؟ أَوْ هَلْ لَمَسَ الْبَشَرَةَ، أَمِ الشَّعْرَ؟ فَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ فِي جَمِيعِ هَذَا. وَكَذَا الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وَلَوْ تَيَقَّنَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَدَثًا، وَطَهَارَةً، وَلَمْ يَعْلَمْ أَسْبَقَهُمَا، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُحْدِثًا، فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَالْآنَ مُحْدِثٌ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَادُ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، وَإِلَّا فَمُتَطَهِّرٌ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَجَبَ الْوُضُوءُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى مَا بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَجَبَ الْوُضُوءُ. وَالثَّالِثُ: لَا نَظَرَ إِلَى مَا قَبْلَ الطُّلُوعِ، بَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ.
قُلْتُ: الْوَجْهُ الثَّانِي: غَلَطٌ صَرِيحٌ، وَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْعَمَلِ بِمَا تَيَقَّنَ بُطْلَانَهُ؟ ! وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا. وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ: يَعْمَلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ دَلَائِلَهُ فِي شَرْحِ (الْمُهَذَّبِ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
فِي بَيَانِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ
لِزَوَالِ إِشْكَالِهِ صُوَرٌ. مِنْهَا: خُرُوجُ الْبَوْلِ. فَإِنْ بَالَ بِفَرْجِ الرِّجَالِ وَحْدَهُ ; فَهُوَ رَجُلٌ، أَوْ بِفَرْجِ النِّسَاءِ، فَامْرَأَةٌ. فَإِنْ بَالَ بِهِمَا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا دَلَالَةَ فِيهِ. وَأَصَحُّهُمَا: يَدُلُّ لِلسَّابِقِ إِنِ اتَّفَقَ انْقِطَاعُهُمَا، وَلِلْمُتَأَخِّرِ إِنِ اتَّفَقَ ابْتِدَاؤُهُمَا، فَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ وَتَأَخَّرَ آخَرُ، فَلِلسَّابِقِ، فَإِنِ اتَّفَقَا فِيهِمَا وَزَادَ أَحَدُهُمَا، أَوْ زَرَّقَ بِهِمَا، أَوْ رَشَّشَ، فَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي: يُعْمَلُ بِالْكَثْرَةِ، وَيُجْعَلُ بِالتَّزْرِيقِ رَجُلًا، وَبِالتَّرْشِيشِ امْرَأَةً. فَإِنِ اسْتَوَى قَدْرُهُمَا، أَوْ زَرَّقَ بِوَاحِدٍ وَرَشَّشَ بِآخَرَ، فَلَا دَلَالَةَ. وَمِنْهَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ فِي وَقْتِهِمَا. فَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرِّجَالِ، فَرَجُلٌ، أَوْ بِفَرْجِ النِّسَاءِ، أَوْ حَاضَ، فَامْرَأَةٌ بِشَرْطِ تَكَرُّرِهِ. فَإِنْ أَمْنَى مِنْهُمَا، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا دَلَالَةَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إِنْ أَمْنَى مِنْهُمَا بِصِفَةِ مَنِيِّ الرِّجَالِ، فَرَجُلٌ، أَوْ بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ، فَامْرَأَةٌ. فَإِنْ أَمْنَى مِنْ أَحَدِهِمَا بِصِفَةٍ، وَمِنَ الْآخَرِ بِالصِّفَةِ الْأُخْرَى، فَلَا دَلَالَةَ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْمَنِيِّ مُطْلَقًا وَهُوَ شَاذٌّ. وَمِنْهَا خُرُوجُ الْوَلَدِ، وَهُوَ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْأُنُوثَةِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَلَامَاتِ. وَلَوْ تَعَارَضَ الْبَوْلُ بِالْحَيْضِ، أَوِ الْمَنِيِّ، فَالْأَصَحُّ: لَا دَلَالَةَ. وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الْبَوْلُ. وَمِنْهَا نَبَاتُ اللِّحْيَةِ، وَنُهُودُ الثَّدْيِ، وَتَفَاوُتُ الْأَضْلَاعِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا. وَالثَّانِي: اللِّحْيَةُ تَدُلُّ، أَوْ نُقْصَانُ ضِلْعٍ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِلذُّكُورَةِ، وَالنُّهُودُ وَتَسَاوِي الْأَضْلَاعِ لِلْأُنُوثَةِ. وَلَا يَدُلُّ عَدَمُ اللِّحْيَةِ وَالنُّهُودِ فِي وَقْتِهِمَا عَلَى الْأُنُوثَةِ وَالذُّكُورَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَمِنْهَا الْمَيْلُ. فَإِذَا قَالَ: أَمِيلُ إِلَى النِّسَاءِ، فَرَجُلٌ، أَوْ إِلَى الرِّجَالِ، فَامْرَأَةٌ، بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَنِ الْأَمَارَاتِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَيْلِ. وَلَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ. وَفِي وَجْهٍ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُمَيِّزِ ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِهِ.