الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَجْعَلَهَا مُقَابِلَةً لِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ وَلَا يَصْمُدَ لَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الثَّامِنُ: الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ. فَلَوْ أَكَلَ شَيْئًا، وَإِنْ قَلَّ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا تَبْطُلُ بِالْقَلِيلِ، وَهُوَ غَلَطٌ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ فَابْتَلَعَهُ، أَوْ نَزَلَتْ نُخَامَةٌ مِنْ رَأْسِهِ فَابْتَلَعَهَا عَمْدًا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ أَكَلَ مَغْلُوبًا، بِأَنْ جَرَى الرِّيقُ بِبَاقِي الطَّعَامِ، أَوْ نَزَلَتِ النُّخَامَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إِمْسَاكُهَا لَمْ تَبْطُلْ. وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنْ قَلَّ لَمْ تَبْطُلْ. وَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَتُعْرَفُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ. وَلَوْ وَصَلَ شَيْءٌ إِلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ مَضْغٍ وَابْتِلَاعٍ، بِأَنْ وَضَعَ فِي فَمِهِ سُكَّرَةً فَذَابَتْ وَنَزَلَتْ إِلَى جَوْفِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. فَعَلَى هَذَا تَبْطُلُ بِكُلِّ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَضْغَ وَحْدَهُ فِعْلٌ يُبْطِلُ الْكَثِيرُ مِنْهُ. وَإِنْ لَمْ يَصِلْ شَيْءٌ إِلَى الْجَوْفِ، حَتَّى لَوْ كَانَ يَمْضُغُ عِلْكًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَمْضُغْهُ، وَكَانَ جَدِيدًا يَذُوبُ فَهُوَ كَالسُّكَّرَةِ. وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ أَمْسَكَ فِي فَمِهِ إِجَّاصَةً.
فَصْلٌ
وَلِلْمُحْدِثِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ.
قُلْتُ: وَكَذَا النَّوْمُ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مُكْثِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَعُبُورِهِمَا. وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ بِحَالٍ، سَوَاءٌ مَسَاجِدُهُ وَغَيْرُهَا. وَلَهُ دُخُولُ مَسَاجِدِ غَيْرِ الْحَرَمِ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. وَلَيْسَ لَهُ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ فَعَلَهُ عُزِّرَ. قَالَ فِي (التَّهْذِيبِ) : لَوْ جَلَسَ فِيهِ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ، فَلِلذِّمِّيِّ دُخُولُهُ لِلْمُحَاكَمَةِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَيُنَزَّلُ جُلُوسُهُ مَنْزِلَةَ إِذْنِهِ. وَإِذَا اسْتَأْذَنَ لِنَوْمٍ أَوْ
أَكْلٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْذَنَ لَهُ. وَإِنِ اسْتَأْذَنَ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ أَذِنَ لَهُ رَجَاءَ إِسْلَامِهِ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا، فَإِنْ كَانَ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنَ الْمُكْثِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا. وَالْكَافِرَةُ الْحَائِضَةُ تُمْنَعُ حَيْثُ تُمْنَعُ الْمُسْلِمَةُ، وَكَذَا الصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِهِ.
قُلْتُ: وَلَا يُمْنَعُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ مِنْ دُخُولِ الْمُصَلَّى الَّذِي لَيْسَ بِمَسْجِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَيْنِ. وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنْعِ الْكَافِرِ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَقَدْ ذَكَرْتُ جُمَلًا مِنَ الْفَوَائِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسْجِدِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغَسْلَ، مِنْ شَرْحِ (الْمُهَذَّبِ) . وَأَنَا أُشِيرُ إِلَى أَحْرُفٍ مِنْ بَعْضِهَا، فَيُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ، وَاتِّخَاذُ الشُّرُفَاتِ لَهُ. وَلَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. وَالْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ. فَإِنْ خَالَفَ فَبَصَقَ فَقَدِ ارْتَكَبَ النَّهْيَ، فَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهُ فِي رَمْلِ الْمَسْجِدِ وَتُرَابِهِ. وَلَوْ مَسَحَهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا كَانَ أَفْضَلَ. وَيُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ - دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِلَا ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يَذْهَبْ رِيحُهُ. وَيُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِيهِ. فَإِنْ غُرِسَ قَطَعَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَيُكْرَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ، وَيُكْرَهُ عَمَلُ الصَّنَائِعِ، وَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِ وَالْوُضُوءِ إِذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ النَّاسُ. وَيُقَدِّمُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَفِي الْخُرُوجِ الْيُسْرَى، وَيَدْعُو بِالدَّعَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ. وَلِحَائِطِ الْمَسْجِدِ مِنْ خَارِجِهِ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ السَّادِسُ فِي السَّجَدَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ
هُنَّ ثَلَاثٌ. الْأُولَى: سُجُودُ السَّهْوِ، وَهُوَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ شَيْئَانِ: تَرْكُ مَأْمُورٍ، وَارْتِكَابُ مَنْهِيٍّ. أَمَّا تَرْكُ الْمَأْمُورِ فَقِسْمَانِ: تَرْكُ رُكْنٍ وَغَيْرِهِ. أَمَّا الرُّكْنُ فَلَا يَكْفِي عَنْهُ السُّجُودُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهِ. ثُمَّ قَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ السُّجُودَ بَعْدَ التَّدَارُكِ، وَقَدْ لَا يَقْتَضِيهِ. كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا غَيْرُ الرُّكْنِ فَأَبْعَاضٌ وَغَيْرُهَا. فَالْأَبْعَاضُ: تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ مَجْبُورَةٌ بِالسُّجُودِ إِنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا سَهْوًا قَطْعًا. وَكَذَلِكَ إِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبْعَاضِ مِنَ السُّنَنِ، فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ. وَلَنَا قَوْلٌ قَدِيمٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ كُلِّ مَسْنُونٍ، ذِكْرًا كَانَ أَوْ عَمَلًا. وَوَجْهُهُ: أَنَّ مَنْ نَسِيَ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَجَدَ. وَأَمَّا الْمَنْهِيُّ فَقِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ. كَالِالْتِفَاتِ، وَالْخُطْوَةِ، وَالْخُطْوَتَيْنِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ بِعَمْدِهِ، كَالْكَلَامِ، وَالرُّكُوعِ الزَّائِدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَقْتَضِيَ سَهْوُهُ السُّجُودَ. وَالثَّانِي: يَقْتَضِيهِ إِذَا لَمْ تَبْطُلِ الصَّلَاةُ. وَقَوْلُنَا: إِذَا لَمْ تَبْطُلِ الصَّلَاةُ، احْتِرَازٌ مِنْ كَثِيرِ الْفِعْلِ، وَالْأَكْلِ، وَالْكَلَامِ، فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِعَمْدِهَا. وَكَذَلِكَ بِسَهْوِهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ فَلَا سُجُودَ. وَاحْتِرَازٌ مِنَ الْحَدَثِ أَيْضًا، فَإِنَّ عَمْدَهُ وَسَهْوَهُ يُبْطِلَانِ الصَّلَاةَ وَلَا سُجُودَ.
فَرْعٌ
الِاعْتِدَالُ عَنِ الرُّكُوعِ رُكْنٌ قَصِيرٌ، أُمِرَ الْمُصَلِّي بِتَخْفِيفِهِ. فَلَوْ أَطَالَهُ عَمْدًا بِالسُّكُوتِ أَوِ الْقُنُوتِ أَوْ بِذِكْرٍ آخَرَ لَيْسَ بِرُكْنٍ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) : تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إِلَّا حَيْثُ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّطْوِيلِ بِالْقُنُوتِ، أَوْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ قَنَتَ عَمْدًا فِي اعْتِدَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ. وَإِنْ طَوَّلَ بِذِكْرٍ آخَرَ لَا يَقْصِدُ الْقُنُوتَ لَمْ تَبْطُلْ.
قُلْتُ: ثَبَتَ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَوَّلَ الِاعْتِدَالَ جِدًّا. فَالرَّاجِحُ دَلِيلًا جَوَازُ إِطَالَتِهِ بِالذِّكْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا ذِكْرِيًّا إِلَى رُكْنٍ طَوِيلٍ، بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا، فِي الرُّكُوعِ أَوِ الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ، أَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْقِيَامِ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ قَطْعًا. وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ نَقَلَهُ إِلَى الِاعْتِدَالِ وَلَمْ يُطِلْ، بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَ التَّشَهُّدِ. فَلَوِ اجْتَمَعَ الْمَعْنِيَّانِ بِطُولِ الِاعْتِدَالِ بِالْفَاتِحَةِ أَوِ التَّشَهُّدِ، بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: قَطْعًا. وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: طَوِيلٌ، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَالْجُمْهُورُ. فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا فَلَا بَأْسَ بِتَطْوِيلِهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفِي تَطْوِيلِهِ عَمْدًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الِاعْتِدَالِ. وَإِذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِعَمْدِهِ، فَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا تَبْطُلُ، فَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، كَسَائِرِ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ. وَأَصَحُّهُمَا: يَسْجُدُ. وَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ قَوْلِنَا: مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ، لَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ.