الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
إِذَا جَاوَزَ دَمُ النُّفَسَاءِ سِتِّينَ، فَقَدِ اخْتَلَطَ نِفَاسُهَا بِاسْتِحَاضَتِهَا. وَطَرِيقُ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ.
وَفِي وَجْهٍ: نِفَاسُهَا سِتُّونَ. وَمَا بَعْدَهَا اسْتِحَاضَةٌ إِلَى تَمَامِ طُهْرِهَا الْمُعْتَادِ، أَوِ الْمَرْدُودِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً، وَمَا بَعْدَهُ حَيْضٌ.
فِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: نِفَاسُهَا سِتُّونَ. وَمَا بَعْدَهَا حَيْضٌ مُتَّصِلٌ بِهِ. وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالْمُسْتَحَاضَاتِ: خَمْسٌ.
الْأُولَى: الْمُعْتَادَةُ. فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً أَرْبَعِينَ مَثَلًا، كَانَ نِفَاسُهَا الْآنَ أَرْبَعِينَ. وَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فِيهِ، فَطُهْرُهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ، قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ، ثُمَّ تَحِيضُ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِيهِ، فَتَجْعَلُ الْقَدْرَ الَّذِي تَرُدُّ إِلَيْهِ الْمُبْتَدَأَةُ فِي الطُّهْرِ، طُهْرًا لَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ. وَالَّذِي تَرُدُّ إِلَيْهِ فِي الْحَيْضِ، حَيْضًا لَهَا بَعْدَهُ.
ثُمَّ الْخِلَافُ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ إِذَا اجْتَمَعَا يَجْرِي هُنَا كَمَا فِي الْحَيْضِ. وَلَوْ وَلَدَتْ مِرَارًا وَلَمْ تَرَ دَمًا، ثُمَّ وَلَدَتْ وَاسْتُحِيضَتْ، لَمْ يَكُنْ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةً، بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِيهِ، كَالَّتِي لَمْ تَلِدْ أَصْلًا.
الْمُسْتَحَاضَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ: الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، فَتَرُدُّ إِلَى لَحْظَةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِلَى أَرْبَعِينَ عَلَى الثَّانِي. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَفِي قَوْلٍ غَرِيبٍ: تَرُدُّ إِلَى سِتِّينَ. وَفِي وَجْهٍ: إِلَى اللَّحْظَةِ جَزْمًا. ثُمَّ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ النُّفَسَاءُ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ حُسِبَ لَهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ طُهْرُهَا ثُمَّ حَيْضُهَا الْمُعْتَادَانِ.
وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِيهِ، أَقَمْنَا طُهْرَهَا ثُمَّ حَيْضَهَا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حَالُ الْمُبْتَدَأَةِ.
وَأَمَّا الْمُمَيِّزَةُ
فَتَرُدُّ إِلَى التَّمْيِيزِ بِشَرْطِهِ. كَالْحَائِضِ، وَشَرْطُ تَمْيِيزِ النُّفَسَاءِ، أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا. وَلَا ضَبْطَ فِي أَقَلِّهِ، وَلَا أَقَلِّ الضَّعِيفِ.
الْمُسْتَحَاضَةُ الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ. تَقَدَّمَ حُكْمُهَا هُنَا فِي الْمُعْتَادَةِ.
الْمُسْتَحَاضَةُ الْخَامِسَةُ: النَّاسِيَةُ لِعَادَةِ نِفَاسِهَا، فِيهَا الْقَوْلَانِ، كَنَاسِيَةِ الْحَيْضِ. فَعَلَى قَوْلٍ تَرُدُّ إِلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ. وَرَجَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا.
وَعَلَى قَوْلٍ: تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ. وَعَلَى هَذَا، إِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ أَيْضًا، وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ أَبَدًا.
وَكَذَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ نَاسِيَةً عَادَتَهَا. وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ، فَهِيَ كَنَاسِيَةِ وَقْتِ الْحَيْضِ، الْعَارِفَةِ بِقَدْرِهِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا.
فَرْعٌ:
إِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ، فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُجَاوِزَ سِتِّينَ، فَيُنْظَرُ، إِنْ لَمْ تَبْلُغْ مُدَّةُ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الطُّهْرِ، بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا نَقَاءً، فَأَزْمِنَةُ الدَّمِ نِفَاسٌ قَطْعًا. وَفِي النَّقَاءِ الْقَوْلَانِ كَالْحَيْضِ.
وَإِنْ بَلَغَتْهُ، بِأَنْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ دَمًا أَيَّامًا، ثُمَّ رَأَتِ النَّقَاءَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَائِدَ دَمُ حَيْضٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نِفَاسٌ.
وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا، ثُمَّ رَأَتْهُ، فَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا.
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ: لَوْ نَقَصَ الْعَائِدُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نِفَاسٌ لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ حَيْضًا. وَلَوْ زَادَ الْعَائِدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. فَيُنْظَرُ، أَهِيَ مُعْتَادَةٌ، أَمْ مُبْتَدَأَةٌ؟ وَيَحْكُمُ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْحَالُ.
وَإِنْ جَعْلَنَا الْعَائِدَ نِفَاسًا، فَمُدَّةُ النَّقَاءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
فِي التَّلْفِيقِ. إِنْ سَحَبْنَا فَنِفَاسٌ، وَإِنْ لَفَّقْنَا فَطُهْرٌ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: هُوَ طُهْرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تُجَاوِزَ سِتِّينَ؛ فَإِنْ بَلَغَ زَمَنُ النَّقَاءِ فِي السِّتِّينَ أَقَلَّ الطُّهْرِ، ثُمَّ جَاوَزَ الْعَائِدَ، فَالْعَائِدُ حَيْضٌ قَطْعًا وَلَا يَجِئُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةٌ مُمَيِّزَةٌ، رَدَّتْ إِلَى التَّمْيِيزِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ. وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رَدَّتْ إِلَى الْعَادَةِ.
وَفِي الْأَحْوَالِ يُرَاعَى قَوْلَا التَّلْفِيقِ. فَإِنْ سَحْبَنَا، فَالدِّمَاءُ فِي أَيَّامِ الْمَرَدِّ مَعَ النَّقَاءِ نِفَاسٌ. وَإِنْ لَفَّقْنَا فَتُلَفَّقُ مِنْ أَيَّامِ الْمَرَدِّ، أَمْ مِنْ أَيَّامِ السِّتِّينَ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَيْضِ.
قُلْتُ: وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي النِّفَاسِ، كَهِيَ فِي الْحَيْضِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَبِهِ صَرَّحَ الْفَوْرَانِيُّ، وَالْبَغَوَيُّ، وَصَاحِبُ (الْعُدَّةِ) ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ: بِأَنَّهَا نِفَاسٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ شَاهِدٌ لِلنِّفَاسِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ.
وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ، وَاغْتَسَلَتْ، أَوْ تَيَمَّمَتْ حَيْثُ يَجُوزُ، فَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ بِلَا كَرَاهَةٍ. حَتَّى قَالَ صَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَ (الْبَحْرِ) : لَوْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سَاعَةً، وَانْقَطَعَ، لَزِمَهُ الْغُسْلُ، وَحَلَّ الْوَطْءُ. فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَ الدَّمِ، اسْتُحِبَّ لَهُ التَّوَقُّفُ احْتِيَاطًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.