المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في انتهاء السفر الذي يقطع الترخص - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي قَاعِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ وَمَحَلِّهِ

- ‌فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَكَيْفِيَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌفِي النَّوَافِلِ الَّتِي يُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ

- ‌بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ. وَإِلَّا، فَلَا يُعَدَّانِ مَسْجِدًا وَاحِدًا. وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا، أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: إِنْ كَانَ مُغْلَقًا، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ. وَوَجْهٌ مِثْلُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى السَّطْحِ، وَبَابُ الْمَرْقَى مُغْلَقًا. وَلَوْ كَانَا فِي مَسْجِدَيْنِ، يَحُولُ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ طَرِيقٌ، أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، فَهُوَ كَمَا إِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدٍ، وَالْآخَرُ فِي مِلْكٍ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ، فَإِنْ حُفِرَ النَّهْرُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا، فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ فِي جِوَارِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ بِإِمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَجَمَاعَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ. وَهَذَا كَالضَّابِطِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدَيْنِ. فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَغَايُرَ الْحُكْمِ، إِذَا انْفَرَدَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْطَعُ التَّرَخُّصَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌فصل في انتهاء السفر الذي يقطع الترخص

بَيْنَ حَالَتَيِ الرُّجُوعِ وَالْحُصُولِ فِي الْبَلْدَةِ فِي التَّرَخُّصِ وَعَدَمِهِ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَوْضِعِ الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ. فَإِنْ كَانَتْ فَهُوَ مُسَافِرٌ مُسْتَأْنِفٌ فَيَتَرَخَّصُ.

‌فَصْلٌ فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْطَعُ التَّرَخُّصَ

وَيَحْصُلُ بِأُمُورٍ: الْأَوَّلُ: الْعَوْدُ إِلَى الْوَطَنِ، وَالضَّبْطُ فِيهِ: أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ فِي إِنْشَاءِ السَّفَرِ مِنْهُ. وَفِي مَعْنَى الْوَطَنِ: الْوُصُولُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُسَافِرُ إِلَيْهِ إِذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ مِنَ التَّرَخُّصِ، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَنْتَهِ سَفَرُهُ بِالْوُصُولِ إِلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ حَصَلَ فِي طَرِيقِهِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ، فَهَلْ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِدُخُولِهَا؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا. وَلَوْ مَرَّ فِي طَرِيقِ سَفَرِهِ بِوَطَنِهِ، بِأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَنَوَى أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ خَرَجَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ إِقَامَةٍ، فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهَا. وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ: فِيهِ الْقَوْلَانِ كَبَلَدِ أَهْلِهِ. فَعَلَى أَحَدِهِمَا: الْعَوْدُ إِلَى الْوَطَنِ لَا يُوجِبُ انْتِهَاءَ السَّفَرِ، إِلَّا إِذَا كَانَ عَازِمًا عَلَى الْإِقَامَةِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: نِيَّةُ الْإِقَامَةِ. فَإِذَا نَوَى فِي طَرِيقِهِ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا انْقَطَعَ سَفَرُهُ فَلَا يَقْصُرُ. فَلَوْ أَنْشَأَ السَّيْرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ سَفَرٌ جَدِيدٌ فَلَا يَقْصُرُ إِلَّا إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ. هَذَا إِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ بَلْدَةٍ

ص: 383

أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ وَادٍ يُمْكِنُ الْبَدَوِيُّ النُّزُولَ فِيهِ لِلْإِقَامَةِ. فَأَمَّا الْمَفَازَةُ وَنَحْوُهَا، فَفِي انْقِطَاعِ السَّفَرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: انْقِطَاعُهُ. وَلَوْ نَوَى إِقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ، لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا قَطْعًا وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: إِنْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، صَارَ مُقِيمًا. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ نِيَّةً دُونَ الْأَرْبَعَةِ لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ كَيْفَ تُحْسَبُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرِهِ، أَحَدُهُمَا: يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَمَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْحَدَثِ وَيَوْمُ نَزْعِ الْخُفِّ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يُحْسَبَانِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ دَخَلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقْتَ الزَّوَالِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَقْتَ الزَّوَالِ صَارَ مُقِيمًا. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَصِيرُ (مُقِيمًا)، وَإِنْ دَخَلَ ضَحْوَةَ السَّبْتِ وَخَرَجَ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: مَتَى نَوَى إِقَامَةً زَائِدَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا. وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ الْأَيَّامُ الْمُحْتَمَلَةُ مَعْدُودَةٌ مَعَ لَيَالِيهَا. وَإِذَا نَوَى مَا لَا يُحْتَمَلُ صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ. وَلَوْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ يَحْسِبْ بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ وَيَحْسِبِ الْغَدَ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ، أَمَّا الْمُحَارِبُ إِذَا نَوَى إِقَامَةَ قَدْرٍ يَصِيرُ غَيْرُهُ بِهِ مُقِيمًا، فَفِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ كَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: يَقْصُرُ أَبَدًا.

قُلْتُ: وَلَوْ نَوَى الْعَبْدُ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوِ الزَّوْجَةُ أَوِ الْجَيْشُ وَلَمْ يَنْوِ السَّيِّدُ وَلَا الزَّوْجُ وَلَا الْأَمِيرُ، فَفِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ فِي حَقِّهِمْ وَجْهَانِ. الْأَقْوَى: أَنَّ لَهُمُ الْقَصْرَ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَقِلُّونَ، فَنِّيَّتُهُمْ كَالْعَدَمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: صُورَةُ الْإِقَامَةِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ شُغْلٌ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فَأَقَامَ لَهُ، فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْجُوَ فَرَاغَ شُغْلِهِ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ الِارْتِحَالِ عِنْدَ فَرَاغِهِ. وَالثَّانِي: يَعْلَمُ أَنَّ شُغْلَهُ لَا يَنْقَضِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، غَيْرَ

ص: 384

يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، كَالتَّفَقُّهِ وَالتِّجَارَةِ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَالْأَوَّلُ: لَهُ الْقَصْرُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ. وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ طَرِيقَانِ. الصَّحِيحُ مِنْهُمَا: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: يَجُوزُ الْقَصْرُ أَبَدًا سَوَاءً فِيهِ الْمُقِيمُ عَلَى الْقِتَالِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقِتَالِ وَالْمُقِيمُ لِتِجَارَةٍ وَغَيْرِهِمَا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ أَصْلًا. وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ: يَجُوزُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَطْ، وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: تِسْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: عِشْرِينَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي (الْمُحَارِبِ) وَيَقْطَعُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِي: فَإِنْ كَانَ مُحَارِبًا وَقُلْنَا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ: لَا يَقْصُرُ، فَهُنَا أَوْلَى. وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَرَخَّصُ أَبَدًا. وَالثَّانِي: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَارِبٍ، كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ أَصْلًا. وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُحَارِبِ، وَهُوَ غَلَطٌ.

فَرْعٌ

وَأَمَّا كَوْنُ السَّفَرِ طَوِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَالطَّوِيلُ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَهِيَ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ. فَالْمِيلُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ، وَالْخُطْوَةُ: ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ. وَهَلْ هَذَا الضَّبْطُ تَحْدِيدٌ، أَمْ تَقْرِيبٌ؟ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: تَحْدِيدٌ. وَحُكِيَ قَوْلٌ شَاذٌّ: أَنَّ الْقَصْرَ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، بِشَرْطِ الْخَوْفِ. وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ. وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنْ لَا يَقْصُرَ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ضَبْطِهِ بِهِ. وَالْمَسَافَةُ فِي الْبَحْرِ مِثْلُ الْمَسَافَةِ فِي الْبَرِّ وَإِنْ قَطَعَهَا فِي لَحْظَةٍ. فَإِنْ شَكَّ فِيهَا اجْتَهَدَ.

قُلْتُ: وَلَوْ حَبَسَتْهُمُ الرِّيحُ فِيهِ، قَالَ الدَّارِمِيُّ: هُوَ كَالْإِقَامَةِ فِي الْبَرِّ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 385

وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَافَةَ الرُّجُوعِ لَا تُحْسَبُ، فَلَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ لَا ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا، وَإِنْ كَانَ يَنَالُهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا كَانَ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ. وَيُشْتَرَطُ عَزْمُهُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَلَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ وَيَنْصَرِفُ مَتَى لَقِيَهُ وَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْهَائِمِ: فَإِذَا وَجَدَهُ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ، يُرَخَّصُ إِذَا ارْتَحَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. فَلَوْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلْقَاهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ تَرَخَّصَ، فَلَوْ نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى أَنَّهُ إِنْ وَجَدَ الْغَرِيمَ رَجَعَ نَظَرَ: إِنْ نَوَى ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ عُمْرَانِ الْبَلَدِ لَمْ يَتَرَخَّصْ، وَبَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَتَرَخَّصُ مَا لَمْ يَجِدْهُ فَإِذَا وَجَدَهُ صَارَ مُقِيمًا. وَكَذَا لَوْ نَوَى قَصْدَ مَوْضِعٍ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ وَسَطَ الطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَخْرَجِهِ إِلَى الْمَقْصِدِ الثَّانِي مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَتَرَخَّصُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ تَرَخَّصَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ.

قُلْتُ: هَذَا إِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ نَوَى دُونَهَا فَهُوَ سَفَرٌ وَاحِدٌ فَلَهُ الْقَصْرُ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ، وَفِي الْبَلَدِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

إِذَا سَافَرَ الْعَبْدُ بِسَيْرِ الْمَوْلَى، وَالْمَرْأَةُ بِسَيْرِ الزَّوْجِ، وَالْجُنْدِيُّ بِسَيْرِ الْأَمِيرِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَقْصِدَهُمْ لَمْ يَجُزْ لَهُمُ التَّرَخُّصُ. فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَلَا عِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْجُنْدِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ، فَإِنْ عَرَفُوا مَقْصِدَهُمْ فَنَوَوْا فَلَهُمُ الْقَصْرُ.

ص: 386

قُلْتُ: وَإِذَا أَسَرَ الْكُفَّارُ رَجُلًا فَسَارُوا بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهِ لَمْ يَقْصُرْ. وَإِنْ سَارَ مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ قَصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله. فَلَوْ عَلِمَ الْبَلَدَ الَّذِي يَذْهَبُونَ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنَّهُ إِنْ تَمَكَّنَ مِنَ الْهَرَبِ هَرَبَ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ. وَإِنْ نَوَى قَصْدَ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرَهُ - وَلَا مَعْصِيَةَ فِي قَصْدِهِ - قَصَرَ فِي الْحَالِ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَرْحَلَتَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ

لَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ يَبْلُغُ أَحَدُهُمَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ دُونَ الْآخَرِ فَسَلَكَ الْأَبْعَدَ، نَظَرَ؛ إِنْ كَانَ لِغَرَضٍ كَالْأَمْنِ أَوِ السُّهُولَةِ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ تَرَخَّصَ. وَكَذَا لَوْ قَصَدَ التَّنَزُّهَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي اعْتِبَارِهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضٌ سِوَى التَّرَخُّصِ فَطَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا يَتَرَخَّصُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يَتَرَخَّصُ قَطْعًا. وَلَوْ بَلَغَ بِكُلِّ وَاحِدٍ الْمَسَافَةَ فَسَلَكَ الْأَبْعَدَ لِغَيْرِ غَرَضٍ تَرَخَّصَ فِي جَمِيعِهِ قَطْعًا.

فَرْعٌ

إِذَا خَرَجَ إِلَى بَلَدٍ وَالْمَسَافَةُ طَوِيلَةٌ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَنْ يَرْجِعَ انْقَطَعَ سَفَرُهُ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. فَإِذَا فَارَقَهُ فَهُوَ سَفَرٌ جَدِيدٌ. فَإِنَّمَا يَقْصُرُ إِذَا تَوَجَّهَ مِنْهُ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ، سَوَاءً رَجَعَ إِلَى وَطَنِهِ أَوِ اسْتَمَرَّ إِلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَلَوْ خَرَجَ إِلَى بَلَدٍ لَا يُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ نَوَى

ص: 387