الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ إِذَا امْتَثَلَ الْمَأْمُورُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَفِي الْقَضَاءِ نَظَرٌ، لِنُدُورِهِ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ مَا ذَكَرَهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ غُصِبَ مَاؤُهُ وَلَا قَضَاءَ. قَالَ صَاحِبُ (الْحَاوِي) وَ (الْبَحْرِ) : لَوْ مَاتَ رَجُلٌ مَعَهُ مَاءٌ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفِيهِ لِبَدَنِهِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ، لَزِمَ رُفْقَتَهُ غُسْلُهُ بِهِ، وَإِلَّا يَمَّمُوهُ. فَإِنْ غَسَّلُوهُ بِهِ، ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِوَارِثِهِ. وَلَوْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ فَبَرُأَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَكَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. وَلَوْ تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ، حُرُمَ مَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ. وَلَا يَحْرُمُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَوْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ فَرَأَى مَاءً، حَرُمَتِ الْقِرَاءَةُ، وَكُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا، حَتَّى يَغْتَسِلَ. قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَيْسَ أَحَدٌ يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بِصَلَاةِ فَرْضٍ دُونَ نَفْلٍ، إِلَّا مَنْ عُدِمَ مَاءً وَتُرَابًا، أَوْ سُتْرَةً طَاهِرَةً، أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ عَجَزَ عَنْ إِزَالَتِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابٌ
مَسْحُ الْخُفِّ
وَهُوَ جَائِزٌ بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لُبْسُهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ. فَلَوْ غَسَلَ رِجْلًا فَلَبِسَ خُفَّهَا، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ، فَلَوْ نَزَعَ الْأُولَى ثُمَّ لَبِسَهَا، كَفَاهُ، وَجَازَ الْمَسْحُ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهِمَا. وَلَوْ أَدْخَلَ الرِّجْلَيْنِ سَاقَيِ الْخُفَّيْنِ بِلَا غَسْلٍ، ثُمَّ غَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا قَرَارَ الْخُفِّ، صَحَّ لُبْسُهُ، وَجَازَ الْمَسْحُ. وَلَوْ لَبِسَ مُتَطَهِّرًا، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الرِّجْلِ قَدَمَ الْخُفِّ، أَوْ مَسَحَ بِشَرْطِهِ، ثُمَّ أَزَالَ الْقَدَمَ مِنْ مَقَرِّهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضُ شَيْءٌ، فَفِي الصُّورَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الصَّحِيحُ: جَوَازُ الْمَسْحِ فِي الثَّانِيَةِ، وَمَنْعُهُ فِي الْأُولَى. وَالثَّانِي: يَجُوزُ
فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ فِيهِمَا. وَلَوْ لَبِسَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ عَلَى وُضُوئِهَا، ثُمَّ أَحْدَثَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ مَسْحُهَا لِضَعْفِ طَهَارَةِ لُبْسِهَا. وَالصَّحِيحُ: الْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ. فَعَلَى هَذَا لَوِ انْقَطَعَ دَمُهَا، وَشُفِيَتْ قَبْلَ الْمَسْحِ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا، فَإِنَّمَا يَسْتَبِيحُ بِلُبْسِهَا الْمَسْحَ لِمَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ، وَلِفَرِيضَةٍ إِنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْ بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرِيضَةً، بِأَنْ أَحْدَثَتْ بَعْدَ وُضُوئِهَا وَلُبْسِهَا قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ تِلْكَ الْفَرِيضَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، فَإِنْ أَحْدَثَتْ بَعْدَ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ، مَسَحَتْ، وَاسْتَبَاحَتِ النَّوَافِلَ، وَلَا تَسْتَبِيحُ فَرِيضَةً مَقْضِيَّةً، وَلَا مُؤَدَّاةً تَحْضُرُ. فَإِنْ أَرَادَتْ فَرِيضَةً، وَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ، وَاسْتِئْنَافُ اللُّبْسِ بِطَهَارَةٍ. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهَا تَسْتَوْفِي مُدَّةَ الْمَسْحِ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَضَرًا، وَثَلَاثَةً سَفَرًا، وَلَكِنْ تُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالْمَسْحَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ. وَفِي مَعْنَى طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، طَهَارَةُ سَلَسِ الْبَوْلِ، وَكُلُّ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ، وَكَذَا الْوُضُوءُ الْمَضْمُومُ إِلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِجِرَاحَةٍ أَوْ كَسْرٍ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُهَا بِلَا فَرْقٍ. وَأَمَّا مَنْ مَحَّضَ التَّيَمُّمَ بِلَا وُضُوءٍ، فَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ غَيْرِ إِعْوَازِ الْمَاءِ، فَهُوَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ. وَإِنْ كَانَ لِلْإِعْوَازِ، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: هُوَ كَهِيَ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الْمَسْحَ أَصْلًا.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَلْبُوسُ صَالِحًا لِلْمَسْحِ، وَصَلَاحِيَّتُهُ بِأُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَسْتُرَ مَحَلَّ فَرْضِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَلَوْ قَصُرَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، لَمْ يَجُزْ قَطْعًا، وَفِي الْمَخْرُوقِ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: جَوَازُ الْمَسْحِ مَا لَمْ يَتَفَاحَشِ الْخَرْقُ، بِأَنْ لَا يَتَمَاسَكَ فِي الرِّجْلِ، وَلَا يَتَأَتَّى الْمَشْيُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: التَّفَاحُشُ: أَنْ يَبْطُلَ اسْمُ الْخُفِّ. وَالْجَدِيدُ: الْأَظْهَرُ لَا يَجُوزُ إِذَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَإِنْ قَلَّ. وَلَوْ تَخَرَّقَتِ الْبِطَانَةُ أَوِ الظِّهَارَةُ، جَازَ الْمَسْحُ إِنْ كَانَ الْبَاقِي صَفِيقًا، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا مَا إِذَا تَخَرَّقَ مِنَ الظِّهَارَةِ مَوْضِعٌ، وَمِنَ الْبِطَانَةِ مَوْضِعٌ آخَرُ لَا يُحَاذِيهِ. أَمَّا الْخُفُّ الْمَشْقُوقُ الْقَدَمِ إِذَا شُدَّ مَحَلُّ الشَّقِّ بِالشَّرَجِ، فَإِنْ ظَهَرَ
شَيْءٌ مَعَ الشَّدِّ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ. وَإِلَّا جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ. فَلَوْ فَتَحَ الشَّرَجَ، بَطَلَ الْمَسْحُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا، بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسَافِرُ فِي حَوَائِجِهِ عِنْدَ الْحَطِّ وَالتِّرْحَالِ، فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى اللَّفَائِفِ وَالْجَوَارِبِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ صُوفٍ وَلِبْدٍ، وَكَذَا الْجَوَارِبُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْجِلْدِ الَّذِي يُلْبَسُ مَعَ الْمُكَعَّبِ، وَهِيَ جَوَارِبُ الصُّوفِيَّةِ، لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا حَتَّى يَكُونَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَيَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ إِنْ شَرَطْنَاهُ، إِمَّا لِصَفَاقَتِهَا، وَإِمَّا لِتَجْلِيدِ الْقَدَمَيْنِ وَالنَّعْلِ عَلَى الْأَسْفَلِ، أَوِ الْإِلْصَاقِ عَلَى الْمُكَعَّبِ. وَقِيلَ: فِي اشْتِرَاطِ تَجْلِيدِ الْقَدَمِ مَعَ صَفَاقَتِهَا قَوْلَانِ. وَلَوْ تَعَذَّرَ الْمَشْيُ فِيهِ لِسَعَتِهِ الْمُفْرِطَةِ، أَوْ ضِيقِهِ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ تَعَذَّرَ لِغِلَظِهِ، أَوْ ثِقَلِهِ، كَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ، أَوْ لِتَحْدِيدِ رَأْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَرْضِ، لَمْ يَجُزْ. وَلَوِ اتَّخَذَ لَطِيفًا مِنْ خَشَبٍ، أَوْ حَدِيدٍ يَتَأَتَّى الْمَشْيُ فِيهِ، جَازَ قَطْعًا. وَلَوْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ، بِأَنْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ قِطْعَةَ أَدَمٍ وَشَدَّهَا، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: - فِي أَوْصَافَ مُخْتَلَفٍ فِيهَا - فَالْخُفُّ الْمَغْصُوبُ، وَالْمَسْرُوقُ، وَخُفُّ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالْخُفُّ مِنْ جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ مَيْتَةٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قَطْعًا، لَا لِمَسِّ مُصْحَفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَلَوْ وُجِدَتْ فِي الْخُفِّ شَرَائِطُهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ، لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَاخْتَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ الْجَوَازَ.
قُلْتُ: وَلَوْ لَبِسَ وَاسِعَ الرَّأْسِ يَرَى مِنْ رَأْسِهِ الْقَدَمَ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَجُوزُ عَلَى خُفٍّ زُجَاجٍ قَطْعًا إِذَا أَمْكَنَ مُتَابِعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْجُرْمُوقُ: هُوَ الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ غَالِبًا. فَإِذَا لَبِسَ خُفًّا فَوْقَ خُفٍّ، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْأَعْلَى صَالِحًا لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ دُونَ الْأَسْفَلِ، لِضَعْفِهِ، أَوْ لِخَرْقِهِ، فَالْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَى خَاصَّةً.
الثَّانِي: عَكْسُهُ، فَالْمَسْحُ عَلَى الْأَسْفَلِ خَاصَّةً. فَلَوْ مَسَحَ الْأَعْلَى فَوَصَلَ الْبَلَلُ إِلَى الْأَسْفَلِ، فَإِنْ قَصَدَ مَسْحَ الْأَسْفَلِ، أَجْزَأَهُ. وَكَذَا إِنْ قَصْدَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ قَصَدَ الْأَعْلَى، لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا، بَلْ قَصَدَ الْمَسْحَ فِي الْجُمْلَةِ، أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِقَصْدِهِ إِسْقَاطَ فَرَضِ الرِّجْلِ بِالْمَسْحِ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَصْلُحَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيَتَعَذَّرُ الْمَسْحُ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَصْلُحَا كِلَاهُمَا، فَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْأَعْلَى وَحْدَهُ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ جَوَازُهُ، وَالْجَدِيدُ: مَنْعُهُ.
قُلْتُ: الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْجَدِيدُ، وَصَحَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ (الْفُرُوعِ) الْقَدِيمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمَسْحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ. أَظْهَرُهَا: أَنَّ الْجُرْمُوقَ بَدَلٌ عَنِ الْخُفِّ، وَالْخُفُّ بَدَلٌ عَنِ الرِّجْلِ. وَالثَّانِي: الْأَسْفَلُ كَلِفَافَةٍ، وَالْأَعْلَى هُوَ الْخُفُّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ، فَالْأَعْلَى ظِهَارَةٌ، وَالْأَسْفَلُ بِطَانَةٌ. وَتَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَعَانِي مَسَائِلُ. مِنْهَا: لَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا عَلَى طَهَارَةٍ فَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْأَسْفَلِ، جَازَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ لَبِسَ الْأَسْفَلَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَالْأَعْلَى عَلَى حَدَثٍ، فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْأَعْلَى طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَأَصَحُّهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ. إِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ
وَالثَّانِي: لَمْ يَجُزْ. وَبِالثَّالِثِ: يَجُوزُ. فَلَوْ لَبِسَ الْأَسْفَلَ بِطَهَارَةٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَسَحَهُ، ثُمَّ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ، فَهَلْ يَجُوزُ مَسْحُهُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: يُبْنَى عَلَى الْمَعَانِي إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَوِ الثَّالِثِ جَازَ. وَبِالثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: يُبْنَى الْجَوَازُ عَلَى هَذَا الثَّانِي، عَلَى أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: يَرْفَعُ، جَازَ، وَإِلَّا فَلَا.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْبِنَاءِ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ. وَإِذَا جَوَّزْنَا مَسْحَ الْأَعْلَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ إِحْدَاثِ أَوَّلِ لُبْسِهِ الْأَسْفَلَ، وَفِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَسْفَلِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَمِنْهَا: لَوْ لَبِسَ الْأَسْفَلَ عَلَى حَدَثٍ، وَغَسَلَ رِجْلَهُ فِيهِ، ثُمَّ لَبِسَ الْأَعْلَى عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَلَا يَجُوزُ مَسْحُ الْأَسْفَلِ قَطْعًا، وَلَا مَسْحُ الْأَعْلَى إِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، أَوِ الثَّالِثِ. وَبِالثَّانِي يَجُوزُ. وَمِنْهَا: لَوْ تَخَرَّقَ الْأَعْلَى مِنَ الرِّجْلَيْنِ جَمِيعًا، أَوْ نَزَعَهُ مِنْهُمَا بَعْدَ مَسْحِهِ وَبَقِيَ الْأَسْفَلُ بِحَالِهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، لَمْ يَجِبْ نَزْعُ الْأَسْفَلِ، بَلْ يَجِبُ مَسْحُهُ، وَهَلْ يَكْفِيهِ مَسْحُهُ أَمْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَازِعِ الْخُفَّيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَجَبَ نَزْعُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ. وَفِي اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ الْقَوْلَانِ، فَحَصَلَ مِنَ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: لَا يَجِبُ شَيْءٌ. وَالثَّانِي: يَجِبُ مَسْحُ الْأَسْفَلِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ الْمَسْحُ وَاسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ. وَالرَّابِعُ: يَجِبُ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. وَالْخَامِسُ: يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَخَرَّقَ الْأَعْلَى مِنْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ نَزَعَهُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَجَبَ نَزْعُ الْأَسْفَلِ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الرِّجْلِ، وَوَجَبَ نَزْعُهُمَا مِنَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى، وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ. وَفِي اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ الْقَوْلَانِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْأَعْلَى مِنَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، كَمَنْ نَزَعَ إِحْدَى الْخُفَّيْنِ. فَإِذَا نَزَعَهُ، عَادَ الْقَوْلَانِ: فِي أَنَّهُ (هَلْ) يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ، أَمْ يَكْفِيهِ مَسْحُ الْأَسْفَلِ؟ وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الثَّانِي.
وَفِي وَاجِبِهِ الْقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: مَسْحُ الْأَسْفَلِ الَّذِي نَزَعَ أَعْلَاهُ. وَالثَّانِي اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ، وَمَسْحُ هَذَا الْأَسْفَلِ، وَالْأَعْلَى مِنَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى. وَمِنْهَا: لَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ مِنْهُمَا، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمَعَانِي كُلِّهَا. فَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، وَجَبَ نَزْعُ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى، لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، قَالَهُ فِي (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرِهِ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيمَا إِذَا تَخَرَّقَ الْأَعْلَى مِنْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَقَدْ حَكُوا وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ نَزْعِهِ مِنَ الْأُخْرَى، فَلْيُحْكَمْ بِطَرْدِهِمَا هُنَا. ثُمَّ إِذَا نَزَعَ، فَفِي وَاجِبِهِ الْقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: مَسْحُ الْخُفِّ الَّذِي نُزِعَ الْأَعْلَى مِنْ فَوْقِهِ. وَالثَّانِي: اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ وَالْمَسْحِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْلَى الَّذِي تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ تَحْتَهُ. وَمِنْهَا: لَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ وَالْأَعْلَى مِنَ الرِّجْلَيْنِ، أَوْ مِنْ إِحْدَاهُمَا، لَزِمَ نَزْعُ الْجَمِيعِ عَلَى الْمَعَانِي كُلِّهَا، لَكِنْ إِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ، وَكَانَ الْخَرْقَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ، لَمْ يَضُرَّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ تَخَرَّقَ الْأَعْلَى مِنْ رِجْلٍ، وَالْأَسْفَلُ مِنَ الْأُخْرَى، فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، نَزَعَ الْأَعْلَى الْمُتَخَرِّقَ، وَأَعَادَ مَسْحَ مَا تَحْتَهُ. وَهَلْ يَكْفِيهِ ذَلِكَ، أَمْ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ مَاسِحًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَعْلَى مِنَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ. هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ مَسْحِ الْجُرْمُوقِ. فَإِنْ مَنَعْنَاهُ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَهُمَا وَمَسَحَ الْخُفَّ الْأَسْفَلَ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلَانِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَ التَّخَرُّقِ عَلَى طَهَارَةِ لُبْسِهِ الْأَسْفَلَ، مَسَحَ الْأَعْلَى، لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لِخُرُوجِ الْأَسْفَلِ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْمَسْحِ. وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا، لَمْ يَجُزْ مَسْحُ الْأَعْلَى، كَاللُّبْسِ عَلَى حَدَثٍ. وَإِنْ كَانَ عَلَى طَهَارَةِ مَسْحٍ، فَوَجْهَانِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَدِيمِ. أَمَّا إِذَا لَبِسَ جُرْمُوقًا فِي رِجْلٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْخُفِّ فِي الْأُخْرَى، فَعَلَى الْجَدِيدِ: لَا يَجُوزُ مَسْحُ الْجُرْمُوقِ. وَعَلَى الْقَدِيمِ: يُبْنَى عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ فِي خُفٍّ، وَغَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى. وَعَلَى الثَّالِثِ يَجُوزُ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ.