الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الْوَتْرُ سُنَّةٌ. وَيَحْصُلُ بِرَكْعَةٍ، وَبِثَلَاثٍ، وَبِخَمْسٍ، وَبِسَبْعٍ، وَبِتِسْعٍ، وَبِإِحْدَى عَشْرَةَ، فَهَذَا أَكْثَرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: أَكْثَرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَكْثَرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ زَادَ، لَمْ يَصِحَّ وَتْرُهُ. وَإِذَا زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ، فَأَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ مَوْصُولَةً، فَالصَّحِيحُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدًا وَاحِدًا فِي الْأَخِيرَةِ، وَلَهُ تَشَهُّدٌ آخَرُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ. فَإِنْ فَعَلَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى تَشَهُّدٍ أَوْ يُسَلِّمُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُنْكَرَانِ، وَالصَّوَابُ جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَلَكِنْ: هَلِ الْأَفْضَلُ تَشَهُّدٌ أَمْ تَشَهُّدَانِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَرْجَحُهَا عِنْدَ الرُّويَانِيِّ: تَشَهُّدٌ. وَالثَّانِي: تَشَهُّدَانِ. وَالثَّالِثُ: هُمَا فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ. أَمَّا إِذَا زَادَ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ، وَجَلَسَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَنَافِلَةٍ كَثِيرَةِ الرَّكَعَاتِ. أَمَّا إِذَا أَرَادَ الْإِيتَارَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، فَهَلِ الْأَفْضَلُ فَصْلُهَا بِسَلَامَيْنِ، أَمْ وَصْلُهَا بِسَلَامٍ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: الْفَصْلُ أَفْضَلُ. وَالثَّانِي: الْوَصْلُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَالْفَصْلُ، وَإِنْ صَلَّاهَا بِجَمَاعَةٍ، فَالْوَصْلُ. وَالرَّابِعُ: عَكْسُهُ. وَهَلِ الثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَةٍ فَرْدَةٍ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ: أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ. وَالثَّانِي: الْفَرْدَةُ. قَالَ فِي (النِّهَايَةِ) : وَغَلَا هَذَا الْقَائِلُ فَقَالَ: الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ مِنْ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مَوْصُولَةً. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَالْفَرْدَةُ. وَإِنْ كَانَ إِمَامًا، فَالثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ.
فَرْعٌ
فِي وَقْتِ الْوَتْرِ
[فِي وَقْتِ الْوَتْرِ] وَجْهَانِ.
الصَّحِيحُ: أَنَّهُ مِنْ حِينِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ، إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ، لَمْ يَصِحَّ وَتْرُهُ، سَوَاءً تَعَمَّدَ، أَوْ سَهَا وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ، أَوْ صَلَّاهَا ظَانًّا أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْوَتْرَ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي الْعِشَاءِ، فَوَتْرُهُ بَاطِلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَدْخُلُ وَقْتُ الْوَتْرِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ قَبْلَهَا. وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَنَفَّلَ، صَحَّ وَتْرُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَتَقَدَّمَهُ نَافِلَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ وَتْرًا، كَانَ تَطَوُّعًا. كَذَا قَالَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ غَالِطًا، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، أَمْ تَكُونُ نَفْلًا؟ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْوَتْرُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. فَإِنْ كَانَ لَا تَهَجُّدَ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُوتِرَ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ وَرَاتِبَتِهَا، وَيَكُونُ وَتْرُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوَتْرَ، كَذَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ: اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَقْدِيمَ الْوَتْرِ. فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ نَقْلُهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُ قِيَامَ اللَّيْلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ. وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ، وَكُلٌّ شَائِعٌ. وَإِذَا أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، ثُمَّ قَامَ وَتَهَجَّدَ، لَمْ يُعِدِ الْوَتْرَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: يُصَلِّي فِي أَوَّلِ قِيَامِهِ رَكْعَةً يُشَفِّعُهُ، ثُمَّ يَتَهَجَّدُ مَا شَاءَ، ثُمَّ يُوتِرُ ثَانِيًا، وَيُسَمَّى هَذَا: نَقْضُ الْوَتْرِ. وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي (الْأُمِّ) وَ (الْمُخْتَصَرِ) : أَنَّ الْوَتْرَ يُسَمَّى: تَهَجُّدًا: وَقِيلَ: الْوَتْرُ غَيْرُ التَّهَجُّدِ.
فَرْعٌ
إِذَا اسْتَحْبَبْنَا الْجَمَاعَةَ فِي التَّرَاوِيحِ، يُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا فِي الْوَتْرِ بَعْدَهَا. وَأَمَّا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ. وَقِيلَ: فِي اسْتِحْبَابِهَا، وَجْهَانِ مُطْلَقًا. حَكَاهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ.
فَرْعٌ
يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِي الْوَتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، قَنَتَ فِيهَا، وَإِنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ، قَنَتَ فِي الْأَخِيرَةِ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ، وَوَجْهٌ: أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. قَالَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، وَأَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ، وَأَبُو مَنْصُورِ بْنُ مِهْرَانَ. وَالصَّحِيحُ: اخْتِصَاصُ الِاسْتِحْبَابِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ هَذَا النِّصْفِ. وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي مَوْضِعٍ نَسْتَحِبُّهُ، سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ قَنَتَ فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ - وَقُلْنَا: لَا يُسْتَحَبُّ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَجُوزُ الْقُنُوتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِهِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ. قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ، وَاسْتَحْسَنَهُ.
وَفِي مَوْضِعِ الْقُنُوتِ فِي الْوَتْرِ، أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: بَعْدَ الرُّكُوعِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي
[سُنَنِ](حَرْمَلَةَ) . وَالثَّانِي: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ.
وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا. وَإِذَا قَدَّمَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْنُتُ بِلَا تَكْبِيرٍ. وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ يَقْنُتُ. وَلَفْظُ الْقُنُوتِ: هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ. وَاسْتَحَبَّ الْأَصْحَابُ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ قُنُوتَ عُمَرَ رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ. اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ. اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ، وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، إِلَهَ الْحَقِّ، وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ) .
وَهَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ قُنُوتَ عُمَرَ عَلَى قُنُوتِ الصُّبْحِ، أَمْ يُؤَخِّرُهُ؟ وَجْهَانِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: يُقَدِّمُهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ شُيُوخِهِمْ، تَأْخِيرَهُ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: تَأْخِيرُهُ، لِأَنَّ قُنُوتَ الصُّبْحِ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَتْرِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ:(اللَّهُمَّ عَذِّبِ الْكَفَرَةَ) لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّعْمِيمِ فِي أَزْمَانِنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: يَزِيدُ فِي الْقُنُوتِ (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ. وَحُكْمُ الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّبْحِ.