الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِمَّا أُلْحِقُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، أَنْ يُتْعِبَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَيُعَذِّبَ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ. ذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ يَتَنَقَّلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: السَّفَرُ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا لَيْسَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ.
فَصْلٌ
الْقَصْرُ جَائِزٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي السَّفَرِ أَدْرَكَ وَقْتَهَا فِيهِ. فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَلَا قَصْرَ فِيهِمَا بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْمَقْضِيَّةُ فَإِنْ فَاتَتْ فِي الْحَضَرِ وَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَقْصُرْ، خِلَافًا لِلْمُزَنِي. وَإِنْ شَكَّ هَلْ فَاتَتْ فِي السَّفَرِ أَوِ الْحَضَرِ؟ لَمْ يَقْصُرْ أَيْضًا. وَإِنْ فَاتَتْ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِيهِ أَوْ فِي الْحَضَرِ، فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. أَظْهَرُهَا: إِنْ قَضَى فِي السَّفَرِ قَصَرَ، وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّانِي: يُتِمُّ فِيهِمَا، وَالثَّالِثُ: يَقْصُرُ فِيهِمَا. وَالرَّابِعُ: إِنْ قَضَى ذَلِكَ فِي السَّفَرِ قَصَرَ، وَإِنْ قَضَى فِي الْحَضَرِ أَوْ سَفَرٍ آخَرَ أَتَمَّ. فَإِنْ قُلْنَا: يُتِمُّ فِيهِمَا، فَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فِي أَثْنَائِهَا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَأَدَاءٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَهَا فَقَضَاءٌ. فَإِنْ قُلْنَا: قَضَاءٌ لَمْ يَقْصُرْ. وَإِنْ قُلْنَا: أَدَاءٌ قَصَرَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ صَاحِبُ (التَّلْخِيصِ) : يُتِمُّ.
فَرْعٌ
إِذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ مَضَى مِنْهُ مَا يُمْكِنُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَالنَّصُّ أَنَّ لَهُ الْقَصْرَ. وَنَصَّ فِيمَا إِذَا أَدْرَكَتْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْرَ الْإِمْكَانِ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ، وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْعُذْرِ. فَقَالَ الْأَصْحَابُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْعَمَلُ بِظَاهِرِ النَّصَّيْنِ، وَالثَّانِي: فِيهِمَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُ الْحَائِضَ الصَّلَاةُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ الْإِتْمَامُ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَيَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ. وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ: إِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْصُرْ. وَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُ قَصَرَ. وَالْجُمْهُورُ: عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ. أَمَّا إِذَا سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا: كُلُّهَا أَدَاءٌ قَصَرَ، وَإِلَّا فَلَا. وَإِنْ مَضَى مِنَ الْوَقْتِ دُونَ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَسَافَرَ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْقَصْرُ إِنْ قُلْنَا: تَمْتَنِعُ لَوْ مَضَى مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْقَدْرِ النَّاقِصِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ عُرُوضَ السَّفَرِ لَا يُنَافِي إِتْمَامَ الصَّلَاةِ، وَعُرُوضَ الْحَيْضِ يُنَافِيهِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَقْصُرُ هُنَا بِلَا خِلَافٍ. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّهُ يَقْصُرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.