الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ الْجُمْهُورُ. وَالثَّانِي: الْبَصِيرُ أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ. وَالثَّالِثُ: الْأَعْمَى أَوْلَى، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ.
فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْإِمَامِ
الْأَسْبَابُ الَّتِي يَتَرَجَّحُ بِهَا الْإِمَامُ سِتَّةٌ: الْفِقْهُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالْوَرَعُ، وَالسِّنُّ، وَالنَّسَبُ، وَالْهِجْرَةُ. فَأَمَّا الْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ، فَظَاهِرَانِ.
وَأَمَّا الْوَرَعُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْعَدَالَةِ، بَلْ مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ.
وَأَمَّا السِّنُّ، فَالْمُعْتَبَرُ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا عَلَى شَابٍّ أَسْلَمَ أَمْسِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الشَّيْخُوخَةُ، بَلِ النَّظَرُ إِلَى تَفَاوُتِ السِّنِّ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى اعْتِبَارِهَا.
وَأَمَّا النَّسَبُ، فَنَسَبُ قُرَيْشٍ مُعْتَبَرٌ بِلَا خِلَافٍ. وَفِي غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُعْتَبَرُ كُلُّ نَسَبٍ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ، كَالْعُلَمَاءِ، وَالصُّلَحَاءِ. فَعَلَى هَذَا الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ يُقَدَّمَانِ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَسَائِرُ قُرَيْشٍ يُقَدَّمُونَ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ، وَسَائِرُ الْعَرَبِ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْعَجَمِ. وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ مَا عَدَا قُرَيْشًا.
وَأَمَّا الْهِجْرَةُ، فَيُقَدَّمُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ. وَمَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَتْ. وَكَذَلِكَ الْهِجْرَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ - مُعْتَبَرَةٌ، وَأَوْلَادُ مَنْ هَاجَرَ أَوْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ، مُقَدَّمُونَ عَلَى أَوْلَادِ غَيْرِهِمْ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مَسَائِلُ. فَإِذَا اجْتَمَعَ عَدْلٌ وَفَاسِقٌ، فَالْعَدْلُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَإِنِ اخْتَصَّ الْفَاسِقُ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ، بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَتُكْرَهُ أَيْضًا خَلْفَ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ. وَأَمَّا الَّذِي يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُفَّارِ. وَعَدَّ صَاحِبُ (الْإِفْصَاحِ) مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، أَوْ يَنْفِي شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى - كَافِرًا. وَكَذَا جَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَمُتَابِعُوهُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ مِمَّنْ يُكَفَّرُ. وَالْخَوَارِجُ لَا يُكَفَّرُونَ. وَيُحْكَى الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِ مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَأَطْلَقَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ مِنَ الْأَصْحَابِ، الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ. قَالَ صَاحِبُ (الْعُدَّةِ) : وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَصَاحِبُ (الْعُدَّةِ) هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ. فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ، لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ. وَلَمْ يَزَلِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَمُنَاكَحَتِهِمْ، وَمُوَارَثَتِهِمْ، وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَأَوَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَقِّقِينَ، مَا جَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعَمِ، لَا كُفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِلَّةِ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْأَوْرَعِ مَعَ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ وَجْهَانِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: هُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) : يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَلَوِ اجْتَمَعَ مَنْ لَا يَقْرَأُ إِلَّا مَا يَكْفِي الصَّلَاةَ وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ فِقْهٍ كَثِيرٍ،
وَآخَرُ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَهُوَ قَلِيلُ الْفِقْهِ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ: أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى، وَالثَّانِي: هُمَا سَوَاءٌ. فَأَمَّا مَنْ جَمَعَ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِأَحَدِهِمَا قَطْعًا. وَالْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّسَبِ وَالسِّنِّ وَالْهِجْرَةِ. وَعَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ: أَنَّ السِّنَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِقْهِ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ، فَفِيهِ طُرُقٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَجَمَاعَةٌ: لَا خِلَافَ فِي تَقْدِيمِ السِّنِّ وَالنَّسَبِ عَلَى الْهِجْرَةِ. فَلَوْ تَعَارَضَ سِنٌّ وَنَسَبٌ، كَشَابٍّ قُرَشِيٍّ، وَشَيْخٍ غَيْرِ قُرَشِيٍّ، فَالْجَدِيدُ: تَقْدِيمُ الشَّيْخِ، وَالْقَدِيمُ: الشَّابِّ. وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقَدِيمَ، وَعَكَسَ صَاحِبَا (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) فَقَالَا: الْهِجْرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّسَبِ وَالسِّنِّ. وَفِيهِمَا الْقَوْلَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ، مِنْهُمْ صَاحِبُ (الْمُهَذَّبِ) : الْجَدِيدُ: يُقَدَّمُ السِّنُّ، ثُمَّ النَّسَبُ، ثُمَّ الْهِجْرَةُ، وَالْقَدِيمُ: يُقَدَّمُ النِّسَبُ، ثُمَّ الْهِجْرَةُ، ثُمَّ السِّنُّ. أَمَّا إِذَا تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَاتِ، فَيُقَدَّمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ عَنِ الْأَوْسَاخِ، وَبِطَيِّبِ الصَّنْعَةِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْفَضَائِلِ. وَحَكَى الْأَصْحَابُ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِي الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يُقَدَّمُ أَحْسَنُهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ. فَقِيلَ: أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا، وَقِيلَ: أَحْسَنُهُمْ ذِكْرًا بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ فِي (التَّتِمَّةِ) : تُقَدَّمُ نَظَافَةُ الثَّوْبِ، ثُمَّ حُسْنُ الصَّوْتِ، ثُمَّ حُسْنُ الصُّورَةِ.
فَرْعٌ
الْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنِ اخْتَصَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِالْخِصَالِ الَّذِي سَبَقَتْ. وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى إِمَامِ الْمَسْجِدِ وَمَالِكِ الدَّارِ وَنَحْوِهِمَا، إِذَا أَذِنَ
الْمَالِكُ فِي إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مِلْكِهِ. فَلَوْ أَذِنَ الْوَالِي فِي تَقَدُّمِ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ. ثُمَّ يُرَاعَى فِي الْوُلَاةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ، فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنَ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ. وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ: أَنَّ الْمَالِكَ أَوْلَى مِنَ الْوَالِي. وَالْمَشْهُورُ، تَقْدِيمُ الْوَالِي. وَلَوِ اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ لَيْسَ فِيهِمْ وَالٍ، فَسَاكِنُ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّقَدُّمِ مِنَ الْأَجَانِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّقَدُّمِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ، سَوَاءً كَانَ السَّاكِنُ عَبْدًا أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ، أَوْ حُرًّا مَالِكًا، أَوْ مُسْتَعِيرًا، أَوْ مُسْتَأْجِرًا. وَلَوْ كَانَتِ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ وَهُمَا حَاضِرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، وَالْمُسْتَعِيرُ مِنَ الْآخَرِ، فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَا أَحَدُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِلَّا أَحَدُهُمَا، فَهُوَ الْأَحَقُّ. وَلَوِ اجْتَمَعَ مَالِكُ الدَّارِ وَالْمُسْتَأْجِرُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْلَى، وَالثَّانِي: الْمَالِكُ. وَلَوِ اجْتَمَعَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ الْمُعِيرَ أَوْلَى، وَالثَّانِي: الْمُسْتَعِيرُ. وَلَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ السَّاكِنُ، فَالسَّيِّدُ أَوْلَى قَطْعًا، سَوَاءً الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي دَارِ الْمُكَاتَبِ، فَالْمُكَاتَبُ أَوْلَى. وَلَوْ حَضَرَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إِمَامٌ رَاتِبٌ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِمَامُهُ، اسْتُحِبَّ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ لِيَحْضُرَ. فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ.
قُلْتُ: تَقَدُّمُ غَيْرِهِ مُسْتَحَبٌّ إِنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ، فَإِنْ خِيفَتْ صَلُّوا فُرَادَى. وَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا مَعَهُ إِنْ حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.