المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بَيْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي قَاعِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ وَمَحَلِّهِ

- ‌فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَكَيْفِيَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌفِي النَّوَافِلِ الَّتِي يُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ

- ‌بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ. وَإِلَّا، فَلَا يُعَدَّانِ مَسْجِدًا وَاحِدًا. وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا، أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: إِنْ كَانَ مُغْلَقًا، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ. وَوَجْهٌ مِثْلُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى السَّطْحِ، وَبَابُ الْمَرْقَى مُغْلَقًا. وَلَوْ كَانَا فِي مَسْجِدَيْنِ، يَحُولُ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ طَرِيقٌ، أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، فَهُوَ كَمَا إِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدٍ، وَالْآخَرُ فِي مِلْكٍ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ، فَإِنْ حُفِرَ النَّهْرُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا، فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ فِي جِوَارِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ بِإِمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَجَمَاعَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ. وَهَذَا كَالضَّابِطِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدَيْنِ. فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَغَايُرَ الْحُكْمِ، إِذَا انْفَرَدَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْطَعُ التَّرَخُّصَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: بَيْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ

بَيْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَإِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَهُ نِسَاءٌ، أَنْ يَمْكُثَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى يَنْصَرِفْنَ، وَإِذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ انْصَرَفَ إِلَى جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ، فَجِهَةُ الْيَمِينِ أَفْضَلُ.

وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى، فَقَدِ انْقَطَعَتْ مُتَابِعَةُ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ سَلَّمَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَدَامَ الْجُلُوسَ لِلتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ وَأَطَالَ ذَلِكَ، وَلَوِ اقْتَصَرَ الْإِمَامُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ اسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ تَسْلِيمَتَانِ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي الْخُشُوعُ فِي صَلَاتِهِ، وَأَنْ يُدِيمَ نَظَرَهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ لَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ، وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا بِنَشَاطٍ، وَفَرَاغِ قَلْبِهِ مِنَ الشَّوَاغِلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

‌فَصْلٌ

مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ فَرِيضَةٍ وَجَبَ قَضَاؤُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا فَفِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ اللَّيْلِ بِاللَّيْلِ جَهَرَ، وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ بِالنَّهَارِ أَسَرَّ، وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ لَيْلًا أَوْ عَكَسَ فَالِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي بِوَقْتِ الْفَوَائِتِ.

قُلْتُ: صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَإِنْ كَانَتْ نَهَارِيَّةً، فَهِيَ فِي الْقَضَاءِ جَهْرِيَّةٌ وَلِوَقْتِهَا، حُكْمُ اللَّيْلِ فِي الْجَهْرِ، وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُسْتَحَبُّ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ التَّرْتِيبُ، وَلَا يَجُبْ فِي قَضَائِهَا وَلَا بَيْنَ فَرِيضَةِ الْوَقْتِ وَالْمَقْضِيَّةِ. فَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ وَتَذَكَّرَ فَائِتَةً، فَإِنِ اتَّسَعَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ اسْتُحِبَّ الْبَدَاءَةُ بِالْفَائِتَةِ، وَإِنْ ضَاقَ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ

ص: 269

تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْحَاضِرَةِ، أَتَمَّهَا، ضَاقَ الْوَقْتُ، أَمِ اتَّسَعَ، ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ بَعْدَهَا.

قُلْتُ: وَلَوْ شَرَعَ فِي الْفَائِتَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّ فِي الْوَقْتِ سَعَةً فَبَانَ ضِيقُهُ، وَجَبَ قَطْعُهَا وَالشُّرُوعُ فِي الْحَاضِرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى الشَّاذِّ يَجِبُ إِتْمَامُ الْفَائِتَةِ.

وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ يُصَلُّونَ فِي الْحَاضِرَةِ، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ، وَالْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ فَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلَافِ.

وَلَوْ فَاتَهُ صَلَوَاتٌ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْ عَشْرِ صَلَوَاتٍ وَلَا تَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ، فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْعَشْرُ، وَأَصَحُّهُمَا: الْعِشْرُونَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ، كَمَا سَبَقَ، وَلَهَا شُرُوطٌ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) : شُرُوطُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، خَمْسَةٌ: الطَّهَارَةُ عَنِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَالْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا بِالِاجْتِهَادِ وَنَحْوِهِ، وَالْخَامِسُ: الْعِلْمُ بِفَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ وَمَعْرِفَةِ أَعْمَالِهَا.

قَالَ: فَإِنْ جَهَلَ فَرْضِيَّةَ أَصْلِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ فَرِيضَةٌ، لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.

وَكَذَا إِذَا لَمْ يَعْرِفْ فَرْضِيَّةَ الْوُضُوءِ. أَمَّا إِذَا عَلِمَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَرْكَانَهَا، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَعْتَقِدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا سُنَّةً، وَالثَّانِي: أَنْ يَعْتَقِدَ بَعْضَهَا فَرْضًا، وَبَعْضَهَا سُنَّةً، وَلَا يَعْرِفُ تَمْيِيزَهَا، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَطْعًا. صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَصَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) .

الثَّالِثُ: أَنْ يَعْتَقِدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضًا، فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) :

أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ وَأَصَحُّهُمَا: تَصِحُّ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ. قَالَ فِي (التَّهْذِيبِ) : فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ صَلَاتَهُ،

ص: 270

فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَجْهَانِ:

هَكَذَا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسَائِلَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي (الْفَتَاوَى) : الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَرَائِضَ صَلَاتِهِ مِنْ سُنَنِهَا، تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ التَّنَفُّلَ بِمَا هُوَ فَرْضٌ.

فَإِنْ نَوَى التَّنَفُّلَ بِهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، فَإِذَا غَفَلَ عَنِ التَّفْصِيلِ، فَنِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيَةٌ. هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَمَنْ بَعْدِهِمْ.

وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَلْزَمَ الْأَعْرَابَ ذَلِكَ، وَلَا أَمَرَ بِإِعَادَةِ صَلَاةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبَابُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِيهَا.

وَشُرُوطُهَا ثَمَانِيَةٌ:

أَحَدُهَا: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ.

وَالثَّانِي: الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ ظَنُّهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي بَابَيْهِمَا.

الثَّالِثُ: طَهَارَةُ الْحَدَثِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ (الطَّهَارَةِ) بَيَانُ حُصُولِهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا عِنْدَ إِحْرَامِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا، وَإِنْ أَحْرَمَ مُتَطَهِّرًا ثُمَّ أَحْدَثَ بِاخْتِيَارِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، عَمْدًا كَانَ حَدَثُهُ أَوْ سَهْوًا، عَلِمَ بِالصَّلَاةِ أَمْ نَسِيَهَا، وَإِنْ أَحْدَثَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بِأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ، بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ الْجَدِيدِ، وَلَا تَبْطُلُ عَلَى الْقَدِيمِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ أَصَغَرَ أَوْ أَكَبَرَ، بَلْ يَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ.

فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ فِي الرُّكُوعِ مَثَلًا، فَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الرُّكُوعِ، وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنْ لَمْ يَكُنِ اطْمَأَنَّ، وَجَبَ الْعَوْدُ إِلَى الرُّكُوعِ، وَإِنْ كَانَ اطْمَأَنَّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ.

ثُمَّ إِذَا ذَهَبَ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ لِيَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي تَقْرِيبِ الزَّمَانِ، وَتَقْلِيلِ الْأَفْعَالِ بِحَسَبَ الْإِمْكَانِ،

ص: 271

وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ تَطَهُّرِهِ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، إِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَقْرَبَ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ، أَوْ مَأْمُومًا يَقْصِدُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَلَهُمَا الْعَوْدُ.

وَمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى الْمَاءِ وَاسْتِقَائِهِ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدْوُ وَالْبِدَارُ الْخَارِجُ عَنْ الِاقْتِصَادِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ، وَلَوْ أَخْرَجَ تَمَامَ الْحَدَثِ الْأَوَّلِ مُتَعَمِّدًا، لَمْ يُمْنَعِ الْبِنَاءَ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.

وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُمْنَعُ، وَلَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ فَفِي مَنْعِهِ الْبِنَاءَ وَجْهَانِ.

هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعُ الْقَدِيمِ، هَذَا كُلُّهُ فِي صَاحِبِ (طَهَارَةِ الرَّفَاهِيَةِ) .

أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا، فَلَا يَضُرُّ حَدَثُهَا الْمُقَارَنُ وَلَا الْحَادِثُ عَلَى تَفْصِيلِهِ السَّابِقِ.

فَرْعٌ:

مَا سِوَى الْحَدَثِ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُنَاقِضَةِ لِلصَّلَاةِ، إِذَا طَرَأَ فِيهَا، أَبْطَلَهَا قَطْعًا إِنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، إِذَا نُسِبَ فِيهِ إِلَى تَقْصِيرٍ، كَمَنْ مَسَحَ خُفَّهُ، فَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ دَخَلَ فِيهَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْتَّمَاسُكِ إِلَى فَرَاغِهَا، وَلَوْ تَخَرَّقَ خُفُّ الْمَاسِحِ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ عَلَى قَوْلِي سَبَقَ الْحَدَثَ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ قَطْعًا.

أَمَّا إِذَا طَرَأَ مُنَاقِضٌ لَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِتَقْصِيرِهِ، فَإِنْ أَزَالَهُ فِي الْحَالِ، كَمَنِ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ، أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ، فَنَفَضَهَا فِي الْحَالِ، أَوْ أَلْقَى الثَّوْبَ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ.

وَإِنْ نَحَّاهَا بِيَدِهِ، أَوْ كُمِّهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنِ احْتَاجَ فِي إِزَالَتِهِ إِلَى زَمَنٍ، بِأَنْ يُنَجِّسَ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ نَجَاسَةٌ يَجِبُ غَسْلُهَا. أَوْ أَبْعَدَتِ الرِّيحُ ثَوْبَهُ، فَعَلَى قَوْلِي سَبَقَ الْحَدَثُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ دَمٌ مُتَدَفِّقٌ، وَلَمْ يُلَوِّثْ بَشَرَتَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.

ص: 272

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: طَهَارَةُ النَّجَسِ. النَّجَاسَةُ قِسْمَانِ؛ وَاقِعَةٌ فِي مَظِنَّةِ الْعَفْوِ، وَغَيْرُهَا.

أَمَّا الْوَاقِعَةُ فِي غَيْرِ مَظِنَّةِ الْعَفْوِ، فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فِي الثَّوْبِ، وَالْبَدَنِ، وَالْمَكَانِ. فَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ وَعَرَفَ مَوْضِعَهَا، فَطَرِيقُ إِزَالَتِهَا، الْغَسْلُ كَمَا سَبَقَ. فَلَوْ قَطَعَ مَوْضِعَهَا، أَجْزَأَهُ.

وَيُلْزَمُهُ ذَلِكَ إِذَا تَعَذَّرَ الْغَسْلُ وَأَمْكَنَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِالظَّاهِرِ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الثَّوْبِ.

وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ مِنَ الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ وَاحْتَمَلَ وُجُوَدَهَا فِي كُلِّ جُزْءٍ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّحَرِّي. فَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ نِصْفَيْنِ، لَمْ يُجْزِئِ التَّحَرِّي فِيهِمَا.

وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ رَطْبٌ طَرَفًا مِنْ هَذَا الثَّوْبِ، لَمْ يُنَجَّسِ الرَّطْبُ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ نَجَاسَةَ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ.

وَلَوْ غَسَلَ إِحْدَى نِصْفَيْهِ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ، ثُمَّ غَسَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ نَجَاسَةَ الْجَمِيعِ، وَغَسَلَهُ هَكَذَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَغْسِلَ النِّصْفَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً.

وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ إِنْ غَسَلَ مَعَ النِّصْفِ الثَّانِي الْقَدْرَ الَّذِي يُجَاوِرُهُ مِنَ الْأَوَّلِ طَهُرَ الْكُلُّ.

وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفَيْنِ فَقَدْ طَهُرَ الطَّرَفَانِ، وَبَقِيَ الْمُنْتَصَفُ نَجِسًا فِي صُورَةِ الْيَقِينِ، وَمُجْتَنَبًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى.

وَلَوْ نَجِسَ أَحَدُ مَوْضِعَيْنِ مُنْحَصِرَيْنِ، أَوْ مَوَاضِعَ، وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ كَأَحَدِ كُمَّيْهِ، فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا فَغَسَلَهُ وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَلَوْ فَصَلَ أَحَدَ الْكُمَّيْنِ عَنِ الثَّوْبِ صَارَا كَالثَّوْبَيْنِ. فَإِنْ غَسَلَ مَا ظَنَّهُ نَجِسًا وَصَلَّى فِيهِ جَازَ، وَإِنْ صَلَّى فِيمَا ظَنَّهُ طَاهِرًا جَازَ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا نَجِسَتْ إِحْدَى يَدَيْهِ أَوْ أَحَدُ أَصَابِعِهِ، وَغَسَلَ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ وَصَلَّى، وَفِيمَا لَوِ اجْتَهَدَ فِي ثَوْبَيْنِ، وَغَسَلَ النَّجِسَ، وَصَلَّى فِيهِمَا مَعًا.

لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا الْجَوَازُ بِخِلَافِ الْكُمَّيْنِ؛ لِضَعْفِ أَثَرِ الِاجْتِهَادِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الْكُمَّيْنِ بِالِاجْتِهَادِ، وَفَصَلَهُ عَنِ الثَّوْبِ، فَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِيمَا لَمْ يَغْسِلْهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ،

ص: 273

جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ بِلَا خِلَافٍ.

وَلَوِ اشْتَبَهَ ثَوْبَانِ أَوْ أَثْوَابٌ، بَعْضُهَا طَاهِرٌ وَبَعْضُهَا نَجِسٌ، اجْتَهَدَ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَوَانِي. فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ، وَأَمْكَنَهُ غَسْلُ وَاحِدٍ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا نَجِسًا، وَنَذْكُرُهُ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قُلْتُ: وَلَنَا وَجْهٌ، أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ تِلْكَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً، وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ: أَنَّهُ يَتْرُكُ الثِّيَابَ، وَيُصَلِّي عُرْيَانًا، وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ ظَنَّ طَهَارَةَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، وَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، عَمِلَ بِمُقْتَضَى الِاجْتِهَادِ الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، كَالْقِبْلَةِ.

قُلْتُ: وَلَا يَجِبُ إِعَادَةُ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَاتَيْنِ - وَكَذَا لَوْ كَثُرَتِ الثِّيَابُ، وَالصَّلَوَاتُ - بِالِاجْتِهَادِ الْمُخْتَلِفِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْقِبْلَةِ.

وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ الْمُشْتَبِهَيْنِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ، لَمْ يُصَلِّ فِي الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ:

مَا لَبِسَهُ الْمُصَلِّي، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، وَأَنْ لَا يُلَاقِيَ شَيْئًا نَجِسًا، سَوَاءٌ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ، أَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بَعْضُ أَطْرَافِهِ كَذُنَابَةِ الْعِمَامَةِ. فَلَوْ أَصَابَ طَرَفَ الْعِمَامَةِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَرْضًا نَجِسَةً، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

وَلَوْ قَبَضَ طَرَفَ حَبْلٍ أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ شَدَّهُ فِي يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ وَسَطِهِ، وَطَرَفُهُ الْآخَرُ نَجِسٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَصَحُّهَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الطَّرَفُ نَجِسًا، أَوْ مُتَّصِلًا بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، بِأَنْ كَانَ فِي عُنُقِ كَلْبٍ، بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِطَاهِرٍ، وَذَلِكَ الطَّاهِرُ مُتَّصِلًا بِنَجَاسَةٍ، بِأَنْ شَدَّ فِي سَاجُورٍ، أَوْ خِرْقَةٍ، وَهُمَا فِي عُنُقِ كَلْبٍ أَوْ شَدَّهُ فِي

ص: 274

عُنُقِ حِمَارٍ عَلَيْهِ حِمْلٌ نَجِسٌ لَمْ تَبْطُلْ.

وَالْأَوْجَهُ جَارِيَةٌ، سَوَاءٌ تَحَرَّكَ الطَّرَفُ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ.

وَقَطَعَ بِهِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا بِالْبُطْلَانِ إِذَا تَحَرَّكَ، وَخَصُّوا الْخِلَافَ بِمَا لَا يَتَحَرَّكُ.

وَقَطَعَ الْبَغَوَيُّ بِالْبُطْلَانِ فِي صُورَةِ الشَّدِّ، وَخَصَّ الْخِلَافَ بِصُورَةِ الْقَبْضِ بِالْيَدِ.

وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: إِنْ كَانَ الْكَلْبُ صَغِيرًا أَوْ مَيْتًا، وَطَرَفُ الْحَبَلِ مَشْدُودٌ بِهِ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا حَيًّا بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ، فَهِيَ كَالْكَلْبِ.

وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً. لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الصَّحِيحِ. كَمَا لَوْ شَدَّ فِي بَابِ دَارٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ، وَاتَّفَقَتِ الطَّوَائِفُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْحَبْلِ تَحْتَ رِجْلِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ.

فَرْعٌ:

مَنِ انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَجَبَرَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ جَبَرَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ نُظِرَ، إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْجَبْرِ وَلَمْ يَجِدْ عَظْمًا طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَهُوَ مَعْذُورٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ.

وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ أَوْ وَجَدَ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَجَبَ نَزْعُهُ إِنْ لَمْ يَخَفِ الْهَلَاكَ وَلَا تَلَفَ عُضْوٍ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الْمَحْذُورَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ مَعَهُ، وَلَا مُبَالَاةَ بِالْأَلَمِ الَّذِي يَجِدُهُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتَسِيَ اللَّحْمُ أَوْ لَا يَكْتَسِيَهُ، وَمَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا اكْتَسَى اللَّحْمُ لَمْ يَجِبِ النَّزْعُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ الْهَلَاكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهٌ شَاذٌّ لَنَا.

وَإِنْ خَافَ مِنَ النَّزْعِ الْهَلَاكَ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، لَمْ يَجِبِ النَّزْعُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَإِذَا أَوْجَبْنَا

ص: 275

النَّزْعَ، فَمَاتَ قَبْلَهُ، لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ، سَوَاءٌ اسْتَتَرَ بِاللَّحْمِ، أَمْ لَا.

وَقِيلَ: إِنِ اسْتَتَرَ، لَمْ يُنْزَعْ قَطْعًا.

وَعَلَى الشَّاذِّ: يَجِبُ النَّزْعُ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ.

وَمُدَاوَاةُ الْجُرْحِ بِالدَّوَاءِ النَّجِسِ، وَخِيَاطَتُهُ بِخَيْطٍ نَجِسٍ، كَالْوَصْلِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ، فَيَجِبُ النَّزْعُ حَيْثُ يَجِبُ نَزْعُ الْعَظْمِ، وَكَذَا لَوْ شَقَّ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ، وَجَعَلَ فِيهِ دَمًا.

وَكَذَا لَوْ وَشَمَ يَدَهُ بِالْعِظَامِ، أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يُنَجَّسُ عِنْدَ الْغَرْزِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْفَرَّاءِ، أَنَّهُ يُزَالُ الْوَشْمُ بِالْعِلَاجِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إِلَّا بِالْجُرْحِ، لَا يَجْرَحُ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ.

فَرْعٌ:

وَصْلُ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ، أَوْ بِشَعْرٍ آدَمِيٍّ، حَرَامٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِكَرَامَتِهِ، بَلْ يُدْفَنُ شَعْرُهُ وَغَيْرُهُ.

وَسَوَاءٌ فِي هَذَيْنِ الْمُزَوَّجَةُ وَغَيْرُهَا، وَأَمَّا الشَّعْرُ الطَّاهِرُ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا سَيِّدٍ، حَرُمَ الْوَصْلُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَعَلَى الثَّانِي: يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا: إِنْ وَصَلَتْ بِإِذْنِهِ جَازَ، وَإِلَّا حَرُمَ.

وَالثَّانِي: يُحَرَّمُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا تَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً مِنَ الزَّوْجِ أَوِ السَّيِّدِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا، وَفَعَلَتْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَجَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ كَالْوَصْلِ.

وَأَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفِ الْأَصَابِعِ فَأَلْحَقُوهُ بِالتَّحْمِيرِ.

قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ تَجْعِيدُ الشَّعْرِ، وَلَا بَأْسَ بِتَصْفِيفِ الطُّرَرِ وَتَسْوِيَةِ الْأَصْدَاغِ.

وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ بِاسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ لَهَا بِكُلِّ حَالٍ.

وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ، عَلَى تَفْصِيلٍ نَذْكُرُهُ فِي (فَصْلِ سُنَنِ الْإِحْرَامِ) إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْوَشْمُ، فَحَرَامٌ مُطْلَقًا.

وَالْوَشْرُ: وَهُوَ تَحْدِيدُ طَرَفِ الْأَسْنَانِ وَتَرْقِيقُهَا، كَالْوَصْلِ بِشَعْرٍ طَاهِرٍ.

ص: 276

فَرْعٌ:

يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يُلَاقِي بَدَنَ الْمُصَلِّي وَثَوْبَهُ، وَتَحْتَهُ وَفَوْقَهُ وَجَوَانِبَهُ، طَاهِرًا. فَلَوْ وَقَفَ بِحَيْثُ يَمَسُّهُ فِي صَلَاتِهِ جِدَارٌ، أَوْ سَقْفٌ نَجِسٌ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

وَلَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ تَحْتَهُ نَجَاسَةٌ، أَوْ عَلَى طَرَفٍ مِنْهُ نَجَاسَةٌ، أَوْ عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ، لَمْ يَضُرَّ، سَوَاءٌ تَحَرَّكَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِحَرَكَتِهِ، أَمْ لَا، وَلَوْ نَجِسَ أَحَدُ الْبَيْتَيْنِ، وَاشْتَبَهَ، تَحَرَّى، كَالثَّوْبَيْنِ.

وَإِنِ اشْتَبَهَ مَكَانٌ مِنْ بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ لَمْ يَجُزِ التَّحَرِّي عَلَى الْأَصَحِّ.

وَعَلَى الثَّانِي: يَجُوزُ، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ.

وَلَوْ كَانَ مَا يُلَاقِي بَدَنَهُ وَثِيَابَهُ طَاهِرًا، وَمَا يُحَاذِي صَدْرَهُ أَوْ بَطْنَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ فِي سُجُودِهِ أَوْ غَيْرِهِ نَجِسًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَلَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَوْبًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَتْ مَمَاسَّةُ النَّجَاسَةِ مِنَ الْفُرَجِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ، وَحَصَلَتِ الْمُحَاذَاةُ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ.

فَرْعٌ.

فِي مُوَاطِنَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا:

أَحَدُهَا: الْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ. فَلَوْ فَرَشَ ثَوْبًا أَوْ بِسَاطًا طَاهِرًا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ تَحْتَهُ.

الثَّانِي: قَارِعَةُ الطَّرِيقِ، لِلنَّهْيِ عَنْهَا مَعْنَيَانِ. أَحَدُهُمَا: غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ، وَالثَّانِي: اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِسَبَبِ مُرُورِ النَّاسِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ: جَرَى النَّهْيُ فِي جَوَادِ الطُّرُقِ فِي الْبَرَارِي، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي: فَلَا، وَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي

ص: 277

الشَّوَارِعِ مَعَ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ.

فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا فَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ، وَإِلَّا فَلِلتَّحْرِيمِ. فَلَوْ بَسَطَ شَيْئًا طَاهِرًا، صَحَّتِ الصَّلَاةُ قَطْعًا وَتَبْقَى الْكَرَاهَةُ لِشَغْلِ الْقَلْبِ.

وَالثَّالِثُ: بَطْنُ الْوَادِي، وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِلْخَوْفِ السَّالِبِ لِلْخُشُوعِ، بِسَبَبِ سَيْلٍ يُتَوَقَّعُ، فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ سَيْلٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا كَرَاهَةَ، وَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ لِمُطْلَقِ النَّهْيِ.

قُلْتُ: اتَّبَعَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ الْغَزَالِيَّ وَإِمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي إِثْبَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَجِئْ فِي هَذَا نَهْيٌ أَصْلًا.

وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ ذِكْرُ الْمَوَاطِنِ السَّبْعَةِ، لَيْسَ فِيهِ الْوَادِي، بَلْ فِيهِ الْمَقْبَرَةُ بَدَلًا مِنْهُ، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ ذَكَرَ الْوَادِيَ وَحَذَفَ الْمَقْبَرَةَ.

وَالْحَدِيثُ مِنْ أَصْلِهِ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، فَإِنَّهُ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ فِي وَادٍ خَاصٍّ، وَهُوَ الَّذِي نَامَ (فِيهِ) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ مَعَهُ عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى فَاتَتْ، وَقَالَ:(اخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي) وَصَلَّى خَارِجَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعُ: الْحَمَّامُ. قِيلَ: سَبَبُ النَّهْيِ كَثْرَةُ النَّجَاسَةِ وَالْوَسَخِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيْطَانِ، وَفِي الْمَسْلَخِ وَجْهَانِ:

إِنْ قُلْنَا بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِكُلِّ حَالٍ فِي الْمَسْلَخِ وَالْحَمَّامِ إِذَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ.

الْخَامِسُ: ظَهْرُ الْكَعْبَةِ وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ الِاسْتِقْبَالِ.

السَّادِسُ: أَعْطَانُ الْإِبِلِ، وَفَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي تُنَحَّى إِلَيْهَا الْإِبِلُ الشَّارِبَةُ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا.

فَإِذَا اجْتَمَعَتْ سِيقَتْ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ، وَهُوَ: مَأْوَاهَا لَيْلًا، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِي الْغَنَمِ مِثْلُ عَطَنِ الْإِبِلِ.

وَحُكْمُهُ حُكْمُ مُرَاحِهَا، وَحُكْمُ مَأْوَى الْإِبِلِ لَيْلًا حُكْمُ عَطَنِهَا. لَكِنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي الْعَطَنِ أَشَدُّ، وَمَتَى صَلَّى فِي الْعَطَنِ أَوِ الْمُرَاحِ وَنَجُسَ

ص: 278

بِالْبَوْلِ أَوِ الْبَعْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا صَحَّتْ مَعَ افْتِرَاقِهِمَا فِي الْكَرَاهَةِ.

السَّابِعُ: الْمَقْبَرَةُ، وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ. ثُمَّ إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْبُوشَةٍ، أَوْ بُسِطَ عَلَيْهَا طَاهِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ مَوْضِعَ صَلَاتِهِ مَنْبُوشٌ لَمْ تَصِحَّ.

وَإِنْ شَكَّ فِي نَبْشِهِ، صَحَّتْ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ فِي الصَّلَاةِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: النَّجَاسَةُ الْوَاقِعَةُ فِي مَظِنَّةِ الْعَفْوِ، وَهُوَ أَضْرُبٌ.

الْأَوَّلُ: الْأَثَرُ الْبَاقِي عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ الْحَجَرِ، يُعْفَى عَنْهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ. فَلَوْ لَاقَى مَاءً قَلِيلًا نَجَّسَهُ، وَلَوْ حَمَلَهُ مُصَلٍّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا حُمِلَ مِنْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا، وَيَقْرُبُ مِنْهَا الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ عَرِقَ وَتَلَوَّثَ بِمَحَلِّ النَّجْوِ غَيْرُهُ.

لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا الْعَفْوُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ، بِخِلَافِ حَمْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَنَجَّسَ مَنْفَذُهُ بِالْخَارِجِ فَوَجْهَانِ:

الْأَصَحُّ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي (التَّتِمَّةِ) : لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: صِحَّتُهَا.

قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ وَقَعَ هَذَا الْحَيَوَانُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ آخَرَ وَخَرَجَ حَيًّا، لَمْ يُنَجِّسْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِلْمَشَقَّةِ فِي صِيَانَةِ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ.

وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً صَارَ حَشْوُهَا دَمًا، وَظَاهِرُهَا طَاهِرٌ، أَوْ حَمَلَ عُنْقُودًا اسْتَحَالَ بَاطِنُ حَبَّاتِهِ خَمْرًا، وَلَا رَشْحَ عَلَى ظَاهِرِهَا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ اسْتِتَارٍ خِلْقِيٍّ، وَلَوْ حَمَلَ قَارُورَةً مُصَمَّمَةَ الرَّأْسِ بِرَصَاصٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَفِيهَا نَجَاسَةٌ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَلَوْ صَمَّمَهَا بِخِرْقَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا، وَلَوْ صَمَّمَهَا بِشَمْعٍ قِيلَ: إِنَّهُ كَالرَّصَاصِ، وَقِيلَ: كَالْخِرْقَةِ، وَلَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا مَذْبُوحًا بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَوْضِعِ الذَّبْحِ وَغَيْرِهِ لَمْ تَصِحَّ قَطْعًا.

ص: 279

الضَّرْبُ الثَّانِي: طِينُ الشَّوَارِعِ. فَتَارَةً يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ، وَتَارَةً يَظُنُّهَا، وَتَارَةً لَا قَطْعًا يَعْلَمُهَا وَلَا يَظُنُّهَا. فَالثَّالِثُ: لَا يَضُرُّ.

وَالْمَظْنُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَالنَّجِسُ يُعْفَى قَلِيلُهُ دُونَ كَثِيرِهِ.

وَالْقَلِيلُ: مَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَبِمَوْضِعِهِ فِي الْبَدَنِ.

وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لَهُ تَقْرِيبًا، فَقَالُوا: الْقَلِيلُ مَا لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إِلَى سَقْطَةٍ أَوْ كَبْوَةٍ أَوْ قِلَّةٍ تُحْفَظُ. فَإِنْ نُسِبَ فَكَثِيرَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوِ النَّعْلِ نَجَاسَةٌ فَدَلَّكَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى ذَهَبَتْ أَجْزَاؤُهَا، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِيهِ قَوْلَانِ:

الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَالْقَدِيمُ: يَصِحُّ بِشُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لِلنَّجَاسَةِ جِرْمٌ يَلْتَصِقُ بِهِ. أَمَّا الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ بِحَالٍ، وَالثَّانِي: أَنْ يُدَلِّكَهُ فِي حَالِ الْجَفَافِ، وَمَا دَامَ رَطْبًا لَا يَكْفِي الدَّلْكُ قَطْعًا، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حُصُولُ النَّجَاسَةِ بِالْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ. فَلَوْ تَعَمَّدَ تَلْطِيخَ الْخُفِّ بِهَا، وَجَبَ الْغَسْلُ قَطْعًا.

وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِيمَا أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَأَطْرَافَهُ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ - الْمُتَيَقَّنِ النَّجَاسَةِ - الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ وَسَائِرِ النَّجَاسَةِ الْغَالِبَةِ فِي الطُّرُقِ كَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِ.

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: دَمُ الْبَرَاغِيثِ، يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَفِي كَثِيرِهِ وَجْهَانِ:

أَصَحُّهُمَا: الْعَفْوُ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي دَمِ الْقَمْلِ وَالْبَعُوضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَفِي وَنِيمِ الذُّبَابِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ.

وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا فَعَرِقَ وَانْتَشَرَ اللَّطْخُ بِسَبَبِهِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ.

وَفِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ خِلَافٌ. فَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ: الْقَلِيلُ: قَدْرُ دِينَارٍ، وَفِي قَدِيمٍ آخَرَ: مَا دُونُ الْكَفِّ، وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْكَثِيرُ: مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانِ طَلَبٍ، وَالْقَلِيلُ دُونَهُ، وَأَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ إِلَى الْعَادَةِ، فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَلِيلٌ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنَ

ص: 280

الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ مَا يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ أَوْ يَتَفَاحَشُ، وَأَصَحُّهُمَا: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ وَيَجْتَهِدُ الْمُصَلِّي هَلْ هُوَ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ؟ .

الضَّرْبُ الرَّابِعُ: دَمُ البَثَرَاتِ وَقِيحُهَا وَصَدِيدُهَا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ، فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ قَطْعًا، وَعَنْ كَثِيرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ عَصَرَ بَثْرَةً، فَخَرَجَ مَا فِيهَا، عُفِيَ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَلَوْ أَصَابَهُ دَمُ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا عَفْوَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْعَفْوُ، وَلَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ، لَا مِنَ الْبَثَرَاتِ، بَلْ مِنَ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ كَدَمِ الْبَثَرَاتِ، وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: أَنَّهُ لَا يُلْتَحَقُ بِدَمِ الْبَثَرَاتِ. بَلْ إِنْ كَانَ مِمَّا يَدُومُ مِثْلُهَا غَالِبًا، فَهِيَ كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَسَبَقَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَدُومُ غَالِبًا، فَهُوَ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ، لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ وَفِي قَلِيلِهِ الْخِلَافُ.

قُلْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَدَمِ الْبَثَرَاتِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَحُكْمُ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ حُكْمُ الدَّمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَأَمَّا الْقُرُوحُ وَالنَّفَّاطَاتُ فَإِنْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالطَّهَارَةِ، وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ.

قُلْتُ: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 281

الضَّرْبُ الْخَامِسُ: إِذَا صَلَّى وَعَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْأَظْهَرِ.

وَإِنْ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا وَجَبَتْ قَطْعًا، وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ، وَجَبَتْ إِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّجَاسَةِ، وَإِذَا احْتَمَلَ أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَمَا صَلَّى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

الضَّرْبُ السَّادِسُ: فِي أَنْوَاعٍ مُتَفَرِّقَةٍ، مِنْهَا النَّجَاسَةُ الَّتِي تَسْتَصْحِبُهَا الْمُسْتَحَاضَةُ، وَسَلَسُ الْبَوْلِ، وَمِنْهَا إِذَا كَانَ عَلَى جُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ يَخَافُ مِنْ إِزَالَتِهِ.

وَمِنْهَا، إِذَا تَلَطَّخَ سِلَاحُهُ بِالدَّمِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ.

وَمِنْهَا: الشَّعْرُ الَّذِي يُنْتَفُ وَلَا يَخْلُو عَنْهُ ثَوْبُهُ وَبَدَنُهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ.

وَمِنْهَا: الْقَدْرُ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِ الدَّمِ، وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ (كِتَابِ الطَّهَارَةِ) .

قُلْتُ: إِذَا كَانَ عَلَى جُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يُعْفَى عَنْهُ، وَخَافَ مِنْ غَسْلِهِ صَلَّى بِهِ وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْجَدِيدِ الْأَظْهَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَيَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْخَلْوَةِ، وَفِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ.

وَهُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ بَطَلَتْ.

قُلْتُ: وَلَوْ صَلَّى فِي سُتْرَةٍ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خَرْقٌ تَبِينُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ، وَجَبَتْ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا، أَمْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ عَلِمَ النَّجَاسَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَوِ احْتَمَلَ حُدُوثَ الْخَرْقِ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا إِعَادَةَ قَطْعًا.

وَيَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لِلْحَاجَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ - حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا - مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ.

ص: 282

وَفِي وَجْهٍ: الرُّكْبَةُ وَالسُّرَّةُ عَوْرَةٌ، وَفِي وَجْهٍ: الرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ دُونَ السُّرَّةِ، وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ مُنْكَرٍ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ.

قُلْتُ: لَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ مَشْهُورٌ: أَنَّ السُّرَّةَ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ؛ ظَهْرُهُمَا وَبَطْنُهُمَا إِلَى الْكُوعَيْنِ.

وَلَنَا قَوْلٌ، وَقِيلَ وَجْهٌ: أَنَّ بَاطِنَ قَدَمِهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: لَيْسَ الْقَدَمَانِ بِعَوْرَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ بَعْضَهَا رَقِيقًا، فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَصَحُّهَا عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَالثَّانِي: كَعَوْرَةِ الْحُرَّةِ إِلَّا رَأْسَهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَالثَّالِثُ: مَا يَنْكَشِفُ فِي حَالِ خِدْمَتِهَا وَتَصَرُّفِهَا كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ، فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَمَا عَدَاهُ عَوْرَةٌ. وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشَكِلُ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَقُلْنَا: عَوْرَةُ الْأَمَةِ كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتُرَ إِلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا، وَقُلْنَا: عَوْرَةُ الْأَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَجَبَ سَتْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ. فَلَوْ خَالَفَ، فَلَمْ يَسْتُرْ إِلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ وَجْهَانِ:

قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا تَصِحُّ لِأَنَّ السَّتْرَ شَرْطٌ وَشَكَكْنَا فِي حُصُولِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 283

فَرْعٌ.

فِي صِفَةِ السُّتْرَةِ وَالسِّتْرِ:

وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، بِمَا يَحُولُ بَيْنَ النَّاظِرِ وَلَوْنِ الْبَشَرَةِ، فَلَا يَكْفِي الثَّوْبُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُشَاهَدُ مِنْ وَرَائِهِ سَوَادُ الْبَشَرَةِ وَبَيَاضُهَا، وَلَا الْغَلِيظُ الْمُهَلْهَلُ النَّسِيجِ الَّذِي يُظْهِرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ مِنْ فُرَجِهِ، وَلَوْ سَتَرَ اللَّوْنَ وَوَصَفَ حَجْمَ الْبَشَرَةِ فَلَا بَأْسَ.

وَلَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ صَافٍ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، إِلَّا إِذَا غَلَبَتِ الْخُضْرَةُ لِتَرَاكُمِ الْمَاءِ. فَإِنِ انْغَمَسَ إِلَى عُنُقِهِ، وَمَنَعَتِ الْخُضْرَةُ رُؤْيَةَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ صَلَّى فِي مَاءٍ كَدَرٍ صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ، أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنَازَةٍ، وَلَوْ طَيَّنَ عَوْرَتَهُ فَاسْتَتَرَ اللَّوْنُ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ، سَوَاءٌ وَجَدَ ثَوْبًا أَمْ لَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ وَأَمْكَنَهُ التَّطَيُّنُ وَجَبَ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَأَمَّا صِفَةُ السَّتْرِ، فَقَالَ الْأَصْحَابُ: السَّتْرُ يُعْتَبَرُ مِنْ فَوْقُ، وَمِنَ الْجَوَانِبِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الذَّيْلُ وَالْإِزَارُ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ مُتَّسِعِ الذَّيْلِ، وَكَانَ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ يَرَى عَوْرَتَهُ مَنْ نَظَرِ إِلَيْهِ مِنْ أَسْفَلُ جَازَ، كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

وَتَوَقَّفَ فِي صُورَةِ السَّطْحِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيُّ.

وَلَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ وَاسِعِ الْجَيْبِ، تُرَى عَوْرَتُهُ مِنَ الْأَعْلَى فِي الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.

وَطَرِيقُهُ أَنْ يَزِرَّ جَيْبَهُ، أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ، أَوْ يَسْتُرَ مَوْضِعَ الْجَيْبِ بِشَيْءٍ يُلْقِيهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاسِعَ الْجَيْبِ، لَكِنْ كَانَ عَلَى صَدْرِ الْقَمِيصِ أَوْ ظَهْرِهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ.

وَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ بِحَيْثُ تُرَى الْعَوْرَةُ مِنْهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُ مِنْهَا لِحْيَتُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى إِزَارِهِ ثُقْبٌ، فَجَمَعَ عَلَيْهِ

ص: 284

الثَّوْبَ بِيَدِهِ، فَلَوْ سَتَرَ الثُّقْبَ بِيَدِهِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اللِّحْيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَمِيصُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَظْهَرُ فِي الْقِيَامِ فَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ، ثُمَّ إِذَا رَكَعَ تَبْطُلُ، أَمْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا؟ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ.

وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوِ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَفِيمَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبًا عَلَى عَاتِقِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ إِمَّا بِاللُّبْسِ كَالثَّوْبِ وَالْجِلْدِ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ كَالتَّطَيُّنِ.

فَأَمَّا الْفُسْطَاطُ الضَّيِّقُ وَنَحْوُهُ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَفَ فِي جُبٍّ، وَصَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، فَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ تَظْهَرُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ لَمْ تَجُزْ.

وَإِنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، فَقَالَ فِي (التَّتِمَّةِ) : تَجُوزُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَجُوزُ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ، وَلَوْ حَفَرَ فِي الْأَرْضِ حُفْرَةً، وَوَقَفَ فِيهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، إِنْ رَدَّ التُّرَابَ بِحَيْثُ سَتَرَ الْعَوْرَةَ جَازَ، وَإِلَّا فَكَالْجُبِّ.

وَلَوْ سُتِرَ بِزُجَاجٍ يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ لَمْ يَصِحَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ:

إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، صَلَّى عَارِيًا وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ (التَّيَمُّمِ) كَيْفِيَّةُ صَلَاتِهِ وَالْقَضَاءِ.

وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ مِنَ الْعُرَاةِ، فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً، وَيَقِفُ إِمَامُهُمْ وَسَطُهُمْ، كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ، وَهَلْ يُسَنُّ لِلْعُرَاةِ الْجَمَاعَةُ أَمِ الْأَصَحُّ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلُّوا فُرَادَى؟ قَوْلَانِ:

الْقَدِيمُ: الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ، وَالْجَدِيدُ: الْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ.

قُلْتُ: هَكَذَا حَكَى جَمَاعَةٌ عَنِ الْجَدِيدِ، وَالْمُخْتَارُ مَا حَكَاهُ الْمُحَقِّقُونَ عَنِ الْجَدِيدِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالِانْفِرَادَ سَوَاءٌ.

وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إِذَا كَانُوا بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، فَلَوْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ، اسْتُحِبَّتْ لَهُمُ الْجَمَاعَةُ بِلَا خِلَافٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 285

وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ لَابِسٌ أَمَّهُمْ، وَوَقَفُوا خَلْفَهُ صَفًّا وَاحِدًا. فَإِنْ خَالَفُوا، فَأَمَّهُمْ عَارٍ، وَاقْتَدَى بِهِ اللَّابِسُ جَازَ.

وَلَوِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ لَمْ يُصَلُّوا مَعًا، لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ، بَلْ يُصَلِّي الرِّجَالُ، وَتَكُونُ النِّسَاءُ جَالِسَاتٍ خَلْفَهُمْ مُسْتَدْبِرَاتِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَجْلِسُ الرِّجَالُ خَلْفَهُنَّ مُسْتَدْبِرِينَ.

فَرْعٌ:

إِذَا وَجَدَ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ، لَزِمَهُ سَتْرُ الْمُمْكِنِ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَوْجُودُ يَكْفِي السَّوْأَتَيْنِ بَدَأَ بِهِمَا، وَلَا يَعْدِلُ إِلَى غَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ يَكْفِي إِحْدَاهُمَا فَقَطْ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَسْتُرُ الْقُبُلَ، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، وَالثَّانِي: الدُّبُرَ، وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ.

قُلْتُ: وَلَنَا وَجْهٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتُرُ الْقُبُلَ، وَالرَّجُلُ الدُّبُرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشَكِلُ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ قُبُلَيْهِ وَدُبُرَهُ سَتَرَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مَا يَسْتُرُ وَاحِدًا، وَقُلْنَا يَسْتُرُ الْقُبُلَ، سَتَرَ أَيَّ قُبُلَيْهِ شَاءَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ آلَةَ الرِّجَالِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ، وَآلَةَ النِّسَاءِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ.

ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ السَّوْأَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْفَخِذِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ تَقْدِيمِ إِحْدَى السَّوْأَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى: هَلْ هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؟ أَمْ عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَجْهَانِ:

أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ.

ص: 286

فَرْعٌ:

لَوْ كَانَتْ أَمَةً تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، فَعَتَقَتْ خِلَالَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى السُّتْرَةِ، مَضَتْ فِي صَلَاتِهَا كَالْعَاجِزِ.

فَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ، وَلَمْ تَشْعُرْ بِقُدْرَتِهَا عَلَيْهَا، أَوْ لَمْ تَشْعُرْ بِالْعِتْقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنَ الصَّلَاةِ، فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ جَاهِلًا.

وَقِيلَ: يَجِبُ قَطْعًا، وَإِنْ عَلِمَتِ السُّتْرَةَ وَالْعِتْقَ، فَإِنْ كَانَ الْخِمَارُ قَرِيبًا، فَطَرَحَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ طَرَحَهُ غَيْرُهَا مَضَتْ فِي صَلَاتِهَا.

وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوِ احْتَاجَتْ فِي السَّتْرِ إِلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ، وَمَضَى مُدَّةٌ فِي التَّكَشُّفِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ: إِنَّهَا تَبْنِي، فَلَهَا السَّعْيُ فِي طَلَبِ السَّاتِرِ، كَمَا تَسْعَى فِي طَلَبِ الْمَاءِ، وَإِنْ وَقَفَتْ حَتَّى أَتَيَتْ بِهِ، نُظِرَ، إِنْ وَصَلَهَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَصِلُهُ لَوْ سَعَتْ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ زَادَتْ فَوَجْهَانِ:

الْأَصَحُّ: لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ يَطَّرِدَ هَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَاكَ.

وَلَوْ دَخَلَ الْعَارِي فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي خِلَالِهَا، فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي (الْأَمَةِ) تَعْتَقُ وَهِيَ وَاجِدَةٌ لِلسُّتْرَةِ.

قُلْتُ: إِذَا كَانَتِ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا إِلَّا بِاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا إِذَا لَمْ يُنَاوِلْهَا غَيْرُهَا، قَالَهُ فِي (الشَّامِلِ) .

وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إِنْ صَلَّيْتِ صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا، فَصَلَّتْ كَاشِفَةَ الرَّأْسِ عَاجِزَةً صَحَّتْ وَعَتَقَتْ، أَوْ قَادِرَةً صَحَّتْ، وَلَا عِتْقَ لِلدَّوْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 287

فَرْعٌ.

فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ:

لَيْسَ لِلْعَارِي أَخْذُ الثَّوْبِ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا. فَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَفِي وَجْهٍ: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ. ثُمَّ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْوَاهِبِ قَهْرًا.

وَفِي وَجْهٍ: يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، وَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَوْ أَعَارَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَصَلَّى عَارِيًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.

قُلْتُ: وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ الْعَارِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ، فَهُوَ كَبَيْعِ الْمَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِقْرَاضُ الثَّوْبِ كَإِقْرَاضِ الثَّمَنِ، وَلَوِ احْتَاجَ إِلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، وَلَمْ يَقْدِرْ إِلَّا عَلَى أَحَدِهِمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ.

وَلَوْ أَوْصَى بِثَوْبِهِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَالْمَرْأَةُ أَوْلَى مِنَ الْخُنْثَى، وَالْخُنْثَى أَوْلَى مِنَ الرَّجُلِ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبًا نَجِسًا، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ، فَقَوْلَانِ:

أَظْهَرُهُمَا: يُصَلِّي عَارِيًا بِلَا إِعَادَةٍ.

وَالثَّانِي: يُصَلِّي فِيهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ.

قُلْتُ: وَيَجِبُ لُبْسُهُ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِلسَّتْرِ عَنْهَا، وَفِي الْخَلْوَةِ إِذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي أَحْسَنِ مَا يَجِدُهُ مِنْ ثِيَابِهِ، وَيَتَعَمَّمُ وَيَتَقَمَّصُ وَيَرْتَدِي.

فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ، فَالْأَفْضَلُ قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ، أَوْ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ

ص: 288