الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
صَلَاةُ الْمُسَافِرِ كَغَيْرِهِ، إِلَّا أَنَّ لَهُ التَّرَخُّصَ بِالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ، فَالْقَصْرُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَالسَّبَبُ الْمُجَوِّزُ لَهُ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ. فَأَمَّا السَّفَرُ الْقَصِيرُ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَبْطِ الْقَصْدِ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ، فَلَا رُخْصَةَ لِهَائِمٍ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّ الْهَائِمَ إِذَا بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَهُ الْقَصْرُ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ.
أَمَّا ابْتِدَاءُ السَّفَرِ، فَيُعْرَفُ بِتَفْصِيلِ الْمَوْضِعِ الَّذِي مِنْهُ الِارْتِحَالُ. فَإِنِ ارْتَحَلَ مِنْ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ مُخْتَصٌّ بِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلَ السُّورِ مَزَارِعُ، أَوْ مَوَاضِعُ خَرِبَةٌ، لِأَنَّ جَمِيعَ دَاخِلِ السُّورِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْبَلَدِ، مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، فَإِذَا فَارَقَ السُّورَ تَرَخَّصَ إِنْ لَمْ يَكُنْ خَارِجَهُ دُورٌ مُتَلَاصِقَةٌ أَوْ مَقَابِرُ، فَإِنْ كَانَتْ فَوَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ بِمُفَارَقَةِ السُّورِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ الدُّورِ وَالْمَقَابِرِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَكَثِيرُونَ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ سُورٌ، أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ صَوْبِ مَقْصِدِهِ، فَابْتِدَاءُ سَفَرِهِ بِمُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْفَصِلٌ. وَالْخَرَابُ الَّذِي يَتَخَلَّلُ الْعِمَارَاتِ مَعْدُودٌ مِنَ الْبَلَدِ، كَالنَّهْرِ الْحَائِلِ بَيْنَ جَانِبَيِ الْبَلَدِ، فَلَا يَتَرَخَّصُ بِالْعُبُورِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. فَإِنْ كَانَتْ أَطْرَافُ الْبَلْدَةِ خَرِبَةً، وَلَا عِمَارَةَ وَرَاءَهَا، فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا بُدَّ مِنْ
مُجَاوَزَتِهَا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) : لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إِقَامَةٍ. وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَتْ بَقَايَا الْحِيطَانِ قَائِمَةً، وَلَمْ يَتَّخِذُوا الْخَرَابَ مَزَارِعَ الْعُمْرَانِ، وَلَا هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ وَالْخَرَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَتُهَا بِلَا خِلَافٍ. وَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَوَّطَةً، إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا قُصُورٌ أَوْ دُورٌ يَسْكُنُهَا مُلَّاكُهَا بَعْضَ فُصُولِ السَّنَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا حِينَئِذٍ. وَلَنَا وَجْهٌ فِي (التَّتِمَّةِ) : أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْبَلْدَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. هَذَا حُكْمُ الْبَلْدَةِ. وَأَمَّا الْقَرْيَةُ فَلَهَا حُكْمُ الْبَلْدَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ وَلَا الْمَزَارِعِ الْمُحَوَّطَةِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ. وَشَذَّ الْغَزَالِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْمَزَارِعُ، أَوِ الْبَسَاتِينُ مُحَوَّطَةً، اشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ الْمُحَوَّطَةِ، وَلَا الْبَسَاتِينِ غَيْرِ الْمُحَوَّطَةِ، وَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ الْمُحَوَّطَةِ. وَلَوْ كَانَ قَرْيَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ فَهُمَا كَمَحَلَّتَيْنِ فَيَجِبُ مُجَاوَزَتُهُمَا جَمِيعًا. قَالَ الْإِمَامُ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ فَجَاوَزَ قَرْيَتَهُ، كَفَى وَإِنْ كَانَتَا فِي غَايَةِ التَّقَارُبِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إِذَا تَقَارَبَتَا اشْتُرِطَ مُفَارَقَتُهُمَا. وَلَوْ جَمَعَ سُورٌ قُرًى مُتَفَاصِلَةً لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ السُّورِ. وَكَذَا لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ. وَلِهَذَا قُلْنَا أَوَّلًا: إِنِ ارْتَحَلَ مِنْ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ مُخْتَصٌّ بِهَا. وَأَمَّا الْمُقِيمُ فِي الصَّحَارَى، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْبُقْعَةِ الَّتِي فِيهَا رَحْلُهُ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ. فَإِنْ سَكَنَ وَادِيًا وَسَافَرَ فِي عُرْضِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ عُرْضِ الْوَادِي، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهَذَا عَلَى الْغَالِبِ فِي اتِّسَاعِ الْوَادِي. فَإِنْ أَفْرَطَتِ السِّعَةُ لَمْ يُشْتَرَطْ إِلَّا مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ الَّذِي يُعَدُّ مَوْضِعَ نُزُولِهِ، أَوْ مَوْضِعَ الْحُلَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا. كَمَا لَوْ سَافَرَ فِي طُولِ الْوَادِي. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: كَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُجْرًى عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَجَانِبَا الْوَادِي كَسُورِ الْبَلَدِ. وَلَوْ كَانَ نَازِلًا فِي رَبْوَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَهْبِطَ، وَإِنْ
كَانَ فِي وَهْدَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْعَدَ، وَهَذَا عِنْدَ الِاعْتِدَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَادِي. وَلَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ عُرْضِ الْوَادِي وَالصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ فِي خَيْمَةٍ وَمَنْ فِي أَهْلِ خِيَامٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي أَهْلِ خِيَامٍ كَالْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ، فَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إِذَا فَارَقَ الْخِيَامَ، مُجْتَمِعَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً إِذَا كَانَتْ حُلَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ. وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ لِحُلَّةٍ أُخْرَى، بَلِ الْحُلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ. وَضَبَطَ الصَّيْدَلَانِيُّ التَّفَرُّقَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ، بِأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُونَ لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ، وَيَسْتَعِينُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. فَإِنْ كَانُوا بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَهِيَ حُلَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَيُعْتَبَرُ مَعَ مُجَاوَزَةِ الْخِيَامِ مَرَافِقُهَا، كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَوَاضِعِ إِقَامَتِهِمْ. وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْخِيَامِ، بَلْ يَكْفِي مُفَارَقَةُ خَيْمَتِهِ.
فَرْعٌ
إِذَا فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُنْيَانَ الْبَلْدَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا لِحَاجَةٍ، فَلَهُ أَحْوَالٌ. أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ إِقَامَةٌ أَصْلًا، فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِالرُّجُوعِ وَلَا بِالْحُصُولِ فِيهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ وَطَنَهُ، فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إِذَا فَارَقَهَا ثَانِيًا. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ ذَاهِبًا، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَكُونَ وَطَنَهُ، لَكِنَّهُ أَقَامَ بِهَا مُدَّةً، فَهَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، صَحَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي (التَّتِمَّةِ) . وَالثَّانِي: لَا، وَقَطَعَ بِهِ فِي (التَّهْذِيبِ) وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ إِذَا عَادَ، فَلَوْ نَوَى الْعَوْدَ وَلَمْ يَعُدْ بَعْدُ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَصَارَ بِالنِّيَّةِ مُقِيمًا، وَلَا فَرْقَ