الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّجِيمِ.
وَلَا يَجْهَرُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَلَا فِي الْجَهْرِيَّةِ أَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ.
وَعَلَى الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِيهَا كَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَلَا تَرْجِيحَ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ قَطْعًا.
ثُمَّ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَعَوُّذٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَهُوَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى آكَدُ، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَتَعَوَّذُ فِي الْأُولَى فَقَطْ. فَإِنْ تَرَكَهُ فِيهَا عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا، أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ.
فَصْلٌ
ثُمَّ بَعْدَ التَّعَوُّذِ يَقْرَأُ، وَلِلْمُصَلِّي حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَقْدِرُ.
فَأَمَّا الْقَادِرُ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ قِرَاءَتِهَا فِي الْقِيَامِ، أَوْ مَا يَقَعُ بَدَلًا عَنْهُ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَهَا تَرْجَمَتُهَا وَلَا غَيْرُهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَوِي فِي تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ، فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ.
وَلَنَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الْجَهْرِيَّةِ.
وَوَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي السَّرِيَّةِ أَيْضًا.
فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ أَصَمَّ أَوْ بَعِيدًا لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَزِمَتْهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ عَكَسَ فَالْأَصَحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِ الْإِمَامِ.
وَالثَّانِي: بِصِفَةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأِ الْمَأْمُومُ، هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَوُّذُ؟ وَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ سِرِّيٌّ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يُسْتَحَبُّ، لِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، فَلَا يَجْهَرُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ جَهْرُهُ، بَلْ يُسِرُّ
بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، فَإِنَّ هَذَا أَدْنَى الْقِرَاءَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إِلَّا فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِي رَكْعَتِهِ وَتَصِحُّ، وَهَلْ يُقَالُ يَحْمِلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ أَمْ لَمْ تَجِبْ أَصْلًا؟ وَجْهَانِ، قُلْتُ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةً كَامِلَةً مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا بَاقِي السُّورِ، سِوَى (بَرَاءَةٌ) فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ أَيْضًا، وَفِي قَوْلٍ أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ، وَقِيلَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِهَا، وَأَظْهَرُهُمَا: أَنَّهَا قُرْآنٌ، وَالسُّنَّةُ: أَنْ تَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَفِي السُّورَةِ بَعْدَهَا.
فَرْعٌ:
تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَتَشْدِيدَاتِهَا. فَلَوْ أَسْقَطَ مِنْهَا حَرْفًا، أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا، أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ، لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الضَّادُ وَغَيْرُهُ.
وَفِي وَجْهٍ لَا يَضُرُّ إِبْدَالُ الضَّادِ بِالظَّاءِ، وَلَوْ لَحَنَ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى كَضَمِّ تَاءِ (أَنْعَمْتَ) أَوْ كَسْرِهَا، أَوْ كَسْرِ كَافِ (إِيَّاكَ) لَمْ يُجْزِئْهُ، وَتَبْطُلْ صَلَاتُهُ إِنْ تَعَمَّدَ، وَيَجِبُ إِعَادَةُ الْقِرَاءَةِ، إِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَتُجْزِئُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ.
وَتَصِحُّ بِالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْيِيرُ مَعْنًى، وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ، وَلَا نُقْصَانُهُ.
فَرْعٌ:
يَجِبُ تَرْتِيبٌ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. فَلَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا، إِنْ تَعَمَّدَ، بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِنْ سَهَا لَمْ يَعْتَدَّ بِالْمُؤَخَّرِ، وَيَبْنِي عَلَى الْمُرَتَّبِ إِلَّا أَنْ يُطَوِّلَ فَيَسْتَأْنِفَ الْقِرَاءَةَ، وَلَوْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ، نُظِرَ، إِنْ غَيَّرَ تَغْيِيرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى، لَمْ يَحْسِبْ مَا جَاءَ بِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلِ الْمَعْنَى أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْفَاتِحَةِ أَيْضًا: إِنْ غَيَّرَ التَّرْتِيبَ تَغْيِيرًا يُبْطِلُ الْمَعْنَى، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَالتَّشَهُّدِ.
فَرْعٌ:
تَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِهَا فَلَهُ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَامِدًا، فَيُنْظَرُ، إِنْ سَكَتَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ طَالَتْ مُدَّةُ السُّكُوتِ، بِأَنْ يَشْعُرَ بِقَطْعِهِ الْقِرَاءَةَ أَوْ إِعْرَاضِهِ عَنْهَا مُخْتَارًا، أَوْ لِعَائِقٍ، بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ، وَلَزِمَ اسْتِئْنَافُهَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَعَلَى الشَّاذِّ الْمَنْقُولِ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ: لَا تَبْطُلُ. فَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ السُّكُوتِ، لَمْ يُؤْثَرْ قَطْعُهَا، وَإِنْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا.
وَإِنْ نَوَى قَطْعَهَا وَسَكَتَ يَسِيرًا، بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَلَوْ أَتَى بِتَسْبِيحٍ أَوْ تَهْلِيلٍ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ قَرَأَ آيَةً أُخْرَى بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ، قَلَّ ذَلِكَ أَمْ كَثُرَ. هَذَا فِيمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمُصَلِّي. فَأَمَّا مَا أُمِرَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَتِهَا، كَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ لِتَأْمِينِ الْإِمَامِ، وَسُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ، وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ، وَسُؤَالِهِ
الرَّحْمَةَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ آيَتَهَا، وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْعَذَابِ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتَهُ، فَإِذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلِ الْمُوَالَاةُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِلْمَأْمُومِ، وَعَلَى وَجْهٍ: لَا يُسْتَحَبُّ، وَلَا يَطَّرِدُ الْخِلَافُ فِي كُلِّ مَنْدُوبٍ، فَإِنَّ الْحَمْدَ عِنْدَ الْعُطَاسِ مَنْدُوبٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ فَعَلَهُ، قَطَعَ الْمُوَالَاةَ، وَلَكِنْ يَخْتَصُّ بِالْمَنْدُوبَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالصَّلَاةِ لِمَصْلَحَتِهَا.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يُخِلَّ بِالْمُوَالَاةِ نَاسِيًا، وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ، أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ نَاسِيًا، فِيهِ قَوْلَانِ.
الْمَشْهُورُ الْجَدِيدُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَلَا يَعْتَدُّ لَهُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. بَلْ إِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا رَكَعَ، عَادَ إِلَى الْقِيَامِ وَقَرَأَ، وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ قِيَامِهِ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، صَارَتِ (الثَّانِيَةُ) أُولَاهُ، وَلَغَتِ الْأُولَى.
وَالْقَدِيمُ: أَنَّهُ تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا تَرْكُ الْمُوَالَاةِ نَاسِيًا، فَالصَّحِيحُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَلَهُ الْبِنَاءُ، سَوَاءٌ قُلْنَا: يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْفَاتِحَةِ نَاسِيًا، أَمْ لَا.
وَمَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ، إِلَى أَنَّ الْمُوَالَاةَ تَنْقَطِعُ بِالنِّسْيَانِ إِذَا قُلْنَا: لَا يُعْذَرُ بِهِ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ.
فَرْعٌ:
مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، يَلْزَمُهُ كَسْبُ الْقُدْرَةِ بِتَعَلُّمٍ، أَوْ تَوَسُّلٍ إِلَى مُصْحَفٍ، يَقْرَؤُهَا مِنْهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوِ اسْتِعَارَةٍ.
فَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ ظُلْمَةٍ لَزِمَهُ تَحْصِيلُ السِّرَاجِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ. فَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، لَزِمَهُ إِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهَا.
فَإِنْ تَعَذَّرَتِ الْفَاتِحَةُ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّمِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ بَلَادَتِهِ أَوْ عَدَمِ الْمُعَلِّمِ وَالْمُصْحَفِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ تَرْجَمَةُ الْفَاتِحَةِ، بَلْ يُنْظَرُ؛ إِنْ أَحْسَنَ قُرْآنًا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ، لَزِمَهُ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ، وَلَا يُجْزِئُهُ دُونَ سَبْعٍ وَإِنْ كَانَتْ آيَاتٍ طِوَالًا.
وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ
لَا يَنْقُصَ حُرُوفُ كُلِّ الْآيَاتِ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ الْآيَاتِ السَّبْعِ، بِقَدْرِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ آيَتَيْنِ مَقَامَ آيَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْدِلَ حُرُوفَ كُلِّ آيَةٍ مِنْ حُرُوفِ آيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَتَكُونُ مِثْلَهَا أَوْ أَطْوَلَ، وَالثَّالِثُ: يَكْفِي سَبْعُ آيَاتٍ نَاقِصَاتِ الْحُرُوفِ، كَمَا يَكْفِي صَوْمُ يَوْمٍ قَصِيرٍ عَنْ طَوِيلٍ.
ثُمَّ إِنْ أَحْسَنَ سَبْعَ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، لَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ إِلَى الْمُتَفَرِّقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلَّا مُتَفَرِّقَةً أَتَى بِهَا، وَاسْتَدْرَكَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ: لَوْ كَانَتِ الْآيَةُ الْمُفْرَدَةُ لَا تُفِيدُ مَعْنًى مَنْظُومًا إِذَا قُرِئَتْ وَحْدَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:(ثُمَّ نَظَرَ)[الْمُدَّثِّرِ: 21] فَيَظْهَرُ أَنْ لَا نَأْمُرَهُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَنَجْعَلَهُ كَمَنْ لَا يُحْسِنُ قِرَاءَةً أَصْلًا.
قُلْتُ: قَدْ قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِأَنْ تُجْزِئَهُ الْآيَاتُ الْمُتَفَرِّقَةُ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمُتَوَالِيَةَ، سَوَاءٌ فَرَّقَهَا مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُورٍ؛ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَأَبُو عَلِيٍّ البَنْدَنِيجِيُّ، وَصَاحِبُ (الْبَيَانِ) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي (الْأُمِّ) وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا لَوْ كَانَ الَّذِي يُحْسِنُهُ دُونَ السَّبْعِ، كَآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يَقْرَأُ مَا يُحْسِنُهُ، وَيَأْتِي بِالذِّكْرِ عَنِ الْبَاقِي، وَالثَّانِي: يُكَرِّرُ مَا يَحْفَظُهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ. أَمَّا الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالذِّكْرِ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ، وَفِي الذِّكْرِ الْوَاجِبِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَيَكْفِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ، وَيَجِبُ مَعَهَا كَلِمَتَانِ مِنَ الذِّكْرِ، لِيَصِيرَ سَبْعَةَ أَنْوَاعٍ مَقَامَ سَبْعِ آيَاتٍ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ أَنْوَاعُ الذِّكْرِ لَا أَلْفَاظٌ مُفْرَدَةٌ.
وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنَ الذِّكْرِ، وَلَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُنْقِصَ حُرُوفَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ؟
وَجْهَانِ:
الْأَصَحُّ: يُشْتَرَطُ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يُرَاعِي هُنَا إِلَّا الْحُرُوفُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَحْسَنَ قِرَاءَةَ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنَّهُ يُرَاعِي الْآيَاتِ، وَفِي الْحُرُوفِ الْخِلَافُ.
وَقَالَ فِي (التَّهْذِيبِ) : يَجِبُ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الذِّكْرِ. يُقَامُ كُلُّ نَوْعٍ مُقَامَ آيَةٍ، وَهَذَا أَقْرَبُ، وَهَلِ الدُّعَاءُ الْمَحْضُ كَالذِّكْرِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، يَقُومُ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالذِّكْرِ الْمَأْتِيِّ بِهِ شَيْئًا آخَرَ سِوَى الْبَدَلِيَّةِ، كَمَنِ اسْتَفْتَحَ، أَوْ تَعَوَّذَ عَلَى قَصْدِ تَحْصِيلِ سُنَّتِهِمَا، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْبَدَلِيَّةِ فِيهِمَا، وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَذْكَارِ عَلَى الْأَصَحِّ. أَمَّا إِذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا الذِّكْرِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ يَرْكَعَ، وَلَوْ أَحْسَنَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يُحْسِنْ بَدَلًا، وَجَبَ تَكْرِيرُ مَا أَحْسَنَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ أَحْسَنَ لْبَاقِيهَا بَدَلًا فَوَجْهَانِ: وَقِيلَ: قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يُكَرِّرُهُ، وَأَصَحُّهُمَا يَأْتِي بِهِ وَبِبَدَلِ الْبَاقِي؛ فَعَلَى هَذَا، لَوْ أَحْسَنَ النِّصْفَ الثَّانِي مِنَ الْفَاتِحَةِ دُونَ الْأَوَّلِ، أَتَى بِالذِّكْرِ بَدَلًا عَنِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَأْتِي بِالنِّصْفِ الثَّانِي. فَلَوْ عَكَسَ، لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: يُكَرِّرُ مَا يُحْسِنُهُ، فَيُكَرِّرُ الْمَحْفُوظَ مَرَّةً بَدَلًا، وَمَرَّةً أَصْلًا.
وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ النِّصْفَ الْأَوَّلَ، كَرَّرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ: فَيَأْتِي بِهِ، ثُمَّ بِالذِّكْرِ بَدَلًا. هَذَا كُلُّهُ إِذَا اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ، فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، بِتَلْقِينٍ، أَوْ مُصْحَفٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ، لَزِمَهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَعَلَى الضَّعِيفِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ، بِقَدْرِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَدْ مَضَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ عَلَى الصِّحَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْبَدَلِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، كَمَا إِذَا قَدَرَ الْمُكَفِّرُ عَلَى الْإِعْتَاقِ، بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّوْمِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ.
فَرْعٌ:
يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا آمِينَ، بِالْمَدِّ أَوِ الْقَصْرِ بِلَا تَشْدِيدِ فِيهِمَا.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ (وَلَا الضَّالِّينَ) بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، لِيُمَيِّزَهَا عَنِ الْقُرْآنِ، وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجْهَرُ، وَقِيلَ قَوْلَانِ. وَقِيلَ إِنْ لَمْ يَجْهَرِ الْإِمَامُ جَهَرَ لِيُنَبِّهَهُ وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ. وَقِيلَ إِنْ كَثُرَ الْقَوْمُ جَهَرُوا، وَإِلَّا فَلَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ، مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. فَإِنْ فَاتَهُ أَمَّنَ عَقِبَ تَأْمِينِهِ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ تَرَكَ التَّأْمِينَ، حَتَّى اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ، فَاتَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ، وَفِي (الْحَاوِي) وَغَيْرِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَا لَمْ يَرْكَعْ.
قَالَ فِي (الْأُمِّ) : فَإِنْ قَالَ آمِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ كَانَ حَسَنًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ:
يُسَنُّ لِلْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدِ، قِرَاءَةُ شَيْءٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
وَيَحْصُلُ أَصْلُ الِاسْتِحْبَابِ، بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ سُورَةً كَامِلَةً أَفْضَلُ. حَتَّى إِنَّ السُّورَةَ الْقَصِيرَةَ أَوْلَى مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ، وَهَلْ تُسَنُّ السُّورَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؟ قَوْلَانِ؛ الْقَدِيمُ وَبِهِ أَفْتَى الْأَكْثَرُونَ: لَا تُسَنُّ، وَالْجَدِيدُ تُسَنُّ لَكِنَّهَا تَكُونُ أَقْصَرَ، وَلَا يُفَضِّلِ الرَّكْعَةَ
الْأَوْلَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ الْقِرَاءَةِ، وَلَا الثَّالِثَةَ عَلَى الرَّابِعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ، هُوَ الرَّاجِعُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. لَكِنَّ الْأَصَحَّ: التَّفْضِيلُ.
فَقَدْ صَحَّ فِيهِ الْحَدِيثُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْمُحَقِّقُونَ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ. لَكِنَّ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ خَصَّ الْخِلَافَ بِتَفْضِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى اسْتِوَاءِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ، بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، كَ (الْحُجُرَاتِ) وَفِي الظُّهْرِ بِقَرِيبٍ مِنَ الصُّبْحِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ، وَيُسَنُّ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى (آلَمَ تَنْزِيلُ) وَفِي الثَّانِيَةِ:(هَلْ أَتَى) بِكَمَالِهِمَا.
وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَقْرَأِ السُّورَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِي الْإِمَامِ إِذَا سَمِعَهُ، بَلْ يَسْتَمِعْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً، أَوْ جَهْرِيَّةً، وَلَمْ يَسْمَعِ الْمَأْمُومُ قِرَاءَتَهُ لِبُعْدِهِ، أَوْ صَمَمِهِ، قَرَأَهَا عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ، لَمْ تُحْسَبِ السُّورَةُ، عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ. وَذَكَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَجْهَيْنِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْمَرْأَةُ لَا تَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ رِجَالٌ أَجَانِبُ. فَإِنْ كَانَتْ خَالِيَةً، أَوْ عِنْدَهَا نِسَاءٌ، أَوْ رِجَالٌ مَحَارِمُ، جَهَرَتْ.
وَفِي وَجْهٍ: تُسِرُّ مُطْلَقًا، وَحَيْثُ قُلْنَا: تُسِرُّ، فَجَهَرَتْ، لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ.
وَأَمَّا نَوَافِلُ النَّهَارِ الْمُطْلَقَةِ، فَيُسَرُّ فِيهَا قَطْعًا، وَأَمَّا نَوَافِلُ اللَّيْلِ، فَقَالَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) يَجْهَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) : يَتَوَسَّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَيُسْتَثْنَى مَا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مُصَلُّونَ، أَوْ نِيَامٌ يُهَوِّشُ عَلَيْهِمْ فَيُسِرُّ، وَيُسْتَثْنَى التَّرَاوِيحُ، فَيُجْهَرُ فِيهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.