الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا، لَا تَخْتَلِفُ بِالْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ، لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ. فَالْجَمَاعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ، فَفِيهَا أَوْجُهٌ. الْأَصَحُّ: أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَالثَّانِي: سُنَّةٌ. وَالثَّالِثُ: فَرْضُ عَيْنٍ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله. فَإِنْ قُلْنَا: فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْ إِقَامَتِهَا، قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ، وَلَمْ يَسْقُطِ الْحَرَجُ إِلَّا إِذَا أَقَامُوهَا، بِحَيْثُ يَظْهَرُ هَذَا الشِّعَارُ بَيْنَهُمْ. فَفِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ يَكْفِي إِقَامَتُهَا فِي مَوْضِعٍ، وَفِي الْكَبِيرَةِ، وَالْبِلَادِ، تُقَامُ فِي الْمَحَالِّ. فَلَوْ أَطْبَقُوا عَلَى إِقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ. وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ، إِذَا ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا سُنَّةٌ فَتَرَكُوهَا، لَمْ يُقَاتَلُوا عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَصَحُّ. وَلَوْ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَأَظْهَرُوهَا فِي كُلِّ الْبَلَدِ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا جُمْهُورُ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ، حَصَلَتِ الْجَمَاعَةُ، وَلَا إِثْمَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ. كَمَا إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ. وَأَمَّا أَهْلُ الْبَوَادِي، فَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: عِنْدِي فِيهِمْ نَظَرٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَتَعَرَّضُونَ لَهُ إِذَا كَانُوا سَاكِنِينَ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ، وَكَذَا إِذَا قَلَّ عَدَدُ سَاكِنِي قَرْيَةٍ. هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَهْلَ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ، كَأَهْلِ الْقَرْيَةِ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ، أَوْ بَدْوٍ، لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ، إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) . وَاللَّهُ أَعْلَمُ. هَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ، فَلَا تُفْرَضُ عَلَيْهِنَّ الْجَمَاعَةُ، لَا فَرْضَ عَيْنٍ، وَلَا كِفَايَةٍ. وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ. ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: كَاسْتِحْبَابِهَا لِلرِّجَالِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ، كَتَأَكُّدِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ. فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ تَرْكُهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلرِّجَالِ، مَعَ قَوْلِنَا: هِيَ لَهُمْ سُنَّةٌ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تَقِفَ إِمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ، وَجَمَاعَتُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ. فَإِنْ أَرَدْنَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ، كُرِهَ لِلشَّوَابِّ، دُونَ الْعَجَائِزِ. وَإِمَامَةُ الرِّجَالِ لَهُنَّ، أَفْضَلُ مِنْ إِمَامَةِ النِّسَاءِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِنَّ غَيْرُ مَحْرَمٍ.
قُلْتُ: الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْجَمَاعَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، أَمْ عَيْنٍ، أَمْ سُنَّةً، هُوَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْمُؤَدَّيَاتِ، أَمَّا الْمَنْذُورَةُ، فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ الْآذَانِ فِي مَسْأَلَةِ لَا يُؤَذَّنُ لِمَنْذُورَةٍ. وَأَمَّا الْمَقْضِيَّةُ، فَلَيْسَتِ الْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضَ عَيْنٍ، وَلَا كِفَايَةٍ قَطْعًا، وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ قَطْعًا. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الصُّبْحَ جَمَاعَةً حِينَ فَاتَتْهُمْ بِالْوَادِي. وَأَمَّا الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ، فَجَائِزٌ عِنْدَنَا، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. لَكِنَّ الْأَوْلَى الِانْفِرَادُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا النَّوَافِلُ، فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَا يُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، مِنْهَا، وَمَا لَا يُشْرَعُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا يُشْرَعُ، لَا تُسْتَحَبُّ فَلَوْ صُلِّيَ هَذَا النَّوْعُ جَمَاعَةً جَازَ، وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ، فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.