المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أحدهما نافذا إلى الآخر. وإلا، فلا يعدان مسجدا واحدا. وإذا حصل هذا الشرط، فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا، أو مردودا مغلقا، أو غير مغلق. وفي وجه ضعيف: إن كان مغلقا، لم يجز الاقتداء. ووجه مثله فيما إذا كان أحدهما على السطح، وباب المرقى مغلقا. ولو كانا في مسجدين، يحول بينهما نهر، أو طريق، أو حائط المسجد من غير باب نافذ من أحدهما إلى الآخر، فهو كما إذا وقف أحدهما في مسجد، والآخر في ملك. وسيأتي إن شاء الله تعالى. وإن كان في المسجد نهر، فإن حفر النهر بعد المسجد، فهو مسجد فلا يضر، وإن حفر قبل مصيره مسجدا، فهما مسجدان غير متصلين. قال الشيخ أبو محمد: لو كان في جوار المسجد مسجد آخر منفرد بإمام، ومؤذن، وجماعة، فلكل واحد مع الآخر حكم الملك المتصل بالمسجد. وهذا كالضابط الفارق بين المسجد والمسجدين. فظاهره يقتضي تغاير الحكم، إذا انفرد بالأمور المذكورة، وإن كان باب أحدهما نافذا إلى الآخر - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْحَيْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فَصَلَّ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي قَاعِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ وَمَحَلِّهِ

- ‌فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَكَيْفِيَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌفِي النَّوَافِلِ الَّتِي يُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ

- ‌بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ. وَإِلَّا، فَلَا يُعَدَّانِ مَسْجِدًا وَاحِدًا. وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا، أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: إِنْ كَانَ مُغْلَقًا، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ. وَوَجْهٌ مِثْلُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى السَّطْحِ، وَبَابُ الْمَرْقَى مُغْلَقًا. وَلَوْ كَانَا فِي مَسْجِدَيْنِ، يَحُولُ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ طَرِيقٌ، أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، فَهُوَ كَمَا إِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدٍ، وَالْآخَرُ فِي مِلْكٍ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ، فَإِنْ حُفِرَ النَّهْرُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا، فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ فِي جِوَارِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ بِإِمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَجَمَاعَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ. وَهَذَا كَالضَّابِطِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدَيْنِ. فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَغَايُرَ الْحُكْمِ، إِذَا انْفَرَدَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي يَقْطَعُ التَّرَخُّصَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌باب أحدهما نافذا إلى الآخر. وإلا، فلا يعدان مسجدا واحدا. وإذا حصل هذا الشرط، فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا، أو مردودا مغلقا، أو غير مغلق. وفي وجه ضعيف: إن كان مغلقا، لم يجز الاقتداء. ووجه مثله فيما إذا كان أحدهما على السطح، وباب المرقى مغلقا. ولو كانا في مسجدين، يحول بينهما نهر، أو طريق، أو حائط المسجد من غير باب نافذ من أحدهما إلى الآخر، فهو كما إذا وقف أحدهما في مسجد، والآخر في ملك. وسيأتي إن شاء الله تعالى. وإن كان في المسجد نهر، فإن حفر النهر بعد المسجد، فهو مسجد فلا يضر، وإن حفر قبل مصيره مسجدا، فهما مسجدان غير متصلين. قال الشيخ أبو محمد: لو كان في جوار المسجد مسجد آخر منفرد بإمام، ومؤذن، وجماعة، فلكل واحد مع الآخر حكم الملك المتصل بالمسجد. وهذا كالضابط الفارق بين المسجد والمسجدين. فظاهره يقتضي تغاير الحكم، إذا انفرد بالأمور المذكورة، وإن كان باب أحدهما نافذا إلى الآخر

‌بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ. وَإِلَّا، فَلَا يُعَدَّانِ مَسْجِدًا وَاحِدًا. وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا، أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: إِنْ كَانَ مُغْلَقًا، لَمْ يَجُزِ الِاقْتِدَاءُ. وَوَجْهٌ مِثْلُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى السَّطْحِ، وَبَابُ الْمَرْقَى مُغْلَقًا. وَلَوْ كَانَا فِي مَسْجِدَيْنِ، يَحُولُ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ طَرِيقٌ، أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، فَهُوَ كَمَا إِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدٍ، وَالْآخَرُ فِي مِلْكٍ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ، فَإِنْ حُفِرَ النَّهْرُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ، وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا، فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ فِي جِوَارِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ آخَرُ مُنْفَرِدٌ بِإِمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ، وَجَمَاعَةٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ. وَهَذَا كَالضَّابِطِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدَيْنِ. فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي تَغَايُرَ الْحُكْمِ، إِذَا انْفَرَدَ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ كَانَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إِلَى الْآخَرِ

.

قُلْتُ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ، مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَصَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَ (التَّتِمَّةِ)، وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمَسَاجِدَ الَّتِي يُفْتَحُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، لَهَا حُكْمُ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ، فَعَدَّهَا الْأَكْثَرُونَ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فَرْقًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ أَمْ لَا. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إِنِ انْفَصَلَتْ فَهِيَ كَمَسْجِدٍ آخَرَ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي فَضَاءٍ فَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: تَحْدِيدٌ. وَالتَّقْرِيبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَعَلَى الثَّانِي: مِمَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ

ص: 361

فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَلَوْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ صَفَّانِ، أَوْ شَخْصَانِ، أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ، فَالْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ تُعْتَبَرُ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَخِيرِ، أَوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، أَوِ الشَّخْصِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ، وَلَوْ كَثُرَتِ الصُّفُوفُ، وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْأَخِيرِ فَرْسَخًا جَازَ. وَفِي وَجْهٍ: يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الصُّفُوفُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْإِمَامِ مُتَّصِلَةً عَلَى الْعَادَةِ. وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ. وَلَوْ حَالَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، أَوِ الصَّفَّيْنِ نَهْرٌ يُمْكِنُ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إِلَى الْآخَرِ بِلَا سِبَاحَةٍ، بِالْوُثُوبِ، أَوِ الْخَوْضِ، أَوِ الْعُبُورِ عَلَى جِسْرٍ - صَحَّ الِاقْتِدَاءُ. وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى سِبَاحَةٍ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ مَطْرُوقٌ، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَسَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، كَانَ الْفَضَاءُ مَوَاتًا أَوْ وَقْفًا، أَوْ مِلْكًا، أَوْ بَعْضُهُ مَوَاتًا، وَبَعْضُهُ مِلْكًا، أَوْ بَعْضُهُ وَقْفًا. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: يُشْتَرَطُ فِي السَّاحَةِ الْمَمْلُوكَةِ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ، وَفِي وَجْهٍ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لِشَخْصَيْنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْفَضَاءُ مَحُوطًا عَلَيْهِ أَوْ مُسَقَّفًا، كَالْبُيُوتِ الْوَاسِعَةِ أَوْ غَيْرَ مَحُوطٍ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا فِي غَيْرِ فَضَاءٍ فَإِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي صَحْنِ دَارٍ أَوْ صُفَّتِهَا وَالْآخَرُ فِي بَيْتٍ، فَمَوْقِفُ الْمَأْمُومِ قَدْ يَكُونُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ، وَقَدْ يَكُونُ خَلْفَهُ. وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: قَالَهَا الْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ كَجٍّ، وَحَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ فِي (الْإِفْصَاحِ) عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا إِذَا وَقَفَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَنْ يَتَّصِلَ الصَّفُّ مِنَ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ، إِلَى الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ، بِحَيْثُ لَا تَبْقَى فُرْجَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا، فَإِنْ بَقِيَتْ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا، لَمْ يَضُرَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَتَبَةٌ عَرِيضَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا، اشْتُرِطَ وُقُوفُ مُصَلٍّ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرْجَةِ الْيَسِيرَةِ. وَأَمَّا إِذَا وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَفِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْبُطْلَانُ. وَأَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ إِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ وَتَلَاحَقَتْ. وَمَعْنَى اتِّصَالِهَا، أَنْ يَقِفَ رَجُلٌ أَوْ صَفٌّ فِي آخِرِ الْبِنَاءِ

ص: 362

الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ، وَرَجُلٌ أَوْ صَفٌّ فِي أَوَّلِ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ. وَالثَّلَاثُ لِلتَّقْرِيبِ. فَلَوْ زَادَ مَا لَا يَتَبَيَّنُ فِي الْحِسِّ بِلَا ذَرْعٍ لَمْ يَضُرَّ. وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَشْرُوعُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. وَإِذَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ، فَلَوْ كَانَ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ بَيْتٌ عَنِ الْيَمِينِ، أَوِ الشِّمَالِ، اعْتُبِرَ الِاتِّصَالُ بِتَوَاصُلِ الْمَنَاكِبِ. هَذِهِ طَرِيقَةٌ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُعْظَمِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَلَا اتِّصَالُ الصُّفُوفِ فِي الْمَوَاقِفِ خَلْفَهُ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ: الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ عَلَى الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحْرَاءِ.

قُلْتُ: الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

هَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ بَابٌ نَافِذٌ فَوَقَفَ بِحِذَائِهِ صَفٌّ أَوْ رَجُلٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ جِدَارٌ أَصْلًا كَالصَّحْنِ مَعَ الصُّفَّةِ، فَلَوْ حَالَ حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ، لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَإِنْ مَنَعَ الِاسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ كَالْمُشَبَّكِ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ فِي الْبِنَاءِ الْآخَرِ، إِمَّا بِشَرْطٍ، وَإِمَّا دُونَهُ - صَحَّتْ صَلَاةُ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ جِدَارٌ، وَتَكُونُ الصُّفُوفُ مَعَ هَذَا الْوَاقِفِ كَالْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ، حَتَّى لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، إِنْ تَأَخَّرَ عَنْ سَمْتِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ، إِذْ لَمْ يُجَوَّزْ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَكْبِيرُهُمْ عَلَى تَكْبِيرِهِ. أَمَّا إِذَا وَقَفَ الْإِمَامُ فِي صَحْنِ الدَّارِ، وَالْمَأْمُومُ فِي مَكَانٍ عَالٍ مِنْ سَطْحٍ، أَوْ طَرَفِ صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَبِمَاذَا يَحْصُلُ الِاتِّصَالُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا، قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: إِنْ كَانَ رَأْسُ الْوَاقِفِ فِي السُّفْلِ يُحَاذِي رُكْبَةَ الْوَاقِفِ فِي الْعُلُوِّ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِلَّا فَلَا. وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ، إِنْ حَاذَى رَأَسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ إِمَامُ

ص: 363

الْحَرَمَيْنِ: الْأَوَّلُ مُزَيَّفٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالِاعْتِبَارُ، بِمُعْتَدِلِ الْقَامَةِ. حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا، أَوْ قَاعِدًا فَلَمْ يُحَاذِ، وَلَوْ قَامَ فِيهِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ، لَحَصَلَتِ الْمُحَاذَاةُ، كَفَى. وَحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الِانْخِفَاضُ الْقُدْوَةَ، وَكَانَ بَعْضُ الَّذِينَ يَحْصُلُ بِهِمُ الِاتِّصَالُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ مَتَاعٍ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّ. وَلَوْ كَانَا فِي الْبَحْرِ وَالْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إِذَا لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، كَالصَّحْرَاءِ، وَتَكُونُ السَّفِينَتَانِ كَدِكَّتَيْنِ فِي الصَّحْرَاءِ، يَقِفُ الْإِمَامُ عَلَى إِحْدَاهُمَا، وَالْمَأْمُومُ عَلَى الْأُخْرَى. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ سَفِينَةُ الْإِمَامِ مَشْدُودَةً بِسَفِينَةِ الْمَأْمُومِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ، كَالدَّارِ ذَاتِ الْبُيُوتِ. وَحُكْمُ الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْخَانَاتِ حُكْمُ الدُّورِ. وَالسُّرَادِقَاتُ فِي الصَّحْرَاءِ، كَالسَّفِينَةِ الْمَكْشُوفَةِ، وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ.

الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْآخَرُ خَارِجَهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ فِي مَسْجِدٍ، وَالْمَأْمُومُ فِي مَوَاتٍ مُتَّصِلٍ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ، إِذَا لَمْ تَزِدِ الْمَسَافَةُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي، مِنْ آخِرِ صَفٍّ فِي الْمَسْجِدِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ. وَعَلَى الثَّالِثِ، مِنْ حَرِيمِ الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاتِ. وَحَرِيمُهُ: الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ، الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ، كَانْصِبَابِ الْمَاءِ إِلَيْهِ، وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جِدَارُ الْمَسْجِدِ، لَكِنَّ الْبَابَ النَّافِذَ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ، فَوَقَفَ بِحِذَائِهِ جَازَ، وَلَوِ اتَّصَلَ صَفٌّ بِالْوَاقِفِ فِي الْمُحَاذَاةِ، وَخَرَجُوا عَنِ الْمُحَاذَاةِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِدَارِ بَابٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَقِفْ بِحِذَائِهِ بَلْ عَدَلَ عَنْهُ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يَمْنَعُ. وَأَمَّا الْحَائِلُ غَيْرَ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فَيَمْنَعُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ

ص: 364

فَهُوَ كَالْجِدَارِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ. وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مُغْلَقٍ، فَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الِاسْتِطْرَاقِ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُشَبَّكٌ، فَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الِاسْتِطْرَاقِ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ. فَفِي الصُّورَتَيْنِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ مَانِعٌ. هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَوَاتِ. فَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِي شَارِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَالْمَوَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَى الثَّانِي يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنَ الْمَسْجِدِ بِالطَّرِيقِ. وَلَوْ وَقَفَ فِي حَرِيمِ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي (التَّهْذِيبِ) : أَنَّهُ كَالْمَوَاتِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْفَضَاءَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَسْجِدِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهِ، لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ حَتَّى يَتَّصِلَ الصَّفُّ مِنَ الْمَسْجِدِ بِالْفَضَاءِ. وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ، بِالسَّطْحِ الْمَمْلُوكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ فِي دَارٍ مَمْلُوكَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ، يُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ بِأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلٌ بِعَتَبَةِ الدَّارِ، وَآخَرُ فِي الدَّارِ مُتَّصِلٌ بِالْعَتَبَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَوْقِفُ رَجُلٍ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَضَاءِ مُشْكِلٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَوَاتِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ، فَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: جِدَارُ الْمَسْجِدِ لَا يَمْنَعُ، كَمَا قَالَ فِي الْمَوَاتِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ. وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إِذَا كَانَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ. فَمِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الْجَمَاعَةَ أَوِ الِاقْتِدَاءَ، وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرِنَ هَذِهِ النِّيَّةَ بِالتَّكْبِيرِ كَسَائِرِ مَا يَنْوِيهِ، فَإِنْ تَرَكَ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ، انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَعَلَى هَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ نَظَرَ إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فِعْلًا عَلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ فِعْلًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ فِي حَالِ الشَّكِّ لَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُتَابَعَةُ. حَتَّى لَوْ عَرَضَ هَذَا الشَّكُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ سَلَامُهُ عَلَى سَلَامِ الْإِمَامِ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِالْمُتَابَعَةِ - هُوَ إِذَا انْتَظَرَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ لِيَرْكَعَ

ص: 365

وَيَسْجُدَ مَعَهُ. فَأَمَّا إِذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ فِعْلِهِ، مَعَ انْقِضَاءِ فِعْلِهِ فَهَذَا لَا يُبْطِلُ قَطْعًا. لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَابَعَةً. وَالْمُرَادُ: الِانْتِظَارُ الْكَثِيرُ. فَأَمَّا الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ. وَهَلْ تَجِبُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ فِي الْجُمُعَةِ؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: وَجُوبُهَا. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهَا.

فَرْعٌ

لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يُعَيِّنَ فِي نِيَّتِهِ الْإِمَامَ، بَلْ يَكْفِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ، فَلَوْ عَيَّنَ فَأَخْطَأَ، بِأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ، فَبَانَ عَمْرًا، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَأَخْطَأَ، لَا تَصِحُّ. وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْحَاضِرِ، وَاعْتَقَدَ زَيْدًا فَكَانَ غَيْرَهُ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ. كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْفَرَسَ فَكَانَ بَغْلًا.

قُلْتُ: الْأَرْجَحُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِيمَا يَأْتِيَانِ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي وَعَكْسُهُ، وَالْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَعَكْسُهُ.

ص: 366

فَرْعٌ

لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ، سَوَاءً اقْتَدَى بِهِ الرِّجَالُ أَوِ النِّسَاءُ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَابَشَامِيِّ، وَالْقَفَّالُ: أَنَّهُ تَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ عَلَى الْإِمَامِ. وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِهَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ، وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ. لَكِنْ هَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ يَنَالُ بِهَا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ إِذَا لَمْ يَنْوِهَا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَنَالُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَاقْتَدَى بِهِ جَمْعٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ، يَنَالُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُمْ نَالُوهَا بِسَبَبِهِ، وَهَذَا كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، هَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ؟ الْأَصَحُّ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. وَلَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَعَيَّنَ فِي نِيَّتِهِ الْمُقْتَدِيَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّ غَلَطَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: تَوَافُقُ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَرْكَانِ، فَلَوِ اخْتَلَفَتْ صَلَاتَا الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، بِأَنِ اقْتَدَى مُفْتَرِضٌ بِمَنْ يُصَلِّي جِنَازَةً، أَوْ كُسُوفًا، لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَتَصِحُّ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْجِنَازَةِ لَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالْأَذْكَارِ بَيْنَهَا، بَلْ إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إِخْرَاجِ نَفْسِهِ مِنَ الْمُتَابَعَةِ، وَبَيْنَ انْتِظَارِ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَإِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ، تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ إِنْ شَاءَ رَفَعَ رَأَسَهُ مَعَهُ وَفَارَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ فِي الرُّكُوعِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، وَيَعْتَدِلُ مَعَهُ عَنْ رُكُوعِهِ الثَّانِي، وَلَا يَنْتَظِرُهُ

ص: 367

بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ. أَمَّا إِذَا اتَّفَقَتِ الصَّلَاتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَيُنْظَرُ إِنِ اتَّفَقَ عَدَدُهُمَا كَالظُّهْرِ خَلْفَ الْعَصْرِ أَوِ الْعِشَاءِ جَازَ الِاقْتِدَاءُ. وَإِنْ كَانَ عَدَدُ رَكَعَاتِ الْإِمَامِ أَقَلَّ كَالظُّهْرِ خَلْفَ الصُّبْحِ جَازَ. وَإِذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، قَامَ الْمَأْمُومُ وَأَتَمَّ صَلَاةَ نَفْسِهِ كَالْمَسْبُوقِ. وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقُنُوتِ. وَلَوْ أَرَادَ مُفَارَقَتَهُ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِالْقُنُوتِ جَازَ. وَإِذَا اقْتَدَى فِي الظُّهْرِ بِالْمَغْرِبِ، وَانْتَهَى الْإِمَامُ إِلَى الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ، تَخَيَّرَ الْمَأْمُومُ فِي الْمُتَابَعَةِ وَالْمُفَارَقَةِ كَالْقُنُوتِ. وَإِنْ كَانَ عَدَدُ رَكَعَاتِ الْمَأْمُومِ أَقَلَّ كَالصُّبْحِ خَلْفَ الظُّهْرِ، فَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ وَقِيلَ: قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُهُ. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهُ. فَإِذَا صَحَّحْنَا، وَقَامَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّالِثَةِ، تَخَيَّرَ الْمَأْمُومُ، إِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ.

قُلْتُ: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ فِي الثَّانِيَةِ، بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يَسِيرًا، قَنَتَ. وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ لِيَقْنُتَ. وَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ الظُّهْرِ، فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ إِلَى الرَّابِعَةِ، لَمْ يُتَابِعْهُ بَلْ يُفَارِقُهُ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ وَيَنْتَظِرَهُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُقْتَدِي بِالصُّبْحِ خَلْفَ الظُّهْرِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ. وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ، جَازَ. فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إِلَى بَاقِي صَلَاتِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّ يُتِمَّهَا مُنْفَرِدًا. فَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ إِلَى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مِنَ التَّرَاوِيحِ، فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ ثَانِيًا، فَفِي جَوَازِهِ الْقَوْلَانِ، فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ اقْتَدَى فِي أَثْنَائِهِمَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُقْتَدِي بِمَنْ يُصَلِّي الْعِيدَ أَوِ الِاسْتِسْقَاءَ، هَلْ هُوَ كَمَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ؟ أَمْ كَمَنْ يُصَلِّي الْجِنَازَةَ وَالْكُسُوفَ؟ قُلْتُ: الصَّحِيحُ: أَنَّهُ كَالصُّبْحِ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) . وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ، لَا يُتَابِعُهُ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ تَابَعَهُ لَمْ يَضُرَّهُ، لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تَضُرُّ.

ص: 368

وَلَوْ صَلَّى الْعِيدَ خَلْفَ الصُّبْحِ الْمَقْضِيَّةِ جَازَ، وَيُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشَّرْطُ السَّادِسُ: الْمُوَافَقَةُ. فَإِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، نَظَرَ إِنْ تَرَكَ فَرْضًا، فَقَامَ فِي مَوْضِعِ الْقُعُودِ، أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَمْ يَرْجِعْ، لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ، لِأَنَّهُ إِنْ تَعَمَّدَ، فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ سَهَا، فَفِعْلُهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهَا. وَلَوْ تَرَكَ سُنَّةً وَكَانَ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ، كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، لَمْ يَأْتِ بِهَا الْمَأْمُومُ، فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ، أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ، لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَلِذَلِكَ يُسَلِّمُ التَسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ إِذَا تَرَكَهَا الْإِمَامُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخَلُّفُ لَهَا يَسِيرًا، كَجَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا بَأْسَ، كَمَا لَا بَأْسَ بِزِيَادَتِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. وَكَذَا لَا بَأْسَ بِتَخَلُّفِهِ لِلْقُنُوتِ إِذَا لَحِقَهُ عَلَى قُرْبٍ، بِأَنْ لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى.

الشَّرْطُ السَّابِعُ: الْمُتَابَعَةُ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ، فَلَا يَتَقَدَّمُ فِي الْأَفْعَالِ. وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُتَابَعَةِ: أَنْ يَجْرِيَ عَلَى أَثَرِ الْإِمَامِ، بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، مُتَأَخِّرًا عَنِ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِهِ، وَمُتَقَدِّمًا عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ. فَلَوْ خَالَفَ فَلَهُ أَحْوَالٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَارِنَهُ، فَإِنْ قَارَنَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ شَكَّ هَلْ قَارَنَهُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَأَخَّرَ فَبَانَ مُقَارَنَتُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ. وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ، عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُكَبِّرَ حَتَّى يُسَوُّوا الصُّفُوفَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ مُلْتَفِتًا يَمِينًا وَشِمَالًا. وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ، قَامَ النَّاسُ فَاشْتَغَلُوا بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ. وَأَمَّا مَا عَدَا التَّكْبِيرَ، فَغَيْرُ السَّلَامِ تَجُوزُ الْمُقَارَنَةُ فِيهِ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ، وَتَفُوتُ بِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَفِي السَّلَامِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: جَوَازُهَا.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْإِمَامِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، نَظَرَ إِنْ

ص: 369

تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ قَطْعًا. وَمِنْ صُوَرِ التَّخَلُّفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ، فَيَشْتَغِلُ بِإِتْمَامِهَا، وَكَذَا التَّخَلُّفُ لِلِاشْتِغَالِ بِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَأَمَّا بَيَانُ صُوَرِ التَّخَلُّفِ بِرُكْنٍ، فَيَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ الرُّكْنِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، فَالْقَصِيرُ: الِاعْتِدَالُ عَنِ الرُّكُوعِ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالطَّوِيلُ: مَا عَدَاهُمَا. ثُمَّ الطَّوِيلُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ. وَفِي الْقَصِيرِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى الْجَزْمِ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا، بَلْ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ. وَبِهِ قَطَعَ فِي (التَّهْذِيبِ) . فَإِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ، ثُمَّ رَكَعَ الْمَأْمُومُ وَأَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِهِ فَلَيْسَ هَذَا تَخَلُّفًا بِرُكْنٍ، فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَطْعًا. فَلَوِ اعْتَدَلَ الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ، فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ، اخْتَلَفُوا فِي مَأْخَذِهِمَا، فَقِيلَ: مَأْخَذُهُمَا: التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: مَقْصُودٌ فَقَدْ فَارَقَ الْإِمَامُ رَكْنًا، وَاشْتَغَلَ بِرُكْنٍ آخَرَ مَقْصُودٍ، فَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُتَخَلِّفِ. وَإِنْ قُلْنَا: غَيْرُ مَقْصُودٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَفْرَغْ مِنَ الرُّكُوعِ، لَأَنَّ الَّذِي هُوَ فِيهِ تَبَعٌ لَهُ، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَقِيلَ: مَأْخَذُهُمَا الْوَجْهَانِ، فِي أَنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ يُبْطِلُ أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: يُبْطِلُ فَقَدْ تَخَلَّفَ بِرُكْنِ الرُّكُوعِ تَامًّا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، فَمَا دَامَ فِي الِاعْتِدَالِ، لَمْ يُكْمِلِ الرُّكْنَ الثَّانِيَ، فَلَا تَبْطُلُ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا تَبْطُلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا هَوَى إِلَى السُّجُودِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ قَائِمٌ، فَعَلَى الْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ، وَعَلَى الثَّانِي: تَبْطُلُ، لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِدَالِ قَدْ تَمَّ. هَكَذَا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ. وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا ارْتَفَعَ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَقَدْ حَصَلَ التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلِ الْإِمَامُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ مُبْطِلًا.

ص: 370

أَمَّا إِذَا انْتَهَى الْإِمَامُ إِلَى السُّجُودِ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا. ثُمَّ إِذَا اكْتَفَيْنَا بِابْتِدَاءِ الْهُوِيِّ عَنِ الِاعْتِدَالِ، وَابْتِدَاءِ الِارْتِفَاعِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ، فَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنَيْنِ: هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ رُكْنَانِ، وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُمَا، وَبِرُكْنٍ: هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ الرُّكْنُ الَّذِي سَبَقَ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فَلِلتَّخَلُّفِ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ لَا يُلَابِسَ - مَعَ تَمَامِهِمَا أَوْ تَمَامِهِ - رُكْنًا آخَرَ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ (التَّهْذِيبِ) تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِيمَا إِذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ مَقْصُودٍ، كَمَا إِذَا اسْتَمَرَّ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ. هَذَا كُلُّهُ فِي التَّخَلُّفِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. أَمَّا الْأَعْذَارُ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا: الْخَوْفُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ، وَالْإِمَامُ سَرِيعَهَا، فَيَرْكَعُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُتَابِعُهُ وَيَسْقُطُ عَنِ الْمَأْمُومِ بَاقِيهَا. فَعَلَى هَذَا لَوِ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا، كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) وَغَيْرُهُ، أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا، وَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُخْرِجُ نَفْسَهُ عَنِ الْمُتَابَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَهُ أَنْ يَدُومَ عَلَى مُتَابَعَتِهِ. وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاتِهِ، وَيَجْرِي عَلَى أَثَرِهِ. وَبِهَذَا أَفْتَى الْقَفَّالُ. وَأَصَحُّهُمَا: يُوَافِقُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ. وَمِنْهَا أَخْذُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، فَإِنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ، إِنَّمَا هُمَا إِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُوَافِقُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ قَبْلَهُ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامِ. وَلَمْ يُعْتَبَرِ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلَا يُجْعَلُ التَّخَلُّفُ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ مُؤَثِّرًا. وَأَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ، أَوْ يُفَرِّقُ وَيَجْعَلُ الْجُلُوسَ مَقْصُودًا، أَوْ رُكْنًا طَوِيلًا، فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ،

ص: 371

التَّقْدِيرُ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ. وَلَوِ اشْتَغَلَ الْمَأْمُومُ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ، فَلَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِذَلِكَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ، فَيُتِمُّ الْفَاتِحَةَ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ. وَكَانَ هَذَا فِي الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ. أَمَّا الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَائِمًا وَخَافَ رُكُوعَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْرَأَ الِاسْتِفْتَاحَ، بَلْ يُبَادِرُ إِلَى الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَأَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: يَرْكَعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ بَاقِي الْفَاتِحَةِ، وَالثَّانِي: يُتِمُّهَا. وَأَصَحُّهَا: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنَ الِاسْتِفْتَاحِ، قَطَعَ الْفَاتِحَةَ وَرَكَعَ، وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَإِنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ، لَزِمَهُ بِقَدْرِهِ مِنَ الْفَاتِحَةِ لِتَقْصِيرِهِ. وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَفَّالِ وَالْمُعْتَبَرِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ. فَإِنْ قُلْنَا: عَلَيْهِ إِتْمَامُ الْفَاتِحَةِ، فَتَخَلَّفَ لِيَقْرَأَ كَانَ تَخَلُّفًا بِعُذْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا وَرَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَرْكَعُ فَاشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا، كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ. وَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالرُّكُوعِ، وَقَرَأَ هَذَا الْمَسْبُوقُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ لَحِقَهُ فِي الِاعْتِدَالِ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إِذَا قُلْنَا: التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ. وَالثَّانِي: يُبْطِلُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ، فَكَانَ كَالتَّخَلُّفِ بِرَكْعَةٍ.

وَمِنْهَا: الزِّحَامُ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْهَا: النِّسْيَانُ. فَلَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكَّ فِي قِرَاءَتِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ، لِأَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ، قَامَ وَتَدَارَكَ مَا فَاتَهُ. وَلَوْ تَذَكَّرَ أَوْ شَكَّ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ، لَمْ تَسْقُطِ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ. وَمَاذَا يَفْعَلُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَرْكَعُ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَقَضَى رَكْعَةً، وَأَصَحُّهُمَا: يُتِمُّهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ. وَعَلَى هَذَا تَخَلُّفُهُ تَخَلُّفُ مَعْذُورٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي: تَخَلُّفُ غَيْرِ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ.

الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِالرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ

ص: 372

فَيَنْظُرُ؛ إِنْ لَمْ يَسْبِقْ بِرُكْنٍ كَامِلٍ، بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ - لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: تَبْطُلُ إِنْ تَعَمَّدَ. فَإِذَا قُلْنَا: لَا تَبْطُلُ، فَهَلْ يَعُودُ؟ وَجْهَانِ. الْمَنْصُوصُ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْقِيَامِ وَيَرْكَعَ مَعَهُ. وَالثَّانِي: وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا (النِّهَايَةِ) وَ (التَّهْذِيبِ) : لَا يَجُوزُ الْعَوْدُ، فَإِنْ عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالدَّوَامِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ الْعَوْدُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنَيْنِ فَصَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ. وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا، أَوْ جَاهِلًا، لَمْ تَبْطُلْ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، فَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَا يَخْفَى بَيَانُ التَّقَدُّمِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخَلُّفِ. وَمَثَّلَ أَئِمَّتُنَا الْعِرَاقِيُّونَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا فِي الِاعْتِدَالِ، وَهَذَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ مِثْلَهُ فِي التَّخَلُّفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ ذَلِكَ بِالتَّقَدُّمِ، لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ أَفْحَشُ. وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ، بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ، وَاجْتَمَعَا فِي الِاعْتِدَالِ، فَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. قَالُوا: فَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَالِاعْتِدَالِ، بِأَنِ اعْتَدَلَ وَسَجَدَ، وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ، أَوْ سَبَقَ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَجَلَسَ وَسَجَدَ الثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الْأُولَى، فَوَجْهَانِ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَآخَرُونَ: التَّقَدُّمُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ كَالتَّخَلُّفِ بِهِ. وَهَذَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ. وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه. هَذَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، فَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، فَالسَّبْقُ بِهَا مُبْطِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْفَاتِحَةُ وَالتَّشَهُّدُ، فَفِي السَّبْقِ بِهِمَا أَوْجُهٌ. الصَّحِيحُ: لَا يَضُرُّ، بَلْ يُجْزِئَانِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَالثَّالِثُ: لَا تَبْطُلُ. وَيَجِبُ إِعَادَتُهُمَا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا.

ص: 373

فَرْعٌ

الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْفَاتِحَةِ بَلْ يَهْوِي لِلرُّكُوعِ وَيُكَبِّرُ لَهُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى. وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَكَبَّرَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ بِمُجَرَّدِ تَكْبِيرِهِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى تَكْبِيرَةٍ، فَلَهُ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُوقِعَهَا فِي حَالِ الْقِيَامِ.

الثَّانِي: يَنْوِي تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ.

الثَّالِثُ: يَنْوِيهِمَا، فَلَا تَنْعَقِدُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ.

الرَّابِعُ: لَا يَنْوِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، بَلْ يُطْلِقُ التَّكْبِيرَةَ. فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي (الْأُمِّ) وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: لَا تَنْعَقِدُ. وَالثَّانِي: تَنْعَقِدُ لِقَرِينَةِ الِافْتِتَاحِ، وَمَالَ إِلَيْهِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

فَرْعٌ

إِذَا أَخْرَجَ الْمَأْمُومُ نَفْسَهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، سَوَاءً فَارَقَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، هَذَا جُمْلَتُهُ. وَتَفْصِيلُهُ: أَنَّ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْمُفَارَقَةِ طَرِيقَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: لَا تَبْطُلُ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ، عَلَى طُرُقٍ. أَصَحُّهَا: هُمَا فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. فَأَمَّا الْمَعْذُورُ فَيَجُوزُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا فِي الْمَعْذُورِ. فَأَمَّا غَيْرُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا فِيهِمَا، وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْأَعْذَارُ كَثِيرَةٌ، وَأَقْرَبُ - مُعْتَبَرًا - أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَا جَوَّزَ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً، جَوَّزَ الْمُفَارَقَةَ. وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا إِذَا

ص: 374

تَرَكَ الْإِمَامُ سُنَّةً مَقْصُودَةً، كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْقُنُوتِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عُذْرٌ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا قَطَعَ الْمَأْمُومُ الْقُدْوَةَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ. أَمَّا إِذَا انْقَطَعَتْ بِحَدَثِ الْإِمَامِ، وَنَحْوِهِ، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ قَطْعًا بِكُلِّ حَالٍ.

فَرْعٌ

إِذَا أُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا نَظَرَ إِنْ كَانَ فِي فَرِيضَةِ الْوَقْتِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أَحْبَبْتُ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ، فَتَكُونَ لَهُ نَافِلَةً، وَيَبْتَدِئَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقْطَعَ الْفَرِيضَةَ وَيَقْلِبَهَا نَفْلًا. وَفِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسَائِلِ النِّيَّةِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ ثُلَاثِيَّةً، أَوْ رُبَاعِيَّةً، وَلَمْ يُصَلِّ بَعْدُ رَكْعَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ ذَاتَ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ، وَقَدْ قَامَ إِلَى الثَّالِثَةِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي فَائِتَةٍ، لَمْ يُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِيُصَلِّيَ تِلْكَ الْفَائِتَةِ جَمَاعَةً، لِأَنَّ الْفَائِتَةَ لَا يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ فِي يَوْمِ غَيْمٍ، فَانْكَشَفَ الْغَيْمُ، وَخَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ، فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَيَشْتَغِلُ بِالْحَاضِرَةِ.

قُلْتُ: قَوْلُهُ: لَا يُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، يُحْمَلُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ وَأُقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهَا أَتَمَّهَا. وَإِنْ خَشِيَهُ، قَطَعَهَا وَدَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ صَلَاتِهِ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِدًا، بَلِ اقْتَدَى فِي خِلَالِهَا، فَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ. وَهَذَا جُمْلَتُهُ. فَأَمَّا تَفْصِيلُهُ

ص: 375

فَفِي صِحَّةِ هَذَا الِاقْتِدَاءِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَأَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا: فِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى طُرُقٍ، فَقِيلَ: هُمَا فِيمَا إِذَا لَمْ يَرْكَعِ الْمُنْفَرِدُ فِي انْفِرَادِهِ. فَإِنْ رَكَعَ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا بَعْدَ رُكُوعِهِ. فَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ قَطْعًا. وَقِيلَ: هُمَا إِذَا اتَّفَقَا فِي الرَّكْعَةِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَكَانَ الْإِمَامُ فِي رَكْعَةٍ، وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا لَمْ يَجُزْ قَطْعًا. وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. وَإِذَا صَحَّحْنَا الِاقْتِدَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَاخْتَلَفَا فِي الرَّكْعَةِ، قَعَدَ الْمَأْمُومُ فِي مَوْضِعِ قُعُودِ الْإِمَامِ، وَقَامَ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ، فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَوَّلًا، لَمْ يُتَابِعِ الْإِمَامَ فِي الزِّيَادَةِ، بَلْ إِنْ شَاءَ فَارَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَطَوَّلَ الدُّعَاءَ وَسَلَّمَ مَعَهُ. فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوَّلًا قَامَ الْمَأْمُومُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَسْبُوقُ، وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ، بَلْ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ هُوَ لِسَهْوِهِ، وَإِنْ سَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ حَمَلَ عَنْهُ. وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَحِقَ الْمَأْمُومَ وَيَسْجُدُ مَعَهُ، وَيُعِيدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَالْمَسْبُوقِ.

فَرْعٌ

مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ - بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، كِلَاهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا -: لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ. وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ: إِدْرَاكُهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ

ص: 376

فِي الْجُمُعَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ الْمُرَادُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ، أَنْ يَلْتَقِيَ هُوَ وَإِمَامُهُ فِي حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ. حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي الْهُوِيِّ، وَالْإِمَامُ فِي الِارْتِفَاعِ، وَقَدْ بَلَغَ هُوِيُّهُ حَدَّ الْأَقَلِّ قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ الْإِمَامُ عَنْهُ، كَانَ مُدْرِكًا، وَإِنْ لَمْ يَلْتَقِيَا فِيهِ فَلَا. هَكَذَا قَالَهُ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنِ الْحَدِّ الْمُعْتَبَرِ. هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي (الْبَيَانِ) وَبِهِ أَشْعَرَ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنَ النَّقَلَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. وَلَوْ كَبَّرَ وَانْحَنَى وَشَكَّ هَلْ بَلَغَ الْحَدَّ الْمُعْتَبَرَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْهُ؟ فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَكُونُ مُدْرِكًا. وَالثَّانِي: يَكُونُ. فَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي الرُّكْنِ الَّذِي أَدْرَكَهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ.

قُلْتُ: وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْجُلُوسِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مَعَهُ قَطْعًا، وَيُسَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

الْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ. فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ أَوِ التَّشَهُّدِ، فَهَلْ يُكَبِّرُ لِلِانْتِقَالِ إِلَيْهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مَعَهُ مِنْ رُكْنٍ إِلَى رُكْنٍ مُكَبِّرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا، لِأَنَّهُ لِمُوَافَقَةِ الْإِمَامِ. وَلِذَلِكَ نَقُولُ: يُوَافِقُهُ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَفِي التَّسْبِيحَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ الَّذِي قَامَ مِنْهُ مَوْضِعَ

ص: 377

جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ، بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، أَوْ ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ، قَامَ مُكَبِّرًا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الْأَخِيرَةِ، أَوِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ، قَامَ بِلَا تَكْبِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، لَمْ يَجُزِ الْمُكْثُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. فَإِنْ مَكَثَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، لَمْ يَضُرَّ الْمُكْثُ. وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ: أَنْ يَقُومَ عَقِبَ تَسْلِيمَتَيِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى. وَإِنْ قَامَ قَبْلَ تَمَامِهَا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ تَعَمَّدَ الْقِيَامَ. وَمَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ آخِرُهَا، حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا قَامَ لِإِتْمَامِ الْبَاقِي، يَجْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَتَشَهَّدُ، وَيُسِرُّ فِي الثَّالِثَةِ. وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ، وَقَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ، أَعَادَ الْقُنُوتَ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، ثُمَّ قَامَ لِلتَّدَارُكِ، يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ: هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنِ السُّورَةِ.

قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ. وَحُكِيَ قَوْلٌ غَرِيبٌ: أَنَّهُ يَجْهَرُ. وَالْجَمَاعَةُ فِي الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْعِشَاءُ، ثُمَّ الْعَصْرُ، لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ رَاتِبٌ، كُرِهَ لِغَيْرِهِ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا، فَلَا بَأْسَ. وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْأَذَانِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، فَإِنْ كَرِهَهُ الْأَقَلُّ، أَوِ النِّصْفُ، لَمْ تُكْرَهْ إِمَامَتُهُ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَكْرَهُوهُ لِمَعْنًى مَذْمُومٍ فِي الشَّرْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْعَتْبُ عَلَيْهِمْ وَلَا كَرَاهَةَ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: إِنَّمَا يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يُنَصِّبْهُ الْإِمَامُ، فَإِنْ نَصَّبَهُ فَلَا يُبَالِي بِكَرَاهَةِ أَكْثَرِهِمْ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ يَكْرَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ حُضُورَهُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحُضُورُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ

ص: 378

الْإِمَامِ أَعْلَى مِنْ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ، وَكَذَا عَكْسُهُ، فَإِنِ احْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى الِاسْتِعْلَاءِ لِيُعَلِّمَهُمْ صِفَةَ الصَّلَاةِ، أَوِ الْمَأْمُومُ لِيُبَلِّغَ الْقَوْمَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ اسْتُحِبَّ. وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، ثُمَّ مَا قَرُبَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْخُلَّصُ، فَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ، فَأَفْضَلُ صُفُوفِهِنَّ آخِرُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 379