الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
56 - مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ *
العَلَاّمَةُ، البَارِعُ، ذُو الفنُوْنِ، أَبُو بَكْرٍ: فَكَانَ أَحَدَ مَنْ يُضْرَبُ المَثَلُ بِذَكَائِهِ، وَهُوَ مُصَنِّفُ كِتَابِ (الزّهرَةِ) فِي الآدَابِ وَالشِّعْرِ.
وَلَهُ كِتَابٌ فِي الفَرَائِضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى المَدَائِنِيِّ، وَطَبَقَتِهِم.
وَلَهُ بَصَرٌ تَامٌّ بِالحَدِيْثِ، وَبِأَقوَالِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَلَا يُقَلِّدُ أَحَداً.
حَدَّثَ عَنْهُ: نِفْطَوَيْه، وَالقَاضِي أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، وَجَمَاعَةٌ.
وَمَاتَ قَبْلَ الكُهُوْلَةِ، وَقَلَّ مَا رَوَى.
تَصَدَّرَ لِلْفُتْيَا بَعْدَ وَالِدِهِ، وَكَانَ يُنَاظِرُ أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَلَا يَكَادُ يَنْقَطِعُ مَعَهُ.
قَالَ القَاضِي أَبُو الحَسَنِ الدَّاوودِيُّ: لَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ بنُ دَاوُدَ لِلْفَتوَى بَعْدَ وَالِدِهِ اسْتَصْغَرُوهُ، فَدَسُّوا عَلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ حَدِّ السُّكْرِ، وَمتَى يُعَدُّ الإِنْسَانُ سَكرَانَ؟
فَقَالَ: إِذَا عَزَبَتْ (1) عَنْهُ الهُمُوْمُ، وَبَاحَ بِسِرِّهِ المَكْتُومِ.
(*) الفهرست: المقالة السادسة: الفن الرابع، تاريخ بغداد: 5 / 256 - 263، طبقات الفقهاء: 175 - 176، المنتظم: 6 / 93 - 95، وفيات الأعيان: 4 / 259 - 261، عبر المؤلف: 2 / 108، الوافي بالوفيات: 3 / 58 - 61، البداية والنهاية: 11 / 110 - 111، شذرات الذهب: 2 / 226.
(1)
عزب: بعد وغاب.
فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ مِنْهُ (1) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ مِنْ أَجْملِ النَّاسِ، وَأَكْرَمِهِم خُلُقاً، وَأَبْلَغِهِم لِسَاناً، وَأَنْظَفِهِم هَيْئَةً، مَعَ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ، وَكُلِّ خُلَّةٍ مَحْمُودَةٍ، مُحَبَّباً إِلَى النَّاسِ، حَفِظَ القُرْآنَ وَلَهُ سَبعُ سِنِيْنَ، وَذَاكَرَ الرِّجَالَ بِالآدَابِ وَالشِّعْرِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِيْنَ، وَكَانَ يُشَاهَدُ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُ مائَةِ صَاحِبِ مِحْبَرَةٍ، وَلَهُ مِنَ التَّآلِيفِ: كِتَابُ (الإِنذَارِ وَالإِعذَارِ) ، وَكِتَابُ (التَّقصِّي) فِي الفِقْهِ، وَكِتَابُ (الإِيْجَازِ) وَلَمْ يَتِمَّ، وَكِتَابُ (الانْتِصَارِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ) ، وَكِتَابُ (الوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ الأُصُولِ) ، وَكِتَابُ (اختِلَافِ مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ) ، وَكِتَابُ (الفَرَائِضِ) وَكِتَابُ (المَنَاسِكِ) .
عَاشَ ثَلَاثاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: وَمَاتَ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سنَةَ سبعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوخِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَخْتَرِيِّ الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ بنُ المُغَلِّسِ الدَّاوُودِيُّ، قَالَ:
كَانَ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ، وَابْنُ سُرَيْجٍ إِذَا حَضَرَا مَجْلِسَ أَبِي عُمَرَ القَاضِي، لَمْ يَجْرِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِيْمَا يَتَفَاوَضَانِهِ أَحْسَنُ وَمَنْ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا (2) ، فَسَأَلَ أَبَا بَكْرٍ عَنِ العَوْدِ المُوجِبِ لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَقَالَ: إِعَادَةُ القَوْلِ ثَانِياً، وَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَمَذْهَبُ أَبِيْهِ، فَطَالَبَهُ بِالدَّلِيْلِ، فَشَرَعَ فِيْهِ (3)، فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا قَوْلُ
(1) وفيات الأعيان: 4 / 259 - 260. وزاد الخطيب في " تاريخ بغداد ": 5 / 256: " وعلم موضعه من العلم ".
(2)
زاد الخطيب البغدادي هنا: " وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر في الحضور إلى المجلس، فتقدمه في الحضور أبو بكر يوما، فسأله حدث من الشافعيين عن العود
…
" ويلاحظ أن الذهبي قد أساء اختصار الخبر هنا فقد جعل السائل ابن سريج.
(3)
وزاد هنا: " ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى، فشرحوه ".
مَنْ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تَقَدَّمَكُم فِيْهِ؟
فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَتَظُنُّ أَنَّ مَنِ اعْتَقَدْتَ قَوْلَهُم إِجْمَاعاً (1) فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ عِنْدِي إِجمَاعٌ؟ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِم أَنْ أَعُدُّهُم خِلَافاً، وَهَيْهَاتَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.
فَغَضِبَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: أَنْتَ بِكِتَابِ (الزّهْرَةِ) أَمْهَرُ مِنْكَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
قَالَ: وَبِكِتَابِ (الزّهرَةِ) تُعَيِّرُنِي؟ وَاللهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءتَهُ قِرَاءةَ مَنْ يَفْهَمُ، وَإِنَّهُ لِمَنْ أَحَدِ المنَاقِبِ لِي إِذْ أَقُولُ فِيْهِ:
أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ المَحَاسِنِ مُقْلَتِي
…
وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا
وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجَمِ خَاطِرِي
…
فلَوْلا اخْتِلاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْتُ الهَوَى دَعْوَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِم
…
فَمَا إِنْ أَرَى حُبّاً صَحِيْحاً مُسَلَّما
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ (2) : فَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:
وَمُشَاهَدٍ بِالغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ
…
قَدْ بِتُّ أَمْنَعُهُ لَذِيْذَ سُبَاتِهِ
ضِنّاً بِحُسْنِ حَدِيْثِهِ وَعِتَابِهِ
…
وَأُكَرِّرُ اللَّحَظَاتِ فِي وَجَنَاتِهِ
حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ لاحَ عَمُوْدُهُ
…
وَلَّى بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيَّدَ اللهُ القَاضِي، قَدْ أَخْبَرَ بِحَالَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى البَرَاءةَ مِمَّا تُوْجِبُهُ، فَعَلَيْهِ البَيِّنَةُ.
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ المُقِرَّ إِذَا أَقَرَّ إِقرَاراً نَاطَهُ بِصِفَةٍ، كَانَ إِقرَارُهُ مَوْكُولاً إِلَى صِفَتِهِ تِلْكَ (3) .
(1) في الأصل: " إجماع ". وكذا في " تاريخ بغداد ". والوجه ما أثبتناه.
(2)
زاد هنا الخطيب: " أو علي تفخر بهذا القول؟ ! وأنا..".
(3)
الخبر مفصل في: تاريخ بغداد: 5 / 260 - 263، والزيادة منه. كما ورد الخبر مختصرا في: المنتظم: 6 / 594 - 595. وورد في: وفيات الأعيان: 4 / 260، والوافي بالوفيات: 3 / 60 - 61 على أن الخلاف كان في مجلس الوزير ابن الجراح، والمناظرة كانت حول " الايلاء " فلينظر هناك.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي: كُنْتُ أُسَايِرُ مُحَمَّدَ بنَ دَاوُدَ، فَإِذَا بِجَارِيَةٍ تُغَنِّي بِشَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ، وَهُوَ:
أَشْكُو غَلِيْلَ فُؤَادٍ أَنْتَ مُتْلِفُهُ
…
شَكْوَى عَلِيْلٍ إِلَى إِلْفٍ يُعَلِّلُهُ
سُقْمِي تَزِيْدُ مَعَ الأَيَّامِ كَثْرَتُهُ
…
وَأَنْتَ فِي عُظْمِ مَا أَلْقَى تُقَلِّلُهُ (1)
اللهُ حَرَّمَ قَتْلِي فِي الهَوَى سَفَهاً
…
وَأَنْتَ يَا قَاتِلِي ظُلْماً تُحَلِّلُهُ (2)
وَقِيْلَ: كَانَ ابْنُ دَاوُدَ خَصْماً لابْنِ سُرَيْجٍ فِي المُنَاظَرَةِ، كَانَا يَتَرَادَّانِ فِي الكُتُبِ، فَلَمَّا بَلَغَ ابْنَ سُرَيْجٍ مَوْتَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، حَزِنَ لَهُ، وَنَحَّى مَخَادَّهُ، وَجَلَسَ لِلتَّعْزِيَةِ، وَقَالَ: مَا آسَى إِلَاّ عَلَى تُرَابٍ يَأْكُلُ لِسَانَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ (3) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سُكَّرَةَ القَاضِي: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ جَامعٍ الصَّيْدَلَانِيُّ مَحْبُوبَ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى ابْنِ دَاوُدَ، وَمَا عُرِفَ مَعْشُوقٌ يُنْفِقُ عَلَى عَاشِقِهِ سِوَاهُ، وَمِنْ شِعْرِهِ:
حَمَلْتُ جِبَالَ الحُبِّ فِيْكَ وَإِنَّنِي
…
لأَعْجَزُ عَنْ حَمْلِ القَمِيْصِ وَأَضْعُفُ
وَمَا الحُبُّ مِنْ حُسْنٍ وَلَا مِنْ سَمَاحَةٍ
…
وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ بِهِ الرُّوْحُ تَكْلَفُ (4)
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَرَفَةَ نِفْطَوَيْه: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟
قَالَ: حُبُّ مَنْ تَعْلَمُ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى.
(1) في " المنتظم "، و" البداية والنهاية ":" على الايام ".
(2)
في " البداية والنهاية ": " أسفا " بدلا من " سفها ".
وتتمة الخبر في " تاريخ بغداد ": 5 / 258: " فقال محمد بن داود: كيف السبيل إلى استرجاع هذا؟ فقال القاضي أبو عمر: هيهات: سارت به الركبان ".
وانظر الابيات في: " المنتظم ": 6 / 94، و" الوافي بالوفيات ": 3 / 58 - 59، و" البداية والنهاية ": 11 / 111.
(3)
تاريخ بغداد: 5 / 259.
(4)
المصدر السابق: 5 / 260.
فَقُلْتُ: مَا مَنَعَكَ مِنَ الاسْتِمْتَاعِ بِهِ، مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ؟
قَالَ: الاسْتِمْتَاعُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: النَّظَرُ، وَهُوَ أَوْرَثَنِي مَا تَرَى، وَالثَّانِي: اللَّذَّةُ المَحْظُورَةُ، وَمَنَعَنِي مِنْهَا مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَفَعَهُ، قَالَ:(مَنْ عَشِقَ، وَعَفَّ، وَكَتَمَ، وَصَبَرَ، غَفَرَ الله لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ)(1) .
ثُمَّ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ:
انْظُرْ إِلَى السِّحْرِ يَجْرِي فِي لَوَاحِظِهِ
…
وَانْظُرْ إِلَى دَعَجٍ فِي طَرْفِهِ السَّاجِي (2)
وَانْظُرْ إِلَى شَعَرَاتٍ فَوْقَ عَارِضِهِ
…
كَأَنَّهُنَّ نِمَالٌ دَبَّ فِي عَاجِ (3)
قَالَ نِفْطَوَيْه: وَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، أَوْ فِي اليَوْمِ الثَّانِي.
رَوَاهَا: جَمَاعَةٌ، عَنْ نِفْطَوَيْه.
قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: كُنْتُ عِنْدَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيْثاً سَمِعْتُهُ مِنْ سُوَيْدِ بنِ سَعِيْدٍ
…
، فَذَكَرَ الحَدِيْثَ المَذْكُوْرَ.
فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ عِنْدِي فَرَسٌ وَرُمْحٌ لَغَزَوْتُ سُويداً فِي هَذَا الحَدِيْثِ (4) .
قُلْتُ: هُوَ مِمَّا نَقَمُوا عَلَى سُوَيْدٍ.
(1) هذا حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
اتفق جهابذة المحدثين على ضعفه، وأعلوه بسويد بن عبد العزيز، قال ابن معين عن سويد هذا: هو ساقط كذاب، لو كان لي فرس ورمح كنت أغزوه. وقال أحمد: متروك الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال البخاري: كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه. وقال ابن حبان: يأتي بالمعضلات عن الثقات يجب مجانبة ما روى..والحديث في تاريخ بغداد: 5 / 156، 262، و: 6 / 50 - 51، و: 13 / 184.
وقد بسط الكلام عليه العلامة ابن القيم في " زاد المعاد ": 4 / 275 - 278، وفي روضة المحبين:182.
(2)
الدعج: بفتح الدال والعين: شدة سواد العين مع سعتها.
وطرف ساج: ساكن.
(3)
تاريخ بغداد: 5 / 262.
(4)
انظر: الوافي بالوفيات: 3 / 60.
قَالَ [.....](1) : تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ (2) ، عَنِ الكِنْدِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ الشَّافِعِيِّ: أَخْبَرَكُم مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ النَّشبِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ هِبَةِ اللهِ الكَاتِبُ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ يَقُوْلُ:
ثُمَّ انْتَهَى الفِقْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ البِلَادِ الَّتِي انْتَهَى إِلَيْهَا الإِسْلَامُ إِلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيْفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُدَ، وَانْتَشَرَ عَنْهُمُ الفِقْهُ فِي الآفَاقِ، وَقَامَ بِنُصْرَةِ مَذَاهِبِهِم أَئِمَّةٌ يَنْتَسِبُوْنَ إِلَيْهِم، وَيَنْصُرُوْنَ أَقْوَالَهُم.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ رحمه الله: وَأَمَّا دَاوُدُ فَقَامَ بِنَقْلِ فِقْهِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُم ابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ، وَكَانَ فَقِيْهاً أَدِيْباً شَاعِراً ظَرِيْفاً، وَكَانَ يُنَاظِرُ إِمَامَ أَصْحَابِنَا أَبَا العَبَّاسِ بنَ سُرَيْجٍ، وَخَلَفَ أَبَاهُ فِي حَلْقَتِهِ....، وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الخُضَرِيَّ (3) قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: مَا تَقُوْلُ فِي رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ، لَا هُوَ يُمْسِكُهَا، وَلَا هُوَ يُطَلِّقُهَا؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ العِلْمِ، فَقَالَ قَائِلُوْنَ: تُؤْمَرُ بِالصَّبْرِ وَالاحْتِسَابِ، وَتَبْعَثُ عَلَى الطَّلَبِ وَالاكْتِسَابِ.
وَقَالَ قَائِلُوْنَ: يُؤْمَرُ بِالإِنْفَاقِ، وَإِلَاّ حُمِلَ عَلَى الطَّلَاقِ. فَلَمْ تَفْهَمِ المرْأَةُ قَوْلَهُ، فَأَعَادَتْ سُؤَالَهَا
(1) ما بين معقوفين بياض لم نتبينه.
(2)
ترجمته في " مشيخة " الذهبي: خ: ق: 107.
(3)
الخضري، بضم الخاء وفتح الضاد: نسبة إلى بيع البقل، وفي الأصل:" الحضري " وهو تحريف.
انظر: " الإكمال " 3 / 256، والمشتبه للمؤلف 1 / 238، وتبصير المنتبه: 505، وتوضيح المشتبه 1 / 205 / 2.
عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ قَدْ أَجَبْتُكِ
…
وَلَسْتُ بِسُلْطَانٍ فَأَمْضِي، وَلَا قَاضٍ فَأَقْضِي، وَلَا زَوْجٍ فَأُرْضِي، فَانْصَرِفِي (1) .
قَالَ لَنَا أَبُو العَبَّاسِ بنُ الظَّاهِرِيُّ، عَنِ ابْنِ النَّجَّارِ، قَالَ:
وَهْبُ بنُ جَامِعِ بنِ وَهْبٍ العَطَّارُ الصَّيْدَلَانِيُّ صَاحِبُ مُحَمَّدِ بنِ دَاوُدَ، كَانَ قَدْ أَحَبَّهُ، وَشُغِفَ بِهِ، حَتَّى مَاتَ مِنْ حُبِّهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ صَنَّفَ كِتَابَ (الزَّهرَةِ) .
حَدَّثَ عَنْ ابْنِ دَاوُدَ: مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبَرِيُّ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ قَاسِمٌ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَامَةَ (2) ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الشِّيرَازِيُّ الحَافِظُ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ بِالدَّامَغَانِ (3) ، حَدَّثَنَا الجَدُّ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الظَّاهِرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ المَنْصُوْرِيُّ القَاضِي، أَخْبَرَنَا القَاسِمُ بنُ وَهْبٍ الدَّاوُودِيُّ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بنُ جَامِعٍ العَطَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ البَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الرَّضِيْعِ: (يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلَامِ، وَيُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ)(4) .
(1) طبقات الفقهاء: 175 - 176، والزيادة منه. وتتمة الخبر فيه:" قال: فانصرفت المرأة ولم تفهم جوابه ".
(2)
ترجمه المؤلف في: " مشيخته ": خ: ق: 6.
(3)
دامغان: بلد كبير بين الري ونيسابور. (انظر معجم ياقوت) .
(4)
صحيح. وأخرجه الترمذي: (610)، وابن خزيمة:(284)، وابن حبان:(247) ، ثلاثتهم من طريق بندار محمد بن بشار عن معاذ بن هشام بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد: 1 / 97، من طريق معاذ بن هشام، به، وأخرجه أيضا: 1 / 76 و137، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن هشام، عن قتادة، به. وأخرجه أبو داود:(377) ، من طريق =
وَقَالَ عَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ (1) : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الحُسَيْنِ الفَارِسِيُّ الوَاعِظُ إِملَاءً بِالرَّيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ العَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جَدِّي، سَمِعْتُ وَهْبَ بنَ جَامِعٍ العَطَّارَ صَدِيْقَ ابْنِ دَاوُدَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى المُتَّقِي للهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ دَاوُدَ: هَلْ رَأَيْتَ مِنْهُ مَا تَكْرَهُ؟
قُلْتُ: لَا يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِلَاّ أَنِّي بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً، فَكَانَ يَكْشِفُ عَنْ وَجْهِي، ثُمَّ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ! إِنَّكَ تَعْلَمُ إِنِّي لأُحِبُّهُ، وَإِنِّي لأُرَاقِبُكَ فِيْهِ.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ مِنْ رِعَايَتِكَ مِنْ حَقِّهِ؟
قُلْتُ: دَخَلْتُ الحَمَّامَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، نَظَرْتُ فِي المِرَآةِ، فَاسْتَحْسَنْتُ صُورَتِي فَوْقَ مَا أَعْهَدُ، فغَطَّيْتُ وَجْهِي، وَآلَيْتُ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِي أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَبَادَرْتُ إِلَيْهِ، فَكَشَفَ وَجْهِي، فَفَرِحَ وَسُرَّ، وَقَالَ: سُبْحَانَ خَالِقِهِ وَمُصَوِّرِهِ، وَتَلا:{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}
…
الآيَةَ (2) .
= مسدد عن يحيى عن ابن أبي عروبة، عن قتادة.
وأخرجه ابن ماجة: (525) ، من طريقين عن معاذ بن هشام، عن أبيه.
وفي الباب عن أم قيس بنت محصن عند مالك: 1 / 64، والبخاري: 1 / 281، ومسلم:(287)، وعن أبي السمح عن أبي داود:(376)، والنسائي: 1 / 158، وابن
ماجه: (526)، وصححه ابن خزيمة:(283)، والحاكم: 1 / 166، ووافقه الذهبي.
وعن لبابة بنت الحارث أم الفضل بن العباس بن عبد المطلب عند أبي داود: (375)، وأحمد: 6 / 339، وابن ماجه:(522) ، وسنده حسن، وصححه الحاكم 1 / 166، ووافقه الذهبي، وابن خزيمة:(282) .
(1)
ترجمته في مشيخة الذهبي خ ق: 84، 85.
(2)
الآية: 6، سورة آل عمران، وتتمتها:(لا إله إلا هو العزيز الحكيم) . وقد أوجز الصفدي الخبر في " الوافي بالوفيات ": 3 / 59، وعقب عليه بقوله: " قلت: لو حضرتها لانشدت ابن جامع:
لئن تلف المضنى عليك صبابة * يحق له - والله - ذاك ويعذر