الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، أو: هدانا الله له بالاجتهاد.
كما يدل عليه مرسل ابن سيرين عند عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولفظه: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها النبي، صلى الله عليه وسلم، وقبل أن ينزل الجمعة، قالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا فيه إلى أسعد بن زرارة، فصلّى بهم. الحديث.
وله شاهد بإسناد حسن عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث كعب بن مالك. قال: كان أول مَن صلّى بنا الجمعة قبل مقدم رسول صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة.
(فالناس لنا فيه تبع) ولأبي ذر: فالناس لنا تبع (اليهود) أي: تعييد اليهود (غدًا) يوم السبت (و) تعييد (النصارى بعد غد) يوم الأحد كذا قدّره ابن مالك ليسلم من الأخبار بظرف الزمان عن الجنة.
ووجه اختيار اليهود يوم السبت لزعمهم أنه يوم فرغ الله فيه من خلق الخلق، قالوا: فنحن نستريح فيه من العمل، ونشتغل بالعبادة والشكر.
والنصارى: الأحد، لأنه أول يوم بدأ فيه بخلق الخلق، فاستحق التعظيم.
وقد هدانا الله تعالى للجمعة لأنه خلق فيه آدم عليه الصلاة والسلام، والإنسان إنما خلق للعبادة. وهو اليوم الذي فرضه الله تعالى عليهم، فلم يهدهم له، وادّخره لنا.
واستدلّ به النووي رحمه الله تعالى على فرضية الجمعة لقوله: فرض عليهم، فهدانا الله له. فإن التقدير فرض عليهم وعلينا، فضلوا وهدينا.
ويؤيده رواية مسلم عن سفيان عن أبي الزناد: كتب علينا.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي.
2 - باب فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَوْ عَلَى النِّسَاءِ
؟
(باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء)؟
877 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» [الحديث 877 - طرفاه في: 894، 919].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، ولابن عساكر: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(إذا جاء) أي: إذا أراد (أحدكم الجمعة، فليغتسل) بإضافة أحد إلى ضمير الجمع، ليعمّ الرجال والنساء والصبيان.
واستشكل دلالة الحديث على ما ترجم له من شهود الصبي والمرأة للجمعة، فإن القضية الشرطية لا تدل على وقوع المجيء.
وأجيب بأنه استفيد من: إذا، فإنها لا تدخل إلا في مجزوم بوقوعه.
وتعقب بأنه خرج بقوله، في ثالث حديث الباب: على كل محتلم: الصبي، وبعموم النهي في منع النساء من المساجد إلا بالليل حضورهنّ الجمعة.
وفي بعض طرق حديث نافع عند أبي داود بإسناد صحيح، لكنه ليس على شرط المصنف، عن طارق بن شهاب مرفوعًا: لا جمعة على امرأة ولا صبي. نعم، لا بأس بحضور العجائز بإذن الأزواج، وليحترزن من الطيب والزينة.
وظاهر قوله: إذا جاء فليغتسل. أن الغسل يعقب المجيء، وليس كذلك. وإنما التقدير: إذا أراد أحدكم
…
كما مرّ.
وقد وقع ذلك صريحًا عند مسلم في رواية الليث، عن نافع، ولفظه: إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة
…
فهو كآية الاستعاذة.
وفي حديث أبي هريرة: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح
…
، وهو صريح في تأخر الرواح عن الغسل.
وقد علم من تقييد الغسل بالمجيء أن الغسل للصلاة لا لليوم، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، رحمهم الله، فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة، ولو اغتسل بعد الفجر أجزأه عند الشافعية والحنفية، خلافًا للمالكية والأوزاعي.
وفي حديث إسماعيل بن أمية، عن نافع، عند أبي عوانة وغيره: كان الناس يغدون في أعمالهم، فإذا كانت الجمعة جاؤوا وعليهم ثياب متغيرة، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"من جاء منكم الجمعة فليغتسل". فأفاد سبب الحديث.
واستدلّ به المالكية في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلاً بالذهاب، لئلا يفوت الغرض. وهو رعاية الحاضرين من التأذّي بالروائح حال الاجتماع، وهو غير مختص بمن تلزمه قالوا: ومن اغتسل ثم اشتغل عن الرواح إلى أن بعد ما بينهما عرفًا، فإنه يعيد الغسل لتنزيل البعد منزلة الترك.
وكذا إذا نام اختيارًا بخلاف من غلبه
النوم أو أكل أكلاً كثيرًا بخلاف القليل. اهـ.
ومقتضى النظر: أنه إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة التنظيف رعاية للحاضرين، كما مر، فمَن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه، كما مر عن المالكية، وبه صرّح في الروضة وغيرهما.
ومفهوم الحديث: أن الغسل لا يشرع لمن لا يحضرها، كالمسافر والعبد، وقد صرح به في رواية عثمان بن واقد عند أبي عوانة، وابني خزيمة وحبان في صحاحهم، ولفظه:"من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل". وهو الأصح عند الشافعية. وبه قال الجمهور، خلافًا لأكثر الحنفية.
وذكر المجيء في قوله: إذا جاء أحدكم الجمعة للغالب، وإلاّ فالحكم شامل لمجاور الجامع ومن هو مقيم به.
878 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ". [الحديث 878 - طرفه في: 882].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي، بضم المعجمة وفتح الموحدة، البصري. وسقط: ابن أسماء، وفي رواية الأصيلي (قال: حدّثنا) ولغير ابن عساكر: أخبرنا (جويرية) بضم الجيم وفتح الواو ولأبي ذر: جويرية بن أسماء الضبعي البصري، عمّ محمد الراوي عنه، (عن مالك) الإمام (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر) العمري، (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن) أباه (عمر بن الخطاب، بينما) بالميم (هو قائم) على المنبر (في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجل) هو جواب: بينما، والأفصح أن لا يكون فيه، إذ، أو: إذا. ولأبوي ذر والوقت في رواية الحموي والكشميهني: إذ جاء رجل (من المهاجرين الأولين) ممّن شهد بدرًا أو أدرك بيعة الرضوان، أو صلّى للقبلتين (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) هو: عثمان بن عفان، (فناداه عمر) رضي الله عنهما، أي قال له: يا فلان (أية ساعة هذه)؟ استفهام إنكار لينبّه على ساعة التبكير التي رغب فيها، وليرتدع من هو دونه، أي: لم تأخرت إلى هذه الساعة؟ (قال) عثمان معتذرًا عن التأخر: (إني شغلت) بضم الشين وكسر الغين المعجتين، مبنيًّا للمفعول (فلم أنقلب) أي: فلم أرجع (إلى أهلي حتى سمعت التأذين) بين يدي الخطيب (فلم أزد أن توضأت) أي: لم أشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلاّ بالوضوء، وأن صلة زيدت لتأكيد النفي. وللأصيلي: فلم أزد على أن توضأت. (فقال) عمر إنكارًا آخر على ترك السُّنّة المؤكدة وهي الغسل (والوضوء أيضًا) بنصب الوضوء.
قال الحافظ ابن حجر: كذا في روايتنا، وعليه اقتصر النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم، وبالواو عطفًا على الإنكار الأول، أي: والوضوء اقتصرت عليه واخترته دون الغسل؟ أي: ما اكتفيت بتأخير الوقت، وتفويت الفضيلة، حتى تركت الغسل، واقتصرت على الوضوء.
وقال القرطبي: الواو عوض عن همزة الاستفهام، كقراءة قنبل، عن ابن كثير {قَالَ فِرْعَوْنُ وآَمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123]. وكذا قاله البرماوي والزركشي.
وتعقبه في المصابيح: بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيح في الآية لوقوعها مفتوحة بعد ضمة، وأما في الحديث فليس كذلك. لوقوعها مفتوحة بعد فتحة، فلا وجه لإبدالها فيه واوًا. ولو
جعله على حذف الهمزة أي: أو تخص الوضوء أيضًا؟ لجرى على مذهب الأخفش في جواز حذفها قياسًا عند أمن اللبس، والقرينة الحالية المقتضية للإنكار شاهدة بذلك فلا لبس. اهـ.
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، قال: الوضوء، وهو بالنصب أيضًا، أي: أتتوضأ الوضوء فقط؟ وجوز الرفع. وهو الذي في اليونينية على أنه مبتدأ خبره محذوف. أي: والوضوء تقتصر عليه؟ ويجوز أن يكون خبرًا حذف مبتدؤه، أي: كفايتك الوضوء أيضًا.
ونقل البرماوي والزركشي وغيرهما عن ابن السيد: أنه يروى بالرفع على لفظ الخبر، والصواب أن الوضوء بالمد على لفظ الاستفهام، كقوله تعالى:{آلله أذن لكم} .
وتعقبه البدر بن الدماميني بأن نقل كلام ابن السيد بقصد توجيه ما في البخاري به غلط، فإن كلام ابن السيد في حديث الموطأ وليس فيه واو إنما هو:"فقال له عمر: الوضوء أيضًا"؟ وهذا يمكن فيه المد بجعل همزة الاستفهام داخلة على همزة الوصل، وأما في حديث البخاري فالواو داخلة على همزة الوصل، فلا يمكن الإتيان بعدها بهمزة الاستفهام. اهـ.
قلت: والظاهر أن البدر لم يطلع على رواية