الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقدم لأنها ظرف فيتسع فيه (أعلم بما كانوا عاملين) أي أنه علم أنهم لا يعلمون ما يقتضي تعذيبهم ضرورة أنهم غير مكلفين، وقال ابن قتيبة: أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشيء. وقال غيره: قال ذلك قبل أن يعلم أنهم من أهل الجنة، وهذا يشعر بالتوقف.
وقد روى أحمد هذا الحديث من طريق عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: كنت أقول
في أولاد المشركين هم منهم، حتى حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ربهم أعلم بهم، هو خلقهم، وهو أعلم بما كانوا عاملين. فأمسكت عن قولي.
قال في الفتح: فبين أن ابن عباس لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي سند حديث ال
باب:
التحديث الإخبار والعنعنة، وفيه: مروزيان وواسطيان وكوفي، وأخرجه أيضًا في: القدر، وكذا مسلم، وأبو داود، والنسائي.
1384 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: "سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". [الحديث 1384 - طرفاه في: 6598، 6600].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، قال:(أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة (أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه يقول):
(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذراري المشركين) بالذال المعجمة، وتشديد المثناة التحتية، جمع: ذرية، أي: أولادهم الذين لم يبلغوا الحلم (فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين). وقد احتج بقوله: الله أعلم بما كانوا عاملين، بعض من قال إنهم في مشيئة الله.
ونقل عن ابن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في الاعتقاد، عن الشافعي. قال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنه في هذه المسألة شيء مخصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة. قال: والحجة فيه حديث: الله أعلم بما كانوا عاملين. وروى أحمد، من حديث عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ولدان المسلمين؟ قال: في الجنة، وعن أولاد المشركين؟ قال في النار. فقلت يا رسول الله لم يدركوا الأعمال! قال: ربك أعلم بما كانوا عاملين، لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار. لكنه حديث ضعيف جدًّا لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك.
1385 -
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ» ؟
وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(كل مولود) من بني آدم (يولد على الفطرة) الإسلامية (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة) بفتح الميم والمثلثة (تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه، مبنيًّا للمفعول أي: تلد (البهيمة) سليمة (هل ترى فيها جدعاء؟) بفتح الجيم وإسكان الدال المهملة والمد، مقطوعة الأذن، وإنما يجدعها أهلها.
وفيه إشعار بأن أولاد المشركين في الجنة، فصدر المؤلّف الباب بالحديث الدال على التوقف حيث قال فيه: الله أعلم بما كانوا عاملين. ثم ثنى بهذا الحديث المرجح لكونهم في الجنة، ثم ثلث بالحديث اللاحق، المصرح بذلك، حيث قال فيه: وأما الصبيان حوله فأولاد الناس. وهو عام يشمل أولاد المسلمين وغيرهم.
وقد اختلف في هذه المسألة فقيل: إنهم في مشيئة الله، ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي: في أولاد الكفار خاصة، وليس عن مالك شيء منصوص في ذلك. نعم، صرح أصحابه بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة.
وقيل: إنهم تبع لآبائهم، فأولاد المسلمين في الجنة وأولاد الكفار في النار. وقيل: إنهم في البرزخ بين الجنة والنار لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار.
وقيل: إنهم خدم أهل الجنة لحديث أبي داود وغيره، عن أنس، والبزار من حديث سمرة مرفوعًا: أولاد المشركين خدم الجنة. وإسناده ضعيف. وقيل: يصيرون ترابًا. وقيل: إنهم في النار. حكاه عياض عن الإمام أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه، ولا يحفظ عن الإمام شيء أصلاً. وقيل: إنهم يمتحنون في الآخرة بأن يرفع الله لهم نارًا فمن دخلها كانت عليه بردًّا وسلامًا. ومن أبى عذب. أخرجه البزار من حديث أنس، وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل، وتعقب بأن الآخرة ليست دار تكليف، فلا عمل
فيها ولا ابتلاء.
وأجيب: بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار، وأما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك، وقد قال تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] وقيل إنهم في الجنة. قال النووي: وهو الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى: {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] وقيل بالوقف والله أعلم.
باب
(باب) بالتنوين وهو بمنزلة الفصل من الباب السابق، وهو ساقط في رواية: أبي ذر.
1386 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَإِنْ
رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ. فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ -قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ: كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ- حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ. فَقُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ. قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا. وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ. وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ. وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ. فَارْفَعْ رَأْسَكَ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قَالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ. قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي. قَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ".
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي، قال:(حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي المعجمة، قال:(حدّثنا أبو رجاء) بتخفيف الجيم والمد، عمران بن تيم العطاردي (عن سمرة بن جندب، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلّى صلاة) وللحموي والمستملي: صلاته، وفي رواية يزيد بن هارون: إذا صلّى صلاة الغداة (أقبل علينا بوجهه) الكريم (فقال):
(من رأى منكم الليلة رؤيا؟) مقصور غير منصرف، ويكتب بالألف كراهة اجتماع مثلين. (قال: فإن رأى أحد) رؤيا (قصها) عليه (فيقول ما شاء الله، فسألنا يومًا) بفتح اللام، جملة من الفعل والفاعل والمفعول"، و: يومًا، نصب على الظرفية (فقال):
(هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا. قال: لكني رأيت الليلة) بالنصب (رجلين) قال الطيبي: وجه الاستدراك أنه كان يحب أن يعبر لهم الرؤيا، فلما قالوا: ما رأينا، كأنه قال: أنتم ما رأيتم شيئًا، لكني رأيت رجلين. وفي حديث علي عند ابن أبي حاتم: رأيت ملكين (أتياني، فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة) وللمستملي: إلى أرض مقدسة، وعند أحمد: إلى أرض فضاء، أو: أرض مستوية. وفي حديث علي: فانطلقا بي إلى السماء، (فإذا رجل جالس) بالرفع ويجوز النصب (ورجل قائم بيده) شيء. فسره المؤلّف بقوله:(-قال بعض أصحابنا) أبهمه لنسيان أو غيره، وليس بقادح، لأنه لا يروي إلا عن ثقة مع شرطه المعروف، قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف المراد بالبعض المبهم، إلا أن الطبراني أخرجه في المعجم الكبير، عن العباس بن الفضل الأسفاطي (عن موسى) - ابن إسماعيل التبوذكي (كلوب) بفتح الكاف وتشديد اللام (من حديد) له شعب يعلق بها اللحم، ومن، للبيان (يدخله في شدقه) بكسر الشين المعجمة وسكون الدال المهملة، أي: يدخل الرجل القائم الكلوب في جانب فم الرجل الجالس. وهذا سياق رواية أبي ذر، قال الحافظ ابن حجر: وهو سياق مستقيم، ولغيره: ورجل قائم بيده كلوب من حديد، قال بعض أصحابنا عن موسى إنه أي: ذلك الرجل، يدخل ذلك الكلوب، بنصب على المفعولية في شدقه (حتى يبلغ قفاه) بالموحدة وضم اللام، وفي التعبير فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه أي: يقطعه شقًا. وفي حديث علي: فإذا أنا بملك، وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب من حديد، فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه (ثم يفعل بشدقه الآخر) بفتح الخاء المعجمة (مثل ذلك) أي: مثل ما فعل بشدقه الأول (ويلتئم شدقه هذا فيعود). وفي التعبير: فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، فيعود ذلك الرجل (فيصنع مثله) قال، عليه الصلاة والسلام:(قلت) للملكين: (ما هذا) أي ما حال هذا الرجل؟ وللمستملي من هذا؟ أي: من هذا الرجل؟ (قالا) أي: الملكان: (انطلق) مرة واحدة.
(فاْنطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء، حجر ملء الكف، والجملة حالية (أو صخرة) على الشك، وفي التعبير: وإذا آخر قائم عليه بصخرة، من غير شك (فيشدخ به) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة، وفتح الدال المهملة وبالخاء المعجمة، من الشدخ، وهو كسر الشيء الأجوف. والضمير للفهر، ولأبي ذر: بها (رأسه) وفي التعبير: وإذا هو يهوي بالصخر لرأسه، فيثلغ رأسه بفتح الياء وسكون المثلثة وفتح اللام وبالغين المعجمة، أي: يشدخ رأسه (فإذا ضربه تدهده الحجر) بفتح الدالين المهملتين بينهما هاء ساكنة على وزن تفعلل من مزيد الرباعي، أي: تدحرج. وفي حديث علي: فمررت على ملك وأمامه آدمي
وبيد الملك صخرة
يضرب بها هامة الآدمي، فيقع رأسه جانبًا، وتقع الصخرة جانبًا (فانطلق إليه) أي: إلى الحجر (ليأخذه) فيصنع به كما صنع (فلا يرجع إلى هذا) الذي شدخ رأسه (حتى يلتئم رأسه) وفي التعبير: حتى يصح رأسه (وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه، قلت) لهما: (من هذا؟ قالا: انطلق) مرة واحدة.
(فانطلقنا إلى ثقب) بفتح المثلثة وسكون القاف، وللكشميهني: نقب بالنون المفتوحة وسكون القاف، وعزا هذه في المطالع للأصيلي، لكنه قال: بالنون وفتح القاف، وقال: هو بمعنى ثقب، بالمثلثة (مثل التنور) بفتح المثناة الفوقية وضم النون المشددتين آخره راء، ما يخبز فيه (أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد) بفتح الياء (تحته) بنصب التاء الثانية أي: تحت التنور (نارًا) بالنصب على التمييز.
وأسند يتوقد إلى ضمير عائد إلى الثقب. كقولك: مررت بامرأة تتضوع من أردانها طيبًا. أي: يتضوع طيبها من أردانها، فكأنه قال: يتوقد ناره تحته. قاله ابن مالك، قال البدر الدماميني: وهو صريح في أن تحته منصوب لا مرفوع، وقال: إنه رآه في نسخة بضم التاء الثانية، وصحح عليها، قال: وكان هذا بناء على أن تحته فاعل يتوقد، ونصوص أهل العربية تأباه. فقد صرحوا بأن فوق وتحت من الظروف المكانية العادمة التصرف. اهـ.
وقال ابن مالك: ويجوز أن يكون فاعل يتوقد موصولاً بتحته، فحذف، وبقيت صلته دالة عليها لوضوح المعنى، والتقدير: يتوقد الذي تحته، أو: ما تحته نارًا وهو مذهب الكوفيين، والأخفش. واستصوبه ابن مالك، ولأبوي ذر، والوقت: يتوقد تحته نار، بالرفع على أنه فاعل يتوقد.
(فإذا اقترب) بالموحدة آخره، من القرب أي: إذا اقترب الوقود أو الحر الدال عليه قوله: يتوقد. وللكشميهني: فإذا اقترنت بهمزة قطع فقاف فمثناتين فوقيتين بينهما راء، من: القترة أي: التهبت وارتفع نارها، لأن القتر الغبار. وفي رواية ابن السكن والقابسي وعبدوس: فترت، بفاء ومثناة فوقية مفتوحتين وتاء ساكنة بينهما راء، وهو الانكسار والضعف. واستشكل، لأن بعده: فإذا خمدت رجعوا، أو معنى الفتور والخمود واحد، وعند الحميدي، مما عزاه له في شرح المشارق: فإذا ارتقت، من الارتقاء وهو الصعود، قال الطيبي: وهو الصحيح دراية ورواية. كذا قال، وعند أحمد: فإذا أوقدت.
(ارتفعوا) بجواب إذا، والضمير فيه يرجع إلى الناس لدلالة سياق الكلام عليه، (حتى كاد أن يخرجوا) أن: مصدرية، والخبر محذوف، أي: كاد خروجهم يتحقق ولأبوي ذر، والوقت: كادوا يخرجون (فإذا خمدت) بفتح الخاء والميم، أي: سكن لعبها ولم يطفأ حرها (رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت) لهما: (من هذا؟) ولأبي الوقت، من غير اليونينية: ما هذا (قالا: انطلق).
(فانطلقنا) ولفظة: فانطلقنا ساقطة عند أبي ذر (حتى أتينا على نهر) بفتح الهاء وسكونها (من دم) وفي التعبير: فأتينا على نهر، حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم (فيه رجل قائم على) ولأبي الوقت: وعلى (وسط النهر رجل) بفتح السين وسكونها، ولأبي ذر، قال يزيد، أي: ابن هارون مما وصله أحمد عنه، ووهب بن جرير مما وصله أبو عوانة في صحيحه، من طريقه، عن جرير بن حازم؛ وعلى شط النهر رجل، بشين معجمة وتشديد الظاء (بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج) من النهر (رمى الرجل) الذي بين يديه الحجارة (بحجر في فيه) أي: في فمه (فرده حيث كان) من النهر (فجعل كلما جاء ليخرج) من النهر (رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان) فيه. كما قال ابن مالك في التوضيح: وقوع خبر جعل التي هي من أفعال المقاربة جملة فعلية مصدرية بكلما، والأصل فيه: أن يكون فعلاً مضارعًا، تقول: جعلت أفعل كذا. هذا هو الاستعمال المطرد، وما جاء بخلافه فهو منبه على أصل متروك، وذلك أن سائر أفعال المقاربة مثل كان في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفردًّا وجملة اسمية، وفعلية، وظرفًا. فترك الأصل والتزم أن يكون الخبر مضارعًا، ثم نبه على الأصل شذوذًا في مواضع (فقلت ما هذا؟ قالا: انطلق).
(فانطلقنا) ولفظة: فانطلقنا، ساقطة عند أبي
ذر (حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة) زاد في التعبير: فيها من كل لون الربيع (وفي أصلها شيخ وصبيان) وفي التعبير: فإذا بين ظهراني الروضة رجل طويل لا أكاد أرى طولاً في السماء، وإذا حوله من أكثر ولدان رأيتهم قط (وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها) في التعبير: فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلاً مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها (فصعدا بي) بالموحدة "وكسر العين (في الشجرة) التي هي، في الروضة الخضراء (وأدخلاني) بالنون (دارًا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب) ولأبي الوقت من غير اليونينية: وشبان، بنون آخره بدل الموحدة وتشديد السابقة (ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها) أي: من الدار (فصعدا بي الشجرة) أيضًا (فأدخلاني) بالفاء، ولابن عساكر، وأدخلاني (دارًا هي أحسن وأفضل) من الأولى (فيها شيوخ وشباب) ولأبي الوقت، من غير اليونينية: وشبان (فقلت) لهما (طوفتماني الليلة) بطاء مفتوحة وواو مشددة ونون قبل الياء، ولأبي الوقت: طوّفتما بي بالموحدة بدل النون (فأخبراني) بكسر الموحدة (عما رأيت؟ قال لا: نعم) نخبرك.
(أما الذي رأيته يشق شدقه)، بضم الياء وفتح الشين مبنيًّا للمفعول، وشدقه بالرفع مفعول ناب عن فاعله (فكذاب يحدث بالكذبة) بفتح الكاف ويجوز كسرها، قال في القاموس: كذب يكذب كذبًا وكذبًا وكذبة وكذبة (فتحمل عنه حتى يبلغ الآفاق) بتخفيف ميم تحمل، و: الفاء، في قوله: فكذاب جواب أما لكن الأغلب في الموصول الذي تدخل الفاء في خبره أن يكون عامًا مثل: من، الشرطية. وصلته مستقبلة، وقد يكون خاصًّا وصلته ماضية، كما في قوله تعالى: {وَمَا
أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 166] وكما في هذا الحديث نحو: الذي يأتيني فمكرم، فلو كان المقصود: بالذي معينًا، امتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدءات المقصود بها التعيين، نحو: زيد فمكرم، فمكرم، لم يجز فكذا لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينًا. لكن الذي يأتيني عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملاً للشبيه على الشبيه، ونظيره قوله تعالى:{وما أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ الله} [آل عمران: 166] فإن مدلول: ما، معين ومدلول: أصابكم، ماض. إلا أنه روعي فيه الشبه اللفظي، فشبه هذه الآية بقوله:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] فأجرى: ما، في مصاحبة الفاء مجرى واحد. قاله ابن مالك. قال الطيبي في شرح مشكاته: هذا كلام متين. لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، فلا بد من ذكر كلمة التفصيل، كما في البخاري أو تقديرها، أي: فالفاء جواب أما (فيصنع به ما رأيت) من شق شدقه (إلى يوم القيامة) لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد.
(و) أما (الذي رأيته يشدخ رأسه) بضم الياء وفتح الدال من: يشدخ مبنيًّا للمفعول، ورأسه نائب عن الفاعل (فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل) أي: أعرض عن تلاوته (ولم يعمل فيه بالنهار) ظاهره أنه يعذب على ترك تلاوة القرآن بالليل، لكن يحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين: ترك القراءة وترك العمل. (يفعل به) ما رأيت من الشدخ (إلى يوم القيامة) لأن الإعراض عن القرآن بعد حفظه جناية عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب الإعراض عنه، فلما أعرض عن أفضل الأشياء عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس.
(و) أما الفريق (الذي رأيته في الثقب) بفتح المثلثة، ولأبي الوقت: في النقب (فهم الزناة) وإنما قدر بقوله: وأما الفريق، لأنه قد يستشكل الأخبار عن الذي بقوله: هم الزناة، لا سيما والعائد على الذي من قوله والذي رأيته لا يخفى مفردًا، فروعي اللفظ تارة، والمعنى أخرى. قاله في المصابيح.
(و) الفريق (الذي رأيته في النهر أكلو الربا، والشيخ) الكائن (في أصل الشجرة إبراهيم) الخليل عليه السلام وقدر بالكائن لأن الظاهر كون الظرف، أعني: في الشجرة صفة للشيخ، فيقدر عامله اسمًا معرفًا لذلك رعاية لجانب المعنى، وإن كان المشهور تقديره فعلاً أو اسمًا منكرًا. لكن ذلك إنما