الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن بسر حيث قال: إن كنا قد فرغنا ساعتنا هذه: وذلك حين صلاة التسبيح.
واحتج الثلاثة بفعله عليه الصلاة والسلام، ونهيه عن الصلاة وقت طلوع الشمس، وأجابوا عن حديث ابن بسر هذا بأنه كان قد تأخر عن الوقت، بدليل ما تواتر عن غيره، وبأن الأفضل ما عليه الجمهور، وهو فعلها بعد الارتفاع قيد رمح. فيكون ذلك الوقت أفضل بالإجماع.
وهذا الحديث، لو بقي على ظاهره لدلّ على أن الأفضل خلافه.
968 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَىْءٍ» . فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ:«اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» .
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد) اليامي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، (قال):
(خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر) أي بعد أن صلّى العيد (فقال):
(إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا) أي: وفي يوم عيد الفطر (أن نصلي) صلاة العيد التي صليناها قبل، (ثم نرجع فننحر) بالنصب عطفًا على ما سبق والنحر للإبل، والذبح لغيرها، أو يطلق النحر على الذبح بجامع إنهار الدم. (فمن فعل ذلك) بأن قدّم الصلاة على الخطبة ثم نحر (فقد أصاب سنّتنا، ومن ذبح قبل أن يصلّي) العيد (فإنما هو) أي: الذي ذبحه (لحم عجله لأهله، ليس من النسك) المتقرب بها (في شيء)، ولأبي ذر، عن الكشميهني: فإنها، أي: ذبيحته لحم.
قال البراء: (فقام خالي أبو بردة بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة (فقال: يا رسول الله! أنا) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، عن الحموي والمستملي: إني (ذبحت) شاتي (قبل أن أصلي، وعندي جذعة) من المعز، هي (خير من مسنة)، لها سنتان، لنفاستها لحمًا وثمنًا. (قال) عليه الصلاة والسلام له، ولأبي الوقت، فقال:
(اجعلها مكانها -أو قال اذبحها-) شك من الراوي (ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك) وفي رواية: غيرك.
ووجه الدلالة للترجمة من قوله: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي
…
" من جهة أن المؤخر لصلاة العيد عن أول النهار بدأ بغير الصلاة، لأنه بدأ بتركها، والاشتغال عنها بما لا يخلو الإنسان منه عند خلوه عن الصلاة، وهو استنباط خفي يجنح إلى الجمود على اللفظ، والإعراض عن النظر إلى السياق، وله وجه.
ويحقق ما قلناه، أنه قال في طريق أخرى، تأتي إن شاء الله تعالى: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة
…
" فالأوّلية باعتبار المناسك، لا باعتبار النهار: قاله في المصابيح.
11 - باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات} : أَيَّامُ الْعَشْرِ. وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
(باب فضل العمل في أيام التشريق) الثلاثة بعد يوم النحر، أو: هو منها عملاً بسبب التسمية به، لأن لحوم الأضاحي كانت تشرك فيها بمنى، أيّ تقدد، ويبزر بها للشمس.
أو: أنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر، لأنها إنما تصلّي بعد أن تشرق الشمس، فصارت تبعًا ليوم النحر.
أو: من قول الجاهلية:
أشرق ثبير كيما نغير
أي ندفع فننحر.
وحينئذ فإخراجهم يوم النحر منها إنما هو لشهرته بلقب خاص، وهو: يوم العيد، وإلاّ فهي في الحقيقة تبع له في التسمية.
وقد روى أبو عبيد، من مرسل الشعبي، بسند رجاله ثقات:"من ذبح قبل التشريق فليعد". أي: قبل صلاة العيد. لكن مقتضى كلام الفقهاء واللغويين: أنها غيره، والله تعالى أعلم.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره (واذكروا {الله في أيام معلومات}) [الحج: 28] باللام هي: (أيام العشر) الأول من ذي الحجة.
قال: (والأيام المعدودات) بالدال: هي (أيام التشريق) الثلاثة: الحادي عشر من ذي الحجة: يوم القرّ بفتح القاف، لأن الحجاج يقرّون فيه بمنى، والثاني عشر، والثالث عشر: المسمّيان بالنفر الأول لجواز النفر فيه لمن تعجل، والنفر الثاني.
ويقال لها: أيام منى، لأن الحجاج يقيمون فيها بمنى. وهذا، أي قوله: واذكروا {الله في أيام معلومات} باللام، رواية كريمة وابن شبويه، وهي خلاف التلاوة، لأنها في سورة البقرة: معدودات بالدال، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي {واذكروا الله في أيام معدودات) بالدال، وهي مخالفة للتلاوة أيضًا، لأنها، وإن كانت موافقة لآية البقرة في {معدودات} بالدال لكنها مخالفة لها من حيث التعبير بفعل الأمر، موافقة لآية الحج في التعبير بالمضارع، لكن تلك: أي: آية الحج، {معلومات} باللام مع إثبات: اسم، في قوله:{ويذكروا اسم الله} ولأبي ذر أيضًا، عن
الكشميهني، مما في الفتح
والعمدة {ويذكروا الله في أيام معلومات} باللام بلفظ سورة الحج، لكنه حذف لفظ: اسم.
وبالجملة فليس في هذه الروايات الثلاثة ما يوافق التلاوة، ومن ثم استشكلت.
وأجيب: بأنه لم يقصد بها التلاوة، وإنما حكي كلام ابن عباس. وابن عباس إنما أراد تفسير المعدودات والمعلومات.
نعم، في فرع اليونينية، مما رقم له بعلامة أبي ذر، عن الكشميهني:{ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} باللام، وهذا موافق لما في الحج.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب (وأبو هريرة) رضي الله عنهم، مما ذكره البغوي والبيهقي معلقًا عنهما، (يخرجان إلى السوق في أيام العشر) الأول من ذي الحجة (يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما).
قال البرماوي كالكرماني: هذا لا يناسب الترجمة، إلا أن المصنف، رحمه الله كثيرًا ما يضيف إلى الترجمة ما له أدنى ملابسة استطرادًا.
وقال في الفتح: الظاهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر، لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج.
(وكبر محمد بن علي) الباقر، فيما وصله الدارقطني في: المؤتلف، عنه في: أيام التشريق بمنى، (خلف النافلة) كالفريضة. وفي ذلك خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق مع غيره.
969 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ» . قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ، إِلَاّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ» .
وبالسند قال: (حدثنا محمد بن عرعرة) بفتح العينين المهملتين، وبالراءين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش، (عن مسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره نون، لقب به لعظم بطنه، وهو كوفي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال):
(ما العمل) مبتدأ، يشمل أنواع العبادات: كالصلاة والتكبير، والذكر، والصوم، وغيرها (في أيام) من أيام السنة، وهو متعلق المبتدأ، أو خبره قوله:(أفضل منها) الجار والمجرور متعلق
بأفضل، والضمير عائد إلى العمل، بتقدير الإعمال كما في قوله تعالى {أو الطفل الذين} [النور: 31] كذا قرره البرماوي والزركشي.
وتعقبه المحقق ابن الدماميني فقال: هذا غلط، لأن الطفل يطلق على الواحد والجماعة بلفظ واحد، بخلاف العمل، وزاد فخرّجه على أن يكون الضمير عائدًا إلى العمل، باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويله بالجمع، أي:
ما القربة في أيام أفضل منها (في هذا العشر) الأول من ذي الحجة. كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالتصريح: بالعشر، وكذا عند أحمد، عن غندر، عن شعبة بالإسناد المذكور. بل في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ: عشر الحجة.
وممن صرّح بالعشر أيضًا ابن ماجة، وابن حبان، وأبو عوانة.
ولكريمة عن الكشميهني: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه". بتأنيث الضمير مع إبهام الأيام. وفسرها بعض الشارحين بأيام التشريق لكون المؤلّف ترجم لها، وهو يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على أيام التشريق.
ووجهه صاحب بهجة النفوس: بأن أيام التشريق أيام غفلة، والعبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وبأنه وقع فيها محنة الخليل بولده عليهما الصلاة والسلام، ثم منّ عليه بالفداء.
وهو معارض بالنقول كما قاله في الفتح: فالعمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها من أيام الدنيا من غير استثناء شيء. وعلى هذا فرواية كريمة شاذة لمخالفتها رواية أبي ذر، وهو من الحفاظ عن شيخهما الكشميهني، لكن يعكر عليه ترجمة المؤلّف: بأيام التشريق.
وأجيب: باشتراكهما في أصل الفضيلة لوقوع أعمال الحج فيهما، ومن ثم اشتركا في مشروعية التكبير.
وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر:"ما العمل في أيام أفضل منها في هذه". بتأنيث الضمير، وهي ظرف مستقر، حال من الضمير المجرور "بمن" وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في أيام غيره من السنة، لزم منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة، حتى يوم الجمعة منه أفضل منه في غيره، لجمعه الفضيلتين.
وخرج البزار وغيره، عن جابر مرفوعًا:"أفضل أيام الدنيا أيام العشر". وفي حديث عند ابن عمر المروي "ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر". وهو يدل على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام، وأيضًا فأيام العشر