الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعمرو، بفتح العين (عن
حميد بن نافع) هو: أبو أفلح (عن زينب بنت أبي سلمة) أنها (أخبرته، قالت):
(دخلت على أم حبيبة، زوج النبي، صلى الله عليه وسلم) أي: لما بلغها موت أبيها أبي سفيان، كما مر. (فقالت: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم يقول):
(لا يحل لامرأة) كبيرة أو صغيرة (تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التهييج، لأن المؤمن هو الذي ينتفع بخطاب الشارع وينقاد له، فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه، ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان، كما قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان، وقوله (تحد) بحذف أن الناصبة ورفع الفعل، مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. (على ميت فوق ثلاث) من الليالي (إلا على زوج) أي: فإنها تحد عليه (بأربعة أشهر وعشرًا).
فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه الفعل المذكور في المستثنى منه، والاستثناء متصل، إن جعل بيانًا لقوله: فوق ثلاث، فيكون المعنى: لا يحل لامرأة أن تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرًا.
وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا، فيكون منقطعًا أي: لكن تحد على ميت زوج أربعة أشهر وعشرًا.
1282 -
ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ: لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَاّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". [الحديث 1282 - طرفه في: 5335].
قالت زينب بنت أبي سلمة: (ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها) يحتمل، على بعد: أن يكون هو عبيد الله، بالتصغير، الذي مات كافرًا بالحبشة بعد أن أسلم، ولا مانع، أن يحزن المرء على قريبه الكافر، ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره. أو هو: أخ لها من أمها، أو: من الرضاع، وليس هو أخوها عبد الله بفتح العين، لأنه استشهد بأُحد، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدًّا، ولا أخوها: أبو أحمد عبد، بغير إضافة، لأنه مات بعد أخته زينب بسنة، كما جزم به ابن إسحاق وغيره.
وقد استشكل التعبير: بثم، المقتضية للعطف على التراخي والتشريك في الحكم والترتيب، في قولها: ثم دخلت على زينب. إذ مقتضاه أن تكون قصة زينب هذه بعد قصة أم حبيبة، وهو غير صحيح، لأن زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح.
وأجيب: بأن في دلالة: ثم، على الترتيب خلافًا، ولئن سلمنا ضعف الخلاف، فإن ثم هنا
لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وذلك كما تقول: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: ثم أخبرك بأن الذي صنعته أمس أعجب.
(فدعت) أي: زينب بنت جحش (بطيب فمست) زاد أبو ذر: به، أي: شيئًا من جسدها (ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المنبر) زاد أبو ذر: يقول:
(لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد) بحذف أن والرفع (على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) وهذا الحديث هو العمدة في وجوب الإحداد على الزوج الميت، ولا خلاف فيه في الجملة، وإن اختلف في بعض فروعه.
واستشكل بأن مفهومه: إلا على زوج فإنه يحل لها الإحداد، فأين الوجوب؟
وأجيب: بأن الإجماع على الوجوب، فاكتفي به، وأيضًا فإن في حديث أم عطية النهي الصريح عن الكحل، وعن لبس ثوب مصبوغ، وعن الطيب. فلعله سند الإجماع.
وفي حديث أم سلمة عند النسائي، وأبي داود، قالت: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب
…
الحديث. وظاهره أنه مجزوم على النهي.
وفي رواية لأبي داود: لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا فهذا أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر، فهو على حد قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] والمراد به الأمر اتفاقًا والله أعلم.
32 - باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ
(باب) مشروعية (زيارة القبور) وسقط الباب والترجمة لابن عساكر.
1283 -
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَتْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى".
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس، قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال:(حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال):
(مر النبي، صلى الله عليه وسلم، بامرأة تبكي عند قبر) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير، عند عبد الرزاق: فسمع منها ما يكره، أي: من نوح أو غيره، ولم تعرف المرأة ولا صاحب القبر، لكن في رواية
لمسلم ما يشعر بأنه ولدها، ولفظه تبكي على صبي لها، وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور، ولفظه قد أصيبت بولدها. (فقال) لها
يا أمة الله.
(اتقي الله واصبري) قال الطيبي: أي: خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي، ليحصل لك الثواب.
(قالت: إليك عني) أي: تنح وابعد، فهو من أسماء الأفعال:(فإنك لم تصب بمصيبتي) بضم المثناة الفوقية، وفتح الصاد في تصب مبنيًّا للمفعول، وعند المصنف في الأحكام، من وجه آخر عن شعبة: فإنك خلو من مصيبتي، بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، خاطبته بذلك (و) الحال أنها (لم تعرفه) إذ لو عرفته لم تخاطبه بهذا الخطاب. (فقيل لها:) وللحموي، وللمستملي: لم تصب بمصيبتي فقيل لها (إنه النبي صلى الله عليه وسلم) وعند المؤلّف في الأحكام: فأمر بها رجل، فقال لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أبي يعلى، من حديث أبي هريرة قال: فهل تعرفينه، قالت له: لا.
وللطبراني في الأوسط، من طريق عطية، عن أنس: إن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له: فأخذها مثل الموت، أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما اشتبه عليها صلى الله عليه وسلم لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى كعادة الملوك والكبراء، مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء.
(فأتت) باب (النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين) يمنعون الناس من الدخول عليه، وفي رواية الأحكام بوابًا بالإفراد.
فإن قلت: ما فائدة هذه الجملة؟ أجاب شارح المسماة. بأنه لما قيل لها إنه النبي، صلى الله عليه وسلم استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها، فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب أو بوّاب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته.
(فقالت) معتذرة عما سبق منها، حيث قالت: إليك عني: (لم أعرفك) فاعذرني من تلك الردة وخشونتها (فقال) لها عليه الصلاة والسلام:
(إنما الصبر) الكامل (عند الصدمة الأولى) الواردة على القلب، أي: دعي الاعتذار فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا لله، وانظري، إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثواب بالجزع، وعدم الصبر أوّل فجأة المصيبة، فاغتفر لها عليه الصلاة والسلام تلك الجفوة لصدورها منها في حال مصيبتها، وعدم معرفتها به، وبين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على طول الأيام يسلو. كما يقع لكثير من أهل المصائب، بخلاف أوّل وقوع المصيبة، فإنه يصدم القلب بغتة
وقد قيل: إن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن نيته، وجميل صبره. ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى، في موضعه.
فإن قلت: من أين تؤخذ مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من حيث أنه صلى الله عليه وسلم، لم ينه المرأة المذكورة عن زيارة قبر ميتها، وإنما أمرها بالصبر والتقوى، لما رأى من جزعها، فدلّ على الجواز، واستدلّ به على زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا لعدم الاستفصال في ذلك.
قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي: الماوردي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. اهـ. وحجة الماوردي قوله تعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وفي الاستدلال بذلك نظر لا يخفى.
وبالجملة: فتستحب زيارة قبور المسلمين للرجال، لحديث مسلم:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة".
وسئل مالك عن زيارة القبور فقال: قد كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرًا لم أبي بذلك بأسًا.
وعن طاوس: كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام، لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم، سبعة أيام.
وتكره للنساء لجزعهن، وأما حديث أبي هريرة المروي عند الترمذي، وقال حسن صحيح:"لعن الله زوّارات القبور"، فمحمول على ما إذا كانت زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن، قال القرطبي: وحمل بعضهم حديث الترمذي في المنع على من تكثر الزيارة لأن زوارات للمبالغة. اهـ.
ولو قيل بالحرمة في حقهن، في هذا الزمان، لا سيما نساء مصر، لما بعد لما في خروجهن من الفساد، ولا يكره لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل تندب وينبغي كما قال ابن الرفعة، والقمولي، أن تكون قبور سائر الأنبياء والأولياء كذلك.
وفي الحديث: