الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
واقتصر ابن عساكر في روايته على قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه.
وأسقط باقيه اكتفاء بالسابق. وقدّم قوله: وهو قول أبي طالب، على قوله: وأبيض، بعد قوله: كل ميزاب. وسقط قوله: وهو عند أبوي ذر والوقت.
وهذا البيت من قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل، وعدّة أبياتها مائة بيت وعشرة أبيات، قالها لما تمالأ قريش على النبي صلى الله عليه وسلم، ونفروا عنه من يريد الإسلام.
فإن قلت: كيف قال أبو طالب: يستسقى الغمام بوجهه؟ ولم يره قط استسقى وإنما كان بعد الهجرة؟.
فالجواب: أنه أشار إلى ما أخرجه ابن عساكر، عن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب! أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق. فخرج أبو طالب معه غلام يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه شمس دجن تجلت عن سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه.
فإن قلت: قد تكلم في عمر بن حمزة، وفي عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار السابق في الطريق الموصولة، فكيف احتج المؤلّف بهما؟
أجيب: بأن إحدى الطريقين عضدت الأخرى، وهذا أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث.
1010 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ". [الحديث 1010 - طرفه في: 371].
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) هو: ابن الصباح الزعفراني البغدادي، صاحب الشافعي (قال: حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى (الأنصاري) ولأبي ذر: حدّثنا الأنصاري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي، عبد الله) برفع عبد الله عطف بيان على: أبي المرفوع على الفاعلية (ابن المثنى) بن عبد الله بن أنس بن مالك (عن) عمه (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، قاضيها. وثمامة، بضم المثلثة وتخفيف الميم (عن) جدّه (أنس) رضي الله عنه، ولأبي ذر والأصيلي: عن أنس بن مالك.
(أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا) بفتح القاف والحاء، في الفرع مصححًا عليه، وضبطه الحافظ ابن حجر: قحطوا، بضم القاف وكسر الحاء، أي: أصابهم القحط (استسقى) متوسلاً (بالعباس بن عبد المطلب) رضي الله عنه للرحم التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
فأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه إلى من أمر بصلة الأرحام، ليكون ذلك وسيلة إلى رحمة الله تعالى (فقال:)
(اللهم إنّا كلنا نتوسل إليك بنبينا) صلى الله عليه وسلم في حال حياته (فتسقينا، وإنا) بعده (نتوسل إليه بعم نبينا) العباس، (فاسقنا).
(قال فيسقون).
وقد حكي عن كعب الأحبار: أن بني إسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نبيهم.
وقد ذكر الزبير بن بكار في الأنساب: أن عمر استسقى بالعباس عام الرمادة، أي: بفتح الراء وتخفيف الميم، وسمي به العام لما حصل من شدة الجدب، فاغبرت الأرض جدًّا. وذكر ابن سعد وغيره: أنه كان سنة ثماني عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها، ودام تسعة أشهر، وكان من دعاء العباس ذلك اليوم، فيما ذكره في الأنساب: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث. فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول.
4 - باب تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
(باب تحويل الرداء في الاستسقاء) وللجرجاني، فيما حكاه في المصابيح: تحريك الرداء بالراء والكاف. قيل: وهو وهم.
1011 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى، فَقَلَبَ رِدَاءَهُ".
وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (قال: حدّثنا وهب) وللأصيلي: وأبي ذر: وهب بن جرير، بالجيم، هو: ابن حازم الأزدي البصري (قال: أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن أبي بكر) هو: ابن محمد بن عمر بن حزم، أخو عبد الله بن أبي بكر الآتي (عن عباد بن تميم) المازني الأنصاري (عن) عمه (عبد الله بن زيد) هو ابن عاصم المازني.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى، فقلب رداءه) عند استقباله القبلة في أثناه الاستسقاء فجعل اليمين على
الشمال، والشمال
على اليمين تفاؤلاً بتحويل الحال عما هي عليه، إلى الخصب والسعة.
أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات مرسلاً، عن جعفر بن محمد، عن أبيه بلفظ: حوّل رداءه ليتحوّل القحط.
وزاد أحمد: وحوّل الناس معه، وهو حجة على من خصه بالإمام.
ولأبي داود، والحاكم: أنه صلى الله عليه وسلم، استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه. فهمه بذلك يدل على استحبابه، وتركه للسبب المذكور.
والجمهور على استحباب التحويل فقط، ولا ريب أن الذي اختاره الشافعي أحوط.
ولم يقم في حديث عبد الله بن زيد سبب خروجه عليه الصلاة والسلام، ولا صفته حال ذهابه إلى المصلّى، ولا وقت ذهابه.
نعم، في حديث عائشة المروي عند أبي داود وابن حبان: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بمنبر وضع له في المصلّى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر
…
الحديث.
وبهذا أخذ الحنفية، والمالكية، والحنابلة، فقالوا: إن وقت صلاتها وقت العيد، والراجح عند الشافعية: أنه لا وقت لها معين، وإن كان أكثر أحكامها كالعيد، بل جميع الليل والنهار وقت لها، لأنها ذات سبب. فدارت مع سببها كصلاة الكسوف.
لكن وقتها المختار وقت صلاة العيد كما صرح به الماوردي وابن الصلاح لهذا الحديث.
وعند أحمد وأصحاب السنن من حديث ابن عباس: خرج صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعًا متضرعًا حتى
أتى المصلّى، فرقي المنبر، أي لابسًا ثياب بذلة، بكسر الموحدة وسكون المعجمة، المهنة، لأنه اللائق بالحال، وفارق العيد بأنه يوم عيد، وهذا يوم مسألة واستكانة.
وفي الرواية السابقة، أول الاستسقاء: وحول رداءه، بدل قوله هنا فقلب رداءه. وهما بمعنى واحد.
وأعاد الحديث هنا لأنه ذكره أولاً لمشروعية الاستسقاء والخروج إلى الصحراء، وهنا لمشروعية تحويل الرداء خلافًا لمن نفاه.
1012 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ الأَذَانِ، وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ لأَنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، مَازِنُ الأَنْصَارِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عبد الله بن أبي بكر)، أخو محمد بن أبي بكر السابق، ولأبي ذر، وعزاه العيني كابن حجر للحموي والمستملي: عن عبد الله بن أبي بكر، وقد صرح ابن خزيمة في روايته بتحديث عبد الله به لا بن عيينة (أنّه سمع عباد بن تميم) المازني (يحدث أباه) أي أبا عبد الله بن أبي بكر، ولا يعود الضمير على عباد (عن عمه عبد الله بن زيد) أي ابن عاصم.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إلى المصلّى) بالصحراء، لأنه أبلغ في التواضع وأوسع للناس.
(فاستسقى، فاستقبل) بالفاء، ولابن عساكر. واستقبل (القبلة، وقلب) ولأبي ذر: وحول (رداءه، وصلّى) بالناس (ركعتين) أي: كما يصلّي في العيدين.
رواه ابن حبان وغيره.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقياسه: أن يكبر في أول الأولى: سبعًا، وفي الثانية: خمسًا، ويرفع يديه ويقف بين كل
تكبيرتين مسبحًا حامدًا مهللاً، ويقرأ جهرًا في الأولى {ق} وفي الثانية {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] أو {سبح} و {الغاشية} .
واستدلّ الشيخ أبو إسحاق، في المهذّب له، بما رواه الدارقطني: أن مروان أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء؟ فقال: سنة الاستسقاء الصلاة كالصلاة في العيدين، ألا أنه صلى الله عليه وسلم، قلب رداءه. فجعل يمينه يساره، ويساره يمينه، وصلّى ركعتين كبر في الأول سبع تكبيرات، وقرأ
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وقرأ في الثانية: (هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] وكبر خمس تكبيرات. لكن قال في المجموع: إنه حديث ضعيف.
نعم، حديث ابن عباس عند الترمذي، ثم صلّى ركعتين كما يصلّي في العيدين، كما مر
…
أخذ بظاهره الشافعي، فقال: يكبر فيهما كما سبق.
وذهب الجمهور إلى أنه: يكبر فيهما تكبيرة واحدة للإحرام كسائر الصلوات. وبه قال: مالك، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد، لحديث الطبراني في الأوسط، عن أنس: أنه، صلى الله عليه وسلم، استسقى، فخطب قبل الصلاة واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم نزل فصلّى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة.
وأجابوا عن قوله، في حديث الترمذي: كما يصلّي في العيدين، يعني: في العدد والجهر بالقراءة، وكون الركعتين قبل الخطبة.
ومذهب الشافعية والمالكية: أنه يخطب بعد الصلاة، لحديث ابن ماجة وغيره: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ