الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال.
88 - باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ
(باب الخشوع في الصلاة).
الصلاة صلة العبد بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت له طوالع التجلي، فيخشع. وقد شهد القرآن بفلاح مُصلِّ خاشع قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]. أي: خائفون من الله، متذللون له، يلزمون أبصارهم مساجدهم.
وعلامة ذلك أن لا يلتفت الصلي يمينًا ولا شمالاً. ولا يجاوز بصره موضع سجوده.
صلّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها ولم يشعر هو بها.
والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد قال تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل العبد على ربه، ويستحضر بين يدي من هو واقف.
كان مكتوبًا في محراب داود عليه الصلاة والسلام، أيها المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟
وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.
741 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي» .
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(هل ترون) بفتح التاء، والاستفهام إنكاري أي أتظنون (قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي (هاهنا) فقط؟ (والله ما)، ولأبي ذر عن الحموي: لا (يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم) تشبيه لهم على التلبس بالخشوع في الصلاة، لأنه إنما قال لهم ذلك لما رآهم يلتفتون غير ساكنين، وذلك ينافي كمال الصلاة. فيكون مستحبًّا لا واجبًا، إذ لم يأمرهم هنا بالإعادة.
وقد حكى النووي الإجماع على عدم وجوبه، قال في شرح التقريب وفيه نظر، فقد روينا في كتاب الزهد لابن المبارك، عن عمار بن ياسر، قال: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه، وفي كلام غير واحد من العلماء ما يقتضي وجوبه انتهى.
والخشوع: الخوف أو السكون، أو هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة.
وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن سعيد بن السيب، أنه رأى رجلاً يلعب بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
وقد تتحرك اليد مع وجود الخشوع، ففي سنن البيهقي، عن عمرو بن حريث، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما مسّ لحيته وهو يصلّي. وهذا موضع الترجمة.
(وإني لأراكم) بفتح الهمزة، أي: أبصركم (وراء ظهري) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي. من وراء ظهري، أي ببصره العهود إبصارًا انخرقت له فيه العادة أو بغيره كما مرّ.
742 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قَالَ- مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ» .
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج، ولابن عساكر: عن شعبة (قال: سمعت قتادة) بن دعامة يقول (عن أنس بن مالك) وسقط لفظ: ابن مالك عند ابن عساكر: (عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال):
(أقيموا) أي أكملوا (الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم) بفتح اللام المؤكدة والهمزة (من بعدي) أي: من خلفي (-وربما قال: من بعد ظهري-)(إذا ركعتم وسجدتم) ولأبي ذرّ: وإذا سجدتم.
وأغرب الداودي حيث فسر البعدية هنا بما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يعني: إن أعمال أمته تعرض عليه، ولا يخفى بعده لأن سياق الحديث يأباه.
89 - باب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
(باب ما يقول) وللمستملي وابن عساكر؛ ما يقرأ (بعد التكبير).
743 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) وللأصيلي: عن أنس بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر) رضي الله عنهما (كانوا يفتتحون الصلاة) أي قراءتها، فلا دلالة فيه على دعاء الافتتاح (بالحمد لله ربّ العالمين) بضم الدال
على الحكاية، لا يقال: إنه صريح في الدلالة على ترك البسملة أولها، لأن المراد الافتتاح بالفاتحة، فلا تعرض لكون البسملة منها أو لا.
ولمسلم لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وهو محمول على نفي سماعها، فيحتمل إسرارهم بها. ويؤيده رواية النسائي وابن حبّان: فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
فنفي القراءة محمول على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيده رواية ابن خزيمة: كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم.
وقد قامت الأدلة والبراهين للشافعي على إثباتها، ومن ذلك، حديث أم سلمة المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة، وعدّها آية.
وفي سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن الفاتحة هي السبع المثاني، وهي سبع آيات، وأن البسملة هي السابعة.
عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أُم القرآن وأُم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات.
وأحاديث الجهر بها كثيرة عن جماعة من الصحابة، نحو العشرين صحابيًّا كأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي هريرة، وأُم سلمة.
744 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري (قال: حدّثنا عمارة بن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم، أو عبد الرحمن، أو عمرو، أو جرير بن عمرو البجلي، (قال: حدّثنا أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت) بفتح
أوله (بين التكبير وبين القراءة إسكاتة) بكسر الهمزة بوزن إفعالة، وهو من المصادر الشاذة إذ القياس سكوتًا، وهو منصوب مفعولاً مطلقًا، أي سكوتًا يقتضي كلامًا بعده.
(قال) أبو زرعة (أحسبه) أي أظن أبا هريرة (قال: هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية من غير همز -كذا عند الأكثر أي: يسيرًا وللكشميهني والأصيلي: هنيهة بهاء بعد المثناة الساكنة. وفي نسخة: هنيئة بهمزة مفتوحة بعد المثناة الساكنة، قال عياض والقرطبي: وأكثر رواة مسلم قالوه بالهمز، لكن قال النووي: إنه خطأ، قال: وأصله هنوة، فلما صغرت صارت هنيوة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ثم أدغمت. وتعقب بأنه لا يمنع ذلك إجازة الهمزة، فلقد تقلب الواو همزة.
(فقلت بأبي وأمي) أي أنت مفدى أو أفديك بهما (يا رسول الله إسكاتك) بكسر الهمزة وسكون السين والرفع، قال في الفتح: وهو الذي في رواية الأكثرين، وأعربه مبتدأ، لكنه لم يذكر خبره، أو هو منصوب على ما قاله المظهري، أي أسألك إسكاتك، أو في إسكاتك وللمستملي والسرخسي: أسكاتك؟ بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام، ولهما في نسخة أسكوتك؟ (بين التكبير والقراءة) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: وبين القراءة (ما تقول) فيه؟ (قال) عليه الصلاة والسلام:
(أقول) فيه (اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) هذا من المجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، أي: امح ما حصل من خطاياي، خل بيني وبين ما يخاف من وقوعه حتى لا يبقى لها مني اقتراب بالكلية.
وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل: إنه على سبيل التعليم لأمته، وعورض بكونه: لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ: بين هنا ولم يقل: وبين المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد معه العامل بخلاف الظاهر، كذا قرره الكرماني، لكن يرد عليه قوله: بين التكبير وبين القراءة.
(اللهمَّ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ وقاف نقني بالتشديد في الموضعين. وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها. وشبه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان (اللهمّ اغسل خطاياي بالماء والثلج) بالمثلثة وسكون اللام، وفي اليونينية بفتحها (والبرد) بفتح الراء.
وذكر الأخيرين بعد الأول للتأكيد