الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحد ذلك؟ وقال الحنفية والمالكية: لا خطبة فيها، وعلله صاحب الهداية من الحنفية: بأنه لم ينقل.
وأجيب: بأن الأحاديث ثابتة فيه، وهي ذات كثرة على ما لا يخفى.
وعلله بعضهم بأن خطبته عليه الصلاة والسلام، إنما كانت للرد عليهم في قولهم: إن ذلك لموت إبراهيم، فعرفهم أن ذلك لا يكون لموت أحد ولا لحياته. وعورض بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع.
والخصائص لا تثبت إلا بدليل، والمستحب أن تكون خطبتين كالجمعة في الأركان، فلا تجزئ واحدة.
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام في الخطبة:
(هما) أي كسوف الشمس والقمر (آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها) أي: كسوف الشمس والقمر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: رأيتموها، بالإفراد، أي: الكسفة (فافزعوا) بفتح الزاي، أي التجئوا وتوجهوا (إلى الصلاة) المعهودة الخاصة، السابق فعلها منه عليه الصلاة والسلام، قبل الخطبة، لأنها ساعة خوف.
ورواة هذا الحديث كلهم: مصريون بالميم، إلا الزهري، وعروة: فمدنيان، وفيه التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في: الصلاة، ومسلم: في الكسوف، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال الزهري، عطفًا على قوله: حدّثني عروة (وكان يحدث كثير بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير، وهو بالمثلثة والرفع: اسم كان، وخبرها يحدث مقدمًا، أي: وكان كثير يحدث (أن) أخاه لأبيه (عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث يوم خسفت
الشمس) بفتح الخاء والسين (بمثل حديث عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها في مسلم، عن عروة، عنها أنه صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات.
قال الزهري: وأخبرني كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي، صلى الله عليه وسلم أنه صلّى أربع ركعات
في ركعتين وأربع سجدات
…
الحديث.
قال الزهري (فقلت لعروة) بن الزبير بن العوام الفقيه التابعي، المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة:(إن أخاك) أي عبد الله بن الزير بن العوام الصحابي، رضي الله عنه، (يوم خسفت الشمس بالمدينة) بفتح الخاء والسين (لم يزد على) صلاة (ركعتين مثل) صلاة (الصبح) في العدد والهيئة.
(قال) عروة: (أجل) يعني: نعم، صلّى كذلك (لأنه أخطأ السنة) ولأبي الوقت من غير اليونينية: إنه أخطأ السنة، أي: جاوزها سهوًا، أو عمدًا بأن أدى اجتهاده إلى ذلك، لأن السنة أن يصلّي في كل ركعة ركوعان. نعم، ما فعله عبد الله يتأدى به أصل السنة، وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة.
فإن قلت: الأولى الأخذ بفعل عبد الله لكونه صحابيًا، لا بقول أخيه عروة التابعي.
أجيب: بأن قول عروة: السنة كذا، وإن قلنا إنه مرسل على الصحيح. لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك، وهو خبر عائشة المرفوع، فانتفى عنه احتمال كونه موقوفًا أو منقطعًا. فترجح المرفوع على الموقوف، فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ بالنسبة إلى الكمال. والله أعلم.
5 - باب هَلْ يَقُولُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ؟ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8]
هذا (باب) بالتنوين (هل يقول) القائل (كسفت الشمس) بالكاف (أو) يقول (خسفت) بالخاء المعجمة. زاد ابن عساكر فقال: أو خسفت الشمس.
قيل أورده ردًا على المانع من إطلاقه بالكاف على الشمس. رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح موقوف عن عروة من طريق الزهري بلفظ: لا تقولوا: كسفت الشمس، ولكن قولوا: خسفت. والأصح أن الكسوف والخسوف المضافين للشمس والقمر بمعنى يقال: كسفت الشمس والقمر، وخسفتا بفتح الكاف والخاء مبنيًّا للفاعل، و: كسفًا وخسفًا: بضمهما مبنيًّا للمفعول وانكسفا وانخسفا، انفعل، ومعنى المادتين واحد، أو يختص ما بالكاف بالشمس، وما بالخاء بالقمر.
وهو المشهور على ألسنة الفقهاء.
واختاره ثعلب، وادعى الجوهري أفصحيته، ونقل عياض عكسه، وعورض بقوله تعالى:{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] ويدل
للقول الأول إطلاق اللفظين في المحل الواحد في الأحاديث.
قال الحافظ عبد العظيم المنذري، ومن قبله القاضي أبو بكر بن العربي: حديث الكسوف رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر نفسًا، رواه جماعة منهم بالكاف، وجماعة بالخاء. وجماعة باللفظين جميعًا. اهـ.
ولا ريب أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف، لأن الكسوف، بالكاف: التغير إلى سواد، والخسوف، بالخاء النقص والذل. كما مر. في أول كتاب الكسوف.
فإذا قيل في الشمس: كسفت أو خسفت، لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ ذلك، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان.
(وقال الله تعالى) في سورة القيامة ({وَخَسَفَ الْقَمَرُ})[القيامة: 8] في إيراده لها إشعار باختصاص القمر بخسف الذي بالخاء، واختصاصها بالذي بالكاف كما اشتهر عند الفقهاء، أو أنه يجوز الخاء في الشمس كالقمر لاشتراكهما في التغير الحاصل لكل منهما.
1047 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَقَامَ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ -وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ- فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو: سعيد بن كثير، بالمثلثة، ابن عفير، بضم العين وفتح الفاء، الأنصاري البصري (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين، المصري (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام، التابعي (أن عائشة) رضي الله عنها (زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، أخبرته).
(أن رسول الله) وللأصيلي: أن النبي (صلى الله عليه وسلم، صلّى يوم خسفت الشمس) بالخاء المفتوحة (فقام فكبر) للإحرام (فقرأ) بعد الفاتحة (قراءة طويلة، ثم ركع) بعد أن كبر، (ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه) من الركوع (فقال):
(سمع الله لمن حمده) ربنا لك الحمد (وقام) بالواو ولأبي ذر في نسخة: فقام (كما هو، ثم قرأ قراءة طويلة، وهي أدنى من القراءة الأولى، ثم ركع) ثانيًا (ركوعًا طويلاً وهي) أي: الركعة (أدنى من الركعة الأولى، ثم سجد سجودًا طويلاً، ثم فعل في الركعة الآخرة) بمد الهمزة بغير ياء قبل الراء (مثل ذلك) من طول القراءة وزيادة الركوع بعد، لكنه أدنى قراءة وركوعًا من الأولى، والرابعة أدنى من الثالثة.
فيستحب أن يقرأ في الأربعة السور الأربعة الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة. ويسبح في الركوع الأول والسجود، في كل منهما، قدر مائة آية من البقرة، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين تقريبًا كما مر. ولا يطيل في غير ذلك من الاعتدال بعد الركوع الثاني، والتشهد والجلوس بين السجدتين. لكن قال في الروضة، بعد نقله عن قطع الرافعي وغيره: إنه لا يطيل الجلوس.
وقد صح في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد، فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. ومقتضاه كما قال في شرح المهذّب: استحباب إطالته، واختاره في الأذكار.
(ثم سلم -وقد تجلت الشمس-) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام (فخطب الناس، فقال في كسوف الشمس والقمر) بالكاف:
(إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته) بفتح المثناة التحتية وكسر السين بينهما خاء معجمة. وهذا موضع الترجمة، لأنه استعمل كل واحد من الكسوف والخسوف في كل واحد من القمرين.
وقول ابن المنير، متعقبًا المصنف في استدلاله بقوله: يخسفان، على جواز إطلاق ذلك على كل من الشمس والقمر، حيث قال: أما الاستشهاد على الجواز في حال الانفراد بالإطلاق في التثنية فغير متجه، لأن التثنية باب تغليب، فلعله غلب أحد الفعلين كما غلب أحد الاسمين.
تعقبه صاحب مصابيح الجامع: بأن التغليب مجاز، فدعواه على خلاف الأصل، فالاستدلال بالحديث متأت، وقوله: كما غلب أحد الاسمين إن أراد في هذا الحديث الخاص، فممنوع. وإن أراد فيما هو خارج: كالقمرين، فلا يفيده بل ولو كان في هذا الحديث ما يقتضي تغليب أحد الاسمين لم يلزم منه تغليب أحد الفعلين. اهـ.
(فإذا رأيتموهما) بضمير التثنية، ولأبي ذر في نسخة: فإذا رأيتموها، بالإفراد (فافزعوا إلى الصلاة) بفتح الزاي، وبالعين