الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأن يستن) عطف على معنى الجملة السابقة، و: أن مصدرية، أي: والاستنان. والمراد بذلك الاستنان بالسواك و (وأن يمس طيبًا إن وجد) الطيب، أو السواك والطيب، وقوله: يمس، بفتح الميم.
(قال عمرو) المذكور بالإسناد السابق إليه (أما الغسل فأشهد أنه واجب) أي كالواجب في التأكيد (وأما الاستنان والطيب، فالله أعلم أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث) أشار به إلى العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه، فكان القدر المشترك تأكيدًا لطلب للثلاثة، وجزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث، وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه.
وقوله: واجب، أي مؤكد كالواجب، كما مر
…
كذا حمله الأكثرون على ذلك بدليل عطف الاستنان والطيب عليه، المتفق على عدم وجوبهما، فالمعطوف عليه كذلك.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والقول، ولفظ: أشهد، وأخرجه مسلم وأبو داود في الطهارة.
(قال أبو عبد الله) البخاري: (هو) أي: أبو بكر بن المنكدر السابق في السند (أخو محمد بن المنكدر) لكنه أصغر منه (ولم يسم) بالبناء للمفعول (أبو بكر هذا) الراوي هنا بغير أبي بكر، بخلاف أخيه محمد، فإنه، وإن كان يكنّى أبا بكر، لكن كان مشهورًا باسمه دون كنيته (رواه) أي الحديث المذكور، ولأبي ذر في غير اليونينية: روى (عنه) أي عن أبي بكر بن المنكدر (بكير بن الأشج) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا وفتح الشين المعجمة بعد الهمزة المفتوحة آخره جيم، (وسعيد بن أبي هلال، وعدة) أي عدد كثير من الناس.
قال الحافظ ابن حجر: وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه، لكن بين رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد فرواية بكير موافقة لرواية شعبة، ورواية سعيد أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة، كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحرث: أن سعيد بن أبي هلال، وبكير بن الأشج حدّثناه عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه: وقال في آخره: إلا أن بكيرًا لم يذكر عبد الرحمن. فانفرد سعيد بن أبي هلال بزيادة عبد الرحمن. اهـ.
(وكان محمد بن المنكدر يكنى بأبي بكر، وأبي عبد الله) وقد سقط من قول: قال أبو عبد الله إلخ. في رواية ابن عساكر.
4 - باب فَضْلِ الْجُمُعَةِ
(باب فضل الجمعة) شامل لليوم والصلاة.
881 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» .
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن سميّ) بضم المهملة وفتح الميم (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح) ذكوان (السمان) نسبة إلى بيعه، (عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(من اغتسل يوم الجمعة) من ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد (غسل الجنابة) بنصب اللام، صفة لمصدر محذوف، أي: غسلاً كغسل الجنابة. وعند عبد الرزاق من رواية ابن جريج، عن سميّ:"فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة" فالتشبيه للكيفية لا للحكم، أو أشار به إلى الجماع يوم الجمعة، ليغتسل فيه من الجنابة، ليكون أغضّ لبصره، وأسكن لنفسه في الرواح إلى الجمعة. ولا تمتد عينه إلى شيء يراه (ثم راح) أي ذهب، زاد في الموطأ: في الساعة الأولى. وصحح النووي، رحمه الله وغيره، إنها من طلوع الفجر، لأنه أول اليوم شرعًا: لكن يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر. وقد قال الشافعي، رحمه الله: يجزئ الغسل إذا كان بعد الفجر، فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك. (فكأنما قرّب بدنة) من الإبل، ذكرًا أم أُنثى، والتاء للوحدة لا للتأنيث، أي: تصدق بها متقربًا إلى الله تعالى. وفي رواية ابن جريج عند عبد الرزاق: فله من الأجر مثل الجزور،
وظاهره: أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور. (ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرّب بقرة) ذكرًا أو أُنثى، والتاء للوحدة، (ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا) ذكرًا (أقرن) وصفه به لأنه أكمل وأحسن صورة، ولأن قرنه ينتفع به. وفي رواية النسائي: ثم كالمهدي شاة. (ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما
قرب دجاجة) بتثليث الدال والفتح هو الفصيح (ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة).
استشكل التعبير: بالدجاجة والبيضة بقوله، في رواية الزهري: كالذي يهدي، لأن الهدي لا يكون منهما.
وأجيب: بأنه من باب المشاكلة، أي من تسمية الشيء، باسم قرينه، والمراد بالهدي هنا التصدق، كما دلّ عليه لفظ: قرب وهو يجوز بهما.
والمراد بالساعات عند الجمهور من أوّل النهار، وهو قول الشافعي رحمه الله، وابن حبيب من المالكية، وليس المراد من الساعات الفلكية الأربعة والعشرين التي قسم عليها الليل والنهار، بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، لئلا يستوي فيه رجلان جاءا في طرفي ساعة، ولأنه لو أريد ذلك لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف.
وقال في شرح المهذّب، وشرح مسلم: بل المراد الفلكية، لكن بدنة الأوّل أكمل من بدنة الأخير، وبدنة المتوسط متوسطة، فمراتبهم متفاوتة، وإن اشتركوا في البدنة مثلاً، كما في درجات صلاة الجماعة الكثيرة والقليلة، وحينئذٍ فمراده بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة زمانية صيفًا أو شتاءً.
وقد روى النسائي مرفوعًا: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة. وقال الماوردي: إنه من طلوع الشمس موافقة لأهل الميقات، ليكون ما قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب.
واستشكل بأن الساعات ست لا خمس، والجمعة لا تصح في السادسة بل في السابعة.
نعم، عند النسائي بإسناد صحيح بعد الكبش: بطة، ثم دجاجة ثم بيضة. وفي أخرى: دجاجة ثم عصفورًا، ثم بيضة.
ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وهو بعد انقضاء الساعة السادسة.
وفي حديث واثلة عند الطبراني في الكبير مرفوعًا: "إن الله تعالى يبعث الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون القوم: الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس، فإذا بلغوا السابع كانوا بمنزلة من قرب العصافير".
وقال مالك، رحمه الله، وإمام الحرمين، والقاضي حسين: إنها لحظات لطيفة بعد الزوال، لأن الرواح لغة لا يكون إلا من الزوال، والساعة في اللغة الجزء من الزمان، وحملها على الزمانية التي
يقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءًا يبعد إحالة الشرع عليه لاحتياجه إلى حساب ومراجعة آلات تدل عليه، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول، فالمتهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، الحديث.
فإن قالوا: قد تستعمل الهاجرة في غير موضعها فيجب الحمل عليه جمعًا.
قلنا: ليس إخراجها عن ظاهرها بأولى من إخراج الساعة الأولى عن ظاهرها، فإذا تساويا على ما زعمت فما أرجح؟
قلت: عمل الناس جيلاً بعد جيل، لم يعرف أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم كان يأتي المسجد لصلاة الجمعة عند طلوع الشمس، ولا يمكن حمل حالهم على ترك هذه الفضيلة العظيمة. اهـ.
وأجيب: بأن الرواح، كما قاله الأزهري، يطلق لغة على الذهاب، سواء كان أول النهار أو آخره أو الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث، والمعنى: فدلّ على أنه لا فضيلة لمن أتى بعد الزوال، لأن التخلّف بعد النداء حرام، ولأن ذكر الساعات إنما هو للحثّ على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق، وتحصيل الصف الأول، وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال. وحكى الصيدلاني: أنه من ارتفاع النهار وهو وقت الهجير.
(فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة) الذين وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة، وما تشتمل عليه من ذكر وغيره، وهم غير الحفظة (يستمعون الذكر) أي الخطبة.
وزاد في رواية الزهري الآتية طووا صحفهم. ولمسلم من طريقه: فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر. فكان ابتداؤه خروج الإمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر.
وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الحلية مرفوعًا "إذا كان يوم اجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور"، الحديث. ففيه صفة الصحف، وأن الملائكة المذكورين غير الحفظة.
والمراد بطيّ الصحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون