الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاْحتسب ابنك. قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني.
وفي رواية عبد الله فقالت: يا أبا طلحة، أرأيت قومًا أعاروا متاعًا، ثم بدا لهم فيه فأخذوه، فكأنهم وجدوا في أنفسهم، زاد حماد في روايته عن ثابت: فأبوا أن يردّوها، فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك إن العارية مؤدّاة إلى أهلها، ثم اتفقا، فقالت: إن الله أعارنا غلامًا، ثم أخذه منا. زاد حماد: فاسترجع (فصلّى مع النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، بما كان منهما) بالتثنية، وللكشميهني: منها بضمير المؤنثة المفردة (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما) لعل: هنا، بمعنى: عسى، بدليل دخول أن على خبره، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: لهما في ليلتهما بضمير الغائب، وفي رواية أنس بن سيرين: اللهم بارك لهما
…
وفيه تنبيه على أن المراد بقوله: أن يبارك، وإن كان لفظه لفظ الخبر، الدعاء.
وزاد في رواية أنس بن سيرين: فولدت غلامًا. وفي رواية عبد الله بن عبد الله: فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة.
(قال سفيان) بن عيينة بالإسناد المذكور. (فقال رجل من الأنصار) هو: عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، كما عند البيهقي، وسعيد بن منصور:(فرأيت لها تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن). كذا في رواية أبي ذر، والأصيلي، ولابن عساكر ولغيرهم: فرأيت لهما أي: من ولد ولدهما عبد الله الذي حملت به تلك الليلة من أبي طلحة، كما في رواية عباية، عند سعيد بن منصور، ومسدد، والبيهقي، بلفظ: فولدت له غلامًا. قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين. قال ابن حجر: ففي رواية سفيان تجوّز في قوله: لهما، أي على رواية ثبوتها، لأن ظاهره أنه من ولدهما، بغير واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما.
وتعقبه العيني بعد أن ذكر عبارته بلفظ: لهما، فقال: لا نسلم التجوز في رواية سفيان، لأنه ما صرح في قوله. قال رجل من الأنصار فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن ولم يقل: رأيت منهما أو: لهما تسعة. اهـ. فاْنظر وتعجب من هذا التعقب.
ووقع في رواية سفيان هنا: تسعة أولاد، بتقديم الفوقية على السين.
وفي رواية عباية المذكور: سبعة بنين كلهم قد ختم القرآن بتقديم السين على الموحدة فقيل: إحداهما تصحيف، أو أن المراد بالسبعة من ختم القرآن كله، وبالتسعة من قرأ معظمه.
وذكر ابن المديني من أسماء أولاد عبد الله بن أبي طلحة، وكذا ابن سعد، وغيره، من أهل العلم بالأنساب، من قرأ القرآن وحمل العلم: إسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، وعمير، وعمرو ومحمد، وعبد الله، وزيد والقاسم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
43 - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى. وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: نِعْمَ الْعِدْلَانِ وَنِعْمَ الْعِلَاوَةُ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}
(باب: الصبر عند الصدمة الأولى).
(وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما وصله الحاكم في مستدركه: (نعم العدلان) بكسر العين وسكون الدال المهملتين، ونعم: بكسر النون وسكون العين، كلمة مدح، وتاليها فاعلها (ونعم
العلاوة) بكسر العين أيضًا عطف على سابقه، والعدل أصله نصف الحمل على أحد شقي الدابة، والحمل العدلان. والعلاوة ما يجعل بين العدلين، فهو مثل ضرب للجزاء في قوله:({الذين إذا أصابتهم مصيبة}) مما يصيب الإنسان من مكروه ({قالوا: إنّا لله}) عبيدًا وملكًا ({وإنا إليه راجعون}) في الآخرة فلا يضيع عمل عامل، وليس الصبر المذكور أول آية الاسترجاع باللسان، بل وبالقلب. بأن يتصور ما خلق له، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعمه عليه، ليرى أن ما أبقي عليه أضعاف ما استردّ منه، ليهوّن على نفسه ويستسلم له، والمبشر به محذوف دل عليه قوله:({أولئك عليهم صلوات}) مغفرة أو ثناء ({من ربهم ورحمة}) وهما العدلان. كما قاله المهلب، ورواه الحاكم في روايته المذكورة موصولاً عن عمر بلفظ: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة نعم العدلان. ({وأولئك هم المهتدون})[البقرة: 156 - 157] نعم العلاوة. وكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم.
وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره من وجه آخر، قال الزين بن المنير: ويؤيده وقوعها بعد: على المشعرة بالفوقية، المشعرة بالحمل. وهو عند أهل البيان من باب
الترشيح للمجاز، وذلك أنه لما كانت الآية {أولئك عليهم
…
} كذا وكذا، ولفظة: على، تعطي الحمل، عبر عمر رضي الله عنه بهذه العبارة، وقيل: العدلان: إنا لله وإنا إليه راجعون، والعلاوة الثواب عليهما وغير ذلك والأولى أولى، كما لا يخفى. واعلم أن الصبر ذكر في القرآن العظيم في: خمسة وتسعين موضعًا، ومن أجمعها هذه الآية ومن آنقها {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] قرن: هاء الصابر بنون العظمة ومن أبهجها قوله: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 23، 24].
(وقوله تعالى) بالجر، عطفًا على باب الصبر، أي: وباب قوله: ({واستعينوا}) على حوائجكم ({بالصبر}) أي بانتظار النجح والفرج توكلاً على الله تعالى أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات، لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس ({والصلاة}) بالالتجاء إليها، فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية، من الطهارة وستر العورة، وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الحق، وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين، وكف النفس عن الأطيبين، حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب ({وإنها}) أي: الاستعانة بهما، أو: الصلاة وتخصيصها بردّ الضمير إليها لعظم شأنها، واستجماعها ضروبًا من الصبر ({لكبيرة}) لثقيلة شاقة ({إلا على الخاشعين}) [البقرهّ: 45] المخبتين، والخشوع الاخبات. وأخرج أبو داود، بإسناد حسن، عن حذيفة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر صلى. ومن أسرار الصلاة أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع.
1302 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» .
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة، قال: (حدّثنا
غندر) هو لقب محمد بن جعفر، قال:(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ثابت) البناني (قال: سمعت أنسًا) هو: ابن مالك رضي الله عنه يقول (عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال):
(الصبر) الكثير الثواب، الصبر (عند الصدمة الأولى) فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب، وتزعجه بصدمتها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها، وضعفت قوتها، فهان عليه استدامة الصبر، فأما إذا طالت الأيام على المصاب، وقع السلو وصار الصبر، حينئذ طبعًا، فلا يؤجر عليه مثل ذلك، والصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهواتها، وقهرها عن الحزن والجزع، والبكاء الذي فيه راحة النفس، وإطفاء نار الحزن، فإذا قابل فيها سورة الحزن وهجومه، بالصبر الجميل، وتحقق أنه لا خروج له عن قضائه تعالى، وأنه يرجع إليه، وعلم يقينًا أن الآجال لا تقديم فيها ولا تأخير، وأن المقادير بيده تعالى ومنه استحق حينئذ جزيل الثواب، فضلاً منه تعالى. وعدّ من الصابرين الذين وعدهم الله بالرحمة والمغفرة.
وإذا جزع ولم يصبر، أثم وأتعب نفسه، ولم يرد من قضاء الله شيئًا، ولو لم يكن من فضل الصبر للعبد إلا الفوز بدرجة المعية والمحبة، إن الله مع الصابرين، إن الله يحب الصابرين، لكفى. فنسأل الله العافية والرضا.
واعلم أن المصيبة كير العبد الذي يسبك فيه حاله، فإما أن يخرج ذهبًا أحمر، وإما أن يخرج خبثًا كله، كما قيل:
سبكناه ونحسبه لجينًا
…
فأبدى الكير عن خبث الحديد
فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا، فبين يديه الكير الأعظم، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له من ذلك الكير والمسبك، وأنه لا بد له من أحد الكيرين، فليعلم قدر نعمة الله عليه في الكير العاجل، فالعبد إذا امتحنه الله بمصيبة فصبر عند الصدمة الأولى، فليحمد الله تعالى على أن أهلّه لذلك وثبته عليه.
وقد اختلف: هل المصائب مكفرات أو مثيبات؟ فذهب الشيخ عز الدّين بن عبد السلام في طائفة، إلى أنه: إنما يثاب على الصبر عليها، لأن الثواب إنما يكون على فعل العبد، والمصائب لا صنع له فيها، وقد يصيب الكافر مثل ما يصيب المسلم، وذهب آخرون إلى أنه يثاب عليها لآية، ولا ينالون من عدوّ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح.
وحديث الصحيحين: والذي نفسي بيده