الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في صحة الصلاة كما قاله في المجموع.
وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ولمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها بعد الهجرة.
وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح الهداية. وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ.
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب.
ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.
وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه السياق. فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل. وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه عليه الصلاة والسلام بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم. وقد كان عليه الصلاة والسلام معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم.
وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على أنه ورد في المنافقين. لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة. نعم سياق حديث الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف عنها.
ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين. ثم إن التقييد بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة.
أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها سنة لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي.
ثم أعاد عليه الصلاة والسلام القسم للمبالغة في التأكيد فقال:
(و) الله (الذي نفسي بيده) بتقديره (لو يعلم أحدهم) أي المتخلفين (أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة لحم (أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري، أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي (لشهد العشاء) أي صلاتها. فالمضاف محذوف.
والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما، واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأحكام، والنسائي في الصلاة.
30 - باب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً.
(باب فضل صلاة الجماعة) على صلاة الفذ.
(وكان الأسود) بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين (إذا فاتته الجماعة) أي صلاتها في مسجد قومه (ذهب إلى مسجد آخر) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ومطابقته للترجمة من
حيث أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عند الأسود لما ترك فضيلة أول الوقت وتوجّه إلى مسجد آخر، أو من حيث أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته، لأنه لو لم يكن مختصًّا بالمسجد لجمع الأسود في بيته ولم يأت مسجدًا آخر لأجل الجماعة.
(وجاء أنس) وللأصيلي وابن عساكر: أنس بن مالك فيما وصله أبو يعلى في مسنده، وقال: وقت صلاة الصبح (إلى مسجد) في رواية البيهقي أنه مسجد بني رفاعة وفي رواية أبي يعلى أنه مسجد بني ثعلبة.
(قد صُلي فيه) بضم الصاد وكسر اللام (أذن وأقام وصلّى جماعة) قال البيهقي في روايته جاء أنس في عشرين من فتيانه.
645 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» . [الحديث 645 - طرفه في: 649].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ولغير الأصيلي وابن عساكر عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(صلاة الجماعة تفضل) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الضاد (صلاة الفذ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي المنفرد (بسبع وعشرين درجة) فيه أن أقل الجمع اثنان لأنه جعل هذا الفضل لغير الفذ وما زاد على الفذ فهو جماعة، لكن قد يقال: إنما رتب هذا الفضل لصلاة الجماعة وليس فيه تعرض لنفي درجة متوسطة بين الفذ والجماعة كصلاة الاثنين مثلاً، لكن قد ورد في غير حديث
التصريح بكون الاثنين جماعة، فعند ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنان فما فوقهما جماعة" لكنه فيه ضعف.
646 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» .
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد إمام المصريين (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة، ونسبه لجدّه لشهرته به (عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة ثانية، الأنصاري المدني التابعي، وليس هو ابن الأرت، إذ لا رواية له في الصحيحين (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم) حال كونه (يقول):
(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس) وللأصيلي تفضل خمسًا (وعشرين درجة).
وهذا الحديث ساقط في رواية غير الأربعة، وفي حديث ابن عمر السابق: بسبع وعشرين، وفي حديث أبي سعيد هذا: بخمس وعشرين، وعامّة الرواة عليها إلا ابن عمر كما قال الترمذي، واتفق الجميع على الخمس والعشرين سوى رواية أُبيّ فقال: أربع أو خمس على الشك، ولأبي عوانة بضعًا وعشرين وليست مغايرة لصدق البضع على الخمس ولا أثر للشك فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع واختلف في الترجيح بينهما، فمن رجح الخمس لكثرة رواتها، ومن رجح السبع لزيادة العدل، الحافظ، وجمع بينهما بأن ذكر القليل لا ينفي الكثير، إذ مفهوم العدد غير معتبر، وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بالخمس، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، لكنه يحتاج إلى التاريخ.
وعورض بأن الفضائل لا تنسخ فلا يحتاج إلى التاريخ أو الدرجة أقل من الجزء، والخمس والعشرون جزءًا هي سبع وعشرون درجة، ورد بأن لفظ الدرجة والجزء وردا مع كلٍّ من العددين.
قال النووي: القول بأن الدرجة غير الجزء غفلة من قائله، أو أن الجزء في الدنيا والدرجة في الجنة، قال البرماوي في شرح العمدة: أبداه القطب القسطلاني احتمالاً. انتهى.
أو هو بالنظر لقرب المسجد وبُعده، أو لحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع. أو الخمس بالسرية والسبع بالجهرية.
فإن قلت ما الحكمة في هذا العدد الخاص؟.
أجيب باحتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسًا. فأريد المبالغة في تكثيرها، فضربت في مثلها فصارت خمسًا وعشرين، وأما السبع فمن جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول والسماع.
647 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَاّ الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَاّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَاّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ» .
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد