الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية
أولاً: الاختلاط بين النساء والرجال الأجانب
محرّم تحريماً مؤكداً؛ لأن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية.
كل هذا لحفظ الأعراض، والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساسية في بيتها؛ ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة، والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.
ولهذا فإن أهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن، وإنما حصلت أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال:«المدارس الاستعمارية الأجنبية العالمية» ، التي فتحت أول ما فتحت في بلاد الإسلام في:(لبنان) كما بينه العلامة بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه: «المدارس الاستعمارية
-الأجنبية العالمية- تاريخها ومخاطرها على الأمة الإسلامية» (1).
وقد عُلِم تاريخيّاً أن ذلك من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا وإخضاعها؛ بتضييع مقومات كرامتها، وتجريدها من الفضائل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي الحكيم.
كما عُلِمَ تاريخياً أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات، وزوال الدول، كما كان ذلك لحضارة (2) اليونان والرومان، وهكذا عواقب الأهواء والمذاهب المضلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجَعْدِ المعطِّل وغيره من الأسباب» (3).
وقال ابن القيم رحمه الله ما مختصره: «فصل: ومن ذلك أن وليّ الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق، والفُرَج، ومجامع الرجال
…
فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة قال صلى الله عليه وسلم:«ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (4)،
…
وفي حديث آخر أنه قال للنساء: «علَيْكُنَّ حافات الطريق» (5).
(1) انظر: حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص 82.
(2)
المرجع السابق، ص 81 - 82.
(3)
مجموع الفتاوى، 13/ 182.
(4)
البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، برقم 5096، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد اللَّه تعالى بعد الأكل والشرب، برقم 2740.
(5)
أخرجه البيهقي في الشعب، 10/ 240، وفي الآداب له، برقم 668.
ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكنَّ بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة، والرقاق، ومنعهنّ من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك.
وإن رأى وليّ الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه، فقد رخّص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية.
وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، ولا سيما إذا خرجت متجملة؛ بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، واللَّه سائلٌ وليّ الأمر عن ذلك.
وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق.
فعلى وليِّ الأمر أن يقتدي به في ذلك.
وقال الخلال في جامعه: أخبرني محمد بن يحيى الكحال: أنه قال لأبي عبد اللَّه: أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قال: صِحْ به، وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم:«أن المرأة إذا تطيَّبت وخرجت من بيتها فهي زانية» (1).
(1) لم أجد هذا اللفظ، وإنما ما ورد قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ على القوم لِيَجِدُوا رِيحَهَا فهي زَانِيَةٌ» . أخرجه أبو داود، برقم 4173، والترمذي، برقم 2786، وقال:«حسن صحيح» ، والنسائي، برقم 5126، والحاكم، 2/ 397، وأخرجه أيضًا: أحمد، برقم 19711، وقال محققو المسند:«إسناده جيد» ، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 216، برقم 2019، وفي غيره من كتبه.
ويمنع المرأة إذا أصابت بخوراً أن تشهدَ عشاء الآخرة في المسجد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان» (1).
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، أصل كل بلية وشرّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة (2).
ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل اللَّه عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير.
فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية -قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعاً لذلك» انتهى كلامه رحمه الله (3).
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب حدثنا محمد بن بشار، 3/ 476، برقم 1173، وابن خزيمة، 1/ 93، 1685، مسند البزار، 5/ 427، برقم 427، والطبراني في المعجم الكبير، 9/ 295، برقم 9481، والمعجم الأوسط، 3/ 189، برقم 2890، ومصنف ابن أبي شيبة 2/ 384، برقم 7698، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/ 303.
(2)
مثل: الإيدز وغيره.
(3)
الطرق الحكمية، لابن القيم، ص 324 - 326، بتصرف، وانظر: حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص 81 - 84.