الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متنوعة من أبواب الفقه وفصوله كأحكام الأعراس، ومسائل اعتكاف النساء، والجهاد، والشهادة، والخصومة عند القاضي واتباع الجنائز.
وجميع فقهاء المذاهب الأربعة يطبقون على التحذير منه، ومنعه في مصنفاتهم (1).
الشبهة الحادية والعشرون: قول دعاة الاختلاط:
«إن الحجاب من خصائص أمهات المؤمنين: وعلى هذا، فالاختلاط محرم عليهن خاصة؛ لأن اللَّه ذكرهن وحدهن في الآية:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (2).
فهذه جهالة عصرية، لا تقوم على نظر، ولا على برهان، ولا على قول لأحد من مفسري القرآن من السلف، وكأن القرآن لم يفهمه أحد إلا أهل الحضارة المعاصرة، وخير القرون ومن بعدهم نقلوا الأحكام على غير وجهها، وبيان ذلك على هذا التفصيل في الوجوه الآتية:
الوجه الأول: أن القرآن عام للناس بجميعه كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (3) أي من يبلغه ما فيه فهو حجة عليه، والعبرة بعموم حُكمه، وإن تم تخصيص الخطاب لأعلى البشر، وهم الأنبياء، فضلاً عن آحاد الصحابة،
(1) انظر: الاختلاط للطريفي، ص 71.
(2)
سورة الأحزاب، رقم الآية:53.
(3)
سورة الأنعام، الآية:19.
وأزواج الأنبياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: «إن اللَّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» (1)، فإذا كان خطاب الأنبياء الوارد في القرآن المخصوصين به عاماً لأهل الإيمان، فكيف بخطاب توجه لمن هو دونهم، فإذا دخل المؤمنون في خطاب الأنبياء فدخول النساء في خطاب أمهات المؤمنين أولى.
الوجه الثاني: أن تخصيص القرآن لأحد بعينه لمزيد اهتمام به، وأنه أولى بالاتباع من غيره، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل زائد عن مجرد الخطاب، كما هي عادة القرآن في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (2)، وقوله تعالى:{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (3).
الوجه الثالث: أن آية الحجاب جاء معها بنفس الخطاب أوامر أخرى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (4)، فهل هذا الخطاب خاص، فلا يُشرع ذكر ما يُتلى في بيوتهن من القرآن والسنة إلا أزواجه! مع أن هذه الآية أظهر في الخصوصية؛ حيث قال:{فِي بُيُوتِكُنَّ} ، وأما في الحجاب قال:{مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (5)، فما
(1) مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1015.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:50.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:52.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:34.
(5)
سورة الأحزاب، الآية:53.
قال: (حجابكن) كما هنا {في بيوتكن} ، وهل يفهم من هذا التخصيص الزائد: أن لا يدخل فيه تلاوة الآيات والحكمة في بيوت غيركن، ولا غيركن في بيوتهن وبيوت غيرهن، وهذا لا يقول به مسلم، ولا يلتزمه من يقول بخصوصية الحجاب، مع أنه في نفس الآيات ونفس السياق.
الوجه الرابع: ما أجمع عليه العلماء أن الأحكام تدور مع العلل والمقاصد من التشريع، فاللَّه تعالى قال في آية الحجاب مخاطباً الصحابة:{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (1)، فما هو الشيء الذي يريد اللَّه إبعاده من قلوب الصحابة وأمهات المؤمنين، ولا يوجد عند بقية النساء وبقية الرجال إذا التقوا في المجالس والبيوت والتعليم، وما هو الشيء الذي يجده الصحابة تُجاه أمهاتهم أمهات المؤمنين، ولا يجدونه في بقية النساء، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم، فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة.
وإذا كان الاختلاط منع منه من وُصفن بالأُمهات وزوجهن أولى بالمؤمنين من أنفسهم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (2) خوفاً على قلوب هؤلاء الأمهات، وقلوب أبنائهن، وهم خير الأجيال، فكيف بقلوب غيرهم رجالاً ونساءً.
الوجه الخامس: أن اللَّه قال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} (3)، فجعل
(1) سورة الأحزاب، الآية:53.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:6.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:53.
طهارة قلوب الصحابة مطلباً بذاتها، وهذا يحصل في جميع النساء، بل هو في غير أمهات المؤمنين أكثر؛ لأن نظر الصحابة لأمهات المؤمنين نظر إجلال وتعظيم وتوقير.
الوجه السادس: أن الصحابيات اعتدن على تتبع أمهات المؤمنين فما فعلنه يرينه تشريعاً لهن من باب أولى، كما جاء في البخاري ومسلم عن عمر أن زوجته هجرته، فقالت له محتجة بأمهات المؤمنين:«ما تنكر فو اللَّه إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل» (1).
الوجه السابع: أن اللَّه يُخصص في بعض السياقات الأنبياء والصحابة تنبيهاً إلى دخول غيرهم من باب أولى في الحكم، وهذا أسلوبٌ شرعي كثير في الأحكام تنبيهاً إلى أنه لما دخل الأعظم والأجل فغيره أولى؛ لهذا قال صلى الله عليه وسلم في بيان الحدود:«لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (2)، وقال في تحريم الربا:«أول ربا أضع ربا عمي العباس» (3)، وقال في تحريم دماء الجاهلية:«أول دم أضع دم ابن ربيعة بن عبد الحارث بن عبد المطلب» (4)، وربيعة ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري، كتاب النكاح، باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، برقم 5191، ومسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن
…
برقم 1479.
(2)
البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم 3475، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688.
(3)
مسلم، كتاب الاعتكاف، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218.
(4)
مسلم، كتاب الاعتكاف، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218.
الوجه الثامن: لو قلنا بالخصوصية، فخصوصية النبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى في المواضع التي يتوجه الخطاب إليه، لمزية له ليست في أحد من الأتباع، فالآيات التي يُخاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم عامة له ولغيره، مع كون الخطاب خاصاً به ليس بمشتركٍ بالمقابلة مع المؤمنين كما هنا:{أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (1).
فهل الدخول في البيوت بلا استئذان جائز لخصوصية النص بالنبي صلى الله عليه وسلم هنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (2).
وهل السراح والطلاق يُمنع لخصوصية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم به في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (3).
وهل من تريد اللَّه ورسوله من النساء لا تدخل في استحقاق الأجر العظيم؟ كما جاء في سياق نفس آيات الحجاب الموجهة لأمهات المؤمنين: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (4).
الوجه التاسع: دفع فهم الخصوصية في آيات الحجاب غير
(1) سورة الأحزاب، الآية:53.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:53.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:28.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:29.
واحد من مفسري السلف كما رواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قال: «لما ذكر اللَّه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دخل نساء المسلمات عليهن فقلن: ذُكرتن ولم نذكر، ولو كان فينا خير ذكرنا، فأنزل اللَّه:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (1)(2).
الوجه العاشر: أن المفسرين يطبقون على هذا الأمر على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، قال الجصاص الحنفي:«وهذا الحكم وإن نزل خاصاً في النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه، فالمعنى عام فيه وفي غيره» (3).
وقال القرطبي المالكي (4): «في هذه الآية دليل على أن اللَّه تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى» .
وإلى هذا نص ابن جرير، وابن كثير، وأئمة التفسير.
الوجه الحادي عشر: سبب تخصيص أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لمزيد تشديد عليهن؛ لأن أمرهن يمس النبي صلى الله عليه وسلم، فمعلوم أن حفظ العرض يُقّدم في بعض الأحوال على حفظ الدين اهتماماً به، فيسوغ أن تكون زوجة نبي من أنبياء اللَّه كافرة كامرأة لوط وامرأة نوح، لكن لا
(1) سورة الأحزاب، الآية:35.
(2)
طبقات ابن سعد، 8/ 200، وعبد الرزاق، 3/ 574، وتفسير الطبري، 20/ 269، وعند الترمذي، برقم 3022، وغيره عن مجاهد، عن أم سلمة، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن الترمذي، برقم 2565.
(3)
أحكام القرآن، للجصاص، 5/ 242.
(4)
تفسير القرطبي، 14/ 227.
يُمكن أن تقع في الزنا، واللَّه يعصمهن من ذلك؛ لأن الزنا أذيته مُتعدية للزوج وعرضه، فمن يبقى مع زانية وهو عالم ديُّوث في الشرع، بخلاف من يبقى مع كافرة؛ لهذا أجاز اللَّه زواج اليهودية والنصرانية بقوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (1)، وحرم نكاح الزانية ولو مؤمنه:{وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} (2)، وقال:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} (3)، وأًمهات المؤمنين قدوة والتشديد عليهن أولى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (4) مع أن تحريم الفاحشة على جميع النساء، ولكن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم مزيد تشديد، وهو في: الحجاب، وفي الاختلاط، والفاحشه سواء، ولتمام عدل اللَّه ورحمته بهن فهن في باب الثواب أعظم من الصحابيات فضلاً عن نساء الأمة في الإثابة على العمل:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} (5).
وحينما ذكر المضاعفة في العقاب والثواب دل على أن بقية النساء على إثم وثواب ولكن بلا مضاعفة.
(1) سورة المائدة، الآية:5.
(2)
سورة النور، الآية:3.
(3)
سورة النور، الآية:26.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:30.
(5)
سورة الأحزاب، الآية:31.