الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنهن، ومن سار في سبيلهن، وما قمن به من تعليم للأمة، وتوجيه وإرشاد، وتبليغ عن اللَّه سبحانه، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فجزاهن اللَّه عن ذلك خيراً، وأكثر في المسلمين اليوم أمثالهن مع الحجاب والصيانة، والبعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم.
واللَّه المسؤول أن يبصر الجميع بواجبهم، وأن يعينهم على أدائه على الوجه الذي يرضيه، وأن يقي الجميع وسائل الفتنة، وعوامل الفساد، ومكايد الشيطان، إنه جواد كريم، وصلى اللَّه على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (1).
5 - حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية
الحمد للَّه رب العالمين، والسلام على عبده ورسوله محمد صلى اللَّه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم، واقتفى آثارهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اطلعت على ما نشر في الصحف المحلية في الأول من شهر رمضان عام 1400 هـ من اعتزام فرع ديوان الخدمة المدنية بالمنطقة الشرقية على توظيف النساء في الدوائر الحكومية للقيام بأعمال النسخ والترجمة والأعمال الكتابية الأخرى، ثم قرأت ما
(1) مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز رحمه الله، 1/ 418 - 427، وانظر: مجموع فتاويه، 4/ 254 - 258، و4/ 308 - 310.
كتبه الأخ الناصح محمد أحمد حساني في صحيفة الندوة في عددها الصادر في 8/ 9/ 1400 هـ تعقيباً على ذلك الخبر، وكان صادقاً وناصحاً للأمة في تعقيبه، فشكر اللَّه له وأثابه، ذلك أن من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط، وذلك أمر خطير جداً، له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها، والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال، والأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية، وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم اللَّه - أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
منها قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (1)، وقال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (2).
(1) سورة الأحزاب، الآيتان: 33 - 34.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:53.
وقال اللَّه جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} ، إلى أن قال سبحانه:{وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)، وقال: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، - يعني الأجنبيات- فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (3)، ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم، سداً لذريعة الفساد، وإغلاقاً لباب الإثم، وحسماً لأسباب الشر، وحماية للنوعين من مكائد الشيطان، ولهذا صحّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً
(1) سورة الأحزاب، الآية:59.
(2)
سورة النور، الآيتان: 30 - 31.
(3)
البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، برقم 5232، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 2172، وتقدم تخريجه.
أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (1).
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:«وَلا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (3)، وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب القرار في البيت، والابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد، وتقويض الأسر، وخراب المجتمعات، فما الذي يلجئنا إلى مخالفتها، والوقوع فيما يغضب اللَّه، ويحل بالأمة بأسه وعقابه؟، ألا نعتبر فيما وقع في المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير، وصارت تتحسر على ما فعلت، وتتمنى أن تعود إلى حالنا التي نحن عليها الآن!! لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها، وجعلها تعمل في غير وظيفتها؟!، لقد نادى العقلاء هناك، وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها اللَّه له، وركبَّها عليه جسميّاً ونفسيّاً وعقليّاً، ولكن بعد ما فات الأوان.
ألا فليتق اللَّه المسؤولون في ديوان الخدمة المدنية، والرئاسة العامة لتعليم البنات، وليراقبوه سبحانه فلا يفتحوا على الأمة باباً عظيماً من
(1) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه.
(2)
مسلم، برقم 2742، وتقدم تخريجه.
(3)
مسند الإمام أحمد، برقم 177، وعبد الرزاق، برقم 20710، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 430، وتقدم تخريجه.
أبواب الشر، إذا فتح كان من الصعب إغلاقه، وليعلموا أن النصح لهذا البلد حكومة وشعباً هو العمل على ما يبقيه مجتمعاً متماسكاً قوياً، سائراً على نهج الكتاب والسنة، وسد أبواب الضعف والوهن، ومنافذ الشرور والفتن، ولا سيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين، وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون اللَّه، ودفعه عنا شرور أعدائنا ومكائدهم، فلا يجوز لنا أن نفتح أبواباً من الشر مغلقة.
ولعل في كلمتي هذه ما يُذكِّر المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية، والرئاسة العامة لتعليم البنات بما يجب عليهم من مراعاة أمر اللَّه ورسوله، والنظر فيما تمليه المصلحة العامة لهذه الأمة، والاستفادة مما قاله الأخ محمد أحمد حساني من أن عملية نقص الموظفين لا تعالج بالدعوة إلى إشراك النساء في وظائف الرجال؛ سداً للذريعة، وقفلاً لباب المحاذير، بل إن العلاج الصحيح يكون بإيجاد الحوافز لآلاف الشبان الذين لا يجدون في العمل الحكومي ما يشجع للالتحاق به، فيتجهون إلى العمل الحر، أو إلى المؤسسات والشركات، ومن هنا منطلق العلاج الصحيح، وهو تبسيط إجراءات تعيين الموظفين، وعدم التعقيد في الطلبات، وإعطاء الموظف ما يستحق مقابل جهده، وعندها سوف يكون لدى كل إدارة فائض من الموظفين، هذا وإنني مطمئن إن شاء اللَّه إلى أن المسؤولين بعد قراءتهم لهذه الكلمة سيرجعون عما فكروا فيه من تشغيل المرأة بأعمال الرجال، إذا علموا أن ذلك محرم بالكتاب
والسنة، ومصادم للفطرة السليمة، ومن أقوى الأسباب في تخلخل المجتمع، وتداعي بنيانه، وهو مع ذلك أمنية غالية لأعداء المسلمين، يعملون لها منذ عشرات السنين، وينفقون لتحقيقها الأموال الطائلة، ويبذلون لذلك الجهود المضنية، ونرجو أن لا يكون أبناؤنا وإخواننا معينين لهم أو محققين لأغراضهم.
أسأل اللَّه أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من مكايد الأعداء ومخططاتهم المدمرة، وأن يوفق المسؤولين فيها إلى حمل الناس على ما يصلح شؤونهم في الدنيا والآخرة، تنفيذاً لأمر ربهم وخالقهم، والعالم بمصالحهم، وأن يوفق المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية، والرئاسة العامة لتعليم البنات لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد في أمر المعاش والمعاد، وأن يعيذنا وإياهم وسائر المسلمين من مضلات الفتن، وأسباب النقم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان (1).
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
(1) مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله، 6/ 355 - 358.