الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثلاثون: قولهم: إن الاختلاط بين الرجال والنساء
حاصل في الطواف، فيدل ذلك على جوازه في أماكن العمل والتعليم.
والجواب عن هذا من ستة أوجه:
الوجه الأول: أن السنة دلت على أن طواف النساء من وراء الرجال، عن أم سلمة قالت:«شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ:{وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} (1)» (2).
قال الزرقاني رحمه الله: «قوله: «فقال: طوفي من وراء الناس» ؛ لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف» (4).
الوجه الثاني: أن هذا من خصوصيات مكة بإجماع المُفسرين،
(1) سورة الطور، الآيتان: 1 - 2.
(2)
البخاري، برقم 1514، تقدم تخريجه.
(3)
شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 2/ 112 ..
(4)
شرح الزرقاني على الموطأ، 2/ 311.
قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} (1).
فقد أخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن مجاهد قال:«إنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّةَ لأَنَّ النَّاسَ يَبُكَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنَّهُ يَحِلَّ فِيهَا مَا لَا يَحِلُّ فِي غَيْرِهَا» (2).
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، «عن عتبة بن قيس قال: إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى، قيل: عمن تروي هذا؟ قال: عن ابن عمر» (3).
وبنحوه قال سعيد بن جبير، وغيره (6).
(1) سورة آل عمران، الآية:96.
(2)
مصنف بن أبي شيبة، 3/ 273، والبيهقي في شعب الإيمان، 3/ 445، وأخبار مكة للأزرقي، 1/ 396.
(3)
هكذا في الدر المنثور، 3/ 673، وفي مصنف بن أبي شيبة، 3/ 272، برقم 14127، دون قوله: قيل: عمن تروي ....
(4)
سورة آل عمران، الآية:96.
(5)
تفسير ابن أبي حاتم، 3/ 709، شعب الإيمان، 5/ 466، وفي الدر المنثور، 3/ 673، عزاه لابن جرير، وعبد بن حميد، والبيهقي.
(6)
تفسير ابن أبي حاتم، 3/ 709.
بل يُعفى عن السُّترة في مكة، ولا يُعفى عن غيرها، فروى ابن جرير، «عن عطاء، عن أبي جعفر قال: مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت، فدفعها. قال أبو جعفر: إنها بَكَّةٌ، يبكّ بعضُها بعضًا» (1).
وبقي الأمر على هذا قروناً طويلة، قال ابن جبير في رحلته (2) (578هـ):«وموضع الطواف مفروش بحجارة مبسوطة كأنه الرخام حسناً، منها سود، وسمر، وبيض قد ألصق بعضها ببعض، واتسعت عن البيت بمقدار تسع خطاً إلا في الجهة التي تقابل المقام، فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به، وسائر الحرم مع البلاطات كلها مفروش برمل أبيض، وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة» .
الوجه الثالث: أن عمل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على الطواف من وراء الرجال، فعن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ. قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الرِّجَالِ!. قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟. قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ!. قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ» (3).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قَوله: (وقَد طافَ نِساء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَعَ
(1) تفسير ابن جرير، 6/ 24.
(2)
رحلة ابن جبير، ص 22.
(3)
البخاري، برقم 1539، تقدم تخريجه.
الرِّجال)؛ أَي: غَير مُختَلِطات بِهِنَّ
…
قَوله: (حَجرَة)
…
أَي: ناحِيَة» (1).
وقال المهلب: «قول عطاء: قد طاف الرجال مع النساء، يريد أنهم طافوا في وقت واحد غير مختلطات بالرجال؛ لأن سنتهن أن يطفن ويصلين وراء الرجال ويستترن عنهم» (2).
فهذا الأثر صريح الدلالة في أن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطفن من وراء الرجال.
الوجه الرابع: جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على إنكار الاختلاط بين الرجال والنساء في الطواف، فعَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ:«نَهَى عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ يَطُوفَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ» (3).
وعَنْ مَنْبُوذِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَوْلَاةٌ لَهَا، فَقَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَا آجَرَكِ اللَّهُ، لَا آجَرَكِ اللَّهُ، تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ! أَلَا كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ؟ ّ» (4).
الوجه الخامس: صرح جماعة من أهل العلم بإنكار اختلاط الرجال بالنساء في الطواف، واعتبروا ذلك من المخالفات، قال ابن
(1) فتح الباري، 4/ 549.
(2)
شرح البخاري، لابن بطال، 4/ 298.
(3)
أخبار مكة، للفاكهي، 1/ 252.
(4)
مسند الشافعي، 1/ 127، السنن الكبرى للبيهقي، 5/ 81، أخبار مكة للفاكهي، 1/ 122.