الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامساً: فتوى الشيخ العلاّمة محمد بن صالح بن عثيمين: في قيادة المرأة:
السؤال: أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول: إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟
«الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين:
القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى المحرم فهو محرم.
والقاعدة الثانية: أن درء المفسدة إذا كانت مكافئة لمصلحة من المصالح أو أعظم مقدم على جلب المصالح.
فدليل القاعدة الأولى قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1)، فنهى الله تعالى عن سبِّ آلهة المشركين مع أنه مصلحة لأنه يفضي إلى سب الله تعالى.
ودليل القاعدة الثانية قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (2)، وقد حرَّم اللَّه تعالى الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما.
وبناءً على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة؛ فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة.
(1) سورة الأنعام، الآية:108.
(2)
سورة البقرة، الآية:219.
فمن مفاسد هذا: نزع الحجاب؛ لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة، ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة وقبيحة عند الإطلاق إلا بوجهها، أي أنه إذا قيل: جميلة أو قبيحة لم ينصرف الذهن إلَاّ إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلابد من التقييد، فيقال: جميلة اليدين، جميلة الشعر، جميلة القدمين. وبهذا عُرف أن الوجه مدار قصد.
وربما يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون هذا الحجاب بأن تتلثم المرأة، وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين. والجواب عن ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارات، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في بداية الأمر فلن يدوم طويلاً، بل سيتحول في المدى القريب إلى ما كانت عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، والحياء من الإيمان كما صحّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة، وتحتمي به من التعرض إلى الفتنة؛ ولهذا كانت مضرب المثل فيه، ويقال: أحيا من العذراء في خدرها، وإذا نُزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
ومن مفاسدها: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت، والبيت
خير لها كما قال ذلك أعلم الخلق بمصالح الخلق محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لأن عشاق القيادة يرون فيها متعة؛ ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة.
ومن مفاسدها: أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت، وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده؛ لأنها وحدها في سيارتها متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل، وإذا كان أكثر الناس يعانون من هذا في بعض الشباب، فما بالك بالشابات إذا خرجت حيث شاءت يميناً وشمالاً في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب بسيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب، وهم أقوى تحملاً من المرأة.
ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة، مثال ذلك: الوقوف عند إشارات الطريق، وفي الوقوف عند محطات البنزين، وفي الوقوف عند نقط التفتيش، وفي الوقوف عند رجال المرور عند تحقيق في مخالفة أو حادث، وفي الوقوف لتعبئة إطار السيارة بالهواء (البنشر)، وفي الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالها حينئذ؟ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها،
لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة ازدحام السيارات في الشوارع، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات، وهم أحق بذلك من المرأة وأجدر.
ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة الحوادث؛ لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً وأقصر نظراً وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف.
ومن مفاسدها: أنها سبب للإرهاق في النفقة؛ فإن المرأة بطبيعتها تحب أن تكمل نفسها بما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء كلما ظهر زيّ رمت بما عندها، وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها؟ ألا ترى إلى غرفتها ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة؟ ألا ترى إلى ماصتها وإلى غيرها من أدوات حاجياتها؟ وعلى قياس ذلك - بل لعله أولى منه - السيارة التي تقودها، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد.
وأما قول السائل: وما رأيكم بالقول إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ فالذي أرى أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب واحد منهما. واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه
وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها، وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدوّ متربّص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام، يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا، قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي، فأُعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرّروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة، وصاروا كما قال ابن القيم في نونيته:
هربوا من الرّق الذي خلقوا له
…
وبلوا برق النفس والشيطان
وظنَّ هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدّم مادي بسبب تحررهم هذا التحرر، وما ذلك إلَاّ لجهلهم أو جهل كثير منهم بأحكام الشريعة وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حِكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم ودفع المفاسد، فنسأل اللَّه لنا ولهم الهداية والتوفيق لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة» (1).
(1) من كتاب (الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام. إعداد خالد الجريسي: ص 556).