الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإثم في الاختلاط بهن» (1).
وقال ابن رجب: «وهذا يدل على سرعة خروجهن من المسجد عقيب انقضاء الصلاة مبادرة لما بقي من ظلام الغلس، حتى ينصرفن فيه، فيكون أستر لهن» (2).
الدليل التاسع: حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
- قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (3).
وهذا الحديث يدل على أن المرأة فتنة ضارّة على الرجال، واتقاء الفتنة الضارة أو المضلة، واجب شرعي لأدلة كثيرة، وقد بوّب البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان بقوله:«بابٌ من الدين الفرار من الفتن» (4)، وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم:«يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ» (5)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (6)، فإذا ثبت أن النساء فتنة للرجال، وأنّ اتقاء الفتنة واجبٌ، ثبت أن مخالطة الرجال للنساء محرمة لتضمنها ترك الواجب.
(1) شرح البخاري، لابن بطال، 2/ 473.
(2)
فتح الباري، لابن رجب، 5/ 316.
(3)
البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه.
(4)
البخاري، كتاب الإيمان، قبل الحديث رقم 19.
(5)
البخاري، كتاب الإيمان، باب من الدين الفرار من الفتن، برقم 19.
(6)
مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2867.
وأفاد الحديث: أنّ فتنة النساء أضرّ الفتن على الرجال، والقاعدة في الشريعة:«تحريم كل ما فيه ضرر» ؛ لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» (1).
وما قيل في حق الرجال مع النساء يقال في حق النساء مع الرجال؛ لأن ما ثبت للرجل يثبت نظيره للمرأة إلا ما دلّ الدليل على اختصاصه بالرجال؛ ولأنّ اختلاطها بالرجل إيقاع للضرر عليه، وإيقاع الضرر بالغير محرم للحديث السابق.
وأفاد الحديث أن هذا الحكم عام في جميع الرجال، وجميع النساء، وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:«على الرجال من النساء» ، غير أنّه يستثنى من هذا الحكم الزوج، والمحارم للأدلة المشهورة على جواز مخالطتهم.
قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: «قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء»
…
وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون» (2).
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من
(1) أحمد، 5/ 55، برقم 2865، ومالك في الموطأ، 4/ 1078، برقم 2758، ومسند الشافعي، ص224، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، برقم 2340، والحاكم، 2/ 58، والطبراني في الكبير، 2/ 86، والبيهقي، 6/ 70، وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 250.
(2)
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 41 ..
النساء»، هذا حديث عظيم، يدل على أنه من مشكاة النبوة، وله صلة كبيرة بموضوعنا؛ لأن اختلاط النساء بالرجال هو من أعظم الفتن التي تدخل في خشية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أمته بعد وفاته من فتن النساء.
وقد شرح العلماء هذا الحديث شرحاً واضحاً قال ابن بطال رحمه الله، وفي حديث أسامة أن فتنة النساء أعظم الفتن؛ مخافة على العباد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عمّم جميع الفتن بقوله:«ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» ،
…
فالمحنة بالنساء أعظم المحن على قدر الفتنة بهن» (1).
وقال القرطبي رحمه الله: «ففتنة النساء أشدّ من جميع الأشياء، ويقال: في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء، فإحداهما: أن تودي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات. والثانية: يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام» (2).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن» (3).
وقال المناوي رحمه الله: «لأن المرأة لا تأمر زوجها إلا بشر، ولا تحثه إلا على شر، وأقل فسادها أن ترغبه في الدنيا؟ ليتهالك فيها،
(1) شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 7/ 188.
(2)
تفسير القرطبي، 5/ 44.
(3)
فتح الباري، 9/ 173.
وأي فساد أضر من هذا، مع ما هنالك من مَظِنَّةِ الميل بالعشق، وغير ذلك من فتن وبلايا ومحن، يضيق عنها نطاق الحصر» (1).
وقال المباركفوري: «لأن الطباع كثيراً تميل إليهن، وتقع في الحرام لأجلهن، وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا» (2).
وقال العلامة ابن عثيمين: «يجب علينا أن نبصر هؤلاء القوم الذين يدعون إلى سفور المرأة وتبرجها ومخالطتها للرجال، وأن نبين لهم أن هذا هدم للأخلاق والأديان والمستقبل؛ لأن الشعوب إذا أصبحت بهيمية ليس لها إلا شهوة الفرج وملء البطن، أصبحت لا قيمة لها، وأصبحت ذليلة إما للدنيا واما لجبابرة الخلق» (3).
وهذا الحديث فيه ثلاثة عمومات:
العموم الأول: قوله: (فتنة) فهذه اللفظة نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي من ألفاظ العموم عند علماء الأصول، فهي تعم جميع الفتن، فالافتتان بالنساء أعظم من الافتتان بغيرهن!!.
العموم الثاني: قوله: (على الرجال) فهو لفظ يعم جميع الرجال المعنيين به، ويدل على هذا العموم حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ
(1) فيض القدير، 5/ 436.
(2)
تحفة الأحوذي، 8/ 53.
(3)
شرح صحيح البخاري، لابن عثيمين، 4/ 447.
إِحْدَاكُن» (1)، والحازم هنا هو القوي في الإيمان التقي للرحمن، فإذا فتن بالنساء التقي، فمن باب أولى أن يفتن بهن الشقي!!.
العموم الثالث: قوله: (من النساء) فالنساء عموماً يفتنّ الرجال، وكما يقال: لكل ساقطة لاقطة، فالنساء وإن تفاوتن في كيدهن وجمالهن ودينهن، إلا أنهن مما تحصل الفتنة بهن.
وقد يشكل على القارئ القول بأن الافتتان بالنساء أعظم من كل فتنة؛ لأنه يدخل في ذلك أن الافتتان بهن أعظم من الشرك والكفر والإلحاد.
والجواب عن هذا الإشكال هو موجود في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (2)، ومعناه: أن بني إسرائيل كانوا على خير وصلاح، فانحدروا إلى المعاصي، ثم إلى الشرك والكفر بسبب فساد من فسد من نسائهم، وهذا يظهر جلياً بمعرفة أمرين اثنين:
الأول: أن النساء أسرع إلى المعاصي من الرجال؛ لكثرة الجهل فيهن، ولضعف عقولهن، إلا من رحم اللَّه، فهن يقبلن على اللهو والترف والغفلة والتأخر عن الطاعات أكثر من الرجال، بل يدفعن الرجال إلى ذلك، ويكلفنهم جمع المال من حلال أو حرام؛ من
(1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، برقم 304.
(2)
مسلم، برقم 2742، وتقدم تخريجه.