الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِصَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ حَضْرَة فاس ومقتل الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الوانشريسي رحمه الله
كَانَ السُّلْطَان أَبُو عبد الله الشَّيْخ قد ألح على فاس بِالْقِتَالِ وحاصرها حصارا طَويلا وَلما عسر عَلَيْهِ أمرهَا بحث عَن ذَلِك فَقيل لَهُ لَا سَبِيل لَك إِلَيْهَا وَلَا يُبَايِعك أَهلهَا إِلَّا إِذا بَايَعَك ابْن الوانشريسي يعنون الشَّيْخ الْفَقِيه أَبَا مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الوانشريسي رحمه الله فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان الْمَذْكُور سرا ووعده ومناه فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ عبد الْوَاحِد بيعَة هَذَا السُّلْطَان يَعْنِي أَبَا الْعَبَّاس الوطاسي فِي رقبتي وَلَا يحل لي خلعها إِلَّا لموجب شَرْعِي وَهُوَ غير مَوْجُود وَزعم بَعضهم أَن السُّلْطَان الْمَذْكُور كتب إِلَى أهل فاس يَقُول لَهُم إِنِّي إِن دخلت فاسا صلحا ملأتها عدلا وَإِن دَخَلتهَا عنْوَة ملأتها قتلا فَأَجَابَهُ ابْن الوانشريسي بِأَبْيَات أغْلظ لَهُ فِيهَا مِنْهَا قَوْله
(كذبت وَبَيت الله مَا تحسن العدلا
…
وَلَا خصك الْمولى بِفضل وَلَا أولى)
كَذَا فِي النزهة قلت وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات قديمَة والوانشريسي إِنَّمَا تمثل بِهِ لَا غير فقد ذكر الْعَلامَة ابْن خلدون فِي أَخْبَار بني صَالح بن مَنْصُور الْحِمْيَرِي أَصْحَاب قلعة نكور لأوّل الْفَتْح أَن عبيد الله الْمهْدي العبيدي صَاحب إفريقية لما تغلب على الْمغرب خَاطب سعيد بن صَالح مِنْهُم يَدعُوهُ إِلَى أمره وَكتب لَهُ فِي أَسْفَل كِتَابه
(فَإِن تستقيموا أستقم لصلاحكم
…
وَإِن تعدلوا عني أرى قتلكم عدلا)
(وأعلوا بسيفي قاهرا لسيوفكم
…
وأدخلها عنوا وأملأها قتلا)
فَأَجَابَهُ سعيد بن صَالح بِأَبْيَات من نظم شاعره الطليطلي نَصهَا
(كذبت وَبَيت الله مَا تحسن العدلا
…
وَلَا علم الرَّحْمَن من قَوْلك الفصلا)
(وَمَا أَنْت إِلَّا جَاهِل ومنافق
…
تمثل للجهال فِي السّنة المثلى)
(وهمتنا الْعليا بدين مُحَمَّد
…
وَقد جعل الرَّحْمَن همتك السُّفْلى)
فَلَعَلَّ الشَّيْخ كتب لأهل فاس بالبيتين الْأَوَّلين والوانشريسي كَانَ مطلعا على الْقَضِيَّة فَأَجَابَهُ بجوابهما
وَلما بلغ ذَلِك السُّلْطَان الشَّيْخ حقد على الوانشريسي ودس إِلَى جمَاعَة من المتلصصة بِأَن يأخذوه ويأتوا بِهِ إِلَى محلته مَحْبُوسًا من غير قتل وَكَانَ الشَّيْخ عبد الْوَاحِد يقْرَأ صَحِيح البُخَارِيّ بِجَامِع الْقرَوِيين بَين العشاءين وينقل عَلَيْهِ كَلَام ابْن حجر فِي فتح الْبَارِي ويستوفيه لِأَنَّهُ شَرط الْمحبس فَقَالَ لَهُ ابْنه يَا أَبَت إِنِّي قد سَمِعت أَن اللُّصُوص أَرَادوا الفتك بك فِي هَذِه اللَّيْلَة فَلَو تَأَخَّرت عَن الْقِرَاءَة فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَيْن وقفنا البارحة قَالَ على كتاب الْقدر قَالَ فَكيف نفر من الْقدر إِذا اذْهَبْ بِنَا إِلَى الْمجْلس فَلَمَّا افترق الْمجْلس خرج الشَّيْخ عبد الْوَاحِد من بَاب الشماعين أحد أَبْوَاب الْمَسْجِد الْمَذْكُور فثار بِهِ اللُّصُوص وَأَرَادُوا حمله فَأخذ بِإِحْدَى عضادتي الْبَاب فَضرب أحدهم يَده فقطعها وأجهز عَلَيْهِ الْبَاقُونَ فَقَتَلُوهُ بِبَاب الْمَسْجِد الْمَذْكُور فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة
قَالَ الشَّيْخ المنجور فِي فهرسته واشتهر عَن الْفَقِيه الصَّالح أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَدْعُو بِأبي شامة أَنه رأى الشَّيْخ عبد الْوَاحِد فِي الْمَنَام بعد مَقْتَله فَسَأَلَهُ عَن حَاله فَأَنْشَأَ يَقُول
(لقد عمني رضوَان رَبِّي وفضله
…
وَلم أر إِلَّا الْخَيْر فِي وَحْشَة الْقَبْر)
(وَإِنِّي أسأَل الْإِلَه بفضله
…
ليحفظني يَوْم الْخُرُوج إِلَى الْحَشْر)
(وَمَا بعد ذَاك من أُمُور عسيرة
…
كنشر الْكتاب والمرور على الجسر)