الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَقد كَانَ أَمر الْمُؤمنِينَ وملكهم
…
إِلَى وصيتي فِي الْبِلَاد شهير)
(فها أَنا ذَا قد صرت ملقى بحفرة
…
وَلم يغن عني قَائِد ووزير)
(تزودت حسن الظَّن بِاللَّه راحمي
…
وزادي بِحسن الظَّن فِيهِ كثير)
(وَمن كَانَ مثلي عَالما بحنانه
…
فَهُوَ بنيل الْعَفو مِنْهُ جدير)
(وَقد جَاءَ إِن الله قَالَ ترحما
…
إِلَى مَا يظنّ العَبْد بِي سيصير)
وَحكى أَنا ابْنه أَبَا عبد الله الْمَعْرُوف بالمسلوخ لما قَرَأَ هَذِه الأبيات عاقب ناظمها وَقَالَ لَهُ إِن فِي قَوْلك ملقى بحفرة دسيسة وتلويحا إِلَى الحَدِيث (الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار) فَهَلا قلت ببلقع أَو نَحوه
بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه وَسيرَته
كَانَ السُّلْطَان أَبُو مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه ذَا سياسة وخبرة بأحوال الْملك وتأن فِي الْأُمُور وَلما ولي الْخلَافَة ألان الْجَانِب وخفض الْجنَاح وَسَار بسيرة حَسَنَة حَتَّى صلحت الرّعية وازدانت الدُّنْيَا وانتعش النَّاس حَتَّى كَانَ يُقَال ثَلَاث عينات هم عُيُون الزَّمَان السُّلْطَان الْمولي عبد الله وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن حُسَيْن المغاري وَالشَّيْخ أَبُو السرُور عياد السُّوسِي
قَالَ اليفرني وَرَأَيْت من جملَة سُؤال كتب بِهِ الْفَقِيه الصَّالح خطيب الْجَامِع الْأَعْظَم بتارودانت أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن التلمساني إِلَى قَاضِي الْجَمَاعَة أبي مهْدي عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السكتاني يَقُول فِيهِ وَلَا شكّ أَن مولَايَ عبد الله مجمع على عَدَالَته وبيعته وَقد أَخْبرنِي الثِّقَة من أَصْحَاب الشَّيْخ الْجَامِع أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي أَنه قَالَ مولَايَ عبد الله ياقوتة الْأَشْرَاف هُوَ صَالح لَا سُلْطَان وَقد اشْتهر بَين الْأَنَام وعَلى أَلْسِنَة الْخَاص وَالْعَام أَن السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه كَانَ عدلا صَالحا وَوَقع فِي الرسَالَة
الَّتِي كتب بهَا ابْن أَخِيه السُّلْطَان أَبُو الْمَعَالِي زَيْدَانَ بن مَنْصُور إِلَى الْفَقِيه أبي زَكَرِيَّاء يحيى بن عبد الله بن سعيد بن عبد الْمُنعم الحاحي مَا ظَاهره يُخَالف ذَلِك وَيُؤذن بِأَنَّهُ كَانَ كَغَيْرِهِ من الْمُلُوك وَنَصّ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ من تِلْكَ الرسَالَة مُخَاطبا للفقيه الْمَذْكُور يَقُول وَقد تحققت وَعلمت أَن ولَايَة أَحْمد بن مُوسَى السملالي كَادَت تكون قَطْعِيَّة واشتهر أمره عِنْد الْخَاص وَالْعَام حَتَّى أطبق أهل الْمغرب على ولَايَته وَقد كَانَ على عهد مَوْلَانَا عبد الله برد الله ضريحه وَكَانَ الْمولى الْمَذْكُور على مَا كَانَ عَلَيْهِ واشتهر عَنهُ وَمَا برح الشَّيْخ الْمَذْكُور يَدْعُو لَهُ ولدولته بِالْبَقَاءِ وَيظْهر حبه وَكَانَ الْمولى الْمَذْكُور يعْزل ويولي وَيقتل وَكَانَ شرد مِنْهُ إِلَى زاويته المرابط الأندلسي وَولد آصناك وأمثالهم وَكَانَ الشَّيْخ يقدم للشفاعة فَيشفع وَلَا يتعقب وَلَا يبْحَث عَمَّا وَرَاء ذَلِك بَاقٍ على عَهده ومودته وَكَانَ الْمولى الْمَذْكُور بعث لِابْنِ حُسَيْن بسد دَاره فَمَا فتحهَا حَتَّى أمره وَلَا استعظم أحد ذَلِك وَلَا أَكثر فِيهِ وَلَا جعله سَببا لفتح الْفِتْنَة وَكَانَ قواد الْمَذْكُور مثل وزيره ابْن شقراء وَبعد الْكَرِيم بن الشَّيْخ وَعبد الْكَرِيم بن مُؤمن العلج والهبطي والزرهوني وَعبد الصَّادِق بن مُلُوك وَغَيرهم مِمَّن لَا يحضرني ذكرهم لبعد عصرهم قد انغمسوا فِي شرب الْخُمُور واتخاذ القيان وَبسط الْحَرِير وَغير ذَلِك من آلَات الْفضة وَالذَّهَب وَكَانَ فِي عصره أَحْمد بن مُوسَى الْمَذْكُور وَابْن حُسَيْن والشرقي وَأَبُو عَمْرو القسطلي وَأَبُو مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التامنارتي والشيظمي وَغير هَؤُلَاءِ من الْمَشَايِخ وَأهل الدّين الَّذين لَا يسع من يَدعِي هَذِه الطَّرِيقَة التَّقَدُّم عَلَيْهِم وَلَا اكْتِسَاب الْفَضِيلَة دونهم فَأحْسنُوا السِّيرَة وَلَا تعرضوا للسلطنة وَلَا سمع مِنْهُم مَا يقْدَح فِي وُلَاة الْأَمر وقادة الأجناد مِمَّن ذكر الَّذين كَانَ الْملك يَدُور عَلَيْهِم وَيرجع إِلَيْهِم فِي تَدْبيره اه الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ من الرسَالَة الْمَذْكُورَة
قَالَ اليفرني وَمثل هَذَا مَا ذكر بَعضهم أَن السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه أعْطى حجر باديس للطاغية لتنقطع بذلك مَادَّة التّرْك عَنهُ وَمثله مَا ذكر عَنهُ أَيْضا أَن قائده ابْن تودة أَخذ بعض أسوار الجديدة وعزم على فتحهَا من الْغَد فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان الْمَذْكُور ينهاه عَن ذَلِك وَنَظِيره أَيْضا قَضيته مَعَ أهل غرناطة
وَأطَال فِيهَا هَذَا الْبَعْض الْمَنْقُول عَنهُ بِمَا استنكفت من ذكره هُنَا قَالَ وَهَذِه أُمُور شنيعة إِن صَحَّ أَنه فعلهَا وَلست أَدخل فِي عهدتها لِأَنِّي إِنَّمَا رَأَيْتهَا فِي أوراق مَجْهُولَة الْمُؤلف اشْتَمَلت على ذمّ هَذِه الدولة السعدية وظني أَنَّهَا من وضع بعض أعدائهم لحطة من قدرهم وإخراجه إيَّاهُم من النّسَب الشريف وَوَصفه دولتهم بالدولة الخبيثة فَلِذَا تجنبت مِنْهُم كثيرا من الْأَخْبَار الَّتِي لَا تظن بأولئك السَّادة رحمهم الله فقد قَالَ الشَّيْخ تَاج الدّين السُّبْكِيّ رحمه الله فِي طبقاته إِن المؤرخين على شفا جرف هار لأَنهم يتسلطون على أَعْرَاض النَّاس وَرُبمَا وضعُوا من النَّاس تعصبا أَو جهلا أَو اعْتِمَادًا على نقل من لَا يوثق بِهِ قَالَ فعلى المؤرخ أَن يَتَّقِي الله تَعَالَى اه إِلَّا أَن الْمُلُوك لَا يستغرب فِي حَقهم أَن يهدموا أساس الشَّرِيعَة ليبنوا منار رياستهم ويستهونوا عظائم الْأُمُور لتطيعهم الرّعية سَاعَة كَيفَ لَا وشراع أفئدتهم تلعب بِهِ ريَاح الشَّهَوَات فتلقي سفينة قُلُوبهم على سَاحل بَحر الْقنُوط من رَحْمَة الله تَعَالَى وَالله يسامح الْجَمِيع ويتجاوز عَن كَافَّة عصاة هَذِه الْأمة بمنه وفضله اه كَلَام اليفرني رحمه الله
وَمن وزراء السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه ابْن أَخِيه الْأَمِير الْأَجَل الأديب الأحفل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الشَّيْخ كَانَ من أنبل الوزراء وألطفهم مسلكا وأخفهم روحا وَله عارضة فِي النّظم والنثر
ذكر الأديب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد الفاسي فِي كِتَابه الْأَعْلَام بِمن مضى وغبر من أهل الْقرن الْحَادِي عشر مَا صورته قدم الْوَزير أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر السَّعْدِيّ من مراكش إِلَى فاس وَمَعَهُ الْفَقِيه قَاضِي الْجَمَاعَة أَبُو مَالك عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْحميدِي والفقيه الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد المنجوز فَلَمَّا تبدت لَهُم معالم فاس الْجَدِيد وتلظى للشوق فِي جوانحهم أوار
(وأبرح مَا يكون الشوق يَوْمًا
…
إِذا دنت الديار من الديار)
وَأنْشد الْوَزير الْمَذْكُور لنَفسِهِ ارتجالا
(أخلائي هَذَا المستقى وربوعه
…
وهذي نواعير الْبِلَاد تنوح)
(وَذَاكَ الْمصلى مطرح الشوق والأسى
…
وَتلك منَازِل الديار تلوح)
فَقَالَ القَاضِي الْحميدِي ارتجالا
(وَتلك القباب الْخضر شبه زبرجد
…
بِهن غوان طرفهن جموح)
(يمسن كأملود من الرَّوْض يَانِع
…
شذاهن من حول الديار يفوح)
فَقَالَ الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس المنجور ارتجالا أَيْضا
(ويرفلن فِي الحلات يختلن فِي الحلى
…
وفيهن أَنْوَاع الْجمال وضوح)
(يبادرن ترقيع الكوى بمحاجر
…
لإقبال حب طَال مِنْهُ نزوح)
وَلما بلغت الأبيات إِلَى الْأُسْتَاذ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الزموري قَالَ مذيلا
(تَأمل سنا الْحَسْنَاء تَحت قبابها
…
كشمس غَدَتْ تَحت السَّحَاب تلوح)
(تحلت ربوع المستقي بجمالها
…
وَأَنت إِلَى تِلْكَ القباب تروح)
وَبَعْضهمْ جعل الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين للْمولى الأديب أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الشريف السجلماسي وَكَانَ كَاتبا للوزير الْمَذْكُور وَيجْعَل مَوضِع أخلائي أمولاي والبيتين بعدهمَا للوزير وَالله تَعَالَى أعلم والمستقى بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول اسْم بُسْتَان مَعْرُوف
وَنَظِير هَذَا مَا ذكره الأديب الْمَذْكُور فِي أَعْلَامه الْمَذْكُور قَالَ كَانَ الْوَزير الْمَذْكُور مَعَ كَاتبه الْمولى عبد الْوَاحِد الشريف فِي بعض الْأَسْفَار وَأرْسلت السَّمَاء بغيثها المدرار فَقَالَ الْوَزير الْمَذْكُور
(لله أَشْكُو غَدَاة السفح إِذْ ركضت
…
أَيدي المطايا وحادي الرّيح يحدونا)
فَأَجَابَهُ الْكَاتِب الْمَذْكُور
(والغيم فِي الْأُفق قد أرْخى ذوائبه
…
بأسهم الودق لَا يَنْفَكّ يرمينا)
فَقَالَ الْوَزير
(حَتَّى اسْتَوَى المَاء والآكام واستترت
…
معالم الرشد لَا خريت يهدينا)
(فطلت الْخَيل فِي الأمواج سابحة
…
سبح السلاحف نَحْو الدَّار يهوينا)
فَقَالَ الْكَاتِب
(وَالنَّفس فِي قلق لبين مألفها
…
والشوق يَحْدُو بِنَا وَالْحَال يقصينا)