الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه ابْن مُحَمَّد الشَّيْخ وأولية أمره ومآله
كَانَ أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن أبي عبد الله الشَّيْخ السَّعْدِيّ وَأَخُوهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْمَدْعُو بعد بالمنصور مقيمين بسجلماسة سَائِر أَيَّام أَبِيهِمَا فَلَمَّا توفّي وَولي الْأَمر بعده ابْنه الْغَالِب بِاللَّه فر عبد الْملك وَأحمد إِلَى تلمسان خوفًا على أَنفسهمَا مِنْهُ فأقاما عِنْد صَاحبهَا حسن بن خير الدّين مُدَّة وَلحق بهما أخوهما عبد الْمُؤمن فَصَارَ ثَالِثَة الأثافي ثمَّ انتقلوا بعد ذَلِك إِلَى الجزائر وَمِنْهَا ركب عبد الْملك الْبَحْر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة متطارحا على صَاحبهَا السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان العثماني رحمه الله فأمده بالجند حَتَّى ملك الْمغرب كَمَا سَيَأْتِي
ولنذكر هُنَا كَيْفيَّة اسْتِيلَاء العساكر العثمانية على تونس وانقراض أَمر الحفصيين مِنْهَا ثمَّ نرْجِع إِلَى بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي مَرْوَان المعتصم بِاللَّه لِأَنَّهَا تنبني على ذَلِك فَنَقُول اعْلَم أَن أَمر بني أبي حَفْص أَصْحَاب تونس كَانَ قد مرج فِي هَذِه الْمدَّة وتداعى إِلَى الاختلال وَكَانَ خير الدّين باشا التركي الْمُقدم ذكره فِي أَخْبَار تلمسان قد استولى على تونس فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَغلب عَلَيْهَا صَاحبهَا الْحسن بن مُحَمَّد الحفصي ففر الْحسن الْمَذْكُور إِلَى طاغية الإصبنيول صَاحب قشتالة فَأعْطَاهُ العساكر وَجَاء بهَا إِلَى تونس فَنزل عَسْكَر النَّصَارَى ببرج الْعُيُون قرب حلق الْوَادي وتقدموا إِلَى تونس فملكوها وَانْهَزَمَ خير الدّين إِلَى الجزائر وشارك النَّصَارَى الْحسن بن مُحَمَّد فِي إمرة تونس واستباحوا أَهلهَا قتلا وأسرا ونهبا يُقَال إِنَّهُم قتلوا من أهل تونس الثُّلُث وأسروا الثُّلُث وأبقوا الثُّلُث وكل ثلث سِتُّونَ ألفا هَكَذَا عِنْد صَاحب الْخُلَاصَة النقية ثمَّ ملكوا الْموضع الْمُسَمّى بحلق الْوَادي وَلَيْسَ هُنَاكَ وَاد عذب وَإِنَّمَا هُوَ جون دخل من الْبَحْر فِي الْبر وَعَلِيهِ مرسى تونس ثمَّ بنى النَّصَارَى فِي الْحلق الْمَذْكُور حصنا عاديا أَقَامُوا فِي بنائِهِ نَحْو ثَلَاث وَأَرْبَعين سنة بِحَيْثُ عجز التّرْك عَن هَدمه لما ملكوه بعد
ثمَّ ثار على الْحسن ابْنه أَحْمد الْمَدْعُو حميدة وَملك الحضرة مُدَّة وَقَاتل نَصَارَى حلق الْوَادي فامتنعوا عَلَيْهِ ثمَّ غزاه عَليّ باشا صَاحب الجزائر وَاسْتولى على تونس سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وطرد أَحْمد عَنْهَا فَذهب أَحْمد إِلَى طاغية قشتالة مستغيثا بِهِ شَأْن أَبِيه من قبله هَذَا كُله ونصارى الْحلق لَا زَالُوا متمكنين مِنْهُ أَي تَمْكِين فأمد الطاغية أَحْمد الْمَذْكُور بأسطول عَظِيم وَاشْترط عَلَيْهِ أَدَاء مَال فَالْتَزمهُ
وَلما وصل الأسطول إِلَى ظَاهر تونس اطلع قائده السُّلْطَان أَحْمد على كتاب من الطاغية مضمنه الْمُشَاركَة فِي الحكم فَأنْكر أَحْمد ذَلِك وأنف مِنْهُ وَذهب إِلَى صقلية فَبَقيَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَحمل إِلَى تونس وَكَانَ هُنَالك أَخُوهُ مُحَمَّد بن الْحسن فَرضِي بالمقاسمة وَدخل بالنصارى إِلَى تونس فاستولى عَلَيْهَا وَملك قصبتها وجالسه شَرِيكه النَّصْرَانِي بهَا وانتهبت الْمَدِينَة وأهين الدّين وَعم الخراب وتكدر المشرب وتفرق الْجمع وارتبطت خيل العدا بالجامع الْأَعْظَم وألقيت مَا فِيهِ من نفائس الْكتب بالطرق ونبش قبر الشَّيْخ أبي مَحْفُوظ مُحرز بن خلف فَلم يُوجد فِيهِ إِلَّا الرمل حماية من الله لَهُ وحاشا أَن تعدو الأَرْض على جَسَد مثله وَأرْسل مُحَمَّد بن الْحسن إِلَى النَّاس بالأمان واستمالهم النَّصْرَانِي بعد بكاذب الرِّفْق فأقاموا بدار مذلة وهوان
واتصل ذَلِك كُله بالسلطان سليم بن سُلَيْمَان العثماني فأعظمه وجهز الْعِمَارَة للحين مَعَ الْوَزير سِنَان باشا يُقَال كَانَت أَرْبَعمِائَة وَخمسين قِطْعَة فَخرج بهَا الْوَزير الْمَذْكُور من الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَهِي إصطنبول غرَّة ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ووصلوا إِلَى حلق الْوَادي فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين مِنْهُ وَكَانَ حيدر باشا صَاحب القيروان ومصطفى باشا صَاحب طرابلس محاصرين لتونس قبل ذَلِك حَتَّى فتر عزمهم فَلَمَّا قدم عَلَيْهِم سِنَان باشا قويت نُفُوسهم واعصوصبوا عَلَيْهِ وتقدموا إِلَى الْحصن الَّذِي بحلق الْوَادي فحاصروه حَتَّى اقتحموه عنْوَة سادس جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة واستلحموا من بِهِ وغنموا مَا فِيهِ والتجأ مُحَمَّد بن الْحسن الحفصي وأنصاره من النَّصَارَى إِلَى البستيون وَهُوَ حصن آخر كَانُوا قد بنوه خَارج بَاب تونس فَحَاصَرَهُمْ سِنَان باشا بِهِ حَتَّى اقتحمه