الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفادة السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه على الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي رضي الله عنه
حكى صَاحب الممتع أَن السُّلْطَان أَبَا مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه قَالَ للأستاذ أبي عبد الله الترغي إِنِّي أجد فِي نَفسِي إِرَادَة وطلبا للشَّيْخ فَامْضِ فاطلب لي شَيخا فَذهب يطوف على مَشَايِخ الْمغرب وَكَانُوا إِذْ ذَاك متوافرين حَتَّى أَتَى على الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى الْجُزُولِيّ ثمَّ السملالي فَوَجَدَهُ شَيخا جَلِيلًا سنيا متواضعا زاهدا ظَاهر الْوَرع حسن الْأَخْلَاق باهر الكرامات وَاضح الطَّرِيقَة جَامعا لمحاسن الْخلال والأوصاف فَرجع إِلَيْهِ وَجعل يصف لَهُ كل من رأى من الْمَشَايِخ بِمَا ظهر لَهُ فِيهِ حَتَّى أَتَى على الشَّيْخ الْمَذْكُور فَقَالَ وَهُوَ ولي ثمَّ ولي ثمَّ ولي ثمَّ ولي سبعا فَقَالَ لَهُ كَأَنَّك تدلني عَلَيْهِ وَأَنه مطلوبي وَأَنه الْمُقدم على غَيره فَقَالَ لَهُ لَا أدلك عَلَيْهِ وَلَا عِنْدِي مَا أعرفهُ بِهِ تَقْدِيمه غير أَن هَذَا الَّذِي ظهر لي فأزمع السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه الرحلة إِلَيْهِ فَلَمَّا بلغ الشَّيْخ الْمَذْكُور مَجِيء السُّلْطَان إِلَيْهِ خرج يتلقاه وَقد هيأ لَهُ النزل وَمَا يصلحه وَأعد لَهُ مَا يُنَاسِبه من الْأَطْعِمَة الرفيعة النفيسة وَقدم إِلَيْهِ الثَّمر الْجيد وَاللَّبن الحليب وَلما خرج للقائه أَتَاهُ بَعضهم بفرس وَكَانَ من عَادَته أَن لَا يركب وَإِذا أَتَاهُ أحد بمركوب لَا يردهُ عَلَيْهِ بل يستصحبه مَعَه ويعلفه لَهُ حَتَّى يرجع فَفعل ذَلِك وَلَقي السُّلْطَان وَرجع بِهِ مَعَه وأنزله عِنْده فَمَكثَ فِي ضيافته ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ طلب مِنْهُ أَن يَتَّخِذهُ وَسِيلَة إِلَى الله تَعَالَى وَسَأَلَهُ مَعَ ذَلِك تمهيد الْملك وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الْعَيْش بِدُونِهِ وَلَا يَأْمَن على نَفسه وَلَا تؤويه أَرض إِذا هُوَ تخلى عَنهُ فَقَالَ الشَّيْخ يَا عرب يَا بربر يَا سهل يَا جبل أطِيعُوا السُّلْطَان مولَايَ عبد الله وَلَا تختلفوا عَلَيْهِ ثمَّ بعد الثَّلَاث انْصَرف السُّلْطَان إِلَى مَحَله فَبَقيَ مُدَّة وَهُوَ مسكن ممهد الْملك فِي عَافِيَة
ثمَّ أَتَى التّرْك إِلَى بوغاز طنجة وسبتة فخافهم وتشوش مِنْهُم كثيرا وَلم يهنأ لَهُ عَيْش فَجعلت حَاشِيَته يهونون عَلَيْهِ أَمرهم فَقَالَ دَعونِي مِنْكُم حَتَّى أستقي من رَأس الْعين ثمَّ أبرد بريدا إِلَى الشَّيْخ فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ سَمعه يَقُول يَا ترك ارْجعُوا إِلَى بِلَادكُمْ وَيَا مولَايَ عبد الله هُنَاكَ الله فِي بلادك بالعافية فَتقدم الرَّسُول وَسلم على الشَّيْخ وبلغه سَلام السُّلْطَان ثمَّ انْقَلب من فوره بعد مَا ورخ وَقت سَماع مقَالَته فَلَمَّا بلغ إِلَى السُّلْطَان أخبرهُ بِمَا كَانَ من الشَّيْخ من تِلْكَ الْمقَالة وَمَا كَانَ مِنْهُ من التَّارِيخ وَأَقَامُوا ينتظرون مَا يكون فَإِذا الْخَبَر قد ورد على السُّلْطَان بِأَن التّرْك قد ارتحلوا وَانْصَرفُوا إِلَى بِلَادهمْ وَإِذا ارتحالهم كَانَ وَقت مقَالَة الشَّيْخ الْمَذْكُورَة
ثمَّ إِن الشَّيْخ قدم مراكش فِي بعض الْأَيَّام زَائِرًا من كَانَ بهَا من أهل الله تَعَالَى فَرغب إِلَيْهِ السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه أَن يدْخل دَاره هُوَ وَأَصْحَابه ويصنع لَهما طَعَاما وَشرط على نَفسه أَن لَا يُطعمهُمْ إِلَّا الْحَلَال وَلَا يُطعمهُمْ مَا فِيهِ شُبْهَة وَحلف للشَّيْخ على ذَلِك فأسعفه وَلما حضر الطَّعَام وضع الشَّيْخ يَده عَلَيْهِ وَلم يصب مِنْهُ فَلَمَّا خرج قيل لَهُ مَالك لَا تتَنَاوَل من طَعَام السُّلْطَان وَقد حلف أَن لَا يطعمكم إِلَّا الْحَلَال فَقَالَ لَهُ من أكل طَعَام السُّلْطَان وَهُوَ حَلَال أظلم قلبه أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمن أكله وَفِيه شُبْهَة مَاتَ قلبه أَرْبَعِينَ سنة اه
وَمِمَّا ينخرط فِي هَذَا السلك أَن السُّلْطَان الْمَذْكُور كَانَ لَهُ اعْتِقَاد فِي الشَّيْخ أبي عَمْرو القسطلي وَكَانَ يعظمه غَايَة وَكَانَت عِنْده مظلة لَهُ من سعف النّخل يَتَّقِي بهَا الْحر تبركا بهَا وَلما توفّي الشَّيْخ أَبُو عَمْرو الْمَذْكُور وَذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة منتصف شَوَّال سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة حضر السُّلْطَان الْمَذْكُور جنَازَته وحثا التُّرَاب على قَبره بِيَدِهِ
وَمن أَخْبَار السُّلْطَان الْمَذْكُور أَن الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن حُسَيْن المغاري كَانَ ظهر بمراكش وَكَثُرت الجموع عَلَيْهِ وقصده النَّاس من كل جِهَة فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان الْمَذْكُور إِمَّا أَن تخرج عني أَو أخرج عَنْك فَقَالَ