الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت المرقوم على رخامة قبرها أَنَّهَا بنت جسرين بِلَفْظ التَّثْنِيَة وتزعم الْعَامَّة أَنَّهَا بنت الْمَسْجِد الْمَذْكُور كَفَّارَة لما انتهكته من حُرْمَة رَمَضَان وَذَلِكَ أَنَّهَا دخلت بستانا من بساتين قُصُورهَا وَهِي فِي حَال الوحم فرأت بِهِ خوخا ورمانا فتناولتهما وأكلت مِنْهُمَا فِي نَهَار رَمَضَان ثمَّ نَدِمت على مَا صدر مِنْهَا وَفعلت أفعالا كَثِيرَة من بَاب الْبر رَجَاء أَن يتَجَاوَز الله عَنْهَا وَمِنْهَا الْجَامِع الْمَذْكُور وَلَا زَالَ النِّسَاء وَالصبيان يسجعون بقضيتها إِلَى الْآن فَيَقُولُونَ عودة أكلت رَمَضَان بالخوخ وَالرُّمَّان فِي أسجاع غير هَذِه وَلَفظ عودة مخفف من مسعودة على طَريقَة البربر فِي مثل هَذَا وَالله تَعَالَى أعلم
بعث الْمَنْصُور ببيلة الرخام إِلَى جَامع الْقرَوِيين من فاس حرسها الله
قَالَ ابْن القَاضِي فِي الْمُنْتَقى الْمَقْصُور إِن الْمَنْصُور رحمه الله بعث الخصة الْعَظِيمَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة إِلَى جَامع الْقرَوِيين من فاس مَعَ كرْسِي من المرمر تُوضَع عَلَيْهِ وزنهما مَعًا مائَة قِنْطَار قَالَ وَهِي الخصة الَّتِي تَحت منار الْجَامِع الْمَذْكُور وَقَالَ ابْن القَاضِي الْمَذْكُور فِيهَا نقش برقبتها
(إِمَام دَار الْهدى الْمَنْصُور شيدني
…
بَحر المكارم من أَبنَاء عدنان)
(حزت المفاخر بالمنصور أجمعها
…
وَمن علاهُ سَنَام الْمجد أرساني)
(من جَاءَ يشكو الظما يَوْمًا وقبلني
…
أغناه مَا قد همى من صوب أجفاني)
(لَا تنكرن وجود الدمع من فَرح
…
فالعين تَدْمَع من أفراط سلوان)
(واشرب هَنِيئًا من السلسال لَا حرج
…
معِين دمع جرى من فيض خلجاني)
(فَخر السلاطين من أَبنَاء فَاطِمَة
…
أشاع صيتي إِلَى أَطْرَاف عمان)
(وَقد جرت مقلتي تحكي سحائبها
…
كف الْخَلِيفَة من أَبنَاء زَيْدَانَ)
(لَا زَالَ للدّين وَالدُّنْيَا يسوسهما
…
مَا هيجت عَاشِقًا ورق بأفنان)
(إنشائي فِي زمن التَّارِيخ وَافقه
…
للدّين وَالْأَجْر بَحر الْجُود سواني)
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا سَافر الْمَنْصُور إِلَى فاس وبينما هُوَ فِي الطَّرِيق وافته الْبُشْرَى بِالْفَتْكِ بنصارى سبتة وَأَن زعيم الفئة الجهادية وَهُوَ الْمُقدم أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد النقسيس التطواني كمن لَهُم مَعَ جمَاعَة من الفرسان فِي مَوضِع فَخرج النَّصَارَى بأولادهم وحشمهم فحال النقسيس بَينهم وَبَين سبتة وأوقع بهم وَكَاد يفتحها وسر الْمَنْصُور بِهَذَا الْخَبَر وأنشده فِي ذَلِك الْكَاتِب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الفشتالي بَيْتَيْنِ زجر لَهُ مِنْهُمَا الفال باستيلائه عَلَيْهَا وهما
(هَذِه سبتة تزف عروسا
…
نَحْو ناديك فِي شباب قشيب)
(وَهِي بشرى وَأَنت كفؤ اللواتي
…
كافأت بَعْلهَا بِفَتْح قريب)
وَفِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فِي الْيَوْم الثَّانِي من ذِي الْقعدَة مِنْهَا أخلى النَّصَارَى مَدِينَة آصيلا حملهمْ الْخَوْف من كَتِيبَة الْمُسلمين المرابطة هُنَالك على الْفِرَار بِأَنْفسِهِم فتركوها يبابا وذهبوا وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الْعَبَّاس ابْن القَاضِي
(يَا أَيهَا الْمَنْصُور أبشر بالعلا
…
فَالله أبلغ فِي العدا المأمولا)
(أنضاكم سَيْفا لحتف عداته
…
وبكم غَدا سيف الردى مفلولا)
(وهزمتم الشّرك المتين بعزمكم
…
من غير سيف لم يرى مسلولا)
(وأذيتم كيد الْخَبيث بهمة
…
وفتحتم دَار العدا آصيلا)
(أكْرم بِهِ من مَالك بل صَالح
…
أضحى لبارود العداة خَلِيلًا)
(لَا زَالَ فِي أنف الْهدى شمما وَفِي
…
عين الْعَلَاء يشاكل التكحيلا)
وَأَشَارَ بقوله لبارود العداة خَلِيلًا إِلَى مَا صنعه النَّصَارَى دمرهم الله حِين أَرَادوا الْخُرُوج من آصيلا فَإِنَّهُم حفروا تَحت قصبتها وملؤوا الحفرة بالبارود وأوقدوا فتيلا تبلغه ناره عِنْد دُخُول الْمُسلمين فيهلكون ففر نَصْرَانِيّ مِنْهُم وَأخْبر الْمُسلمين بذلك فنجاهم الله تَعَالَى من مكيدة الوبال وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَقَالَ فِي ذَلِك أَيْضا الْكَاتِب البارع أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز الفشتالي شعرًا ذكره صَاحب نشر المثاني فَانْظُرْهُ
وَكَانَ فِي زمن الْمَنْصُور رجال من بيوتات الْمغرب معروفون بالشجاعة
والنجدة فِي قتال الْعَدو وَمِنْهُم أَوْلَاد النقسيس التطوانيون وَمِنْهُم أَوْلَاد أبي الليف من أهل بِلَاد الهبط قَالَ فِي الْمرْآة لما كَانَ الْمُقدم الْمُجَاهِد الشَّهِيد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن أَبُو الليف من الشهامة والصرامة على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمن شدَّة نكايته فِي الْعَدو الْكَافِر الطنجي وَبعد أَثَره فيهم جرت أُمُور بَينه وَبَين صَاحب عمل الْقصر فسعى بِهِ إِلَى الْمَنْصُور فَأمر برحيله إِلَى فاس هُوَ وعشيرته مغربين عَن وطنهم كَأَنَّهُمْ فِي سجن فأقاموا بفاس مُدَّة لَا أَدْرِي هَل هِيَ سنة أم أَكثر إِلَّا أَنِّي كنت أرَاهُ عِنْد الشَّيْخ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَأَنا إِذْ ذَاك صَغِير وَيَعْنِي بالشيخ وَالِده أَبَا المحاسن رحمه الله قَالَ فضاقت عَلَيْهِم أنفسهم من الاغتراب فَقَالَ يَوْمًا الْمُقدم عمر لِأَخِيهِ كبيره الْمُقدم مُحَمَّد لَو زرنا الشَّيْخ الْيَوْم وتبركنا بِهِ لَعَلَّ الله يفرج عَنَّا فَإِن النَّاس كثيرا مَا يقصدونه فِي الْمُهِمَّات فَقَالَ لَهُ لَا أتحرك فقد غلب الْيَأْس فَسَار الْمُقدم عمر وَحده فَلَمَّا وصل إِلَى الشَّيْخ قَالَ لَهُ قنطتم قَالَ نعم يَا سَيِّدي فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ غَدا يخلي سبيلكم إِن شَاءَ الله فَرجع إِلَى أَخِيه وَأخْبرهُ فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعث إِلَيْهِم القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد الْحميدِي فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالَ لَهُم أَبْشِرُوا بالسراح وَالرُّجُوع إِلَى الوطن إِن شَاءَ الله فَإِنَّهُ قد قرئَ الْآن بَين يَدي السُّلْطَان بعض الْغَزَوَات الَّتِي ذكرهَا ابْن النّحاس وغناء أبطال الْمُسلمين فِيهَا فَقَالَ السُّلْطَان أَو غَيره ترى هَل بَقِي فِي هَذَا الزَّمَان من يماثلهم فَقَالُوا قد بَقِي من يفعل فعلهم وَهَا هم أَوْلَاد أبي الليف المغربون هُنَا يَفْعَلُونَ مثل ذَلِك فَقَالَ السُّلْطَان سرحوهم إِلَى بِلَادهمْ ليحموا ثغورهم ويجاهدوا فِي سَبِيل الله فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ وفعلوا الأفاعيل فِي عَدو الدّين إِلَى أَن اسْتشْهد الْمُقدم مُحَمَّد فِي ربيع الثَّانِي سنة اثْنَتَيْنِ وَألف اه