الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَبَعض سيرته
كَانَ الْمَنْصُور رحمه الله حسن السياسة حازما يقظا مشاورا فِي مهمات الْأُمُور وَكَانَ قد اتخذ يَوْم الْأَرْبَعَاء للمشورة وَسَماهُ يَوْم الدِّيوَان تَجْتَمِع فِيهِ وُجُوه الدولة ويتطارحون فِيهِ وُجُوه الرَّأْي فِيمَا يَنُوب من جلائل الْأُمُور وعظيم النَّوَازِل وهنالك يظْهر شكايته من لم يجد سَبِيلا للوصول إِلَى السُّلْطَان قَالُوا وَمن حزمه انه كَانَ متطلعا لأخبار النواحي بحاثا عَنْهَا غير متراخ فِي قِرَاءَة مَا يرد عَلَيْهِ من رسائل عماله وَلَا يبطئ بِالْجَوَابِ وَيَقُول كل شَيْء يقبل التَّأْخِير إِلَّا مجاوبة الْعمَّال عَن رسائلهم وَكَانَ الْكتاب لَا يفارقون مراكزهم إِلَّا فِي أَوْقَات مَخْصُوصَة
قَالَ الفشتالي وَلَقَد كُنَّا بِالْبَابِ يَوْمًا يَعْنِي معشر الْكتاب قبل أَن يخرج الْمَنْصُور فورد النذير على الْكَاتِب أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ الفشتالي بِأَن ولدا لَهُ فِي النزع فَلم يملك نَفسه أَن ذهب إِلَى دَاره فَخرج الْمَنْصُور على أَثَره فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل إِنَّه ذهب إِلَى دَاره فاستشاط غَضبا وَبعث إِلَيْهِ فجيء بِهِ مزعجا وَمَا شككنا فِي عُقُوبَته فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ مَا الَّذِي ذهب بك فَذكر لَهُ أَمر وَلَده وَأَنه اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض وَلم ينجع فِيهِ دَوَاء طَبِيب فرق لَهُ وَقَالَ إِن أمراض الصّبيان قَلما ينجع فِيهَا إِلَّا طب الْعَجَائِز وَلَا كعجائز دَارنَا فَابْعَثْ من يسألهن
وَمن حزمه أَنه اخترع أشكالا من الْخط على عدد حُرُوف المعجم وَكَانَ يكْتب بهَا فِيمَا يُرِيد أَن لَا يطلع عَلَيْهِ أحد يمزج فِيهَا الْخط الْمُتَعَارف فَيصير الْكتاب مغلقا فَإِذا سقط وَوَقع فِي يَد عَدو أَو غَيره لَا يدْرِي مَا فِيهِ وَلَا يعرف معنى مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ فَكَانَ إِذا جهز أحد أَوْلَاده نَاوَلَهُ خطا من تِلْكَ الخطوط يفك بهَا رسائله إِلَيْهِ وَيكْتب عنوانه كَذَلِك
وَمن ضَبطه أَنه تعلم الْخط المشرقي فَكَانَ يُكَاتب بِهِ عُلَمَاء الْمشرق كِتَابَة كأحسن مَا يُوجد فِي خطّ المشارقة وَمِمَّا وَقع لَهُ فِي ذَلِك أَنه بعث بطاقة
بِخَط يَده على طَريقَة أهل الْمشرق لكَاتبه أبي عبد الله بن عِيسَى يَسْتَدْعِي مِنْهُ كتابا فَبَعثه ابْن عِيسَى إِلَيْهِ وَبعث مَعَه بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ
(سقتني كؤس السرُور دهاقا
…
خطوط أَتَتْنِي فِي مهرق)
(رَأَتْ كف أَحْمد فِي الغرب بحرا
…
فَجَاءَت إِلَيْهِ من الْمشرق)
وَكَانَ الْمَنْصُور على مَا هُوَ عَلَيْهِ من ضخامة الْملك وسعة الْخراج يوظف على الرّعية أَمْوَالًا طائلة يلْزمهُم بأدائها وَزَاد الْأَمر على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي عهد أَبِيه حَسْبَمَا مر وَكَانَت الرّعية تَشْتَكِي ذَلِك مِنْهُ ونالها إجحاف مِنْهُ وَمن عماله وَكَانَ غير مُتَوَقف فِي الدِّمَاء وَلَا هياب للوقيعة فِيهَا قَالَ اليفرني وتتبع مَا وَقع فِي ذَلِك يُنَاقض الْمَقْصُود من الإغضاء عَن العورات والستر على الفضائح وَقد ألمعنا لَك بِمَا يكون دَالا على مَا وَرَاءه وَذكر أَن بعض عُمَّال الْمَنْصُور عدا على امْرَأَة من دكالة فَأخذ مِنْهَا أَمْوَالًا فَقدمت الْمَرْأَة على الْمَنْصُور بمراكش تَشْكُو لَهُ مَا نالها من عَامله فَلم يشكها وَلَا كشف ظلامتها فَخرجت إِلَى أَوْلَادهَا بِالْبَابِ وَقَالَت لَهُم انصرفوا فَإِنِّي كنت أَظن أَن رَأس الْعين صَافِيَة فَإِذا بهَا مكدرة فَلِذَا تكدرت مصارفها
ويحكى أَن الْفَقِيه القَاضِي أَبَا مَالك عبد الْوَاحِد الْحميدِي قد سَافر فِي جمع من فُقَهَاء فاس وأعيانها إِلَى مراكش بِقصد الْعِيد مَعَ الْمَنْصُور كَمَا هِيَ الْعَادة فَمروا فِي طريقهم على جمَاعَة رجال وَنسَاء قد سلكوا فِي سلسلة وَاحِدَة وَفِيهِمْ امْرَأَة أَخذهَا الطلق وَهِي فِي كرب الْمَخَاض فَرَأَوْا من ذَلِك مَا أَهَمَّهُمْ وأحزنهم فَبَقيَ ذَلِك فِي نفس القَاضِي فَلَمَّا جلس إِلَى الْمَنْصُور ذكره لَهُ وَأظْهر الشكاية مِنْهُ فَسكت الْمَنْصُور عَن جَوَابه وهجره على ذَلِك أَيَّامًا ثمَّ إِن القَاضِي تلطف فِي القَوْل وَأظْهر التَّوْبَة مِمَّا صدر مِنْهُ وعدها بادرة فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور لَوْلَا مَا رَأَيْت مَا أمكنك أَن تَجِيء مَعَ أَصْحَابك مسيرَة عشرَة أَيَّام فِي أَمن ودعة فَإِن أهل الْمغرب مجانين مارستانهم هِيَ السلَاسِل والأغلال
وَلَقَد وَفد القَاضِي الْمَذْكُور على الْمَنْصُور فِي بعض المواسم مَعَ الْفُقَهَاء فَلَمَّا انصرفوا من الحضرة جمعتهم الطَّرِيق بأرباب الموسيقى وَأَصْحَاب
الأغاني من أهل فاس وَقد كَانُوا وفدوا أَيْضا على الْمَنْصُور على سَبِيل الْعَادة فَأخْرج بَعضهم شَبابَة من الإبريز مرصعة أعطَاهُ إِيَّاهَا الْمَنْصُور وَبَعْضهمْ قَالَ أَعْطَانِي كَذَا وَقَالَ الآخر أجازني بِكَذَا مِمَّا لم يُعْط مثله للْقَاضِي وشيعته من الْفُقَهَاء فَقَالَ القَاضِي لَئِن بلغت فاسا لأردن أَوْلَادِي إِلَى صَنْعَة الموسيقى فَإِن صَنْعَة الْعلم كاسدة وَلَوْلَا أَن الموسيقى هِيَ الْعلم الْعَزِيز مَا رَجعْنَا مخفقين وَرجع الْمُغنِي بشبابة الإبريز فَنقل إِلَى الْمَنْصُور هَذَا الْكَلَام فلذعه عَلَيْهِ بِيَسِير من الملام
وَذكر أَبُو زيد فِي الْفَوَائِد مَا صورته عدا مُحَمَّد الْكَبِير خَال الْمَنْصُور على رجل بدرعة فِي ضَيْعَة لَهُ فَشَكَاهُ إِلَى الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ كم تَسَاوِي ضيعتك قَالَ سَبْعمِائة أُوقِيَّة قَالَ خُذْهَا وَقل لخالي الْموعد بيني وَبَيْنك الْموقف الَّذِي لَا أكون أَنا فِيهِ سُلْطَان وَلَا أَنْت خَال السُّلْطَان فَرجع صَاحب الضَّيْعَة وأبلغ إِلَى الْعَامِل كَلَام الْمَنْصُور فَأمْسك بِرَأْسِهِ سَاعَة ثمَّ قَالَ لَهُ الْحق بضيعتك وَغرم لَهُ كل مَا أكل مِنْهَا اه
وَقَالَ فِي المناهل كَانَ للمنصور مصانع اخترعها ومآثر خلفهَا مِنْهَا المعقلان الكبيران اللَّذَان أنشأهما بفاس أَحدهمَا خَارج بَاب عجيسة والأخر قبالته بِبَاب الْفتُوح وَهَذَانِ المعقلان يعرفان عِنْد الْعَامَّة بالبستيون وهما من الإتقان بِحَيْثُ لَا يعرف قدرهما إِلَّا من وقف عَلَيْهِمَا وَكَانَ الشُّرُوع فِي بنائهما يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة تسعين وَتِسْعمِائَة وَمن ذَلِك الحصنان اللَّذَان بناهما بثغر العرائش أَحدهمَا يعرف بحصن الْفَتْح وهما أَيْضا فِي نِهَايَة الوتاقة وَالْحسن وَمن ذَلِك معاصر السكر فَإِنَّهُ أحدثها بمراكش وبلاد حاحة وشوشاوة قَالَ الفشتالي وَكَانَ ابْتَدَأَ ذَلِك وَالِده أَبُو عبد الله الشَّيْخ فَكثر السكر فِي أَيَّامه بالبلاد المغربية حَتَّى لم تكن لَهُ قيمَة وَقد تقدم أَنه كَانَ يَشْتَرِي الرخام من النَّصَارَى بالسكر وَمن مآثره النبيلة العظمي مَعَ كرسيها من المرمر بِجَامِع الْقرَوِيين تَحت منار الْجَامِع الْمَذْكُور وَقد تقدم الْخَبَر عَنْهَا وَقَالَ ابْن القَاضِي فِي الْمُنْتَقى الْمَقْصُور إِن اللبَاس الْمُسَمّى بالمنصورية وَهُوَ لِبَاس من الملف لم يكن مُسْتَعْملا قبله وَهُوَ
أول من اخترعه وأضيف إِلَيْهِ فَقيل المنصورية
وَكَانَ فِي مُدَّة الْمَنْصُور من الْأَحْدَاث أَنه
فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقع غلاء عَظِيم بالمغرب حَتَّى عرف ذَلِك الْعَام بعام الْبُقُول قَالَ فِي الْمرْآة لما انتهب النَّاس غنيمَة وَادي المخازن كَانَ النَّاس يتوقعون مغبتها لاختلاط الْأَمْوَال بالحرام فَظهر أثر ذَلِك من غلاء وَغَيره وَكُنَّا نسْمع أَن الْبركَة رفعت من الْأَمْوَال من يَوْمئِذٍ وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا أصَاب النَّاس فِي بعض فصولها سعال كثير قل من سلم مِنْهُ وَكَانَ الرجل لَا يزَال يسعل إِلَى أَن تفيض نَفسه فَسمى الْعَامَّة تِلْكَ السّنة سنة كحيكحة
وَفِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة توفّي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الْكَبِير الشَّأْن أَبُو النَّعيم رضوَان بن عبد الله الجنوي نِسْبَة إِلَى جنوة من بِلَاد الفرنج كَانَ أَبوهُ نَصْرَانِيّا وَأمه يَهُودِيَّة وَسبب إِسْلَام وَالِده مَا حَكَاهُ أَبُو الْعَبَّاس الأندلسي فِي رحلته أَنه كَانَ لَهُ فرس بِبَلَدِهِ جنوة فَانْطَلق لَيْلًا وَدخل الْكَنِيسَة الْعُظْمَى وراث فِيهَا من غير أَن يشْعر بذلك أحد من السَّدَنَة وَلَا غَيرهم ثمَّ بَادر بِإِخْرَاج الْفرس وَلما أصبح أهل الْكَنِيسَة وَرَأَوا الروث قَالُوا إِن الْمَسِيح جَاءَ البارحة على فرسه إِلَى الْكَنِيسَة وراث فِيهَا فاهتز الْبَلَد لذَلِك وتنافس النَّصَارَى فِي شِرَاء ذَلِك الروث حَتَّى بيع قدر الذّرة مِنْهُ بِمَال جزيل فَعلم أَن النَّصَارَى على ضلال وَهَاجَر إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام فَنزل برباط الْفَتْح من أَرض سلا فَوجدَ هُنَالك امْرَأَة يَهُودِيَّة فَتزَوج بهَا وَولدت لَهُ الشَّيْخ أَبَا النَّعيم فَنَشَأَ مثلا فِي الْعلم وَالْولَايَة ومحبة النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ رضي الله عنه يَقُول خرجت من بَين فرث وَدم أَخذ الطَّرِيقَة عَن أبي مُحَمَّد الغزواني وَقدم عَلَيْهِ مراكش ثمَّ عَاد إِلَى فاس فَمَاتَ بهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن خَارج بَاب الْفتُوح
وَفِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الإِمَام أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ المنجور كَانَ متبحرا فِي الْعُلُوم خُصُوصا أصُول الْفِقْه أَخذ عَن اليسيتني وَأبي زيد سقين العاصمي وَأبي الْحسن بن هَارُون وَأبي مَالك الوانشريسي وَغَيرهم
وَفِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة توفّي الشَّيْخ أَبُو الشتَاء الشباوي دَفِين جبل آمركو من بِلَاد فشتالة وَيُقَال اسْمه مُحَمَّد بن مُوسَى وكني بِأبي الشتَاء لِأَن النَّاس قحطوا ولجؤوا إِلَيْهِ فسقوا فِي الْحِين وَهُوَ من أَصْحَاب الشَّيْخ الغزواني وَيُقَال مَا لقِيه إِلَّا مرّة بقبيلتهما الشاوية فعينه ومكنه فهام على وَجهه وَكَانَ من أمره مَا كَانَ
وَفِي ثامن عشر ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَألف توفّي القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْحميدِي وَدفن بروضة الشَّيْخ أبي زيد الهزميري خَارج بَاب مصمودة من عدوة فاس الأندلس وَقد تقدّمت بعض أخباره
وَفِي سنة أَربع وَألف توفّي الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن مَنْصُور البوزيدي الْمَعْرُوف بِأبي الشكاوي دَفِين شالة وَبهَا كَانَ سكناهُ أَخذ عَن الشَّيْخ المجذوب وَأبي الرواين المحجوب وَغَيرهمَا وَأَوْلَاده ينتسبون إِلَى عِيسَى بن إِدْرِيس الحسني دَفِين آيت عتاب وَالله تَعَالَى أعلم
وَفِي سنة سِتّ وَألف توفّي الشَّيْخ الرباني أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مبارك الزعري دَفِين تاستاوت من مشاهير الْأَوْلِيَاء كَانَ أول نشأته بمكناسة الزَّيْتُون ثمَّ خرج إِلَى الْبَادِيَة بعد أَن صعبت عَلَيْهِ الْقِرَاءَة وَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ إِنَّك لن تقْرَأ وَلَكِنَّك شيخ فَخرج إِلَى الْبَادِيَة وَكَانَ يظنّ أَنه يكون من أَشْيَاخ الْقَبَائِل حَتَّى هبت عَلَيْهِ نفحة رحمانية فَقدم مراكش وَأخذ عَن الشَّيْخ أبي عَمْرو القسطلي وَرجع إِلَى باديته فَبنى مَسْجِدا فِي الْموضع الَّذِي عين لَهُ شَيْخه لسكناه فَيُقَال إِنَّه لما قيل لَهُ جعلت محرابه منحرفا عَن الْقبْلَة أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى جِهَة مَكَّة فتزحزحت الْجبَال حَتَّى شَاهد الْحَاضِرُونَ مَكَّة وَالله على كل شَيْء قدير وَكَانَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الشَّرْقِي معاصرا لَهُ فَقيل لَهُ إِن الشَّيْخ ابْن مبارك قَالَ أهل زَمَاننَا محسوبون علينا فَقَالَ اشْهَدُوا أَنا من أهل زمَان ابْن مبارك وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا كَانَ الطَّاعُون الْعَظِيم بمراكش وَغَيرهَا بِحَيْثُ عَم تلول الْمغرب واستطال فِيهَا وَمَات بِهِ جمع من الْأَعْيَان مِنْهُم الشَّيْخ ابْن مبارك الْمَذْكُور
وَفِي سنة تسع وَألف فِي جُمَادَى الْآخِرَة مِنْهَا كَانَ سيل عَظِيم بفاس ثمَّ
فِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة كَانَ سيل أعظم من الأول تهدمت مِنْهُ الدّور والحوانيت وتهدم سد الْوَادي بفاس على وثاقته وإحكامه وَهَذَا السد هُوَ الَّذِي كَانَ جدده السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الوطاسي ثمَّ جدده الْمَنْصُور فِي هَذِه الْمرة من أحباس الْقرَوِيين
وَفِي سنة عشر وَألف توفّي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه الرباني أَبُو عبد الله وَيُقَال أَبُو عبد الله مُحَمَّد فتحا الشَّرْقِي ابْن الْوَلِيّ الصَّالح أبي الْقَاسِم الزعري الجابري ثمَّ الرثمي هَكَذَا نسبه صَاحب الْمرْآة وَغَيره وَرفع أَبُو عَليّ المعداني فِي كِتَابه الرَّوْض الفائح نسبه إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه ثمَّ نقل عَن حفيده الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أبي عبد الله مُحَمَّد الصَّالح بن الْمُعْطِي مَا نَصه إِن الشَّيْخ سَيِّدي مُحَمَّد الشَّرْقِي لم تُوجد هَذِه النِّسْبَة العمرية بِخَطِّهِ فِيمَا عثرنا عَلَيْهِ أما بَنو أَخِيه وَبَنوهُ وحفدته فقد وجدت بِخَط الثِّقَة مِنْهُم وتواتر نقلهَا عَنْهُم وكتبت فِي إجازاتهم وَكَذَا فِي تمليكاتهم اه وَهَذَا الشَّيْخ أَعنِي أَبَا عبد الله الشَّرْقِي كَانَ من أكَابِر أهل وقته يُقَال إِنَّه بلغ دَرَجَة القطبانية وَتخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَوْلِيَاء وَبعث إِلَيْهِ الْمَنْصُور جمَاعَة يختبرونه فظهرت لَهُم كراماته واتفقت لَهُ مَعَ الشَّيْخ المنجور كَرَامَة حَملته على أَن وَفد عَلَيْهِ زَائِرًا ومدحه بقصيدة ذكر بَعْضهَا اليفرني فِي الصفوة وَله مَعَ أبي المحاسن الفاسي مراسلات ومواصلات وَوَقع بَينهمَا كَلَام طَوِيل انْظُر ابتهاج الْقُلُوب أَخذ رضي الله عنه عَن وَالِده عَن الشَّيْخ التباع وَاعْتمد على الشَّيْخ الْكَبِير أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَمْرو المختاري من أحواز مكناسة وَأخذ أَيْضا عَن ابْن مبارك الزعري