المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حصار البريجة المسماة اليوم بالجديدة - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٥

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة السعدية

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَشْرَاف السعديين من آل زَيْدَانَ وَذكر أوليتهم وَتَحْقِيق نسبهم

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد الْقَائِم بِأَمْر الله وبيعته وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌أَخْبَار الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم فِي الْجِهَاد وَمَا هيأ الله لَهُ من النَّصْر فِيهِ

- ‌عقد الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج رَحِمهم الله تَعَالَى

- ‌انْتِقَال الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم إِلَى أفغال من بِلَاد حاحة ووفاته بهَا رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْأَعْرَج ابْن الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم رحمه الله

- ‌دُخُول السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌نقل الشَّيْخ الْجُزُولِيّ رضي الله عنه من مدفنه بآفغال إِلَى مراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌مَجِيء السُّلْطَان أبي عبد الله الوطاسي إِلَى مراكش وحصاره للسُّلْطَان الْأَعْرَج بهَا ثمَّ إقلاعه عَنْهَا

- ‌خبر آسفي والثغور

- ‌حُدُوث النفرة بَين الْأَخَوَيْنِ السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج ووزيره أبي عبد الله الشَّيْخ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌أَمر زَيْدَانَ ابْن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس وَمَا كَانَ مِنْهُ

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الْمهْدي الْمَعْرُوف بالشيخ ابْن الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم بِأَمْر الله

- ‌فتح حصن فونتي وآسفي وآزمور وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌بِنَاء حصن آكادير

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ على مراكش وتجديد الْبيعَة لَهُ بهَا

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ لِحَرْب بني وطاس واستيلاؤه على مكناسة وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌حِصَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ حَضْرَة فاس ومقتل الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الوانشريسي رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ على فاس وَقَبضه على الوطاسيين وتغريبهم إِلَى مراكش

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌امتحان السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أَرْبَاب الزوايا والمنتسبين وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وفادة الإِمَام أبي عبد الله الخروبي من جَانب دولة التّرْك فِي شَأْن قسم الْبِلَاد وتحديدها

- ‌قدوم أبي حسون الوطاسي بِجَيْش التراك واستيلاؤه على فاس ونفيه الشَّيْخ عَنْهَا

- ‌عود السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ إِلَى فاس واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌مقتل الفقيهين أبي مُحَمَّد الزقاق وَأبي عَليّ حرزوز وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌تَرْتِيب السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أَمر دولته وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌وضع الوظيف الْمُسَمّى فِي لِسَان الْعَامَّة بالنائبة

- ‌مراسلة السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌قدوم طَائِفَة التّرْك من عِنْد السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني واغتيالهم للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ رحمه الله

- ‌مَجِيء حسن بن خير الدّين التركي إِلَى فاس ورجوعه مُنْهَزِمًا عَنْهَا

- ‌بِنَاء جَامع المواسين بِحَضْرَة مراكش وَالْبركَة الْمُتَّصِلَة بِهِ والمارستان وَغير ذَلِك

- ‌فتح مَدِينَة شفشاون وانقراض أَمر بني رَاشد مِنْهَا

- ‌حِصَار البريجة الْمُسَمَّاة الْيَوْم بالجديدة

- ‌وفادة السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه على الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي رضي الله عنه

- ‌اسْتِيلَاء النَّصَارَى على حجر باديس وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتْنَة الْفَقِيه أَبُو عبد الله الأندلسي ومقتله

- ‌ظُهُور بِدعَة الشراقة من الطَّائِفَة اليوسفية وَمَا قيل فيهم

- ‌احتيال النَّصَارَى بمكيدة البارود بِجَامِع الْمَنْصُور من مراكش وَمَا وقى الله تَعَالَى من شَرها

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله ابْن السُّلْطَان عبد الله الْغَالِب بِاللَّه رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه ابْن مُحَمَّد الشَّيْخ وأولية أمره ومآله

- ‌مَجِيء السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك بن الشَّيْخ السَّعْدِيّ بعسكر التّرْك واستيلاؤه على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه على حَضْرَة فاس وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي مَرْوَان إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا وفرار ابْن أَخِيه إِلَى السوس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌اسْتِخْلَاف السُّلْطَان أبي مَرْوَان لِأَخِيهِ أبي الْعَبَّاس أَحْمد على فاس وأعمالها

- ‌ظُهُور أبي عبد الله المتَوَكل بالسوس ومجيئه إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌الْغَزْوَة الْكُبْرَى بوادي المخازن من بِلَاد الهبط وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي مَرْوَان وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمَنْصُور بِاللَّه السَّعْدِيّ الْمَعْرُوف بالذهبي وأوليته ونشأته

- ‌عقد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَدْعُو الْمَأْمُون

- ‌ثورة دَاوُد بن عبد الْمُؤمن بن مُحَمَّد الشَّيْخ وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌حُدُوث النفرة بَين الْمَنْصُور وَالسُّلْطَان مُرَاد العثماني وتلافي الْمَنْصُور لذَلِك

- ‌إِيقَاع الْمَنْصُور بعرب الْخَلْط وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء الْمَنْصُور على بِلَاد الصَّحرَاء تيكورارين وتوات وَغَيرهمَا

- ‌وُصُول هَدِيَّة صَاحب برنو إِلَى الْمَنْصُور بِحَضْرَة فاس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك من بيعَته لَهُ والتزام طَاعَته

- ‌بعث الْمَنْصُور وَرَسُوله بالدعوة إِلَى آل سكية وَكَيْفِيَّة ذَلِك

- ‌مفاوضات الْمَنْصُور الْمَلأ من أَصْحَابه فِي غَزْو آل سكية وَمَا دَار بَينهم فِي ذَلِك

- ‌استجازة الْمَنْصُور لعلماء مصر رضي الله عنهم وتلمذه لَهُم

- ‌تَجْدِيد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ الْمَأْمُون وَمَا وَقع فِي ذَلِك

- ‌ثورة الْحَاج قرقوش بِبِلَاد غمارة ومقتله

- ‌بِنَاء الْمَسْجِد الْجَامِع بِبَاب دكالة من حَضْرَة مراكش حرسها الله

- ‌بعث الْمَنْصُور ببيلة الرخام إِلَى جَامع الْقرَوِيين من فاس حرسها الله

- ‌غَزْو السودَان وَفتح مَدِينَة كاغو ومقتل سلطانها إِسْحَاق سكية رحمه الله

- ‌وَفَاة أم الْمَنْصُور الْحرَّة مسعودة الوزكيتية رَحمهَا الله

- ‌نكبة الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بَابا السوداني وعشيرته من آل آقيت وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌تَتِمَّة

- ‌بِنَاء قصر البديع بِحَضْرَة مراكش مرسها الله

- ‌ثورة النَّاصِر ابْن السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه بِبِلَاد الرِّيف ومقتله

- ‌ذكر سيرة الْمَنْصُور فِي تَرْتِيب جيوشه وحالات أَسْفَاره

- ‌انْتِقَاض ولي الْعَهْد مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَأْمُون على أَبِيه الْمَنْصُور وَمَا آل إِلَيْهِ أمره فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَبَعض سيرته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْمَعَالِي زَيْدَانَ بن أَحْمد الْمَنْصُور رَحمَه الله تَعَالَى

الفصل: ‌حصار البريجة المسماة اليوم بالجديدة

‌حِصَار البريجة الْمُسَمَّاة الْيَوْم بالجديدة

قد قدمنَا مَا كَانَ من بِنَاء البرتغال لمدينة الجديدة وتحصينهم لَهَا بِمَا فِيهِ كِفَايَة وَكَانَت غارات الْمُسلمين المجاورين لَهُم لَا تَنْقَطِع عَنْهُم وَكَذَلِكَ هم سَائِر مقامهم بهَا وَلما كَانَت سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة جهز إِلَيْهَا السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه جَيْشًا كثيفا واستنفر لَهَا قبائل الْحَوْز وَعقد عَلَيْهِم لِابْنِهِ مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسلوخ قَتِيل وَادي المخازن وَكَانَ يَوْمئِذٍ ابْن عشْرين سنة على مَا قيل واستوزر لَهُ الْقَائِد الْمُجَاهِد الشَّاعِر الْفَاضِل أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن بن تودة العمراني وَجعل إِلَيْهِ أَمر الْحَرْب وَابْن السُّلْطَان صُورَة فزحف إِلَيْهَا وحاصرها أَرْبَعَة وَسِتِّينَ يَوْمًا وَملك بعض أسوارها وَلم يقْض الله بِفَتْحِهَا

وَفِي النزهة ذكر أَن الْقَائِد ابْن تودة دخل البريجة الَّتِي قرب آزمور وَأخذ أسوارها وعزم على أَن يستأصل فِي الْغَد بقيتها وَلَا يبقي للكفر بهَا أثرا فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه ينهاه عَنْهَا فتراجع النَّصَارَى إِلَيْهَا بعد أَن ركبُوا الْبَحْر عازمين على الْجلاء عَنْهَا اه

وَقد وقفت فِي التَّارِيخ البرتغالي الْمَوْضُوع فِي أَخْبَار الجديدة وَاسم مُؤَلفه لويز مَارِيَة على أَخْبَار هَذَا الْحصار وَقد استوعبها وبسطها وتتبع الوقائع فصلا فصلا وَيَوْما يَوْمًا وأتى من ذَلِك بِمَا يزِيد على الكراسة فَكَانَ من جملَة مَا قَالَ إِنَّه لما عزم السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه على غزوهم وَأخذ فِي تجهيز الجيوش إِلَيْهِم أَتَاهُم بعض المتنصرة قَالَ وَهُوَ عبد أسود فَأخْبرهُم بِأَن السُّلْطَان مستعد لحربهم وَكَانُوا عازمين على التَّوَثُّق من هَذَا الجاسوس فَأَفلَت مِنْهُم فَعَلمُوا أَن إِظْهَاره للتنصر كَانَ مكيدة ثمَّ أخذُوا فِي الاستعداد واشتروا من عِنْد قَائِد آزمور ألفي سيف هَكَذَا زعم قَالَ وَفِي الْيَوْم الرَّابِع من مارس سنة ألف وَخَمْسمِائة واثنتين وَسِتِّينَ مسيحية وصلت جموع الْمُسلمين إِلَى حوز الجديدة وَهَذَا التَّارِيخ مُوَافق للتاريخ الْعَرَبِيّ الَّذِي قدمْنَاهُ قَالَ فَكَانَت خيل الْمُسلمين نَحْو ثَلَاثِينَ ألف وَالرُّمَاة ضعف ذَلِك وَكَانَ فيهم عَسْكَر التّرْك الْمَعْرُوف بالبلدروش وَكَانُوا يَوْمئِذٍ جندا للسعديين وَكَانَ مَعَهم

ص: 42

عشرُون مدفعا عشرَة كَبِيرَة وَعشرَة صَغِيرَة وفيهَا وَاحِد أعظم من الْجَمِيع يُسمى ميمونا وَكَانَ مَعَهم الْعلم الْكَبِير الْأَبْيَض ورايات أخر ملونة وتقدموا إِلَى الجديدة فحاصروها حصارا شَدِيدا وحاربوها حَربًا هائلة وصف هَذَا المؤرخ ذَلِك كُله وَصفا كاشفا وَكَانَت الجديدة يَوْمئِذٍ فِي غَايَة الحصانة والمناعة فَلم يتَمَكَّن الْمُسلمُونَ من النَّصَارَى على مَا يَنْبَغِي وَأرْسل التّرْك عَلَيْهِم أَنْوَاع الحراقيات وملكوا المتارزات الَّتِي كَانَت حول السُّور بعد أَن هَلَكت عَلَيْهَا نفوس من الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ صنع النَّصَارَى للْمُسلمين عِنْدهَا مينا البارود مرَّتَيْنِ فَفِي الأولى كَانَت المينا تِسْعَة براميل نفط مِنْهُنَّ سَبْعَة فأهلكت خلقا من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَفِي الثَّانِيَة كَانَت تِسْعَة عشر برميلا أَمَام السُّور فنفطت بِالْمُسْلِمين وأتلفت مِنْهُم عددا فبعضهم طَار فِي الْهَوَاء وَبَعْضهمْ تَحت التُّرَاب

وَكَانَ رُمَاة الْمُسلمين ينالون مِنْهُم نيلا عَظِيما واعترف النَّصَارَى لَهُم بجودة الرَّمْي بِحَيْثُ كَانُوا كلما ظهر مِنْهُم عسكري على السُّور اختطفته رصاصة فِي أخير مَوضِع من بدنه من الرَّأْس أَو الصَّدْر

قَالَ لويز المؤرخ وَلَقَد قدم فِي بعض الْأَيَّام من أشبونة كَبِير من كبراء جندهم فَقَالَ لَهُم أروني كَيفَ قتالكم لهَؤُلَاء الْمُسلمين وَكَيف مصافتكم لَهُم قَالَ فَمَا ظهر بِرَأْسِهِ على السُّور ليرى محلّة الْمُسلمين حَتَّى أَصَابَته رصاصة نثرت دماغه كَأَن صَاحبهَا كَانَ ينتظره وَكَانَ ذَلِك بِنَفس نُزُوله من الْبَحْر قبل أَن يذهب إِلَى منزله فَعوضهُ مِنْهُ الْمُسلمُونَ الْقَبْر قَالَ فَمَا كَانَ النَّصَارَى بعْدهَا يقدرُونَ أَن يظهروا على السُّور إِلَّا فِي النَّادِر وَلما طَال عَلَيْهِم الْحصار ندب كَبِيرهمْ جمَاعَة مِنْهُم لِلْخُرُوجِ إِلَى السواحل الْبَعِيدَة عَن محلّة الْمُسلمين لَعَلَّهُم يظفرون بأسير مِنْهُم يستكشفونه عَن خبر الْجَيْش المحاصر لَهُم هَل هُوَ مرتحل أَو مُقيم وَمَا مُدَّة الْإِقَامَة قَالَ فَخَرجُوا فِي فلك لَهُم لَيْلًا وَسَارُوا حَتَّى بلغُوا سَاحل طيط وَهِي يَوْمئِذٍ خَالِيَة وَكَانَ بقربها محلّة لقائد آسفي فَلَمَّا طلع الْفجْر تقدمُوا إِلَى الْبر وأرسوا فلكهم إِلَى جَانب بعض الْأَحْجَار هُنَالك بِحَيْثُ يخفى على المارين بالسَّاحل ثمَّ كمنوا هُنَالك فَلَمَّا كَانَ وَقت الْإِسْفَار إِذا بِرَجُل من محلّة آسفي أَتَى على فرسه إِلَى

ص: 43

شاطئ الْبَحْر لبَعض حاجاته فَلم يرعه إِلَّا النَّصَارَى قد أَحدقُوا بِهِ وَأخذُوا بلجام فرسه وَجعل بَعضهم فَم مكحلته فِي صَدره فَلم يملك الْمُسلم من نَفسه شَيْئا ثمَّ أنزلوه عَن الْفرس وساقوه إِلَى الْفلك أَسِيرًا ولججوا بِهِ فِي الْبَحْر وَلما بعدوا عَن الْبر شَيْئا مَا رمى أحدهم الْفرس بِرَصَاصٍ فَقتله ثمَّ أَسْرعُوا إِلَى الجديدة فَدَخَلُوهَا وَاجْتمعَ النَّصَارَى على الْمُسلم وَهُوَ كالمبهوت بَينهم ثمَّ سَأَلُوهُ عَن خبر الْجَيْش المحاصر لَهُم فَأخْبرهُم بِأَنَّهُم يناجزونهم بعد هَذَا مرّة أُخْرَى أَو مرَّتَيْنِ فَإِن لم يظفروا بهم ارتحلوا عَنْهُم فَكَانَ كَذَلِك قَالَ وَكَانَ ارتحال الْمُسلمين من الجديدة فِي سَابِع مايه العجمي من السّنة الْمَذْكُورَة فَعمل النَّصَارَى لذَلِك عيدا وأحدثوا فِي كنائسهم صلوَات لم تكن قبل وَذَلِكَ بِإِشَارَة باباهم صَاحب رومة

وَمِمَّا حَكَاهُ هَذَا البرتغالي فِيمَا كَانَ يجْرِي بَين أهل آزمور وَبينهمْ من الْحَرْب وَذَلِكَ بعد هَذَا الْحصار بِمدَّة يسيرَة أَنه كَانَ بآزمور امْرَأَة حسناء وخطبها رجل من أهل الْبَلَد سَمَّاهُ لويز إِلَّا أَنه لم يحسن النُّطْق بِهِ لعجمته وَأَظنهُ اسْمه الميلودي لِأَن الْحُرُوف الَّتِي ذكر تقرب مِنْهُ قَالَ فامتنعت عَلَيْهِ فَرَاوَدَهَا أَيَّامًا وَاشْتَدَّ كلفه بهَا فَلم تَزْدَدْ عَلَيْهِ إِلَّا تمنعا فَبعث إِلَيْهَا ذَات يَوْم يرغبها فِي نَفسه ويدلي عَلَيْهَا بمآثره الَّتِي من جُمْلَتهَا الشجَاعَة حَتَّى قَالَ لَهَا وَإِن شِئْت أَن آتِيك بِرَأْس أعظم نَصْرَانِيّ بالجديدة وأشجعه فعلت ولعلها كَانَت موتورة لَهُم فَقَالَت لَهُ إِن أتيتني بِهِ تَزَوَّجتك فَذهب الرجل الْمَذْكُور إِلَى قَائِد آزمور وَلم يسمه لويز وَعرض عَلَيْهِ أَن يكْتب إِلَى كَبِير نَصَارَى الجديدة وَصَاحب رَأْيهمْ بِأَن يعين من جَانِبه رجلا من شجعانهم

ص: 44

ليبارزه إِن شَاءَ فَأَجَابَهُ الْقَائِد إِلَى مُرَاده وَذهب الرَّسُول بِالْكتاب حَتَّى وقف على نَحْو غلوة من الْمَدِينَة وَهَذَا الْموضع هُوَ الَّذِي كَانَت تقف فِيهِ رسل آزمور إِذا قدمت لغَرَض فَخرج إِلَيْهِ الْبَرِيد من عِنْد صَاحب الجديدة وَحَازَ الْكتاب وَرجع بِهِ إِلَى صَاحبه فَلَمَّا قَرَأَهُ أحضر جمَاعَة من وُجُوه جنده وَعرض عَلَيْهِم مَا فِيهِ فَقَامَ رجل مِنْهُم وَقَالَ أَن صَاحبه وَهَذَا الرجل سَمَّاهُ لوزير وَقَالَ كَانَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة كَامِل الْقَامَة ممتلئ الْأَعْضَاء أسمر اللَّوْن كثير شعر الْبدن أسود اللِّحْيَة وَكَانَ بِرَأْسِهِ جرح لم يندمل من وقْعَة كَانَت بَينهم وَبَين أهل أزمور قبل ذَلِك فَكتب صَاحب الجديدة إِلَى قَائِد آزمور إِنَّا قد أجبناك إِلَى مَا دَعَوْت وَقد أعجبنا ذَلِك وَهَا نَحن قد عينا لصاحبك قرنه فلتعينوا لنا الْيَوْم والساعة الَّتِي تكون فِيهَا الملاقاة فاتفقا على يَوْم مَعْلُوم وَفِي ذَلِك الْيَوْم سَار قَائِد آزمور فِي أَصْحَابه ووجوه أهل بَلَده وَمَعَهُمْ الرجل الْمَذْكُور إِلَى الجديدة فَانْتَهوا إِلَى الْموضع الَّذِي جرت الْعَادة أَن يقف فِيهِ الْمُسلمُونَ وَخرج قَائِد النَّصَارَى فِي جماعته وشرطوا للمبارزة وكيفتها شُرُوطًا مِنْهَا أَن تبعد كل جمَاعَة من صَاحبهَا بِخَمْسِينَ خطْوَة وَلَا يلتقي إِلَّا المتبارزان وَحدهمَا بمرأى من الْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهَا أَن مساحة الْموضع الَّذِي يكون فِيهِ مجالهما خَمْسُونَ شبْرًا وسطا من الْفَرِيقَيْنِ وَإِن من خرج عَن هَذَا الْمحل مِنْهُمَا وَلَو قيد شبر كَانَ رقا للْآخر وأعطوا خطوطهم بذلك وَلما حَان وَقت البرَاز خرج عَدْلَانِ من جَانب الْمُسلمين حَتَّى انتهيا إِلَى النَّصْرَانِي ففتشاه لينظرا مَا عَلَيْهِ من السِّلَاح وَمَا مَعَه لِأَن من جملَة الشُّرُوط أَن لَا يتبارزا إِلَّا بِالسَّيْفِ وَالرمْح فَقَط فَلم يجدا مَعَ النَّصْرَانِي سواهُمَا قَالَ لويز وَكَانَ صَاحبهمْ الْمَذْكُور يحسن الضَّرْب بكلتا يَدَيْهِ فَشرط عَلَيْهِ العدلان أَن لَا يُقَاتل إِلَّا بِالْيَمِينِ فَرضِي ثمَّ خرج شَاهِدَانِ من جَانب النَّصَارَى حَتَّى انتهيا إِلَى الْمُسلم ففتشاه فَلم يجدا عِنْده سوى السَّيْف وَالرمْح أَيْضا غير أَنه قد علق على ذراعه تمائم كَثِيرَة مخروزة فِي الْجلد فَقَالَ لَهُ الشَّاهِدَانِ لَا بُد أَن تنْزع

ص: 45

هَذِه التمائم لِأَن صاحبنا لَيْسَ عِنْده شَيْء من هَذَا وَأَيْضًا فَيمكن أَن تقيك هَذِه التمائم بعض الْوِقَايَة فَقَالَ لَهُم لَا أَنْزعهَا لِأَن مثل هَذَا لَا يتقى بِهِ فِي الْحَرْب وَلَا يُغني فِي الظَّاهِر من السَّيْف وَالرمْح شَيْئا وَإِنَّمَا فِيهَا أَسمَاء الله وَلَا يحسن بِي أَن أطرحها فِي هَذِه الْحَالة الَّتِي أَنا مشرف فِيهَا على الْمَوْت فَيكون ذَلِك سوء أدب مني مَعَ اسْم الله تَعَالَى وَرُبمَا يكون سَببا فِي خذلاني فَرجع النصرانيان إِلَى قائدهما وأخبراه بالقضية فَقَالَ لَا بُد من نَزعهَا فعادا إِلَيْهِ وَزعم لويز أَن الْمُسلمين وافقوا على نَزعهَا وَقَالَ لَهُ العدلان إِن الْحق مَعَ النَّصَارَى لأَنا كشفنا صَاحبهمْ كشفا تَاما وراوده الْقَائِد أَيْضا فأصر على الِامْتِنَاع معتذرا بِمَا سلف وَلما لم يحصلوا على طائل رَجَعَ الْمُسلمُونَ إِلَى بلدهم وَلم يكن برَاز قَالَ لويز وعد النَّصَارَى ذَلِك غلبا وَجعلُوا يصيحون وَيخرجُونَ البارود قَالَ وَكَانَ سور الجديدة مكسوا بِالنسَاء وَالصبيان واغتاظ قَائِد آزمور فسجن الْمُسلم الْمَذْكُور لكَونه جر هَذِه المذلة على الْمُسلمين

قلت من تَأمل وأنصف علم أَن الفشل إِنَّمَا هُوَ من جَانب النَّصَارَى لِأَن تِلْكَ التمائم من حَيْثُ الظَّاهِر لَا تغني شَيْئا وَكَون بركتها تقيه من ضربات السَّيْف وطعنات الرمْح فَهَذَا لَا يَعْتَقِدهُ النَّصَارَى بل وَلَا يسلمونه فَلم يبْق إِلَّا الفشل والتعلل بِمَا لَا اعْتِبَار بِهِ عِنْد الْعُقَلَاء ثمَّ قَالَ لويز وَقد كَانَت بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى بعد ذَلِك وقائع فأبلى فِيهَا ذَلِك الْمُسلم الْبلَاء الْحسن وَعرف مَحَله من الشجَاعَة اه وَالْحق مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء وَإِنَّمَا أثبت هَذِه الْحِكَايَة بِطُولِهَا لغرابتها وَلما اشْتَمَلت عَلَيْهِ من خلال الفتوة ومنازع النخوة الإيمانية فنسأله سبحانه وتعالى أَن يعلي منار الدّين ويكبت كيد الجاحدين والمعتدين آمين

وَفِي سنة سبعين وَتِسْعمِائَة ولى السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه الْفَقِيه أَبَا مَالك عبد الْوَاحِد بن أَحْمد الْحميدِي قَضَاء فاس فطالت مدَّته

ص: 46