المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثورة الناصر ابن السلطان الغالب بالله ببلاد الريف ومقتله - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٥

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة السعدية

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَشْرَاف السعديين من آل زَيْدَانَ وَذكر أوليتهم وَتَحْقِيق نسبهم

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد الْقَائِم بِأَمْر الله وبيعته وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌أَخْبَار الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم فِي الْجِهَاد وَمَا هيأ الله لَهُ من النَّصْر فِيهِ

- ‌عقد الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج رَحِمهم الله تَعَالَى

- ‌انْتِقَال الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم إِلَى أفغال من بِلَاد حاحة ووفاته بهَا رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْأَعْرَج ابْن الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم رحمه الله

- ‌دُخُول السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌نقل الشَّيْخ الْجُزُولِيّ رضي الله عنه من مدفنه بآفغال إِلَى مراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌مَجِيء السُّلْطَان أبي عبد الله الوطاسي إِلَى مراكش وحصاره للسُّلْطَان الْأَعْرَج بهَا ثمَّ إقلاعه عَنْهَا

- ‌خبر آسفي والثغور

- ‌حُدُوث النفرة بَين الْأَخَوَيْنِ السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج ووزيره أبي عبد الله الشَّيْخ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌أَمر زَيْدَانَ ابْن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس وَمَا كَانَ مِنْهُ

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الْمهْدي الْمَعْرُوف بالشيخ ابْن الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم بِأَمْر الله

- ‌فتح حصن فونتي وآسفي وآزمور وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌بِنَاء حصن آكادير

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ على مراكش وتجديد الْبيعَة لَهُ بهَا

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ لِحَرْب بني وطاس واستيلاؤه على مكناسة وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌حِصَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ حَضْرَة فاس ومقتل الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الوانشريسي رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ على فاس وَقَبضه على الوطاسيين وتغريبهم إِلَى مراكش

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌امتحان السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أَرْبَاب الزوايا والمنتسبين وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وفادة الإِمَام أبي عبد الله الخروبي من جَانب دولة التّرْك فِي شَأْن قسم الْبِلَاد وتحديدها

- ‌قدوم أبي حسون الوطاسي بِجَيْش التراك واستيلاؤه على فاس ونفيه الشَّيْخ عَنْهَا

- ‌عود السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ إِلَى فاس واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌مقتل الفقيهين أبي مُحَمَّد الزقاق وَأبي عَليّ حرزوز وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌تَرْتِيب السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أَمر دولته وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌وضع الوظيف الْمُسَمّى فِي لِسَان الْعَامَّة بالنائبة

- ‌مراسلة السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌قدوم طَائِفَة التّرْك من عِنْد السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني واغتيالهم للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ رحمه الله

- ‌مَجِيء حسن بن خير الدّين التركي إِلَى فاس ورجوعه مُنْهَزِمًا عَنْهَا

- ‌بِنَاء جَامع المواسين بِحَضْرَة مراكش وَالْبركَة الْمُتَّصِلَة بِهِ والمارستان وَغير ذَلِك

- ‌فتح مَدِينَة شفشاون وانقراض أَمر بني رَاشد مِنْهَا

- ‌حِصَار البريجة الْمُسَمَّاة الْيَوْم بالجديدة

- ‌وفادة السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه على الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي رضي الله عنه

- ‌اسْتِيلَاء النَّصَارَى على حجر باديس وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتْنَة الْفَقِيه أَبُو عبد الله الأندلسي ومقتله

- ‌ظُهُور بِدعَة الشراقة من الطَّائِفَة اليوسفية وَمَا قيل فيهم

- ‌احتيال النَّصَارَى بمكيدة البارود بِجَامِع الْمَنْصُور من مراكش وَمَا وقى الله تَعَالَى من شَرها

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله ابْن السُّلْطَان عبد الله الْغَالِب بِاللَّه رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه ابْن مُحَمَّد الشَّيْخ وأولية أمره ومآله

- ‌مَجِيء السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك بن الشَّيْخ السَّعْدِيّ بعسكر التّرْك واستيلاؤه على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه على حَضْرَة فاس وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي مَرْوَان إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا وفرار ابْن أَخِيه إِلَى السوس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌اسْتِخْلَاف السُّلْطَان أبي مَرْوَان لِأَخِيهِ أبي الْعَبَّاس أَحْمد على فاس وأعمالها

- ‌ظُهُور أبي عبد الله المتَوَكل بالسوس ومجيئه إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌الْغَزْوَة الْكُبْرَى بوادي المخازن من بِلَاد الهبط وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي مَرْوَان وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمَنْصُور بِاللَّه السَّعْدِيّ الْمَعْرُوف بالذهبي وأوليته ونشأته

- ‌عقد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَدْعُو الْمَأْمُون

- ‌ثورة دَاوُد بن عبد الْمُؤمن بن مُحَمَّد الشَّيْخ وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌حُدُوث النفرة بَين الْمَنْصُور وَالسُّلْطَان مُرَاد العثماني وتلافي الْمَنْصُور لذَلِك

- ‌إِيقَاع الْمَنْصُور بعرب الْخَلْط وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء الْمَنْصُور على بِلَاد الصَّحرَاء تيكورارين وتوات وَغَيرهمَا

- ‌وُصُول هَدِيَّة صَاحب برنو إِلَى الْمَنْصُور بِحَضْرَة فاس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك من بيعَته لَهُ والتزام طَاعَته

- ‌بعث الْمَنْصُور وَرَسُوله بالدعوة إِلَى آل سكية وَكَيْفِيَّة ذَلِك

- ‌مفاوضات الْمَنْصُور الْمَلأ من أَصْحَابه فِي غَزْو آل سكية وَمَا دَار بَينهم فِي ذَلِك

- ‌استجازة الْمَنْصُور لعلماء مصر رضي الله عنهم وتلمذه لَهُم

- ‌تَجْدِيد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ الْمَأْمُون وَمَا وَقع فِي ذَلِك

- ‌ثورة الْحَاج قرقوش بِبِلَاد غمارة ومقتله

- ‌بِنَاء الْمَسْجِد الْجَامِع بِبَاب دكالة من حَضْرَة مراكش حرسها الله

- ‌بعث الْمَنْصُور ببيلة الرخام إِلَى جَامع الْقرَوِيين من فاس حرسها الله

- ‌غَزْو السودَان وَفتح مَدِينَة كاغو ومقتل سلطانها إِسْحَاق سكية رحمه الله

- ‌وَفَاة أم الْمَنْصُور الْحرَّة مسعودة الوزكيتية رَحمهَا الله

- ‌نكبة الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بَابا السوداني وعشيرته من آل آقيت وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌تَتِمَّة

- ‌بِنَاء قصر البديع بِحَضْرَة مراكش مرسها الله

- ‌ثورة النَّاصِر ابْن السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه بِبِلَاد الرِّيف ومقتله

- ‌ذكر سيرة الْمَنْصُور فِي تَرْتِيب جيوشه وحالات أَسْفَاره

- ‌انْتِقَاض ولي الْعَهْد مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَأْمُون على أَبِيه الْمَنْصُور وَمَا آل إِلَيْهِ أمره فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَبَعض سيرته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْمَعَالِي زَيْدَانَ بن أَحْمد الْمَنْصُور رَحمَه الله تَعَالَى

الفصل: ‌ثورة الناصر ابن السلطان الغالب بالله ببلاد الريف ومقتله

‌ثورة النَّاصِر ابْن السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه بِبِلَاد الرِّيف ومقتله

كَانَ النَّاصِر هَذَا فِي حَيَاة أَبِيه عبد الله الْغَالِب بِاللَّه خَلِيفَته على تادلا ونواحيها وَلما توفّي أَبوهُ الْمَذْكُور وَقَامَ بِالْأَمر أَخُوهُ المتَوَكل كَمَا اسْتَوْفَيْنَا خَبره قبض على النَّاصِر فاعتقله فَلم يزل معتقلا عِنْده سَائِر أَيَّامه إِلَى أَن قدم المعتصم بِجَيْش التّرْك وانتزع الْملك من يَد المتَوَكل كَمَا مر فسرح النَّاصِر من اعتقاله وَأحسن إِلَيْهِ فَلم يزل عِنْده فِي أرغد عَيْش إِلَى أَن توفّي المعتصم يَوْم وَادي المخازن وأفضى الْأَمر إِلَى الْمَنْصُور ففر النَّاصِر إِلَى آصيلا وَكَانَت لِلنَّصَارَى يَوْمئِذٍ ثمَّ عبر الْبَحْر مِنْهَا إِلَى الأندلس فَكَانَ عِنْد طاغية قشتالة مُدَّة طَوِيلَة إِلَى أَن سرحه الطاغية إِلَى الْمغرب بِقصد تَفْرِيق كلمة الْمُسلمين وإحداث الشقاق بَينهم فَخرج النَّاصِر بمليلية وَنزل بهَا لثلاث مَضَت من شعْبَان سنة ثَلَاث وَألف وتسامعت بِهِ الغوغاء والطغام من أهل تِلْكَ الْبِلَاد فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون فكثرت جموعه وتوفرت جيوشه واهتز الْمغرب بأسره لذَلِك

وَذكر اليفرني فِي الصفوة أَن الْفَقِيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن قَاسم الْقصار كتب كتابا إِلَى الشَّيْخ الصَّالح أبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن ريسون من أهل بِلَاد غمارة وَكَانَ مسموع الْكَلِمَة بهَا يحضه على الاستمساك بدعوة الْمَنْصُور وَأَن يلْزم الطاغية لَهُ فَوَقع الْكتاب فِي يَد الْمَنْصُور فَعرف للشَّيْخ الْقصار حَقه وَلما وَفد عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَصله وولاه الْفَتْوَى وَالْخطْبَة بِجَامِع الْقرَوِيين وتفرقة صَدَقَة الْمَسَاكِين

ثمَّ إِن النَّاصِر خرج من مليلية قَاصِدا تازا فَدَخلَهَا وَاسْتولى عَلَيْهَا ونزعت إِلَيْهِ الْقَبَائِل الْمُجَاورَة لَهَا كالبرانس وَغَيرهم فتألبوا عَلَيْهِ وتمالؤوا على إعزازه وَنَصره وَلما دخل تازا طَالب أَهلهَا بالمكس وَقَالَ لَهُم إِن النَّصَارَى يغرمون حَتَّى على الْبيض وَلما سمع الْمَنْصُور بِخَبَرِهِ أقلقه ذَلِك وتخوف مِنْهُ غَايَة لِأَن النَّاصِر اهتز الْمغرب لقِيَامه وتشوفت النُّفُوس إِلَيْهِ لميل الْقُلُوب عَن الْمَنْصُور لشدَّة وطأته واعتسافه للرعية

قَالَ فِي ابتهاج الْقُلُوب فِي تَرْجَمَة الْوَلِيّ الصَّالح أبي الْحسن عَليّ بن

ص: 145

مَنْصُور البوزيدي الْمَعْرُوف بِأبي الشكاوي دَفِين شالة إِنَّه كَانَ سائرا يَوْمًا على بغلة وَمَعَهُ أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم يَا فُقَرَاء أتسمعون مَا تَقول بغلتي إِنَّهَا تصيح بالنصر لمولاي النَّاصِر وَكَذَلِكَ الشّجر وَالْحجر وَإِنِّي أرى غير ذَلِك فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ اهتز لقِيَام النَّاصِر كل شَيْء ثمَّ قتل عَن قريب وَلم يتم لَهُ أَمر اه

ثمَّ إِن الْمَنْصُور بعث إِلَيْهِ جَيْشًا وافرا فَهَزَمَهُمْ النَّاصِر واستفحل أمره وَتمكن ناموسه من الْقُلُوب فَأمر الْمَنْصُور ولي عَهده الْمَأْمُون بمنازلته فَخرج إِلَيْهِ من فاس فِي تعبية حَسَنَة وهيئة تَامَّة فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ كَانَت الدبرة على النَّاصِر بالموضع الْمَعْرُوف بالحاجب وَمر على وَجهه فاحتل بالجاية بَلْدَة من عمل بِلَاد الزَّبِيب فلحق بِهِ ولي الْعَهْد فَلم يزل فِي مقاتلته إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ فأزال رَأسه وَبعث بِهِ إِلَى مراكش وَكَانَ ذَلِك سنة خمس وَألف وَقيل سنة أَربع وَألف

قَالَ فِي نشر المثاني كَانَ مقتل النَّاصِر وإدخاله مَقْطُوع الرَّأْس إِلَى فاس يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّالِث وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة أَربع وَألف وَهُوَ الْأَصَح

وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ اليوسي فِي المحاضرات مَا نَصه حدثوا عَن صلحاء تادلا أَنه لما قَامَ على السُّلْطَان أَحْمد الْمَنْصُور ابْن أَخِيه النَّاصِر قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي الْقَاسِم الصومعي إِن النَّاصِر يدْخل تادلا يَعْنِي دُخُول الْملك فَلَمَّا بلغ الْخَبَر إِلَى الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّرْقِي التادلي قَالَ مِسْكين بَابا أَحْمد رأى رَأس النَّاصِر قد دخل تادلا فَظَنهُ النَّاصِر يدخلهَا فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ هزم فِي نواحي تازا ثمَّ قطع رَأسه وَحمل إِلَى مراكش فَدخل تادلا فِي طَرِيقه اه

وَلما قتل النَّاصِر سر الْمَنْصُور بذلك وأتته الْوُفُود للتهنئة وَقَالَ الشُّعَرَاء فِي ذَلِك مِنْهُم الْكَاتِب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عمر الشاوي قَالَ

(تهنأ أَمِير الْمُؤمنِينَ فقد جرت

بسطوتك الأقدار جري السوابق)

(أَضَاءَت لَك الْأَيَّام واحلولكت على

عَدوك وارتجت رُؤُوس الشواهق)

(وَذَاكَ الَّذِي قد خيب الله سعده

تردى فَلم تَنْفَعهُ نصْرَة مارق)

(فَكَانَ كَمَا قد قيل لَكِن رَأسه

أَتَى سَابِقًا وَالرجل لَيست بسابق)

ص: 146

ضمن قَول بَعضهم فِي الْوَزير ابْن الْفرس وَقد رَآهُ مصلوبا منكوس الرَّأْس

(لقد طمح الْمهْر الجموح لغاية

تقطع أَعْنَاق الْجِيَاد السوابق)

(جرى فجرت رِجْلَاهُ لَكِن رَأسه

أَتَى سَابِقًا وَالرجل لَيست بسابق)

وَكتب الْمَنْصُور بِخَبَر هَذَا الْفَتْح إِلَى الْآفَاق

فمما كتبه لِلشَّيْخَيْنِ الْإِمَامَيْنِ أبي عبد الله مُحَمَّد زين العابدين الْبكْرِيّ وَأبي عبد الله مُحَمَّد بدر الدّين الْقَرَافِيّ رِسَالَة يَقُول فِيهَا مَا نَصه

من عبد ربه الْمُجَاهِد فِي سَبيله أَحْمد الْمَنْصُور بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ الحسني إِلَى الْفَاضِل الَّذِي اعتجر بالتقوى وَهُوَ زين العابدين وتحلى بحلى المعارف الربانية وَتلك حلى العارفين والسالك الَّذِي برز فِي الطَّرِيقَة وسلك على الْمجَاز الْوَاضِح إِلَى الْحَقِيقَة ففات شأو السَّابِقين والعارف الَّذِي تجرد عَن رعونة الْأَهْوَاء النفسانية فَكَانَ سلوكه على التَّجْرِيد إِلَى حَضْرَة الواصلين الشَّيْخ الْعَالم الْحجَّة الوافي السَّيِّد بدر الدّين الْقَرَافِيّ وَالشَّيْخ الْعَارِف الْوَاصِل السِّرّ الْكَامِل سلالة الْعلمَاء سبط الْفُضَلَاء أبي عبد الله زين العابدين ابْن الشَّيْخ السَّامِي الْمقَام قطب الْمَشَايِخ الْأَعْلَام فَخر عُلَمَاء الْإِسْلَام الشهير الْبركَة فِي الْأَنَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحسن الصديقي أبقاكما الله وأرواحكما تتعطر برياحين الْإِنْس فِي حَضْرَة الْقُدس وتتنسم النفحات الهابة من رياض الْمُشَاهدَة إِلَى مدارج الْإِنْس ومعارج النَّفس وَسَلام عَلَيْكُمَا وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته

وَبعد حمد الله مفيض أنوار عناية أَحْمد على صَاحبه الصّديق مظهر كنوز المعارف الربانية جيلا بعد جيل من بَيت عَتيق وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي اخْتَار لمرافقته صَاحبه فِي الْغَار والعريش وَالطَّرِيق وَالرِّضَا عَن آله أَئِمَّة الْخلق وسيوف الْحق وَأَصْحَابه الَّذين فاضت أنوار هدايتهم على الغرب والشرق وببركتهم انتسق لنا الْفَتْح انتساق الأسلاك وبفضلهم يَعْلُو سعدنا على الْكفْر علو القطب على دَائِرَة الأفلاك فكتبنا هَذَا إِلَيْكُم من حضرتنا مراكش حاطها الله وصنع الله لَهَا مفعم السجال وواسع المجال

ص: 147

وعزمتها الْمَاضِيَة تبْعَث إِلَى العدا رسل الأوجال وَالْأَيَّام بعز صولتها ويمن دولتها بِهَذِهِ المغارب باسمة الثغور مؤذنة باتصال أمرهَا الْعَزِيز بحول الله إِلَى أَن تطوى ملاءة الدَّهْر هَذَا وَأَنه اتَّصل بعلي مقامنا كتابكما الَّذِي صدحت على أفنان البلاغة سواجعه وعذبت فِي موارد الْمحبَّة الصديقية مناهله ومشارعه ولطفت فِي كل معنى من الْمعَانِي أفانينه ومنازعه وتألفت على الإجادة فِي كل مقصد من الْمَقَاصِد مواصله العذبة ومقاطعه وأينعت بأزهار الْعِنَايَة الربانية أباطحه الفيح وأجارعه وَمَعَهُ المنظومات الَّتِي سحت بالحكم ديمها ورسا فِي البلاغة قدمهَا وَربا فِي منبت الْمَوَاهِب الربانية يراعها الفصيح وقلمها وَحل من نفوسنا موقعها العجيب محلا من دونه الثريا فِي مطْلعهَا والبدر لَيْلَة تَمَامه إعجابا بهَا وتنويها بمهديها وابتهاجا بالخوارق الَّتِي أطلق الله على لِسَان مبديها وَإِلَى هَذَا فليحط علمكما بِأَن مقامنا تنْفق فِيهِ على الدَّوَام إِن شَاءَ الله نفائس بضائعكم وتنمو فِيهِ مَعَ الْأَيَّام سعود مطالعكم وتسمو فِيهِ على كل مقَام مقاماتكم وتستوضح فِيهِ على الْمحبَّة الصميمة أماراتكم الْوَاضِحَة وعلاماتكم فعلى هَذَا تَنْعَقِد مِنْكُم الخناصر وتشتد الأواخي والأواصر بعز الله وَمِنْه ثمَّ مِمَّا نستطرد لكم ذكره على جِهَة الْبُشْرَى وإهداء المسرة الْكُبْرَى إعلامكم أَن عَدو الدّين طاغية قشتالة الَّذِي هُوَ الْيَوْم الْعَدو الْكَبِير لِلْإِسْلَامِ وعميد ملل التَّثْلِيث وَعَبدَة الْأَصْنَام لما انس من تِلْقَاء جنابنا نَار الْعَزْم تلتهب منا التهابا وبحر الاحتفال تضطرب أمواجه الزاخرة بِكُل عدد وعدة اضطرابا وهممنا قد هَمت بتجديد الأسطول والاستكثار من المراكب المتكفلة للْجِهَاد إِن شَاءَ الله بِقَضَاء كل دين ممطول وَعلم أَن الحَدِيث إِلَيْهِ يساق وَإِلَى أرضه بالخسف والتدمير بحول الله يهفو كل لِوَاء خفاق رام خذله الله مكافاتنا على ذَلِك بِمَا أمل أَن يفت بِهِ فِي عضدنا الْأَقْوَى وعزمنا الَّذِي بعناية الله يزْدَاد ويقوى فَرمى بمخذول من أَبنَاء أخينا عبد الله كَانَ ربى لَدَيْهِ وطوحت بِهِ الطوائح مُنْذُ ثَمَانِيَة عشر عَاما إِلَيْهِ إِلَى مليلية إِحْدَى الثغور المصاقبة لغرب ممالكنا الشَّرِيفَة الَّتِي إِلَى كَفَالَة ولدنَا وَولي عهدنا كافل الْأمة من بَعدنَا الْأَمِير الْأَجَل الأرضى صارم الْعَزْم

ص: 148

المنتضى وحسام الدّين الأمضى أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَأْمُون بِاللَّه وصل الله لرايته التأييد والظهور والعز الَّذِي يستخدم الْأَيَّام والدهور فالتف عَلَيْهِ من اغْترَّ بأباطيله الْوَاهِيَة الْبناء من أوباش الْعَامَّة والغوغاء وَمن قضى لَهُ من أجناد تِلْكَ النَّاحِيَة بالشقاء جموع تكاثر الرمل وتفوت الْحَصَا والنمل لَاحَ بهَا للشقي خلب بارق أكذبته أمْنِيته إِذْ صدقته منيته فصمم نَحوه ولدنَا أعزه الله بِجُنُود الله الَّتِي إِلَيْهِ وبعساكر تِلْكَ الممالك الَّتِي ألقينا زِمَام تدبيرها فِي يَدَيْهِ فَمَا رَاع الشقي إِلَّا انقضاضه عَلَيْهِ من الجو انقضاض الأجدل وتصميمه إِلَيْهِ بعزائم تدك الطود وتفلق الصخر والجندل فاستولى عَلَيْهِ بِحَمْد الله للحين وعَلى جموعه الأشقياء فِي يَوْم أغر محجل وَسَاعَة أنزل الله فِيهَا على الْخَوَارِج المارقين الْعَذَاب الْمُعَجل فاستأصلتهم الشفار وحصدت هشيمهم المصوح أَلْسِنَة النَّار وَقبض على الشقي فِي يَوْم كَانَ شِفَاء للصدور ومنتزها لحملة السيوف وربات الْخُدُور وأحرز الله تَعَالَى فَخر هَذَا الْفَتْح الْعَظِيم والمن الجسيم لولدنا أعزه الله عز وجل فِي خَاصَّة أجناده ونهض وَحده بأعبائه وَنحن على سَرِير ملكنا وادعون مطمئنون وأجنادنا فِي أوطارنا لاهون ومفتنون فَلم يحْتَج إِلَى أنجاده من قبلنَا وَلَا إمداده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَالْحَمْد لله حمد الشَّاكِرِينَ وعرفناكم لِتَأْخُذُوا بحظكم من السرُور بِهَذِهِ الْبُشْرَى الَّتِي سرت الْإِسْلَام وَسَاءَتْ بِحَمْد الله عَبدة الْأَوْثَان والأصنام وتعلموا مَعَ ذَلِك مَا عَلَيْهِ الْأَحْوَال الْيَوْم بحول الله لدينا من خَفق رايات الْعَزْم وشحذ آراء الْجَزْم وأعمال عوامل الْجَزْم إِلَى مجازاة عَدو الدّين إِن شَاءَ الله على فعلته الَّتِي عَادَتْ عَلَيْهِ أسفا ولهفا وإعادة مَا كَانَ أسلف من ذَلِك إِن شَاءَ الله بالمكيال الأوفى وَقدمنَا إِلَيْكُم التَّعْرِيف لتمدونا إِن شَاءَ الله بأدعيتكم الصَّالِحَة فِي أَوْقَات الْإِجَابَة وتحرصوا على التماسها هُنَالك وبالحرمين الشريفين من كل ذِي خضوع وإنابة أَن يؤيدنا الله على عَدو الدّين بفضله وينجز لنا وعده الصَّادِق فِي إِظْهَار دين الْحق على الدّين كُله ويسهل علينا بفضله ومعونته أَسبَاب فتح الأندلس وتجديد رسوم الْإِيمَان بهَا وإحياء أطلاله الدَّرْس حَتَّى ينْطق لِسَان الدّين فِي أرْضهَا بِكَلِمَة

ص: 149

الله الَّتِي طالما سكت عَنْهَا نداؤه وخرس وشرق بريقه فغص وخنس فبيده الْحول وَالْقُوَّة وعنايته الْعِنَايَة المرجوة ثمَّ نوصيكم بِحسن الْوُقُوف مَعَ أَصْحَابنَا فِيمَا يشترى من الْكتب العلمية برسم خزانتنا الْكَرِيمَة الإمامية الْعلية ثمَّ الإتحاف بديوان الشَّيْخ والدكم التماسا لجميل بركاته وتمسكا بِمَا سبق من الْإِجَازَة الْعَامَّة فِي سَائِر منظوماته وموضوعاته ومروياته وَهَذَا مُوجبه إِلَيْكُم وَالسَّلَام الأتم معاد عَلَيْكُم ورحمه الله وَبَرَكَاته فِي ربيع النَّبَوِيّ سنة خمس وَألف اه وَهَذِه الرسَالَة من إملاء الْمَنْصُور على مَا قيل

وَمِمَّا كتب بِهِ أَيْضا بِخَط يَده إِلَى سُلْطَان مَكَّة وَالْمَدينَة والحجاز الشريف أبي المحاسن حسن بن أبي نمي بن بَرَكَات مَا نَصه

من عبد الله الْمُجَاهِد فِي سَبيله الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الشريف الحسني إِلَى الْأَصَالَة الَّتِي تبحبحت من ذؤابة هَاشم فِي صميمها وتوغلت من غرفات حُرْمَة الله بَين زمزمها وحطيمها وتمتعت من عرارة نجد بانتشاق نفحاتها الأريجة وشميمها أَصَالَة السُّلْطَان الأثيل الْأَثِير الْأَسْنَى الأسمى الأزكى السُّلْطَان حسن بن أبي نمي أبقاكم الله وَالْبَيْت ذُو الأستار تتفيؤون ظلاله وتلثمون من الْحجر الْأسود الأسعد خَاله وَسَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته

أما بعد حمد الله الَّذِي أعز هَذِه المثابة العلوية الإمامية النَّبَوِيَّة العزيزة الْأَنْصَار السامية المحتد والنجار الساحبة أذيال عزها الوريف الظلال على أهل الْبَيْت السَّامِي الْمِقْدَار سكان الْحمى وَالَّذين تبوءوا الدَّار وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي أطلع شموس الْهِدَايَة الساطعة الْأَنْوَار وَالرِّضَا عَن آله الَّذين تتضاءل لمجدهم السَّامِي الْمنَار الشموس والأقمار وَعَن أَصْحَابه الَّذين استأصلوا شأفة الْكفْر بمواضي الشفار وصلَة الدُّعَاء لهَذَا الْمقَام الْعلي الإمامي المنصوري الحسني بنصر تجني الْفتُوح من قضب رماحه وتجري الأقدار على وفْق اقتراحه فكتابنا هَذَا إِلَيْكُم من حَضْرَة مراكش حاطها الله ووسع لَهَا المجال فِي ميادين السجال وَالْأَيَّام بعز صولتها ويمن دولتها بِهَذِهِ المغارب باسمة الثغور مؤذنة باتصال أمرهَا الْعَزِيز بحول الله إِلَى أَن تطوى

ص: 150

ملاءة الدهور بعز الله وعنايته هَذَا وَإِن شيخ الركب المغربي وَهُوَ المرابط الْخَيْر الْحَاج مُحَمَّد بن عبد الْقَادِر لما أزمع إِلَى الْمعَاهد الشَّرِيفَة الرحيل لتجديد رسم الطَّاعَة الَّذِي لَيْسَ بعاف وَلَا محيل وهب لَهُ من محارم الله نسيم يمِيل وآن للمطايا أَن تعْمل الوخد والذميل مد إِلَى عَليّ مقامنا أكف الرَّغْبَة فِي كتاب كريم يتشرف بِحمْلِهِ ويتعرف مِنْهُ السَّعَادَة بحول الله فِي مرتحله وحله يتَضَمَّن الْإِيصَاء بِهِ إِلَيْكُم فِي المورد والمصدر وَمُدَّة مقَامه من جواركم بحرم الله تجاه الْبَيْت والمشعر فحملناه هَذِه العجالة لترعوا لَهُ إِن شَاءَ الله عَنْهَا الْحق الْمُعْتَبر وتولوه من جانبكم بِمَا يصدق بِهِ الْخَبَر وتدنوا لَهُ من آماله قطوف كل فنن مهتصر وَمِمَّا نكلفكم النهوض لأجل حُقُوق الْأُخوة بأعبائه ونطالبكم لوشائج الرَّحِم بالاعتناء بِأَدَائِهِ التمَاس الدُّعَاء مَعَ الأحيان تجاه الْبَيْت الْحَرَام وَعند الْمُلْتَزم وَالْمقَام أَن يؤيدنا الله على عَدو الدّين بفضله وينجز لنا وعده الصَّادِق فِي إِظْهَار دينه على الدّين كُله ويسهل علينا بفضله ومعونته أَسبَاب فتح الأندلس وتجديد رسوم الْإِيمَان بهَا وإحياء أطلاله الدَّرْس حَتَّى ينْطق لِسَان الدّين فِيهَا بِكَلِمَات الله الَّتِي طالما سكت عَنْهَا نداؤه وخرس وشرق بريقه فغص وخنس فَذَلِك دُعَاء لَا يرد لِأَنَّهُ جرى من أَهله فِي مَحَله ومعاد السَّلَام الأثم عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته انْتهى

وَقَوله حَتَّى ينْطق لِسَان الدّين فِيهِ تورية بِابْن الْخَطِيب رحمه الله

قَالَ الفشتالي كَانَ تَرْتِيب الْمَنْصُور فِي الاحتفال بالمولد النَّبَوِيّ الْكَرِيم أَنه إِذا طلعت طلائع شهر ربيع الأول صرف الرّقاع إِلَى الْفُقَرَاء أَرْبَاب الذّكر على رسم الصُّوفِيَّة والمؤذنين النعارين فِي الأسحار فَيَأْتُونَ من كل جِهَة ويحشرون من سَائِر حواضر الْمغرب ثمَّ يَأْمر الشماعين بتطريز الشموع وإتقان صنعتها فيتبارى فِي ذَلِك مهرَة الشماعين من كل مَا يباري النَّحْل فِي نسج أشكالها لطفا وإدماجا فيصوغون أنواعا من الشمع الَّتِي تحير النواظر وَلَا تذبل زهورها النواضر فَإِذا كَانَ لَيْلَة المولد تهَيَّأ لحملها وزفاف كواعبها

ص: 151

الصحافون المحترفون بِحمْل خدور العرائس عِنْد الزفاف فيتزينون لذَلِك وَيَكُونُونَ فِي أجمل شارة وَأحسن منظر ويجتمع النَّاس من أَطْرَاف الْمَدِينَة كلهَا لرؤيتها فيمكثون إِلَى حِين يسكن حر الظهيرة وتجنح الشَّمْس للغروب فَيخْرجُونَ بهَا على رؤوسهم كالعذارى يرفلن فِي حلل الْحسن وَهِي عدد كثير كالنحل فيتسابق النَّاس لرؤيتها وتمتد لَهَا الْأَعْنَاق وتبرز ذَوَات الْخُدُور ويتبعها الأطبال والأبواق وَأَصْحَاب المعازف والملاهي حَتَّى تستوي على منصات معدة لَهَا بالإيوان الشريف فتصطف هُنَالك فَإِذا طلع الْفجْر خرج السُّلْطَان فصلى بِالنَّاسِ وَقعد على أريكته وَعَلِيهِ حلَّة الْبيَاض شعار الدولة وأمامه تِلْكَ الشموع الْمُخْتَلفَة الألوان من بيض كالدمى وحمر جليت فِي ملابس أرجوان وخضر سندسية واستحضر من أَنْوَاع الحسك والمباخر مَا يلهي المحزون ويدهش النَّاظر ثمَّ دخل النَّاس أَفْوَاجًا على طبقاتهم فَإِذا اسْتَقر بهم الْمجْلس تقدم الْوَاعِظ فسرد جملَة من فَضَائِل النَّبِي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وَذكر مولده ورضاعه وَمَا وَقع فِي ذَلِك بِاخْتِصَار فَإِذا فرغ انْدفع الْقَوْم فِي الْأَشْعَار المولديات فَإِذا فرغوا تقدم أهل الذّكر المزمزمون بِكَلَام الششتري وأشعار الصُّوفِيَّة ويتخلل ذَلِك نوبَة المنشدين للبيتين فَإِذا فرغوا من ذَلِك كُله قَامَ شعراء الدولة فيتقدم قَاضِي الْجَمَاعَة الشاطبي بلبل مَنَابِر الْجمع والأعياد فينشد قصيدة يفتتحها بالتغزل والنسيب فَإِذا تمّ تخلص لمدح النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يخْتم بمدح الْمَنْصُور وَالدُّعَاء لَهُ ولولي عَهده فَإِذا قضى نشيده تقدم الإِمَام الْمُفْتِي الْمولى أَبُو مَالك عبد الْوَاحِد الشريف فينشد قصيدته على ذَلِك المنوال فَإِذا فرغ تلاه الْوَزير أَبُو الْحسن عَليّ بن مَنْصُور الشيظمي ثمَّ تلاه الْكَاتِب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز الفشتالي ويليه الْكَاتِب مُحَمَّد بن عَليّ الفشتالي ويليه الأديب مُحَمَّد بن عَليّ الهوزالي النَّابِغَة ويليه الأديب الْفَقِيه أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد المسفيوي فَإِذا طوى بِسَاط القصائد نشر خوان الْأَطْعِمَة والموائد فَيبْدَأ بالأعيان على مَرَاتِبهمْ ثمَّ يُؤذن للْمَسَاكِين فَيدْخلُونَ جملَة فَإِذا انْقَضتْ أَيَّام المولد الشريف برزت صلات الشُّعَرَاء على أقدارهم هَكَذَا كَانَ دأبه فِي جَمِيع الموالد وَلَا يُحْصى مَا يفرغ فِيهِ من أَنْوَاع الْإِحْسَان

ص: 152

على النَّاس اه من كتاب مناهل الصفاء

وَقَالَ صَاحب النفحة المسكية فِي السفارة التركية وَهُوَ الْعَلامَة المشارك أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد التامجروتي حضرت المولد الشريف بعد القفول من بِلَاد التّرْك فاستدعى الْمَنْصُور النَّاس لإيوانه السعيد واستدخلهم لقصره البديع المشيد المحتوي على قباب متقابلة عالية وَقد مد فِيهَا من فرش الْحَرِير وصفت النمارق وتدلت الأستار والكلل والحجال المخوصة بِالذَّهَب على كل بَاب قبَّة وحنية سَرِير وَدَار على الْحِيطَان حائطيات الْحَرِير الَّتِي هِيَ كأزهار الخمائل مَا رئيت قطّ فِي عهد الْأَوَائِل وَتلك القباب مَرْفُوعَة الجوانب على قَوَاعِد وأساطين من رُخَام مجزع مطلية الرؤوس بِالذَّهَب الذائب مفروش جلها بالمرمر الْأَبْيَض مخططا بِالسَّوَادِ يَتَخَلَّل ذَلِك مَاء عذب فَيدْخل النَّاس على طبقاتهم وَيَأْخُذ كل مرتبته من قُضَاة وعلماء وصلحاء ووزراء وقواد وَكتاب وأصناف الأجناد فيخيل لكل مِنْهُم أَنه فِي جنَّة النَّعيم وَالسُّلْطَان جَالس فِي فاخر ملابسه تعلوه الهيبة وَالْوَقار وترمقه الْأَبْصَار بالتعظيم والإكبار وَيجْلس من عَادَته الْجُلُوس وَيقف على رَأس السُّلْطَان الوصفان والعلوج وَعَلَيْهِم الأقبية المخوصة والمناطق المرصعة والحزم المذهبة مِمَّا يدهش النَّاظر وركز أمامهم الشمع الملون وَأذن لعامة النَّاس فَدَخَلُوا من أَصْنَاف الْقَبَائِل على أجناسها من الأجناد والطلبة وسكنت بعد حِين الجلبة وأوتي بأنواع الطَّعَام فِي القصاع المالقية والبلنسية المذهبة والأواني التركية والهندية وأوتي بالطسوس والأباريق وصب المَاء على أَيدي النَّاس ونصبت مباخر العنبر وَالْعود وأبرزت صَحَائِف الْفضة وَالذَّهَب وأغصان الريحان الغض فرش بهَا الْبسَاط ورش من مَاء الْورْد والزهر وأنشدوا قصائد وَتكلم المنشدون وَأحسن إِلَيْهِم السُّلْطَان ثمَّ ختموا الْمجْلس بِالدُّعَاءِ للأمير وَإِذا كَانَ يَوْم السَّابِع يكون تَرْتِيب أبدع من الأول وَهَذِه سيرته دَائِما اه

وَهَكَذَا كَانَت سيرته فِي شهر رَمَضَان عِنْد ختم صَحِيح البُخَارِيّ وَذَلِكَ أَنه كَانَ إِذا دخل رَمَضَان سرد القَاضِي وأعيان الْفُقَهَاء كل يَوْم سفرا من نُسْخَة

ص: 153

البُخَارِيّ وَهِي عِنْدهم مجزأَة على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ سفرا فِي كل يَوْم سفرا إِلَّا يَوْم الْعِيد وتاليه فَإِذا كَانَ يَوْم سَابِع الْعِيد ختم فِيهِ صَحِيح البُخَارِيّ وتهيأ لَهُ السُّلْطَان أحسن تهيؤ إِلَّا أَن الْعَادة الْجَارِيَة عِنْدهم فِي ذَلِك أَن القَاضِي يتَوَلَّى السرد بِنَفسِهِ فيسرد نَحْو الورقتين من أول السّفر ويتفاوض مَعَ الْحَاضِرين فِي الْمسَائِل ويلقى من ظهر لَهُ بحث أَو تَوْجِيه مَا ظهر لَهُ وَلَا يزالون فِي المذاكرة فَإِذا تَعَالَى النَّهَار ختم الْمجْلس وَذهب القَاضِي بِالسَّفرِ فيكمله سردا فِي بَيته وَمن الْغَد يَبْتَدِئ سفرا آخر وَهَكَذَا وَالسُّلْطَان فِي جَمِيع ذَلِك جَالس قريب من حَاشِيَة الْحلقَة قد عين لجلوسه مَوضِع

قَالَ الفشتالي وَكَانَ الْمَنْصُور يُعْطي أَمْوَال لِذَوي الْحَاجَات عِنْد انْقِضَاء رَمَضَان وَيُقِيم مهرجانا يَوْم عَاشُورَاء لختان أَوْلَاد الضُّعَفَاء وكل من ختن مِنْهُم أعطي أذرعا من كتَّان وَحِصَّة من الدِّرْهَم وَسَهْما من اللَّحْم اه

وَأما تَرْتِيب جَيش الْمَنْصُور وعادته فِي أَسْفَاره فسنذكرها فِي الْفَصْل بعد هَذَا إِن شَاءَ الله ولنذكر بعض القصائد الميلادية الَّتِي أنشدت بمجالس الْمَنْصُور حَسْبَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فَمن ذَلِك قَول القَاضِي أبي الْقَاسِم بن على الشاطبي رحمه الله

(مَا بَال طيفك لَا يزور لماما

وبمنحنى الأحشا ضربت خياما)

(أيعيش فِيك عواذلي لسلوهم

وأموت فِيك صبَابَة وغراما)

(وتبيح نهرك سَائِلًا من أدمعي

أَو لَيْسَ نهر السَّائِلين حَرَامًا)

(مَا ذقت مَاء لماك فِي سنة الْكرَى

إِلَّا انْتَبَهت فَكَانَ لي أحلاما)

(عرض إِذا حدثت عَن بَان الْحمى

فَحَدِيث قلبِي بالأوجاع هاما)

(أروى حَدِيث الرقمتين مسلسلا

عَن دمع باكية الْغَمَام سجاما)

(وتلق من جيب النسيم تَحِيَّة

أضحى الْهوى بردا لَهَا وَسلَامًا)

(يَا جيرة العلمين دَعْوَة شيق

للذيذ عَيْش بالغضا لَو داما)

(فَخُذُوا بجرعاء الْحمى قلبِي فقد

ألف الْإِقَامَة بالحمى فأقاما)

(وخذوا بثار أهل نجدانهم

سلبوا الْفُؤَاد وأدنفوا الأجساما)

(فِي كل غرب دموع عَيْني مشرق

لكواكب فِيهَا أثرن ظلاما)

ص: 154

(صليت بِنَار الشوق ثمَّ رثت إِلَى

إنسانها فِي لجة قد عَاما)

(وتسلسلت عبراتها شوقا لمن

وقفت عَلَيْهِ صلَاتهَا وَسلَامًا)

(خير الْأَنَام مُحَمَّد الْهَادِي الَّذِي

أردى الضلال وَجب مِنْهُ سناما)

(كنز العوالم سر طِينَة آدم

ولحفظ ذَاك السِّرّ جَاءَ ختاما)

(وَأجل أرسال الْإِلَه وَمن بِهِ

قد لَاذَ يُونُس حِين خَاضَ ظلاما)

(وتقاصرت عَن فَرده أعدادهم

فَلِذَا تقدم فِي الْحساب إِمَامًا)

(أسرى إِلَى السَّبع الطباق فَأَقْبَلت

زمر الملائك وفده إعظاما)

(فِي لَيْلَة غصت بأملاك السما

فتسير خلف ركابه وإماما)

(يَا خير من بهر المعاند شَأْنه

عَجزا فغص بريقه إفحاما)

(أعيى جلالك أَن يُحِيط بوصفه

وصف البليغ وأخرس الأقلاما)

(صلى عَلَيْك الله مَا زار الحيا

روضا فَفتح زهره الأكماما)

(مَا لذتي فِي مدح غير مخلصا

إِلَّا بمدحي من بَيْنك إِمَامًا)

(خير الورى وإمامها الْمَنْصُور من

فِي ظلّ دولته الْأَنَام أناما)

(أضفى على الْأَرْضين ظلّ مهابة

فحمى بهَا حام الْعباد وساما)

(وسما على الدُّنْيَا عِقَاب تنوفة

فانقض يفترس الْأسود بهاما)

(قل للملوك هبوا لمالككم فدى

وخذوا لأنفسكم لَدَيْهِ ذماما)

(هَذَا الَّذِي يحيى الْبِلَاد بعدله

وَيُعِيدهَا نشرا وَكن رماما)

(هَذَا الَّذِي وعد الْإِلَه بِأَنَّهُ

يطوي الْبِلَاد وَيفتح الأهراما)

(يَا مشبه الْمهْدي فِي آرائه

حزما وَفِي عزماته إقداما)

(أَنْت الَّذِي ببنيه أَبنَاء الْعلَا

أرسى الْبِلَاد ووطد الإسلاما)

(فَكَأَنَّهَا من حولك الأشبال فِي

غَابَ الوشيج تبوأت آجاما)

(وأمينها الْمَأْمُون عضب سمامها

علم أناف على الهضاب سناما)

(وَأجل مضطلع تخيره الورى

بعد الإِمَام فقدموه إِمَامًا)

(وحباه أَحْمد عهد أمة أَحْمد

فوفى فَكَانَ لرعيه المعتاما)

(لَا يعدون النَّصْر سَيْفك أَنه

سيف يحوط الدّين والإسلاما)

(خُذْهَا ينم على العبير مديحها

ويفض عَن مسك الختام ختاما)

وَقَالَ الْعَلامَة مفتي الحضرة أَبُو مَالك الْمولى عبد الْوَاحِد بن أَحْمد

ص: 155

الشريف الفيلالي

(أرقت وشاقتني البروق اللوامع

وذكرى خليط هيجتها المرابع)

(مرابع عفتها الروامس والسما

تراق من الأشواق فِيهَا المدامع)

(كَأَن لم تكن من قبل قدما أَو أَهلا

إِذْ السلك منظوم وشملي جَامع)

(تذكرني عهد الأجازع واللوى

وَأَيْنَ اللوى مني وَأَيْنَ الأجازع)

(سحبنا بهَا ذيل الصبابة بُرْهَة

وجفن الردى عَنَّا وحاشاك هاجع)

(وقفت بهَا بالبزل وَاللَّيْل دامس

أنازعها الشكوى بهَا وتنازع)

(أسائلها عَن جيرة بَان حيهم

وضمت هواهم بعد ذَاك الأضالع)

(فَهَل قدمُوا نَحْو العقيق صُدُورهمْ

ولاح لَهُم برق من الْغَوْر لامع)

(يخبر عَن دَار الرَّسُول وقربها

عراص بهَا للوحي فاضت ينابع)

(ديار بهَا حل الْحمى سيد الورى

وهبت على الأشراك مِنْهَا زعازع)

(عَلَيْك صَلَاة الله يَا خير مُرْسل

وَيَا خير من تثني عَلَيْهِ الْأَصَابِع)

(فلولاك هَذَا الْكَوْن مَا زَالَ معدما

وَأَنت الَّذِي يرجوه عَاص وطائع)

(لَك الْفَخر فِي الدَّاريْنِ والموقف الَّذِي

لأهواله كل النَّبِيين جازع)

(فآدمهم وَالْكل تَحت لوائكم

وَلَيْسَ لنا وَالله غَيْرك شَافِع)

(فجازاك رب الْعَرْش مَا أَنْت أَهله

جَزَاء بِهِ يشجي الْمَنَاوِيّ المخادع)

(وجازى إِمَامًا قد نمته إِلَيْكُم

أصُول وآباء كرام فوارع)

(سميك وَابْن السبط حَقًا وَمن لَهُ

عوارف فِي أعناقنا وصنائع)

(فدم للعلا يَا ابْن الخلائف مُفردا

إِلَيْك اشتراؤها وَغَيْرك بَائِع)

(ودام ولي الْعَهْد بعْدك صَارِمًا

يخب إِلَى نيل الْعلَا ويسارع)

(هُوَ الآمن الْمَأْمُون من كل فتْنَة

لفيض الندى من راحتيه يدافع)

(ففيك أَقُول والنصوص شَوَاهِد

أَحَادِيث صحت لَيْسَ فِيهَا مُنَازع)

(بكم رَأس هَذَا الْقرن جدد ديننَا

وفاضت بحور للعلوم هوامع)

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الله يبْعَث على رَأس كل قرن من يجدد لهَذِهِ الْأمة أَمر دينهَا)

وَحمله بعض الْأَئِمَّة على أَن المجدد من الْمُلُوك وَقيل من الْعلمَاء

ص: 156

وَقيل من الْأَوْلِيَاء وَالصَّوَاب الْإِطْلَاق

وَقَالَ الْوَزير الْقَائِد أَبُو الْحسن عَليّ بن مَنْصُور الشيظمي رَحمَه الله تَعَالَى

(من بعد أهل قبا وَأهل كداء

شوقي يزِيد وَعز ذَاك عزائي)

(ولي الشِّفَاء بقربهم وهم جلا

مَا فِي الخواطر من صدى وصداء)

(لكنه بعد المزار فَأَيْنَ من

تِلْكَ الْمعَاهد سَاكن الْحَمْرَاء)

(بانوا وهاج الشوق ذكر ربوعهم

ذَات السنا والرند والأضواء)

(وشدا بهم حادي الركاب فكاد أَن

تدع الْقُلُوب جسومها بفضاء)

(يَا سعد لَو أَن الزَّمَان مساعدي

ومجيب دَاعِي الْبعد بعد ندائي)

(لركبت حرفا كالهلال منافرا

للهمز إِلَّا فِي الْمُنَادِي النائي)

(ولجبت أَحيَاء الفلا وطوبتها

طي الملا بنجيبة فوداء)

(تختاض فِي جَوف الظلام كَأَنَّهَا

سري تولج فِي ضمير حجاء)

(وتخال فِي لجج السراب سفينة

تجْرِي القلوع بهَا برِيح رخاء)

(هَل أنزلن بهَا المخصب من منى

وأزور بعد معاهد الزَّوْرَاء)

(فأحط عَنْهَا الرحل ثمَّ مخيما

فِي ظلّ احْمَد بغيتي ومنائي)

(وامرغ الْخَدين ملتثما ترى

وطئته رجلا خَاتم النبئاء)

(محيى الْهدى ماحي الضَّلَالَة والردا

بالبيض والخطية السمراء)

(صلى عَلَيْهِ الله مَا نسخ السخا

لؤما وَمَا أجلى الدجا ابْن ذكاء)

(وعَلى صحابته الْكِرَام وَآله

أكْرم بهم من سادة فضلاء)

(أكْرم بوارث مجده وعلائه

سبط الرسَالَة غرَّة الْأَبْنَاء)

(خير الخلائف أَحْمد الْمَنْصُور من

حَاز الْكَمَال وَشرط كل عَلَاء)

(الصارم الْهِنْدِيّ فِي يمنى الْهدى

والكوكب الْوَقَّاد فِي الظلماء)

(يَا أَيهَا الْملك الَّذِي بسيوفه

حاط الْهدى وبرأيه الوضاء)

(ذخر الْإِلَه لَك الْفتُوح وصانها

كالزهر فِي الأكمام والأوعاء)

(لَا بُد من فتح يروقك وَاضح

كالصبح يدْرَأ فِي نحور عداء)

(وستملك الْحرم الشريف وينتمي

للوائك الْمَنْصُور دون مراء)

ص: 157

(وَترى الْجِهَات وَقد أَتَت منقادة

بِظَبْيٍ بنيك السَّادة النجباء)

(وتقر عينا بالخليفة مِنْهُم

وزر الْبَريَّة عدَّة الْأُمَرَاء)

(بِمُحَمد الْمَأْمُون خير من ارْتقى

درج الْكَمَال ودب للعلياء)

(فرع سيحكي أَصله وَلَقَد حكى

بمقاصد قد سددت ودهاء)

وَقَالَ الْكَاتِب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الفشتالي رَحمَه الله تَعَالَى

(هم سلبوني الصَّبْر وَالصَّبْر من شأني

وهم حرمُوا من لَذَّة الغمض أجفاني)

(وهم أخفروا فِي مهجتي ذمم الْهوى

فَلم يثنهم عَن سفكها حبي الْجَانِي)

(لَئِن أترعوا من قهوة الْبَين أكؤسي

فشوقهم أضحى سميري وندماني)

(وَإِن غادرتني بالعراء حمولهم

كفى أَن قلبِي جَاهد أثر أظعاني)

(قف العيس واسأل ربعهم أَيَّة مضوا

أللجزع سَارُوا مدلجين أم البان)

(وَهل باكروا بالسفح من جَانب اللوا

ملاعب آرام هُنَاكَ وغزلان)

(وَأَيْنَ استقلوا هَل بهضب تهَامَة

أناخوا المطايا أم على كثب نعْمَان)

(وَهل سَالَ فِي بطن المسيل تشوقا

نفوس ترامت للحمى قبل جثمان)

(وَإِذا زجروها بالْعَشي فَهَل ثنى

أزمتها الْحَادِي إِلَى شعب بوان)

(وَهل عرسوا فِي دير عبدون أم سروا

يؤم بهم رهبانهم دير نَجْرَان)

(سروا والدجى صبغ المطارف فانثنى

بأحداجهم شَتَّى صِفَات وألوان)

(وأدلج فِي الأسحار بيض قبابهم

فلحن نجوما فِي معارج كُثْبَان)

(لَك الله من ركب يرى الأَرْض خطْوَة

إِذا زمها بدنا نواعم أبدان)

(أرحها مطايا قد تمشي بهَا الْهوى

تمشي الحميا فِي مفاصل نشوان)

(ويمم بهَا الْوَادي الْمُقَدّس بالحمى

بِهِ المَاء صدا والكلا نبت سَعْدَان)

(واهد حُلُول الْحجر مِنْهُ تَحِيَّة

تفاوح عرفا ذاكي الرند والبان)

(لقد نفحت من شيخ يثرب نفحة

فهاجت مَعَ الأسحار شوقي وأشجاني)

(وفتت مِنْهَا الشرق فِي الغرب مسكة

سحبت بهَا فِي أَرض دارين أرداني)

(وأذكرني نجدا وَطيب عراره

نسيم الصِّبَا من نَحْو طيبَة حياني)

(أحن إِلَى تِلْكَ الْمعَاهد إِنَّهَا

معاهد راحاتي وروحي وريحاني)

ص: 158

(وأهفو مَعَ الأشواق للوطن الَّذِي

بِهِ صَحَّ لي أنسي الهني وسلواني)

(وأصبوا إِلَى أَعْلَام مَكَّة شائقا

إِذا لَاحَ برق من شمام وشهلان)

(أهيل الْحمى ديني على الدَّهْر زورة

أحث بهَا شوقا لكم عزمي الواني)

(مَتى يشتفي جفني القريح بنظرة

يَزُجّ بهَا فِي نوركم عين إنساني)

(وَمن لي بِأَن يدنوا لقاكم تعطفا

ودهري عني دَائِما عطفه ثَانِي)

(سقى عَهدهم بالخيف عهد تمده

سوافح دمع من شؤوني هتان)

(وأنعم فِي شط العقيق أراكة

بأفيائها ظلّ المنى والهوى داني)

(وَحيا ربوعا بَين مروة والصفا

تَحِيَّة مشتاق لَهَا الدَّهْر حيران)

(ربوعا بهَا تتلو الْمَلَائِكَة الْعلَا

أفانين وَحي بَين ذكر وَقُرْآن)

(وَأول أَرض باكرت عرصاتها

وطرزت البطحا سحائب إِيمَان)

(وعرس فِيهَا للنبوة موكب

هُوَ الْبَحْر طام فَوق هضب وغيطان)

(وَأدّى بهَا الرّوح الْأمين رِسَالَة

أفادت بهَا الْبُشْرَى مدائح عنوان)

(هُنَالك فض خَتمهَا أشرف الورى

وفخر نزار من معد بن عدنان)

(مُحَمَّد خير الْعَالمين بأسرها

وَسيد أهل الأَرْض الْإِنْس والجان)

(وَمن بشرت بِالْبَعْثِ من قبل كَونه

نوامس كهان وأخبار رُهْبَان)

(وَحِكْمَة هَذَا الْكَوْن لولاه مَا سمت

سَمَاء وَلَا غاضت طوافح طوفان)

(وَلَا زخرفت من جنَّة الْخلد أَربع

تسبح فِيهَا أَدَم حور وولدان)

(وَلَا طلعت شمس الْهدى غب دجية

تجهم من ديجورها ليل كفران)

(وَلَا لحقت بالمذنبين شَفَاعَة

يذود بهَا عَنْهُم زباني نيران)

(لَهُ معجزات أخرست كل جَاحد

وسلت على المرتاب صارم برهَان)

(لَهُ انْشَقَّ قرص الْبَدْر شقين وارتوى

بِمَاء همي من كَفه كل ظمآن)

(وأنطقت الْأَوْثَان نطقا تبرأت

إِلَى الله فِيهِ من زخارف ميان)

(دَعَا سرحة عجما فلبت وَأَقْبَلت

تجر ذيول الزهر مَا بَين أفنان)

(وضاءت قُصُور الشَّام من نوره الَّذِي

على كل أفق نازح الْقطر أوداني)

(وَقد بهج الْأَنْوَار بدعوته الَّتِي

كست أوجه الغبراء بهجة نيسان)

(وَأَن كتاب الله أعظم آيَة

بهَا افتضح المرتاب وابتأس الشاني)

ص: 159

(وعدى على شأو البليغ بَيَانه

فهيهات مِنْهُ سجع قس وسحبان)

(نَبِي الْهدى من أطلع الْحق أنجما

محا نورها أسداف إفْك وبهتان)

(بعزتها ذل الأكاسرة الألى

هم سلبوا تيجانها آل ساسان)

(وأحرز للدّين الحنيفي بالظبا

تراث الْمُلُوك الصَّيْد من عهد يونان)

(ونقع من سمر القنا السم قيصرا

فجرعه مِنْهُ مجاجة ثعبان)

(وأضحت ربوع الْكفْر والشرك بلقعا

يناغي الصدا فِيهِنَّ هَاتِف شَيْطَان)

(وأصبحت السمحا تروق نضارة

وَوجه الْهدى بَادِي الصباحة للراني)

(أيا خير أهل الأَرْض بَيْتا ومحتدا

وَأكْرم كل الْخلق عجم وعربان)

(فَمن للقوافي أَن تحيط بوصفكم

وَلَو سجلت سبقا مدائح حسان)

(إِلَيْك بعثناها أماني أجدبت

لتسقى بمزن من أياديك هتان)

(أجرني إِذا أبدى الْحساب جرائمي

وأنقلت الأوزار كفة ميزاني)

(فَأَنت الَّذِي لَوْلَا وَسَائِل عزه

لما فتحت أَبْوَاب عَفْو وغفران)

(عَلَيْك سَلام الله مَا هبت الصِّبَا

وماست على كثبانها ملد قضبان)

(وَحمل فِي جيب الْجنُوب تَحِيَّة

يفوح بمسراها شذا كل تربان)

(إِلَى العمرين صاحبيك كليهمَا

وتلوهما فِي الْفضل صهرك عُثْمَان)

(وحيي عليا عرفهَا وأريجها

ووالي على سبطيك أوفر رضوَان)

(إِلَيْك رَسُول الله صممت عَزمَة

إِذا أزمعت فالشحط والقرب سيان)

(وخاطبت مني الْقلب وَهُوَ مُقَلِّب

على جَمْرَة الأشواق فِيك فلباني)

(فيا لَيْت شعري هَل أزم قلائصي

إِلَيْك بدارا أَو أقلقل كيراني)

(وأطوي أَدِيم الأَرْض نَحْوك راحلا

نواجي المهاري فِي صحاصح فيعان)

(يرنحها فرط الحنين إِلَى الْحمى

إِذا غرد الْحَادِي بِهن وغناني)

(وَهل تمحون عني خَطَايَا اقترفتها

خطى لي فِي تِلْكَ الْبِقَاع وأوطان)

(وماذا عَسى يثني عناني وَإِن لي

بآلك جاها صهوة الْعِزّ أمطاني)

(إِذا صد عَن زوارك الباس والعنا

فجود ابْنك الْمَنْصُور أَحْمد أغناني)

(عمادي الَّذِي أوطا السماكين أخمصي

وأوفى على السَّبع الطباق فأدناني)

(متوج أَمْلَاك الزَّمَان وَإِن سَطَا

أحل سيوفا فِي معاقد تيجاني)

ص: 160

(وقاري أسود الغاب بالصيد مثلهَا

إِذا أضْرب الخطى من فَوق جدران)

(هز بر إِذا زرا الْبِلَاد زئيره

تضاءل فِي أخياسها أَسد خفان)

(وَإِن اطَّلَعت غيم القتام جيوشه

وارزم فِي مركومه رعد نيران)

(صببن على أَرض العداة صواعقا

أسلن عَلَيْهِم بَحر خسف ورجفان)

(كتائب لَو يعلون رضوى لصدعت

صفاه الْجِيَاد الجرد تعدو بعقبان)

(عديد الْحَصَا من كل أروع معلم

وكل كمي بالرديني طعان)

(إِذا جن ليل الْحَرْب عَنْهُم طلى العدا

هدتهم إِلَى أوداجها شهب خرصان)

(من اللاء جرعن العدا غصص الردى

وعفرن فِي وَجه الثرى وَجه بُسْتَان)

(وفتحن أقطار الْبِلَاد فَأَصْبَحت

تُؤدِّي الْخراج الجزل أَمْلَاك سودان)

(إِمَام البرايا من على نجاره

وَمن عترة سادوا الورى آل زَيْدَانَ)

(دعائم إِيمَان وأركان سؤدد

ذووهم قد عرست فَوق كيوان)

(هم العلويون الَّذين وُجُوههم

بدور إِذا مَا احلولكت شهب أزمان)

(وهم آل بَيت شيد الله ملكه

على هضبة العلياء ثَابت أَرْكَان)

(وَفِيهِمْ أَتَى الذّكر الْحَكِيم وصرحت

بفضلهم آيَات ذكر وَقُرْآن)

(فروع ابْن عَم الْمُصْطَفى ووصيه

فناهيك من فخرين قربى وقربان)

(ودوحة مجد معشب الرَّوْض بالعلا

يجاد بأمواه الرسَالَة رَيَّان)

(بمجدهم الْأَعْلَى الصَّرِيح تشرفت

معد على العرباء عَاد وقحطان)

(أُولَئِكَ فخري إِن فخرت على الورى

ونافس بَيْتِي فِي الولا بَيت سلمَان)

(إِذا اقتسم المداح فضل فخارهم

فقسمي بالمنصور ظَاهر رُجْحَان)

(إِمَام لَهُ فِي جبهة الدَّهْر ميسم

وَمن عزه فِي مفرق الْملك تاجان)

(سما فَوق هامات النُّجُوم بهمة

يحوم بهَا فَوق السَّمَوَات نسران)

(وأطلع فِي أفق الْمَعَالِي خلَافَة

عَلَيْهَا وشاح من علاهُ وسمطان)

(إِذا مَا احتبى فَوق الأسرة وارتدى

على كبرياء الْملك نخوة سُلْطَان)

(توسمت لُقْمَان الحجا وَهُوَ نَاطِق

وشاهدت كسْرَى الْعدْل فِي صدر إيوَان)

ص: 161

(وَإِن هزه حر الثَّنَاء تدفقت

أنامله عرفا تدفق خلجان)

(أيا نَاظر الْإِسْلَام شم بارق المنا

وباكر لروض فِي ذرا الْمجد فينان)

(قضى الله فِي علياك أَن تملك الدنا

وتفتحها مَا بَين سوس وسودان)

(وَإنَّك تطوي الأَرْض غير مدافع

فَمن أَرض سودان إِلَى أَرض بغدان)

(وتملأها عدلا يرف لِوَاؤُهُ

على الْحَرَمَيْنِ أَو على رَأس غمدان)

(فكم هنأت أَرض الْعرَاق بك الْعلَا

ووافت بك الْبُشْرَى لأطراف عمان)

(فَلَو شارفت شَرق الْبِلَاد سُيُوفكُمْ

أَتَاك استلابا تَاج كسْرَى وخاقان)

(وَلَو نشر الْأَمْلَاك دهرك أَصبَحت

عيالا على علياك أَبنَاء مَرْوَان)

(وشايعك السفاح يقتاد طَائِعا

برايته السَّوْدَاء أهل خرسان)

(فَمَا الْمجد إِلَّا مَا رفعت سماكه

على عمدي سمر الطوَال ومران)

(وهاتيك أبكار القوافي جلوتها

تغازلهن الْحور فِي دَار رضوَان)

(أتتك أَمِير الْمُؤمنِينَ كَأَنَّهَا

لطائم مسك أَو خمائل بُسْتَان)

(تعاظمن حسنا أَن يُقَال شبيهها

فرائد در أَو قلائد عقيان)

(فَلَا زلت للدنيا تحوط جهاتها

وللدين تحميه بِملك سُلَيْمَان)

(وَلَا زلت بالنصر الْعَزِيز مؤزرا

تقاد لَك الْأَمْلَاك فِي زِيّ عَبْدَانِ)

انْتَهَت القصيدة الفريدة

قَالَ فِي نفح الطّيب أَخْبرنِي ناظمها أَنه أَرَادَ بقوله ونافس بَيْتِي فِي الولا بَيت سلمَان قَبيلَة سلمَان الَّتِي مِنْهَا لِسَان الدّين ابْن الْخَطِيب إِشَارَة إِلَى وَلَاء الْكِتَابَة للخلافة كَمَا كَانَ لِسَان الدّين رحمه الله وَفِيه مَعَ ذَلِك تورية بسلمان الْفَارِسِي رضي الله عنه انْتهى

وَهَذِه القصيدة على طولهَا من غرر القصائد وَلذَا لم يذكر فِي الْمُنْتَقى من الأمداح المنصورية غَيرهَا وَقد أثنى عَلَيْهَا فِي نفح الطّيب جدا وتتبع مَا قيل فِي هَذَا الاحتفال وَإِقَامَة المولد العديم الْمِثَال من الأمداح يُفْضِي إِلَى الطول وَفِي هَذَا الْقدر كِفَايَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

ص: 162