الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضع يَد الجالبين لَهُم عَلَيْهِم فَلَا تَكْفِي شرعا فِي جَوَاز الْإِقْدَام على شرائهم مِنْهُم لضعف هَذِه الْعَلامَة بِمَا أحتف بهَا من الْقَرَائِن المكذبة لَهَا وليستفت الْمَرْء قلبه فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم استفت قَلْبك وَإِن أفتوك فَإِنَّهُ مَتى رَجَعَ إِلَى قلبه فِي هَذِه المعضلة إِلَّا وَلَا يقدر أَن يحوم حول هَذَا الْحمى بِحَال ثمَّ تنزل عَن هَذَا كُله ونقول لَو لم يكن فِي ذَلِك إِلَّا الشُّبْهَة القوية وَفَسَاد الزَّمَان ورقة ديانَة أَهله لَكَانَ فِي هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة مَعَ مُلَاحظَة سد الذريعة الَّذِي هُوَ أحد أصُول الشَّرِيعَة لَا سِيمَا عِنْد الإِمَام مَالك رضي الله عنه مَا يَقْتَضِي وجوب التخلي عَن مُلَابسَة هَذِه الْمفْسدَة المزرية بِالْعرضِ وَالدّين فنسأله سُبْحَانَهُ أَن يوفق من ولاه أَمر الْعباد لحسم مَادَّة هَذِه الْفساد فَإِن سَبَب الاسترقاق الشَّرْعِيّ الَّذِي كَانَ على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَف الصَّالح مَفْقُود الْيَوْم وَهُوَ السَّبي النَّاشِئ عَن الْجِهَاد الْمَقْصُود بِهِ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وسوق النَّاس إِلَى دينه الَّذِي اصطفاه لِعِبَادِهِ هَذَا هُوَ ديننَا الَّذِي شَرعه لنا نَبينَا صلى الله عليه وسلم وخلافه خلاف الدّين وَغَيره غير الْمَشْرُوع والتوفيق إِنَّمَا هُوَ بيد الله {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
بِنَاء قصر البديع بِحَضْرَة مراكش مرسها الله
قَالَ فِي مناهل الصَّفَا كَانَ السَّبَب الْحَامِل للمنصور على بِنَاء البديع وإنفاقه فِيهِ جلائل الْأَمْوَال ونفائس الذَّخَائِر هُوَ أَنه أَرَادَ أَن تكون لأهل الْبَيْت بِهِ مأثرة وشفوف على دولة البرابر من المرابطين والموحدين وَمن بعدهمْ فَإِن كلا من أهل تِلْكَ الدول أبقى بِنَاء يحيا بِهِ ذكره وَلم يكن لأهل الْبَيْت فِي ذَلِك الْمَعْنى شَيْء تزداد بِهِ حظوتهم مَعَ أَنهم أَحَق النَّاس بالمجد والسؤدد الأثيل فتصدى لبنائه بِقصد تشريف أهل الْبَيْت لِأَن الْبناء كَمَا قيل
(همم الْمُلُوك إِذا أَرَادوا ذكرهَا
…
من بعدهمْ فبألسن الْبُنيان)
(إِن الْبناء إِذا تعاظم شَأْنه
…
أضحى يدل على عَظِيم الشَّأْن)
قلت هَذَا اعتذار بَارِد كَمَا لَا يخفى
وَلما أَرَادَ الْمَنْصُور أَن يشرع فِيهِ أحضر أهل الْعلم وَمن يتسم بالصلاح فتحينوا أَوَان الِابْتِدَاء وَوقت الشُّرُوع فِيهِ فَكَانَ ابْتِدَاء الشُّرُوع فِي تأسيسه فِي شَوَّال خَامِس الْأَشْهر من خِلَافَته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة واتصل الْعَمَل فِيهِ إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَلم يَتَخَلَّل ذَلِك فَتْرَة وحشد لَهُ الصناع حَتَّى من بِلَاد الإفرنجية فَكَانَ يجْتَمع كل يَوْم فِيهِ من أَرْبَاب الصَّنَائِع ومهرة الْحُكَمَاء خلق عَظِيم حَتَّى كَانَ بِبَابِهِ سوق عَظِيم يَقْصِدهُ التُّجَّار ببضائعهم ونفائس أعلاقهم وجلب لَهُ الرخام من بِلَاد الرّوم فَكَانَ يَشْتَرِيهِ مِنْهُم بالسكر وزنا بِوَزْن على مَا قيل
وَكَانَ الْمَنْصُور قد اتخذ معاصر السكر بِبِلَاد حاحة وشوشاوة وَغَيرهمَا حَسْبَمَا ذكره الفشتالي رحمه الله فِي المناهل
وَأما جبصه وجيره وَبَاقِي أنقاضه فَإِنَّهَا جمعت من كل جِهَة وحملت من كل نَاحيَة حَتَّى أَنه وجدت بطاقة فِيهَا أَن فلَانا دفع صَاعا من جير حمله من تنبكتو وظف عَلَيْهِ فِي غمار النَّاس
وَكَانَ الْمَنْصُور مَعَ ذَلِك يحسن إِلَى الأجراء غَايَة الْإِحْسَان ويجزل صلَة العارفين بِالْبِنَاءِ ويوسع عَلَيْهِم فِي الْعَطاء وَيقوم بمؤن أَوْلَادهم كي لَا تتشوف نُفُوسهم وتتشعب أفكارهم
وَهَذَا البديع دَار مربعة الشكل وَفِي كل جِهَة مِنْهَا قبَّة رائقة الْهَيْئَة وأحتف بهَا مصانع أخر من قباب وقصور ودور فَعظم بذلك بِنَاؤُه وطالت مسافته وَلَا شكّ أَن هَذَا البديع من أحسن المباني وأعجب المصانع يقصر عَنهُ شعب بوان وينسى ذكر غمدان ويبخس الزهراء والزاهره ويزري بقباب الشَّام وأهرام الْقَاهِرَة وَفِيه من الرخام المجزع والمرمر الْأَبْيَض وَالْأسود مَا يحير الْفِكر ويدهش النّظر وكل رخامة طلي رَأسهَا بِالذَّهَب الذائب وموه بالنضار الصافي وفرشت أرضه بالرخام العجيب النحت الصافي الْبشرَة وَجعل فِي أَضْعَاف ذَلِك الزليج المتنوع التلوين حَتَّى كَأَنَّهُ خمائل الزهر أَو برد موشى من عمل صنعاء وتستر وَأما سقوفه فتجسم فِيهَا الذَّهَب وطليت الجدرات بِهِ مَعَ بديع النقش ورائق الرقم بخالص الجبص فتكاملت فِيهِ المحاسن وأجرى بَين قبابه
مَاء غير آسن وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن هَذَا البديع كَانَ من المباني المتناهية الْبَهَاء وَالْإِشْرَاق المباهية لزوراء الْعرَاق وَمن المصانع الَّتِي هِيَ جنَّة الدُّنْيَا وفتنة الْمحيا ومنتهى الْوَصْف وموقف السرُور والقصف
(كل قصر بعد البديع يذم
…
فِيهِ طَابَ المجنى وطاب المشم)
(منظر رائق وَمَاء نمير
…
وثرى عاطر وقصم أَشمّ)
(إِن مراكشا بِهِ قد تباهت
…
مفخرا فَهِيَ للعلا الدَّهْر تسمو)
وَبِه من الْأَشْعَار المرقومة فِي الأستار والأبيات المنقوشة فِي الْجِهَات على الْخشب والزليج والجبص مَا يسر النَّاظر ويروق المتأمل ويبهر الْعُقُول وعَلى كل قبَّة مَا يُنَاسِبهَا وَفِي بعض القباب مفاخرة على لسانها لمقابلتها وتتبع ذَلِك يطول لَكِن لَا بَأْس أَن نلم هُنَا بثمالة من ذَلِك الْحَوْض ونخوض فِي بحار تِلْكَ الْبَدَائِع بعض الْخَوْض إِذْ فِي ذَلِك عِبْرَة لمن اعْتبر وترويح للقلوب بكيفية فعل الدَّهْر بِمن غبر فَمن ذَلِك مَا نقش خَارج الْقبَّة الخمسينية لِأَن فِيهَا خمسين ذِرَاعا بِالْعَمَلِ من إنْشَاء الْكَاتِب البليغ أبي فَارس عبد الْعَزِيز الفشتالي على لِسَان الْقبَّة الْمَذْكُورَة
(سموت فَخر الْبَدْر دوني وانحطا
…
وَأصْبح قرص الشَّمْس فِي أُذُنِي قرطا)
(وصغت من الإكليل تاجا لمفرقي
…
ونيطت بِي الجوزاء فِي عنقِي سمطا)
(ولاحت بأطواقي الثريا كَأَنَّهَا
…
نثير جمان قد تتبعته لقطا)
(وعديت عَن زهر النُّجُوم لأنني
…
جعلت على كيوان رحلي منحطا)
(وأجريت من فيض السماحة والندى
…
خليجا على نهر المجرة قد غطا)
(عقدت عَلَيْهِ الجسر للفخر فارتمت
…
إِلَيْهِ وُفُود الْبَحْر تغرف مَا أنطا)
(ينضنض مَا بَين الغروس كَأَنَّهُ
…
وَقد رقرقت حصباؤه حَيَّة رقطا)
(حواليه من دوح الرياض خرائد
…
وغيد تجر من خمائلها مِرْطًا)
(إِذا أرْسلت لدن الْفُرُوع وَفتحت
…
جنى الزهر لَاحَ فِي ذوائبها وخطا)
(يرنحها مر النسيم إِذا سرى
…
كَمَا مَال نشوان تشرب اسفنطا)
(يشق رياضا جادها الْجُود والندى
…
سَوَاء لَدَيْهَا الْغَيْث أسكب أم أَبْطَا)
(وسالت بسلسال اللجين حياضه
…
بحارا غَدا عرض الْبَسِيط لَهَا شطا)
(تطلع مِنْهَا وسط وسطاه دمية
…
هِيَ الشَّمْس لَا تخشى كسوفا وَلَا غمطا)
(حكت وحباب المَاء فِي جنباتها
…
سنا الْبَدْر حل من نُجُوم السما وسطا)
(إِذا غازلتها الشَّمْس ألْقى شعاعها
…
على جسمها الفضي نَهرا بهَا لطا)
(توسمت فِيهَا من صفاء أديمها
…
نقوشا كَأَن الْمسك ينقطها نقطا)
(إِذا اتسقت بيض القباب قلادة
…
فَأنى لَهَا فِي الْحسن درتها الوسطا)
(تكنفني بيض الدمى فَكَأَنَّهَا
…
عذارى نضت عَنْهَا القلائد والريطا)
(قدود وَلَكِن زَادهَا الْحسن عريها
…
وأجمل فِي تنعيمها النحت والخرطا)
(سمت صعدا تيجانها فَكسرت
…
فوارير أفلاك السَّمَاء بهَا ضغطا)
(فيالك شأوا بالسعادة آهلا
…
بأكنافه رَحل الْعلَا وَالْهدى حطا)
(وكعة مجد شادها الْعِزّ فانبرت
…
تَطوف بمعناها أماني الورى شوطا)
(ومسرح غزلان الصريم كناسها
…
حنايا قباب لَا الْكتب وَلَا السقطا)
(فلكن بِهِ مَا طَابَ لَا الإثل والخمطا
…
ووسدن فِيهِ الوشي لَا السدر والأرطا)
(ثراه من الْمسك الفتيت مُدبر
…
إِذا مازجته السحب عَاد بهَا خلطا)
(وَإِن باكرته نسمَة ينسري بهَا
…
إِلَى كل أنف عرف عنبره قسطا)
(أقرَّت لَهُ الزهراء والخلد وانثنت
…
أواوين كسْرَى الْفرس تغبطه غبطا)
(جناب رواق الْمجد فِيهِ مطنب
…
على خير من يعزى لخير الورى سبطا)
(إِمَام يسير الدَّهْر تَحت لوائه
…
وترسي سفائن الْعلَا حَيْثُمَا حطا)
(وفتاح أقطار الْبِلَاد بفيلق
…
يفلق هامات العدا بالظبي خبطا)
(تطلع من خرصاته الشهب فانثنت
…
ذوائب أَرض الزنج من ضوءها شُمْطًا)
(كتائب نصران جرت لملمة
…
جرت قبلهَا الأقدار تسبقها فرطا)
(إِذا مَا عقدن راية علوِيَّة
…
جعلن ضَمَان الْفَتْح فِي عقدهَا شرطا)
(فَمَا للسما تِلْكَ الْأَهِلّة إِنَّمَا
…
سنابكها أبقت مِثَالا بهَا خطا)
(يطاوع أَيدي المعلوات عنانها
…
فيعتاض من قبض الزَّمَان بهَا بسطا)
(يَد لأمير الْمُؤمنِينَ بكفها
…
زِمَام يَقُود الرّوم وَالْفرس والقبطا)
(أدَار جدارا للعلا وسرادقا
…
يحوط جِهَات الأَرْض من رعيه حوطا)
وَقَالَ أَيْضا مِمَّا كتب بداخل الْقبَّة الْمَذْكُورَة
(جمال بدائعي سحر العيونا
…
ورونق منظري بهر الجفونا)
(وَقد حسنت بقوسي واستطارت
…
سنا يغشى عُيُون الناظرينا)
(وأطلع سمكي الْأَعْلَى نجوما
…
ثواقب لَا تغور الدَّهْر حينا)
(وجوى من دُخان الند ألْقى
…
على أرضي الغياهب والدجونا)
(عَلَوْت دوائر الأفلاك سبعا
…
لذاك الدَّهْر مَا ألفت سكونا)
(فصغت من الْأَهِلّة والحنايا
…
أساور والخلاخل والبرينا)
(تكنفني حِيَاض مائحات
…
أَمَامِي وَالشَّمَائِل واليمينا)
(يُقيد حسنها الطّرف انفساحا
…
وَيجْرِي الْفلك فِيهَا والسفينا)
(تدافع نهرها نحوي فَلَمَّا
…
علاهُ الْبَحْر فِي غَدا دَفِينا)
(وَقد نشر الْحباب على سَمَّاهَا
…
لآلي تزدري العقد الثمينا)
(فخرت وَحقّ لي لما اجتباني
…
لمجلسه أَمِير المؤمنينا)
(هُوَ الْمَنْصُور حائز فصل سبق
…
وباني الْمجد بنيانا مكينا)
(وَلَيْث وغى إِذا زأر امتعاضا
…
يروع زئيره هندا وصينا)
(إِذا أمت كتائبه الأعادي
…
بعثن برعبه جَيْشًا كمينا)
(يُدِير عَلَيْهِم من كل حَرْب
…
تدقهم رحى أَو منجنونا)
(إِمَام بالمغارب لَاحَ شمسا
…
بهَا الشرق اكتسى نورا مُبينًا)
(بقيت بِذِي الْقُصُور الغر بَدْرًا
…
تلوح بأفقهن مدى السنينا)
(تحف بكم عواكف عِنْد بَابي
…
مَلَائِكَة كرام كاتبينا)
(لَك الْبُشْرَى أَمِير الْمُؤمنِينَ ادخلوها
…
مَعَ سَلام آمنينا)
وَقَالَ أَيْضا مِمَّا كتب فِي بهوها بمرمر أسود فِي أَبيض
(لله بهو عز مِنْهُ نَظِير
…
لما غَدا كالروض وَهُوَ نضير)
(رصفت نقوش حلاه رصف قلائد
…
قد نضدتها فِي النحور الْحور)
(فَكَأَنَّهَا والتبر سَالَ خلالها
…
وشي وَفِضة تربها كافور)
(وَكَأن أَرض قراره ديباجة
…
قد زَان حسن طرازها تشجير)
(وَإِذا تصاعد نده نوأ فَفِي
…
أنماطه نور بِهِ مَمْطُور)
(شأو الْقُصُور قُصُورهَا عَن وَصفه
…
سيان فِيهِ خورنق وسدير)
(فَإِذا أجلت اللحظ فِي جنباته
…
يرْتَد وَهُوَ بحسنه محسور)
(وَكَأن موج البركتين أَمَامه
…
حركات سحب صافحته دبور)
(صفت بضفتها تماثل فضَّة
…
ملك النُّفُوس بحسنها تَصْوِير)
(فتدير من صفو الزلَال مُعَللا
…
يسري إِلَى الْأَرْوَاح مِنْهُ سرُور)
(مَا بَين آساد يهيج زئيرها
…
وأساود يَعْلُو لَهُنَّ صفير)
(ودحت من الْأَنْهَار أَرض زجاجة
…
وأضلها فلك يضيء مُنِير)
(راقت فَمن حصبائها وفواقع
…
يطفو عَلَيْهَا اللُّؤْلُؤ المنثور)
(يَا حسنه من مصنع فبهاؤه
…
باهى نُجُوم الْأُفق وَهِي تنور)
(وكأنما زهر الرياض بجنبه
…
حَيْثُ الْتفت كواكب وبدور)
(ولدسته الأسمى تخير رصفه
…
فَخر الورى وإمامها الْمَنْصُور)
(ملك أناف على الفراقد رُتْبَة
…
وَأقله فَوق السماك سَرِير)
(قطب الْخلَافَة تَاج مفرق دولة
…
رميت بجحفلها اللهام الكور)
(وَجرى إِلَى أقْصَى الْعرَاق لرعبها
…
جَيش على جسر الْفُرَات عبور)
(نجل النَّبِي ابْن الْوَصِيّ سليل من
…
حقن الدِّمَاء وعف وَهُوَ قدير)
(بَحر الندى لكنه متموج
…
سيف الْعلَا لكنه مطرور)
(طود يخف لحلمه ووقاره
…
ولجيشه يَوْم النزال ثبير)
(دَامَت معاليه ودام ومجده
…
طوق على جيد الْعلَا مزرور)
(وتعاهدته من الْفتُوح بشائر
…
يَغْدُو عَلَيْهِ بهَا مسا وبكور)
(مَا زَالَ منزل سعده يرتاده
…
نصر يرف لِوَاؤُهُ المنشور)
(وَجَرت بِهِ مرحا جِيَاد مَسَرَّة
…
وأدار كأس الْأنس فِيهِ سمير)
وَقَالَ بعض الْكتاب مِمَّا نقش فِي عضادتي بَاب الْقبَّة الخمسينية الْمَذْكُورَة
(يَا نَاظرا بِاللَّه قف وَتَأمل
…
وَانْظُر إِلَى الْحسن البديع الْأَكْمَل)
(وَإِذا نظرت إِلَى الْحَقِيقَة فَلْتَقُلْ
…
السِّرّ فِي السكان لَا فِي الْمنزل)
وَقَالَ بعض الْكتاب أَيْضا مَا طرزت بِهِ الأستار المذهبة المحكمة الصَّنْعَة لتستر بهَا النواحي الْأَرْبَعَة من الْقبَّة الخمسينية وَتسَمى هَذِه الأستار عِنْد أهل
الْمغرب بالحائطي فَفِي الْجِهَة الأولى
(متع جفونك فِي بديع لباسي
…
وأدر على حسني حميا الكاس)
(هذي الرِّبَا وَالرَّوْض من جرعائها
…
لم تغتذي بالعارض البجاس)
(أَنى لروض أَن يروق بهاؤه
…
مثلي وَأَن يجْرِي على مقياسي)
(فالروض تغشاه السوام وَإِنَّمَا
…
تأوي إِلَى كنفي ظباء كناس)
وَفِي الْجِهَة الثَّانِيَة
(من كل حسنا كالقضيب إِذا انثنى
…
تزري بِغُصْن البانة المياس)
(وَلَقَد نشرت على السماك ذوائبي
…
وَنظرت من شرز إِلَى الكناس)
(وجررت ذيلي بالمجرة عابثا
…
فخرا بمخترعي أبي الْعَبَّاس)
(مَا نيط مثلي فِي القباب وَلَا ازدهت
…
بفتى سواهُ مَرَاتِب وكراس)
وَفِي الْجِهَة الثَّالِثَة
(ملك تقاصرت الْمُلُوك لعزه
…
وَرَمَاهُمْ بالذل والإتعاس)
(غيث الْمَوَاهِب بَحر كل فَضِيلَة
…
لَيْث الحروب مسعر الأوطاس)
(فَرد المحاسن والمفاخر كلهَا
…
قطب الْجمال أَخُو الندى والباس)
(ملك إِذا وافى الْبِلَاد تأرجت
…
مِنْهُ الوهاد بعاطر الأنفاس)
وَفِي الْجِهَة الرَّابِعَة
(وَإِذا تطلع بدره من هَالة
…
يعشى سناه نواظر الْجلاس)
(أَيَّامه غرر تجلت كلهَا
…
أبهى من الأعياد والأعراس)
(لَا زَالَ للمجد السّني يشده
…
وَيُقِيم مبناه على الأساس)
(مَا مَال بالغصن النسيم وكللت
…
دُرَر الندى فِي جيده المياس)
وَقَالَ أَبُو فَارس الفشتالي مِمَّا كتب على المصرية المطلة على الرياض المرتفعة على الْقبَّة الخضراء من بديع الْمَنْصُور وَكَانَ أَنْشَأَهَا فِي جُمَادَى الأولى من سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة
(باكر لدي من السرُور كؤوسا
…
وَأَرْض النديم أَهله وشموسا)
(وأعرج على غرفي المنيف سماؤها
…
تلق الفراقد فِي حماي جُلُوسًا)
(وَإِذا طلعت بأوجها قمر الْعلَا
…
لَا تَرْتَضِي غير النُّجُوم جَلِيسا)
(شَرق الْقُصُور بريقها لما اجتلت
…
مني على بسط الرياض عروسا)
(واعتضت بالمنصور أَحْمد ضيغما
…
وردا تخير من بديعي خيسا)
(ملك أرى كل الْمُلُوك ممالكا
…
لعلاه وَالدُّنْيَا عَلَيْهِ حَبِيسًا)
(وَهُنَاكَ يَا شرف الْخلَافَة دولة
…
تلقى برايتها طلائع عيسا)
وَقَالَ أَيْضا مِمَّا كتب فِي بعض المباني البديعية
(مَعَاني الْحسن تظهر فِي المغاني
…
ظُهُور السحر فِي حدق الحسان)
(مشابه فِي صِفَات الْحسن أضحت
…
تمت بهَا المغاني للغواني)
(بِكُل عَمُود صبح من لجين
…
تكون فِي استقامة خوط بَان)
(مفصلة القدود مثلثات
…
مُوَاصلَة العناق من التدان)
(تردت سابري الْحسن يزري
…
بِحسن السابري الخسرواني)
(وتعطو الخيزرانة من حماها
…
بسالفة القطيع البرهماني)
(لمجدك تنتمي لَكِن نماها
…
إِلَى صنعاء مَا صنع اليدان)
(يدين لَك ابْن ذِي يزن ويعنو
…
لَهما غمدان فِي أَرض الْيَمَانِيّ)
(غَدَتْ حرما وَلَكِن حل فِيهَا
…
لوفدكم الْأمان مَعَ الْأَمَانِي)
(مبان بالخلافة آهلات
…
بهَا يَتْلُو الْهدى السَّبع المثاني)
(هِيَ الدُّنْيَا وساكنها إِمَام
…
لأهل الأَرْض من قاص وداني)
(قُصُور مَا لَهَا فِي الأَرْض شبه
…
وَمَا فِي الْمجد للمنصور ثَانِي)
وَقَالَ مِمَّا نقش فِي بعض الْأَبْوَاب
(هذي وُفُود السعد نحوي ترتمي
…
وطلائع الْبُشْرَى لبابي تنتمي)
(وسمت إِلَيّ عفاة عرفك مثل مَا
…
يسمو الحجيج إِلَى سِقَايَة زَمْزَم)
(حطت بمصراعي السُّعُود بشائرا
…
لاحت على الشرفات مثل الأنجم)
(وَأَوَان صنعي أَن تَقول وَلَا تبل
…
ببديع أَحْمد جنَّة المتنعم)
وَقَالَ الفشتالي لما عرضت عَلَيْهِ هَذِه الأبيات استحسنها إِلَّا أَنه كره لَفْظَة جنَّة وَتغَير مِنْهَا كثيرا وَقَالَ الْوَزير الأديب أَبُو الْحسن عَليّ بن مَنْصُور الشيظمي مِمَّا كتب على مُبَاح قبَّة الزّجاج
(إِن شِئْت تَارِيخ إِكْمَال البديع فَقل
…
إيوَان أَحْمد إيوَان السعادات)
وَقَالَ الْوَزير الْمَذْكُور مِمَّا نقش على أحد أَبْوَاب البديع
(بَاب أَتَى كبراعة استهلال
…
وكأنما الْقصر القصيد التَّالِي)
(ولذاك سمي بالبديع وَجَاء بَال
…
إغراق والتجنيس والإيفال)
(وأتى التَّمام فَقلت فِي تَارِيخه
…
بَيْتا بِلَا عقد وَلَا إِشْكَال)
(صرح على تقوى من الله انبنى
…
فِي طالع للسعد والإقبال)
وَقَالَ أَيْضا فِي تَمام البديع مهنئا
(يَا مليكا ملكه فِيمَن ملك
…
كطلوع الْفجْر من بعد الحلك)
(تمّ هَذَا الْقصر فاسكنه على
…
حسن حَال بدوام الْملك لَك)
وَكَانَ الْفَرَاغ من تَمام البديع سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَفِي تَارِيخه يَقُول الْوَزير الْمَذْكُور وَهُوَ مِمَّا نقش بِبَاب الرخام أحد أَبْوَاب البديع
(الْحسن لفظ وَهَذَا الْقصر مَعْنَاهُ
…
ياما أميلح مرآه وَأَبْهَاهُ)
(فَهُوَ البديع الَّذِي راقت بدائعه
…
وطابق اسْم لَهُ فِيهِ مُسَمَّاهُ)
(صرح أُقِيمَت على التَّقْوَى قَوَاعِده
…
وَدلّ مِنْهُ على التَّارِيخ مَعْنَاهُ)
(ولاح أَيْضا وَعين الْحِفْظ تكلاه
…
تَارِيخه من تَمام قل هُوَ الله)
قَالَ فِي نفح الطّيب اخترع الْمَنْصُور من المصانع ثَلَاثَة أَشْيَاء فَجَاءَت غَرِيبَة الشكل بديعة الْحسن وَهِي البديع والسمرة والمشتهى وَفِيهِمَا يَقُول الْمَنْصُور موريا
(بُسْتَان حسنك أبدعت زهراته
…
وَلكم نهيت الْقلب عَنهُ فَمَا انْتهى)
(وقوام غصنك بالمسرة ينثني
…
يَا حسن رمان بِهِ للمشتهى) اه
قَالَ اليفرني وَالَّذِي ذكره صَاحب كتاب الْبَيَان الْمغرب عَن أَخْبَار الْمغرب وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عِذَارَيْ الأندلسي حَسْبَمَا رَأَيْته فِي السّفر الثَّانِي مِنْهُ أَن أول من أنشأ المسرة الَّتِي بِظَاهِر جنان الصَّالِحَة عبد الْمُؤمن بن عَليّ كَبِير الْمُوَحِّدين قَالَ وَهُوَ بُسْتَان طوله ثَلَاثَة أَمْيَال وَعرضه قريب مِنْهَا فِيهِ كل فَاكِهَة تشْتَهى وجلب إِلَيْهِ المَاء من أغمات واستنبط لَهُ عيُونا كَثِيرَة
قَالَ ابْن اليسع وَمَا خرجت أَنا من مراكش فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة إِلَّا وَهَذَا الْبُسْتَان الَّذِي غرسه عبد الْمُؤمن يبلغ مَبِيع زيتونه وفواكهه ثَلَاثِينَ ألف دِينَار مؤمنية على رخص الْفَاكِهَة بمراكش اه وَلَعَلَّ الْمَنْصُور جدد معالم المسرة بعد اندراسها وأفاض سِجَال الْحَيَاة على ميت غراسها وَكَانَ الْمَنْصُور يفتخر بالبديع كثيرا وينوه بِقَدرِهِ وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو فَارس الفشتالي
(هَذَا البديع يعز شبه بَدَائِع
…
أبدعتهن بِهِ فجَاء غَرِيبا)
(أضنى الغزالة حسنه حسدا لَهُ
…
أبدى عَلَيْهَا للأصيل شحوبا)
(وَانْقَضَت الزهر المنيرة إِذْ رَأَتْ
…
زهر الرياض بِهِ ينور عجيبا)
(شيدتهن مصانعا وصنائعا
…
أنجزن وَعدك للعلا المرقوبا)
(وجريت فِي كل الفخار لغاية
…
أدركتهن وَمَا مسست لغوبا)
(فانعم بملكك دَامَ فِيهِ مُؤَبَّدًا
…
تجني بِهِ فنن النَّعيم رطيبا)
وَلما أكمل الْمَنْصُور البديع وَفرغ من تنميق بردته وتطريز حلته صنع مهرجانا عَظِيما ودعا الْأَعْيَان والأكابر فَقدم لَهُم من ضروب الْأَطْعِمَة وصنوف الموائد وأفرغ عَلَيْهِم من العطايا ومنحهم من الجوائز مَا لم يعْهَد مِنْهُ قبل ذَلِك وَكَانَ مِمَّن دخل فِي غمار النَّاس رجل من البهاليل مِمَّن كَانَت لَهُ شهرة بالصلاح فِي الْوَقْت فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور مباسطا كَيفَ رَأَيْت دَارنَا هَذِه يَا فلَان فَقَالَ لَهُ إِذا هدمت كَانَت كدية كَبِيرَة من التُّرَاب فَوَجَمَ لَهَا الْمَنْصُور وَتَطير مِنْهَا وتحكى هَذِه الْحِكَايَة عَن غير الْمَنْصُور فَالله أعلم
قَالَ اليفرني وَقد ظهر مصداق ذَلِك على يَد السُّلْطَان المظفر الْمولى إِسْمَاعِيل بن الشريف فَإِنَّهُ أَمر بهدمه سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَألف لموجب يطول شَرحه فهدمت معالمه ومحيت مراسمه وَفرق مَا كَانَ بِهِ من جموع الْإِنْس وَعَاد حصيدا كَأَن لم يغن بالْأَمْس حَتَّى صَار مرعى للكلاب والمواشي ووكرا للصدى والبوم وَحقّ على الله أَن لَا يرفع شَيْئا من الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه وَمن الْعَجَائِب أَنه لم يبْق بلد من بِلَاد الْمغرب إِلَّا ودخله شَيْء من أنقاض البديع وَلَقَد تذكرت بِهَذَا مَا حَكَاهُ بعض مؤرخي الأندلس أَن
الزاهرة الَّتِي بناها الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَهِي من عجائب الدُّنْيَا مر عَلَيْهَا فِي أَيَّام الْمَنْصُور بعض أهل البصائر وَهِي فِي نِهَايَة الْعمرَان والازدهاء بسكانها فَقَالَ يَا دَار فِيك من كل دَار فَجعل الله مِنْك فِي كل دَار قَالَ فَضرب الدَّهْر ضرباته وسلط عَلَيْهَا أَيدي الْعدوان فهدمت وَخَربَتْ وَتَفَرَّقَتْ محاسنها حَتَّى نقل بعض أنقاضها إِلَى الْعرَاق
قَالَ اليفرني وَلما دخلت البديع مقفلي من الرحلة وَرَأَيْت مَا هالني أنشدت أبياتا أنشدها الشَّيْخ محيى الدّين بن عَرَبِيّ فِي كتاب المسامرة لما دخل الزاهرة فَوَجَدَهَا متهدمة وَهِي
(ديار بِأَكْنَافِ الملاعب تلمع
…
وَمَا أَن بهَا من سَاكن فَهِيَ بلقع)
(ينوح عَلَيْهَا الطير من كل جَانب
…
فتصمت أَحْيَانًا وحينا ترجع)
(فخاطبت مِنْهَا طائرا متفردا
…
لَهُ شجن فِي الْقلب وَهُوَ مروع)
(فَقلت على مَاذَا تنوح وتشتكي
…
فَقَالَ على دهر مضى لَيْسَ يرجع)
وأنشدت مَا أنْشدهُ ابْن الْآبَار فِي تحفة القادم
(قلت يَوْمًا لدار قوم تفانوا
…
أَيْن سكانك الْكِرَام علينا)
(فأجابت هُنَا أَقَامُوا قَلِيلا
…
ثمَّ سَارُوا وَلست أعلم أَيّنَا)
ثمَّ قَالَ اليفرني رحمه الله
لَطِيفَة تَأَمَّلت لفظ البديع فَوجدت عدد نقط حُرُوفه بِحِسَاب الْجمل مائَة وَسَبْعَة عشر وَهَذَا الْقدر هُوَ الَّذِي بَقِي فِيهِ البديع قَائِما فَإِنَّهُ فرغ مِنْهُ سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَشرع فِي هَدمه سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَألف فمدة عمره مائَة وَسبع عشرَة سنة على عدد اسْمه وَذَلِكَ من غَرِيب الِاتِّفَاق فسبحان من دقَّتْ حكمته وجلت قدرته وعمت رَحمته لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم