المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌غزو السودان وفتح مدينة كاغو ومقتل سلطانها إسحاق سكية رحمه الله - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٥

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة السعدية

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَشْرَاف السعديين من آل زَيْدَانَ وَذكر أوليتهم وَتَحْقِيق نسبهم

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَمِير أبي عبد الله مُحَمَّد الْقَائِم بِأَمْر الله وبيعته وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌أَخْبَار الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم فِي الْجِهَاد وَمَا هيأ الله لَهُ من النَّصْر فِيهِ

- ‌عقد الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج رَحِمهم الله تَعَالَى

- ‌انْتِقَال الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم إِلَى أفغال من بِلَاد حاحة ووفاته بهَا رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْأَعْرَج ابْن الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم رحمه الله

- ‌دُخُول السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌نقل الشَّيْخ الْجُزُولِيّ رضي الله عنه من مدفنه بآفغال إِلَى مراكش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌مَجِيء السُّلْطَان أبي عبد الله الوطاسي إِلَى مراكش وحصاره للسُّلْطَان الْأَعْرَج بهَا ثمَّ إقلاعه عَنْهَا

- ‌خبر آسفي والثغور

- ‌حُدُوث النفرة بَين الْأَخَوَيْنِ السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج ووزيره أبي عبد الله الشَّيْخ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌أَمر زَيْدَانَ ابْن السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس وَمَا كَانَ مِنْهُ

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الْمهْدي الْمَعْرُوف بالشيخ ابْن الْأَمِير أبي عبد الله الْقَائِم بِأَمْر الله

- ‌فتح حصن فونتي وآسفي وآزمور وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌بِنَاء حصن آكادير

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ على مراكش وتجديد الْبيعَة لَهُ بهَا

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الشَّيْخ لِحَرْب بني وطاس واستيلاؤه على مكناسة وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌حِصَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ حَضْرَة فاس ومقتل الشَّيْخ عبد الْوَاحِد الوانشريسي رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ على فاس وَقَبضه على الوطاسيين وتغريبهم إِلَى مراكش

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ إِلَى تلمسان واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌امتحان السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أَرْبَاب الزوايا والمنتسبين وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وفادة الإِمَام أبي عبد الله الخروبي من جَانب دولة التّرْك فِي شَأْن قسم الْبِلَاد وتحديدها

- ‌قدوم أبي حسون الوطاسي بِجَيْش التراك واستيلاؤه على فاس ونفيه الشَّيْخ عَنْهَا

- ‌عود السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ إِلَى فاس واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌مقتل الفقيهين أبي مُحَمَّد الزقاق وَأبي عَليّ حرزوز وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌تَرْتِيب السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أَمر دولته وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌وضع الوظيف الْمُسَمّى فِي لِسَان الْعَامَّة بالنائبة

- ‌مراسلة السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌قدوم طَائِفَة التّرْك من عِنْد السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني واغتيالهم للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ رحمه الله

- ‌مَجِيء حسن بن خير الدّين التركي إِلَى فاس ورجوعه مُنْهَزِمًا عَنْهَا

- ‌بِنَاء جَامع المواسين بِحَضْرَة مراكش وَالْبركَة الْمُتَّصِلَة بِهِ والمارستان وَغير ذَلِك

- ‌فتح مَدِينَة شفشاون وانقراض أَمر بني رَاشد مِنْهَا

- ‌حِصَار البريجة الْمُسَمَّاة الْيَوْم بالجديدة

- ‌وفادة السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه على الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي رضي الله عنه

- ‌اسْتِيلَاء النَّصَارَى على حجر باديس وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌فتْنَة الْفَقِيه أَبُو عبد الله الأندلسي ومقتله

- ‌ظُهُور بِدعَة الشراقة من الطَّائِفَة اليوسفية وَمَا قيل فيهم

- ‌احتيال النَّصَارَى بمكيدة البارود بِجَامِع الْمَنْصُور من مراكش وَمَا وقى الله تَعَالَى من شَرها

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي مُحَمَّد عبد الله الْغَالِب بِاللَّه رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد المتَوَكل على الله ابْن السُّلْطَان عبد الله الْغَالِب بِاللَّه رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه ابْن مُحَمَّد الشَّيْخ وأولية أمره ومآله

- ‌مَجِيء السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك بن الشَّيْخ السَّعْدِيّ بعسكر التّرْك واستيلاؤه على الْمغرب

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي مَرْوَان عبد الْملك المعتصم بِاللَّه على حَضْرَة فاس وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان أبي مَرْوَان إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا وفرار ابْن أَخِيه إِلَى السوس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌اسْتِخْلَاف السُّلْطَان أبي مَرْوَان لِأَخِيهِ أبي الْعَبَّاس أَحْمد على فاس وأعمالها

- ‌ظُهُور أبي عبد الله المتَوَكل بالسوس ومجيئه إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌الْغَزْوَة الْكُبْرَى بوادي المخازن من بِلَاد الهبط وَالسَّبَب فِيهَا

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي مَرْوَان وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمَنْصُور بِاللَّه السَّعْدِيّ الْمَعْرُوف بالذهبي وأوليته ونشأته

- ‌عقد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَدْعُو الْمَأْمُون

- ‌ثورة دَاوُد بن عبد الْمُؤمن بن مُحَمَّد الشَّيْخ وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌حُدُوث النفرة بَين الْمَنْصُور وَالسُّلْطَان مُرَاد العثماني وتلافي الْمَنْصُور لذَلِك

- ‌إِيقَاع الْمَنْصُور بعرب الْخَلْط وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء الْمَنْصُور على بِلَاد الصَّحرَاء تيكورارين وتوات وَغَيرهمَا

- ‌وُصُول هَدِيَّة صَاحب برنو إِلَى الْمَنْصُور بِحَضْرَة فاس وَمَا نَشأ عَن ذَلِك من بيعَته لَهُ والتزام طَاعَته

- ‌بعث الْمَنْصُور وَرَسُوله بالدعوة إِلَى آل سكية وَكَيْفِيَّة ذَلِك

- ‌مفاوضات الْمَنْصُور الْمَلأ من أَصْحَابه فِي غَزْو آل سكية وَمَا دَار بَينهم فِي ذَلِك

- ‌استجازة الْمَنْصُور لعلماء مصر رضي الله عنهم وتلمذه لَهُم

- ‌تَجْدِيد الْمَنْصُور ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ الْمَأْمُون وَمَا وَقع فِي ذَلِك

- ‌ثورة الْحَاج قرقوش بِبِلَاد غمارة ومقتله

- ‌بِنَاء الْمَسْجِد الْجَامِع بِبَاب دكالة من حَضْرَة مراكش حرسها الله

- ‌بعث الْمَنْصُور ببيلة الرخام إِلَى جَامع الْقرَوِيين من فاس حرسها الله

- ‌غَزْو السودَان وَفتح مَدِينَة كاغو ومقتل سلطانها إِسْحَاق سكية رحمه الله

- ‌وَفَاة أم الْمَنْصُور الْحرَّة مسعودة الوزكيتية رَحمهَا الله

- ‌نكبة الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بَابا السوداني وعشيرته من آل آقيت وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌تَتِمَّة

- ‌بِنَاء قصر البديع بِحَضْرَة مراكش مرسها الله

- ‌ثورة النَّاصِر ابْن السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه بِبِلَاد الرِّيف ومقتله

- ‌ذكر سيرة الْمَنْصُور فِي تَرْتِيب جيوشه وحالات أَسْفَاره

- ‌انْتِقَاض ولي الْعَهْد مُحَمَّد الشَّيْخ الْمَأْمُون على أَبِيه الْمَنْصُور وَمَا آل إِلَيْهِ أمره فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة الْمَنْصُور رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْمَنْصُور وَبَعض سيرته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الْمَعَالِي زَيْدَانَ بن أَحْمد الْمَنْصُور رَحمَه الله تَعَالَى

الفصل: ‌غزو السودان وفتح مدينة كاغو ومقتل سلطانها إسحاق سكية رحمه الله

‌غَزْو السودَان وَفتح مَدِينَة كاغو ومقتل سلطانها إِسْحَاق سكية رحمه الله

قد تقدم لنا مَا كَانَ من مُفَاوَضَة الْمَنْصُور لحاشيته فِي غَزْو السودَان واستقرار رَأْيهمْ على ذَلِك فَبَقيَ الْمَنْصُور يقدم رجلا وَيُؤَخر أُخْرَى إِلَى أَن كَانَت سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فقوي عزمه واشتغل بتجهيز آلَة الْحَرْب وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْجَيْش من آلَة السّفر ومهماته وَأمر القواد أَن يقومُوا حصص الْقَبَائِل وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من إبل وخيل وبغال وَإِن من أَتَى بجمل ضَعِيف يُعَاقب واشتغل هُوَ بتقويم آلَة الْحَرْب من المدافع والعجلات الَّتِي تحملهَا والبارود والرصاص والكور وتقويم الْخشب واللوح وَالْحَدِيد للغلائط والسفن والفلك والمجاذيف والقلوع والبراميل والروايا لحمل المَاء وَألف النجارون ذَلِك فِي الْبر إِلَى أَن تألف ثمَّ خلعوه وشدوه أحمالا وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى أَن استوفى الْمَنْصُور أَمر الْغَزْو فِي ثَلَاث سِنِين ثمَّ أَمر بِإِخْرَاج الْمضَارب والمباني لوادي تانسيفت فَخرجت الْأَحْمَال والأثقال من مراكش فِي الْيَوْم السَّادِس عشر من ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَنزلت العساكر وَضربت أبنيتها خيلا ورجلا وجملتها عشرُون ألفا وَمَعَهُمْ من المعلمين البحرية والطبجية أَلفَانِ فالمجموع اثْنَان وَعِشْرُونَ ألفا وَعقد الْمَنْصُور على ذَلِك الْجَيْش لمَوْلَاهُ الباشا جؤذر وَشد أزره بِجَمَاعَة من أَعْيَان الدولة فَاخْتَارَ مِنْهُم من يعلم نجدته وَيعرف كِفَايَته وتخير من الْإِبِل كل بازل وكوماء وَمن الْخَيل كل عَتيق وجرداء ثمَّ نهضوا فِي زِيّ عَظِيم وهيئة لم ير مثلهَا وَذَلِكَ فِي محرم فاتح سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكتب الْمَنْصُور إِلَى قَاضِي تنبكتو الْفَقِيه الْعَلامَة أبي حَفْص عمر ابْن الشَّيْخ مَحْمُود ابْن عمراء قيت الصنهاجي يَأْمُرهُ بحض النَّاس على الطَّاعَة وَلُزُوم الْجَمَاعَة

وَلما نهضوا من تانسيفت جعلُوا طريقهم على ثنية الكلاوي ثمَّ على درعة ودخلوا القفر والفيافي فقطعوها فِي مائَة مرحلة وَلم يضع لَهُم عقال بعير وَلَا نقص مِنْهُم أحد فنزلوا على مَدِينَة تنبكتو ثغر السودَان فأراحوا بهَا أَيَّامًا

ص: 121

ثمَّ صَارُوا قَاصِدين دَار إِسْحَاق سكية وَلما سمع بقدومهم احتشد أُمَم السودَان وقبائلها وقبائل الملثمين المهادنين لَهُم وَخرج من مَدِينَة كاغو يجر الشوك والمدر يُقَال إِنَّه جمع مائَة ألف مقَاتل وَأَرْبَعَة آلَاف مقَاتل

وَقَالَ الفشتالي وَلم يقنع بالجيوش الَّتِي جمع حَتَّى أضَاف إِلَيْهَا أَشْيَاخ السَّحَرَة وَأهل النفث فِي العقد وأرباب العزائم والسيمياء ظنا مِنْهُ أَن ذَلِك يُغْنِيه شَيْئا وهيهات وَيرْحَم الله أَبَا تَمام إِذْ قَالَ فِيمَا يقرب من هَذَا الْحَال

(السَّيْف أصدق إنباء من الْكتب

فِي حَده الْحَد بَين الْجد واللعب)

(بيض الصفائح لَا سود الصحائف فِي

متونهن جلاء الشَّك والريب)

(وَالْعلم فِي شهب الأرماح لامعة

بَين الخميسين لَا فِي السَّبْعَة الشهب)

(أَيْن الرِّوَايَة بل أَيْن النُّجُوم وَمَا

صاغوه من زخرف فِيهَا وَمن كذب)

(تخرصا وأحاديثا ملفقة

لَيست بنبع إِذا عدت وَلَا غرب)

وَلما تقَارب الْجَمْعَانِ عبأ الباشا جؤذر عساكره وَتقدم للحرب فدارت بهم عَسَاكِر السودَان من كل جِهَة وعقلوا أَرجُلهم مَعَ الْإِبِل وصبروا مَعَ الضُّحَى إِلَى الْعَصْر وَكَانَت سِلَاحهمْ إِنَّمَا هِيَ الحرشان الصغار والرماح وَالسُّيُوف وَلم تكن عِنْدهم هَذِه المدافع فَلم تغن حرشانهم ورماحهم مَعَ البارود شَيْئا وَلما كَانَ آخر النَّهَار هبت ريح النَّصْر وَانْهَزَمَ السودَان فَوَلوا الأدبار وَحقّ عَلَيْهِم الْبَوَار وحكمت فِي رقابهم سيوف جؤذر وجنده حَتَّى كَانَ السودَان ينادون نَحن مُسلمُونَ نَحن إخْوَانكُمْ فِي الدّين وَالسُّيُوف عاملة فيهم وجند جؤذر يقتلُون ويسلبون فِي كل وَجه وفر إِسْحَاق فِي شرذمة من قومه وَلم يدْخل قلعة ملكه وَتقدم جؤذر فَدَخلَهَا واحتوى على مَا فِيهَا من الْأَمْوَال وَالْمَتَاع وَكَانَ ذَلِك منتصف جُمَادَى الأولى من سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَيُقَال إِن جؤذرا لم يدْخل مَدِينَة كاغو وَإِنَّمَا تحصن بهَا إِسْحَاق فحاصره جؤذر فِيهَا وَكتب إِلَى الْمَنْصُور بِخَبَر الْفَتْح وَبعث إِلَيْهِ بهدية فِيهَا عشرَة آلَاف مِثْقَال ذَهَبا ومائتان من خِيَار الرَّقِيق وَغير ذَلِك وامتدت العساكر المنصورة فِي بِلَاد آل سكية تعيث وتفسد وَتَسْبِي وتغنم إِلَى أَن راسل إِسْحَاق الباشا جؤذرا فِي تَقْرِير الصُّلْح على مَال معِين يَدْفَعهُ الْآن وضريبة يُؤَدِّيهَا كل سنة

ص: 122

فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك على مشورة الْمَنْصُور وإمضائه إِيَّاه ثمَّ كتب إِلَى الْمَنْصُور بذلك وَكَانَت العساكر قد أصابتها الْحمى ووخامة تِلْكَ الأَرْض فاتفق رَأْي الْأُمَرَاء على الرُّجُوع وَالْإِقَامَة بتنبكتو إِلَى أَن يَأْتِي جَوَاب الْمَنْصُور فَرَجَعُوا وَأخذ جؤذر فِي إنْشَاء الغلائط والسفن وتركيبها وَلما أكملها دَفعهَا فِي النّيل وَلما بلغ الْمَنْصُور خبر الصُّلْح قَامَ وَقعد وَقوم عسكرا خَفِيفا وَبعث بِهِ مَعَ مَمْلُوكه الآخر مَحْمُود باشا وَهُوَ أَخُو جؤذر وقلده أَمر العساكر كلهَا وعزل جؤذرا عَنْهَا وَأمر مَحْمُودًا أَن يبقيه مَعَه وَكتب إِلَى أُمَرَاء الْعَسْكَر يعاتبهم يوبخهم على مَا فَعَلُوهُ مَعَ إِسْحَاق من الصُّلْح ويؤكد عَلَيْهِم فِي الرُّجُوع إِلَى بِلَاده واتباعه حَيْثُمَا توجه وَلَو عبر النّيل إِلَى العدوة الْأُخْرَى وَخرج مَحْمُود باشا فِيمَن عين لَهُ من الْعَسْكَر فِي زمَان الْحر فِي وَقت لَا يقدر على الْحَرَكَة فِيهِ إِلَّا القطا الكدري وَقطع القفر فِي خمسين مرحلة أَمر لم يسمع بِمثلِهِ وَنزل بالعساكر على ظَاهر تنبكتو على رَأس سنة الْألف فأراح بهَا ثَلَاثًا ثمَّ شحن الغلائط والسفن والفلك بالرؤساء والملاحين ووجوه الْجند فَسَارُوا فِي النّيل وَسَار السوَاد الْأَعْظَم فِي الْبر إِلَى أَن نزلُوا على مَدِينَة كاغو قَاعِدَة ملك إِسْحَاق سكية وَكَانَ إِسْحَاق لما رجعت عَنهُ العساكر إِلَى تنبكتو احتشد أُمَم السودَان المجاورين لَهُ وتذامروا وأصفقوا مَعَه على الْمَوْت فَلَمَّا بلغه رُجُوع العساكر إِلَى كاغو قصدهم فِي جموعه وَلما التقى الْجَمْعَانِ لم يكن إِلَّا مِقْدَار فوَاق نَاقَة حَتَّى انهزم السودَان من سَماع رعد المدافع والمهاريس وارتفاع القنابل فِي الجو وهدير الطبول وتبعتهم العساكر يقتلُون وَيَأْسِرُونَ إِلَى أَن غشيهم ظلم اللَّيْل وَرَجَعُوا بالغنائم والسبي فاستراحوا ثَلَاثًا ثمَّ أَمر مَحْمُود أَخَاهُ جؤذرا أَن يُقيم بِمَدِينَة كاغو عَامِرًا لَهَا وَيتْرك مَعَه عددا من الْعَسْكَر يكون ردْءًا لَهُم وَسَار هُوَ فِي اتِّبَاع إِسْحَاق إِلَى أَن لحقه بِبَعْض الْجِهَات فأوقع بِهِ وقْعَة شنعاء وفر فِي فل من قومه فَعبر النّيل إِلَى العدوة الْأُخْرَى وَتَبعهُ مَحْمُود فَعبر النّيل بعساكره فِي السفن وَسَار خَلفه إِلَى أَن لحقه فأوقع بِهِ وقْعَة ثَالِثَة احتوى فِيهَا على مَا مَعَه من المَال والحريم وَدخل إِسْحَاق القفر فَهَلَك فِيهِ ثمَّ كَانَت لمحمود وقْعَة أُخْرَى مَعَ أَخِيه الَّذِي كَانَ ينازعه فِي

ص: 123

الْملك فَإِنَّهُ قَامَ بعد مهلك أَخِيه وَجمع الجموع وزحف إِلَى مَحْمُود باشا فَنَهَضَ إِلَيْهِ مَحْمُود فَهَزَمَهُ وَقَتله فِيمَن مَعَه من جنده وَأَتْبَاعه وتمهدت لَهُ الْبِلَاد وَاسْتولى عَلَيْهَا اسْتِيلَاء كليا وَكتب بِخَبَر الْفَتْح إِلَى الْمَنْصُور

وَلما بلغه هَذَا الْفَتْح وَصورته كَانَ عِنْده ذَلِك الْيَوْم عيدا من الأعياد أخرج فِيهِ الصَّدقَات وَأعْتق الرّقاب وَأقَام مهرجانا عَظِيما بِظَاهِر الحضرة خرج لَهُ عَامَّة النَّاس للفرجة والنزهة وزينت الْأَسْوَاق وأخرجت المدافع بالنفط وتسابقت الْخُيُول وَأطْعم الْمَنْصُور النَّاس عدَّة أَيَّام ونظم الشُّعَرَاء قصائدهم وَرفعُوا أمداحهم وَأَجَازَهُمْ بِمَا تحدث النَّاس بِهِ دهرا وَكتب بِخَبَر الْفَتْح وَصورته نسخ وجهت إِلَى جَمِيع الْآفَاق وَكَانَ مِمَّا قيل فِي ذَلِك من الشّعْر مَا أنْشدهُ الْكَاتِب أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز الفشتالي فَقَالَ

(جَيش الصَّباح على الدجا متدفق

فبياض ذَا السوَاد ذَلِك يمحق)

(وَكَأَنَّهُ رايات عسكرك الَّتِي

طلعت على السودَان بيضًا تخفق)

(لاحت وأفقهم لَيَال كُله

كعمود صبح فِي الدجا يتألق)

(نشرت لتطوي مِنْهُ لَيْلًا دامسا

أضحى بسيفك ذِي الفقار يمزق)

(أرسلتهن جوائحا وجوارحا

فِي كل مخلبها غراب ينعق)

(وسرت فَكَانَ دليلهن إِلَيْهِم

مشحوذ عزمك والسنان الْأَزْرَق)

(لهي اللَّيَالِي قد جلى أحلاكها

نور النُّبُوَّة من جبينك يشرق)

(صعِقَتْ بِهن رعود نارك صعقة

رجت لصيحتها الْعرَاق وجلق)

(سحقا لإسحاق الشقي وَحزبه

فَلَقَد غَدا بِالسَّيْفِ وَهُوَ مطوق)

(رام النجَاة وَكَيف ذَاك وَخَلفه

من جَيش جؤذرك الغضنفر فيلق)

(جَيش أواخره ببابك سيله

عرم وأوله بكاغو محدق)

(لم يشعروا إِلَّا وأسوار الردى

ضربت عَلَيْهِم من قناك وَخَنْدَق)

(كتب الْإِلَه على عداتك أَنهم

قنص لسهمك غربوا أَو شرقوا)

(ضلت مُلُوك ساجلوك على الْعلَا

سفها وشأوك فِي الْعلَا لَا يلْحق)

(أَن يشبهوك وَلَا شَبيه يرى لكم

فِي الْخلق أَيْن من اللجين الزئبق)

(بشر مُلُوك الأَرْض أَنَّك فاتح

بالمشرفي على الولا مَا غلقوا)

ص: 124

(وبقاصل لَك ذِي الفقار مفرق

مَا جَمَعُوهُ وجامع مَا فرقوا)

(دَامَت طيور السعد وَهِي غوارد

بالمشتهى لَك والمسرة تنطق)

(مَا دَامَ أصل علاك فِي صحف الثنا

أصل الفخار وكل غَيْرك مُلْحق)

والمشتهى والمسرة بستانان للمنصور ورى بهما هَذَا الشَّاعِر وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِمَا وَكَانَ مَحْمُود باشا لما استوسق لَهُ الْأَمر هُنَالك بعث بِنصْف جَيْشه إِلَى الْمَنْصُور مَعَ هَدِيَّة عَظِيم فِيهَا من الذَّخَائِر مَا لَا يُحْصى من ذَلِك ألف ومائتان من متخير الرَّقِيق الْجَوَارِي والغلمان وَأَرْبَعُونَ حملا من التبر وَأَرْبَعَة سروج ذَهَبا خَالِصا وأحمال كَثِيرَة من اليانبور وقطوط الغالية وَغير ذَلِك وَلما وافت الْمَنْصُور سر بذلك سُرُورًا عَظِيما وَأمر بِعَمَل المفرحات فِي بِلَاد الْمغرب وبتزيين الْأَسْوَاق غدْوَة وَعَشِيَّة ثَلَاثَة أَيَّام ووفدت عَلَيْهِ الْوُفُود من كل نَاحيَة مهنئين لَهُ بِمَا منحه الله من الظفر والنصر وانتظمت الممالك السودانية فِي سلك طَاعَته مَا بَين الْبَحْر الْمُحِيط من أقْصَى الْمغرب إِلَى بِلَاد برنو المتاخمة لبلاد النّوبَة المتاخمة لصعيد مصر قَالَ الفشتالي فكلمة الْمَنْصُور نافدة فِيمَا بَين بِلَاد النّوبَة إِلَى الْبَحْر الْمُحِيط من نَاحيَة الْمغرب وَهَذَا ملك ضخم وسلطان فخم لم يكن لمن قبله وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء وَلما فتح الله عَلَيْهِ ممالك الْبِلَاد السودانية حمل إِلَيْهِ من التبر مَا يعيى الحاسبين ويحير الناظرين حَتَّى كَانَ الْمَنْصُور لَا يُعْطي فِي الرَّوَاتِب إِلَّا النضار الصافي وَالدِّينَار الوافي وَكَانَ بِبَابِهِ كل يَوْم أَربع عشرَة مائَة مطرقة لضرب الدِّينَار الوافي دون مَا هُوَ معد لغير ذَلِك من صوغ الأقراط والحلى وَشبه ذَلِك وَلأَجل هَذَا لقب بالذهبي لفيضان الذَّهَب فِي أَيَّامه والأمور كلهَا بيد الله

ص: 125