الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمغرب وَبعث إِلَيْهِ بذلك رَسُولا فِي الْبَحْر فَانْتهى إِلَى الجزائر وَمِنْهَا قدم إِلَى مراكش فِي الْبر وَلما وصل إِلَى السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ أنزلهُ على كَبِير الأتراك فِي محلته صَالح باي الْمَعْرُوف بالكاهية وَكَانَ هَؤُلَاءِ الأتراك قد انحاشوا إِلَى الشَّيْخ من بقايا القادمين مَعَ أبي حسون فضمهم إِلَيْهِ وجعلهم جندا على حِدة وَسَمَّاهُمْ اليكشارية بِالْيَاءِ ثمَّ الْكَاف ثمَّ الشين وَهُوَ لفظ تركي مَعْنَاهُ الْعَسْكَر الْجَدِيد وَلما قَرَأَ السُّلْطَان أَبُو عبد الله الشَّيْخ كتاب السُّلْطَان سُلَيْمَان وَوجد فِيهِ أَنه يَدْعُو لَهُ على مَنَابِر الْمغرب وَيكْتب اسْمه على سكته كَمَا كَانَ بَنو وطاس حمى أَنفه وأبرق وأرعد وأحضر الرَّسُول وأزعجه فَطلب مِنْهُ الْجَواب فَقَالَ لَا جَوَاب لَك عِنْدِي حَتَّى أكون بِمصْر إِن شَاءَ الله وَحِينَئِذٍ أكتب لسلطان القوارب فَخرج الرَّسُول من عِنْده مذعورا يلْتَفت وَرَاءه إِلَى أَن وصل إِلَى سُلْطَانه وَكَانَ من أمره مَا نذكرهُ
قدوم طَائِفَة التّرْك من عِنْد السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني واغتيالهم للسُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ رحمه الله
لما خرج رَسُول السُّلْطَان سُلَيْمَان العثماني من عِنْد السُّلْطَان أبي عبد الله الشَّيْخ وَوصل إِلَى الجزائر ركب الْبَحْر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَانْتهى إِلَيْهَا وَاجْتمعَ بالوزير الْمَعْرُوف عِنْدهم بالصدر الْأَعْظَم وَأخْبرهُ بِمَا لَقِي من سُلْطَان الْمغرب فأنهى الْوَزير ذَلِك إِلَى السُّلْطَان سُلَيْمَان فَأمره أَن يُهَيِّئ الْعِمَارَة والعساكر لغزو الْمغرب فَاجْتمع أهل الدِّيوَان وكرهوا توجيهها وَاتفقَ رَأْيهمْ على أَن عينوا اثْنَي عشر رجلا من فتاك التّرْك وبذلوا لَهُم اثْنَي عشر ألف دِينَار وَكَتَبُوا لَهُم كتابا إِلَى صَالح الكاهية كَبِير عَسْكَر الشَّيْخ ووعدوه بِالْمَالِ والمنصب إِن هُوَ نصح فِي اغتيال الشَّيْخ وتوجيه رَأسه مَعَ القادمين عَلَيْهِ
وَفِي النزهة أَن صَالحا هَذَا كَانَ من ترك الجزائر جَاءَ فِي جملَة
الطَّائِفَة الموجهين لاغتيال الشَّيْخ وَالله أعلم ثمَّ دخل الْوَزير على السُّلْطَان سُلَيْمَان وَاعْتذر إِلَيْهِ عَن تَوْجِيه الْعِمَارَة وَقَالَ هَذَا أَمر سهل لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تَقْوِيم عمَارَة وَهَذَا المغربي الَّذِي أَسَاءَ الْأَدَب على السُّلْطَان يَأْتِي رَأسه إِلَى بَين يَديك فاستصوب رَأْيهمْ وشكر سَعْيهمْ وَأمر بتوجيه الْجَمَاعَة الْمعينَة فِي الْبَحْر إِلَى الجزائر وَمِنْهَا يتوجهون إِلَى مراكش فِي الْبر فَفَعَلُوا وَلما وصلوا إِلَى الجزائر هيؤوا أسبابا واشتروا بغالا وَسَارُوا إِلَى فاس فِي هَيْئَة التُّجَّار فباعوا بهَا أسبابهم وتوجهوا إِلَى مراكش وَلما اجْتَمعُوا بِصَالح الكاهية أنزلهم عِنْده ودبر الْحِيلَة فِي أَمرهم إِلَى أَن تَوَجَّهت لَهُ
وَفِي النزهة أَن هَؤُلَاءِ الأتراك خَرجُوا من الجزائر إِلَى مراكش مظهرين أَنهم فروا من سلطانهم وَرَغبُوا فِي خدمَة الشَّيْخ والاستيجار بِهِ ثمَّ إِن صَالحا الكاهية دخل على السُّلْطَان أبي بعد الله الشَّيْخ وَقَالَ يَا مولَايَ إِن جمَاعَة من أَعْيَان جند الجزائر سمعُوا بمقامنا عنْدك ومنزلتنا مِنْك فرغبوا فِي جوارك والتشرف بخدمتك وَلَيْسَ فَوْقهم من جند الجزائر أحد وهم إِن شَاءَ الله السَّبَب فِي تَملكهَا فَأمره بإدخالهم عَلَيْهِ وَلما مثلُوا بَين يَدَيْهِ رأى وُجُوهًا حسانا وأجساما عظاما فأكبرهم ثمَّ ترجع لَهُ صَالح كَلَامهم فأفرغه فِي قالب الْمحبَّة والنصح وَالِاجْتِهَاد فِي الطَّاعَة والخدمة حَتَّى خيل إِلَى الشَّيْخ أَنه قد حصل على ملك الجزائر فَأمره بإكرامهم وَأَن يعطيهم الْخَيل وَالسِّلَاح ويكونوا يدْخلُونَ عَلَيْهِ مَعَ الكاهية كلما دخل فَكَانُوا يدْخلُونَ عَلَيْهِ كل صباح لتقبيل يَده على عَادَة التّرْك فِي ذَلِك
وَصَارَ الشَّيْخ يبْعَث بهم إِلَى أَشْيَاخ السوس مناوبة فِي الْأُمُور المهمة ليتبصروا فِي الْبِلَاد ويعرفوا النَّاس وَكَانَ يُوصي الْأَشْيَاخ بإكرام من قدم عَلَيْهِم مِنْهُم وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى أَن أمكنتهم فِيهِ الفرصة وَهُوَ فِي بعض حركاته بجبل درن بِموضع يُقَال لَهُ آكلكال بِظَاهِر تارودانت فولجوا عَلَيْهِ خباءه لَيْلًا على حِين غَفلَة من العسس فَضربُوا عُنُقه بشاقور ضَرْبَة أبانوا بهَا رَأسه وَاحْتَمَلُوهُ فِي مخلاة ملؤوها نخالة وملحا وخاضوا بِهِ أحشاء الظلماء وسلكوا طَرِيق درعة وسجلماسة كَأَنَّهُمْ أرسال تلمسان لِئَلَّا يفْطن بهم أحد من
أهل تِلْكَ الْبِلَاد ثمَّ أدركوا بِبَعْض الطَّرِيق فقاتلت طَائِفَة مِنْهُم حَتَّى قتلوا وَنَجَا الْبَاقُونَ بِالرَّأْسِ وَقتل مَعَ الشَّيْخ تِلْكَ اللَّيْلَة الْفَقِيه مفتي مراكش أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي بكر السكتاني وَالْكَاتِب أَبُو عمرَان الوجاني
وَلما شاع الْخَبَر بِأَن التّرْك قتلوا السُّلْطَان واستراب النَّاس بِجَمِيعِ من بَقِي مِنْهُم بالمغرب أغلق إخْوَانهمْ الَّذين كَانُوا بتارودانت أَبْوَابهَا واقتسموا الْأَمْوَال واستعدوا للحصار وَلما بُويِعَ ابْنه الْغَالِب بِاللَّه وَقدم من فاس نَهَضَ فِي العساكر إِلَى تارودانت للأخذ بثأر أَبِيه من التّرْك الَّذين بهَا فَحَاصَرَهُمْ مُدَّة وَلما لم يقدر مِنْهُم على شَيْء أعمل الْحِيلَة بِأَن أظهر الرحلة عَنْهُم وأشاع أَنه رَاجع إِلَى فاس لثائر قَامَ بهَا وَلما أبعد عَنْهُم مسيرَة يَوْم خَرجُوا فِي اتِّبَاعه لَيْلًا والعيون مَوْضُوعَة عَلَيْهِم بِكُل جِهَة إِلَى أَن شارفوا محلّة السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه فعطف عَلَيْهِم وَلما لم يُمكنهُم الرُّجُوع إِلَى تارودانت تحيزوا إِلَى الْجَبَل وبنوا بِهِ قياطنهم وَجعلُوا عَلَيْهَا المتارزات من الْأَحْجَار وتحصنوا بهَا وأحاطت بهم العساكر من كل جِهَة فَقَاتلُوا إِلَى أَن فنوا عَن آخِرهم وَلم يُؤْخَذ مِنْهُم أَسِير وَقتلُوا من محلّة الْغَالِب بِاللَّه ألفا وَمِائَتَيْنِ وَأما الَّذين نَجوا بِالرَّأْسِ فَانْتَهوا إِلَى الجزائر وركبوا الْبَحْر مِنْهَا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فأوصلوا الرَّأْس إِلَى الصَّدْر الْأَعْظَم وَأدْخلهُ على السُّلْطَان سُلَيْمَان فَأمر بِهِ أَن يَجْعَل فِي شبكة نُحَاس ويعلق على بَاب القلعة فَبَقيَ هُنَالك إِلَى أَن شفع فِي إنزاله وَدَفنه ابناه عبد الْملك المعتصم وَأحمد الْمَنْصُور حِين قدما الْقُسْطَنْطِينِيَّة على السُّلْطَان سليم بن سُلَيْمَان مستعديين لَهُ على ابْن أخيهما المسلوخ كَمَا يَأْتِي وَكَانَ مقتل الشَّيْخ رحمه الله يَوْم الْأَرْبَعَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَلما بلغ خبر مَقْتَله إِلَى خَلِيفَته بمراكش الْقَائِد أبي الْحسن عَليّ بن أبي بكر آزناك بَادر بقتل أبي الْعَبَّاس الْأَعْرَج المخلوع وَأَوْلَاده ذُكُورا وإناثا كبارًا وصغارا خشيَة أَن يُخرجهُ أهل مراكش فيبايعوه وَلما قتلوا لم يتجرأ أحد على دفنهم فبقوا مصرعين حَتَّى دفنهم الشَّيْخ أَبُو عَمْرو القسطلي الْوَلِيّ الشهير بمقربة من ضريح الشَّيْخ الْجُزُولِيّ وَهِي الْقبَّة الَّتِي قرب الضريح الْمَذْكُور تسمى قُبُور الْأَشْرَاف وَأما السُّلْطَان أَبُو عبد الله الشَّيْخ