الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشهد لهذا والله أعلم قوله تعالى: "أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ"
وقوله تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا"
فقد وضح طريقك وفاز بالفلاح حزبك وفريقك "ولا تركنوا إلى الذين
ظلموا"
فقد عرفتم سبيلهم ومصيرهم فقد بان طريق الحق.
كيف تنكب من حُرم سلوكَه من الخلق. ونظير قوله سبحانه: "وجاءك في
هذه الحق " عقب ما ذكر سبحانه "لمن الملك اليوم"
وقوله تعالى: "يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ"
فتأمل ذلك والله المستعان.
سورة يوسف
عليه السلام
هذه السورة من جملة ما قص عليه عليه السلام من أنباء الرسل وأخبار من
تقدمه مما فيه التثبيت الممنوح في قوله تعالى: "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك "، ومما وقعت الإحالة عليه في سورة الأنعام كما
تقدم، وإنما أفردت على حدتها ولم تنسق على قصص الرسل مع أممهم في سورة واحدة لمفارقة مضمونها تلك القصص، ألا ترى أن تلك قصص إرسال من تقدم ذكرهم عليهم السلام كيفية تلقي قومهم لهم وإهلاك مكذبيهم، ْ أما هذه القصة فحاصلها فرج بعد شدة، وتعريف بحسن عاقبة الصبر، فإنه تعالى امتحن يعقوب عليه السلام بفقد ابنيه وبصره وشتات بنيه، وامتحن يوسف عليه السلام بالجب والبيع وامرأة العزيز وفقد الأب والأخوة والسجن، ثم امتحن جميعهم بشمول الضرر وقلة ذات اليد "مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ"
ثم تداركهم الله بإلفهم وجمع كلهم ورد بصر أبيهم وائتلاف قلوبهم
ورفع ما نزغ به الشيطان، وخلاص يوسف عليه الصلاة والسلام من كيد
من كاده واكتنافه بالعصمة وبراءته عند الملك، وكل ذلك مما أعقبه جيل الصبر، وجلالة اليقين في حسن تلقي الأقدار بالتفويض والتسليم على توالي الامتحان وطول المدة، ثم انجر في أثناء هذه القصة الجليلة إثابة امرأة العزيز ورجوعها إلى الحق وشهادتها ليوسف عليه السلام بما منحه الله من النزاهة عن كل ما يشين، ثم استخلاص العزيز إياه إلى ما أنجز في هذه القصة الجليلة من العجائب والعبر، "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ".
فقد انفردت هذه القصة بنفسها وتناسب ما ذكر منْ قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام، وما جرى من أممهمْ، فلهذا فصِلت عنهم.
سورة برأسها إلى عاقبة من صبر ورضى وسلم ليتنبه المؤمنون على ما في طي ذلك، وقد صرح لهم بما أجملته هذه السورة من الإشارة في قوله تعالى:"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا"
وكانت قصة يوسف عليه السلام ، بجملتها أشبه شىء بحال المؤمنين في
مكابدتهم في أول الأمر وهجرتهم وتشتتهم مع قومهم، وقلة ذات أيديهم إلى أن جمع الله شملهم "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا"
وأورثهم الأرض وأيدهم ونصرهم، ذلك. بجليل إيمانهم وعظيم صبرهم.
فهذا ما أوجب تجرد هذه القصة عن تلك القصص والله أعلم، وأما تأخر
ذكرها عنها فمناسب لحالها، ولأنها إخبار بعاقبة من آمن واتعظ ووقف عند ما حُد له فلم يضره ما كان، ولم تُذكر إثر قصص الأعراف لما بقي من استيفاء تلك القصص الحاصل ذلك في سورة هود، ثم إن ذكر أحوال المؤمنين مع من كان معهم من المنافقين وصبرهم عليهم مما يجب أن يتقدم ويعقب بهذه القصة من حث عاقبة الصبر والحض عليه كما مر فأخرت إلى عقب سورة هود عليه السلام لمجموع هذا والله تعالى أعلم.
ثم ناسبت سورة يوسف أيضا أن تذكر إثر قوله تعالى: "إن الحسنات
يذهبن السيئات " وقوله: "واصبر فإن الله لا يضيع أمر المحسنين "
وقوله: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة الآية " وقوله "وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون "
فتدبر ذلك.
أما نسبتها للآية الأولى فإن ندم إخوة يوسف واعترافهم بخطإ فعلهم وفضل يوسف عليهم "لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ"
وعفوه عنهم "لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ"، وندم
امرأة العزيز وقولها "الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ
…
الآية" كل هذا من باب
إذهاب الحسنة السيئة، وكأن ذلك مثال لما عرف المومنون من إذهاب الحسنة
السيئة، وأما نسبة السورة لقوله تعالى:"واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "
فإن هذا أمر منه سبحانه لنبيه عليه السلام بالصبر على قومه، فأتبع
بحال يعقوب ويوسف عليهما السلام، وما كان من صبرهما مع طول المدة وتوالي امتحان يوسف عليه السلام بالجب ومفارقة الأب والسجن حتى خلصه الله أجمل خلاص بعد طول تلك المشقات، ألا ترى قول نبينا عليه الصلاة والسلام ، وقد ذكر يوسف عليه السلام فشهد له بجلالة الحال، وعظيم الصبر فقال:"ولو لبثت في السجن ما لبث أخي يوسف لأجبت الداعي "، فتأمل عذره له عليهما السلام وشهادته بعظيم قدر يوسف "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ".
لما قيل له عليه السلام "واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "
أتبع بحال يعقوب ويوسف من المحسنين، "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" إلى قوله "وكذلك نجزي المحسنين ".
وقد شملت الآية ذكر يعقوب ويوسف عليهما السلام ، ونبينا عليه
الصلاة والسلام قد أمر بالاقتداء في الصبر بهم، وقيل له "فاصبر كما
صبر أولو العزم من الرسل "
ويوسف عليه السلام من أولي العزم (صلى الله عليهم أجمعين.