الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإظلام لارتياب الخواطر والأفهام، ثم أتبع ذلك بتسليته عليه السلام
بالقصص الواقعة بعد تنشيطا له وتعريفاً بعلو منصبه، وإطلاعا له على
عجيب صنعه تعالى فيمن تقدم، ثم ختمت السورة بذكر أهل القيامة
وبعض ما بين يديها والإشارة إلى الجزاء ونجاة المؤمنين، وتهديد من تنكب عن سبيله عليه السلام.
سووة القصص
لما تضمن قوله سبحانه: "إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ" إلى آخر السورة من التخويف والترهيب
والإنذار والتهديد ما انجر معه الإشعار بأنه عليه السلام سيملك مكة ويفتحها
تعالى عليه، ويذل عتاة قريش ومتمرديهم، ويعز أتباع رسوله عليه السلام ومن استضعفته قريش من المؤمنين، أتبع سبحانه ذلك بما قصه على نبيه من نظير ما
أشار إليه في قصة بني إسرائيل وابتداء امتحانهم بفرعون واستيلائه عليهم وفتكه بهم إلى أن أعزهم الله وأظهرهم على عدوهم وأورثهم أرضهم وديارهم.
ولهذا أشار تعالى في كلا القصتين بقوله في الأولى: "سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا"
وبقوله في الثانية: "وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ".
ثم قص ابتداء أمر فرعون واستعصامه بقتل ذكور الأولاد، ثم لم يغن
ذلك عنه من قدر الله شيئا، ففي حاله عبرة لمن وفق للاعتبار، ودليل أنه سبحانه أنه المنفرد بملكه يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء لا ينازعه نازع ولا يمنعه عما يشاء مانع "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ"، وقد أفصح قوله تعالى:"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ"
بما أشار إليه مجملا ما أوضحنا اتصاله من خاتمة النمل وفاتحة القصص ونحن.
نزيده بيانا بذكر لمع من تفسير ما قصد التحامه فنقول: إن قوله تعالى
معلما لنبيه صلى الله عليه وسلم وآمراً "إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا"
إلى قوله: "وقل الحمد لله سيريكم آياته "
لا خفاء بما تضمن ذلك من التهديد وشديد الوعيد. ثم في قوله: "رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ".
أشار أنه عليه السلام سيفتحها ويملكها لأنها بلدة ربه وملكه وهو عبده
ورسوله، وقد اختصه برسالته وله كل شىء، فالعباد والبلاد ملكه، ففي هذا من الإشارة مثل ما في قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ "
وقوله: "وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ".
أي ليسمعوه فيتذكر من سبقت له السعادة ويلحظ سنة الله في العباد والبلاد، ويسمع ما جرى لمن عاند وعتا، وكذب واستكبر، كيف وقصه الله وأخذه ولم يغن عنه حذره، وأورث مستضعف عباده أرضه ودياره، ومكن لهم في الأرض، وأعز رسله وأتباعهم، "نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون "
أي يصدقون ويعتبرون ويستدلون فيستوضحون وقوله: "سيريكم آياته"
يشير إلى ما حل بهم يوم بدر، وبعد ذلك إلى يوم فتح مكة، وإذعان من لم
يكن يظن انقياده، وإهلاك من ظن تمرده وعناده وانقياد العرب بجملتها بعد
فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجا، وعزة أقوام وذلة آخرين بحاكم " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " (الحجرات: 13)
إلى فتح الله على الصحابة (رضوان الله عليهم) ما وعدهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، فكان كما وعد.
فلما تضمنت (هذه الآي ما أشير إليه أعقب بما هو في قوة أن لو قيل
ليس عتوكم بأعظم من عتو فرعون وآله، ولا حال مستضعفى المؤمنين بمكة ممن
قصدتم فتنته في دينه، بدون حال بني إسرائيل حين كان فرعون يمتحنهم
بذبح أبنائهم، فهلا تأملتم عاقبة الفريقين وسلكتهم أنهج الطريقين "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" إلى قوله:"فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون "(غافر: 82)، فلو تأملتم ذلك لعلمتم أن العاقبة للمتقين فقال سبحانه بعد افتتاح السورة "إن فرعون علا في الأرض " (آية: 4) ، ثم ذكر من خبره ما فيه عبرة، وذكر سبحانه آياته الباهرة في أمر موسى عليه السلام وحفظه ورعايته وأخذ أم عدوه إياه "عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا" (آية: 9) فلم يذبح الأبناء خيفة من مولود يهتك ملكه حتى إذا كان ذلك المولود تولى بنفسه تربيته وحفظه وخدمته ليعلم لمن التدبير والإمضاء، كيف يقود سابق الحكم والقضاء فهلا سألت قريش وسمعت وفكرت واعتبرت "أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى: " (طه: 133) .
ثم أتبع سبحانه ذلك بخروج موسى عليه السلام من أرضه "فخرج منها
خائفا يترقب " (آية: 21) وما ناله عليه السلام في ذلك الخروج من عظيم
السعادة، وفي ذلك شبهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على خروجه من مكة وتعزية له، وإعلام بأنه تعالى سيعيده إلى بلده ويفتحه عليه، وبهذا المستشعر من هنا صرح آخر السورة في قوله تعالى:"إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"
وهذا كاف فيما قصد.